الخميس، 4 يونيو 2015

فدك

فدك
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الابرار.
أتشرف في هذا المبحث بطرح موضوع فدك ،ومن الله التوفيق :ـ
" فدك ": بفتح الفاء والدال المهملة بعدها كاف
قيل ان هذه التسمية نسبة إلى فدك بن حام بن نوح عليه السلام وهو مؤسسها ...
وهي قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة وهي أرض كان يسكنها طائفة من اليهود حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النصف من فدك ، وروى أنه صالحهم عليها فصارت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ثم قدمها لابنته الزهراء (عليها السلام) وكانت بيدها في عهد أبيها وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وكانت وضعت عليها وكيلا عنها فانتزعها الخليفة الأول وطرد وكيلها ولما تولى عمر الخلافة ردها إلى ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما ولي عثمان بن عفان أقطعها مروان بن الحكم فلما صار الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان ثلثها، وعمر بن عثمان ثلثا، ويزيد ابنه ثلثها الآخر، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت لمروان بن الحكم أيام ملكه ثم صفت لعمر بن عبد العزيز بن مروان، فلما ولي الأمر ردها لولد فاطمة (عليها السلام)، ثم انتزعها يزيد ابن عبد الملك من أولاد فاطمة وظلت في أيدي بني مروان حتى انقرضت دولتهم.فلما تقلد الخلافة أبو العباس السفاح ردها على عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي (ع) ثم قبضها أبو جعفر الدوانيقي في خلافته من بني الحسن(عليه السلام) ، وردها المهدي بن الدوانيقي على الفاطميين، ثم انتزعها موسى بن المهدي من أيديهم، ثم ردها المأمون عليهم سنة مائتين وعشرة ولما بويع المتوكل انتزعها منهم وأقطعها عبد الله بن عمر البازيار من أهل طبرستان. وردها المعتضد، وحازها المكتفي، وقيل إن المقتدر ردها عليهم وكان فيها بضعة عشر نخلة غرسها رسول الله بيده.
وردت أخبارها في عصر ما قبل الميلاد في عهد نابونيدس الملك البابلي ... وهي ضمن المدن التي احتلها أحد ملوك بابل عام 566 ق.م ... ونشأتها تعود إلى بداية الإنسانية وتعاقب عليها من الأمم العربية البائدة والباقية فقد عايشت إنسان ما قبل التاريخ الذي ظهرت آثاره على سفوح جبالها فترى رسوم الوعول والحيوانات وخطوط المسند والعربي والكتابات الإسلامية والكوفية بالإضافة إلى قصورها التي بنيت من الصخور الضخمة ووجود القلاع العملاقة والحصون الموغلة... فعندما تتجول في حاراتها والأودية المجاورة لها ترى آثار الأسوار وفوهات الآبار مطمورة تحت الأرض وكذلك المقابر التي لم يكتشف تاريخها بعد ...
وقد استوطنها الكثير من الاقوام مثل : ثمود والفنيقيون والبابليون والعمالقة واليهود وبنو هلال وبنو سليم وكلاب وأشجع ...
تتنوع تضاريس فدك تنوعاً محدوداً حيث الرمال والصخور السوداء المضيئة و الحرار التي تغطي معظم أرضها تشقها الأودية المشكلة للروافد الغربية لوادي الرمة الشهير أكبر وأعظم الأودية بالسعودية بالإضافة إلى الواحات ذات التربة الخصبة والقيعان والروضات وأشجار الطلح والسلم وكذلك الجبال العالية والمتوسطة ثم السهول شرقي الحرة وترتفع عن سطح البحر بحوالي 1300 م تتدرج بالارتفاع كلما اتجهنا نحو الغرب حيث الجبل الأبيض جبل البرد والهواء الطلق ... وتربتها خصبة صالحة للزراعة ...
حاول بعض الحكام واتباعهم تغيير اسمها كثيرا فأطلقوا عليها اسم مدينة الحصون والأسوار ..وأخيرا قام آل سعود بعد استيلائهم على حكومة نجد والحجاز بتغيير اسمها الى (الحائط)، وهي اليوم من كبريات المدن في حائل في جنوب غرب المنطقة تابعة لمحافظة الغزالة ... وإلى الجنوب منها تقع بديع التي تعرف باسم الحويّط. ... تبلغ مساحتها ( 24000 كم2 ) وتمتد من جبل الخطام والجبل الأبيض غرباً إلى جبل العلم شرقاً ومن جبل وسمة والفرس شمالاً إلى حدود المدينة المنورة جنوباً وقد ارتبط بها إدارياً أكثر من 120 قرية وهجرة كما تحيط بها 300 قرية وهجرة ... ويبلغ عدد سكان فدك اليوم(مدينة الحائط )أكثر من 000 ،50 نسمة يعملون بالتجارة والزراعة والبعض الآخر في المرافق الحكومية كانت قديما تشتهر بالعيون الفوارة المتدفقة بغزارة بالمياه العذبة النقية ، مما جعلها واحة غنية ببساتين نخلها (قدر بعض المؤرخين نخيلها اليوم بحوالي 30000 نخلة)وشيدت فيها القصور العالية من الصخور العاتية وعم أهلها قديما إلى بناء الأسوار لحمايتها من الغارات آنذاك ...
يعتبر سور فدك اليوم ، أضخم سور في السعودية حيث يبلغ طول السور حوالي 7 كم على شكل دائري ... يحيط بكافة نواحي المنطقة وله مداخل ... وركب على السور بوابتان أحداهما في الجنوب وتسمى بوابة النويبية والثانية في الشمال وتسمى باب الحبس وقد زود السور بالقلاع وهي قلعة باب الحبس وقلعة جريدا وقلعة الغار وقلعة أبو شجرة وقلعة الحسكانية والفديحة والغابة والبديعة والزبرة كما زودت هذه الحصون بالحراسات الأمنية عن طريق المناوبات الدورية آنذاك ...
البلدة القديمة مازلت شامخة ... وبعض مساكنها العتيقة مأهولة ... وبدأ الانتقال منها عام 1401 هـ ... و لعل من أشهر الأحياء القديمة فيها حي يسمى بالأشهب ...

قال ابن أبي الحديد: - في شرح النهج - وقلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل.

وهل كانت فدك إلا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير؟
فقال لي ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدا وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا أن لا يتقوى على بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة الخ وقال أيضا: وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له:
أكانت فاطمة صادقة؟ قال نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة فتبسم ثم قال: كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار بشئ لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي ]
(راجع: معجم البلدان لياقوت الحموي، أعيان الشيعة للسيد الأمين، فدك في التاريخ للسيد الشهيد محمد باقر الصدر، فتوح البلدان للبلاذري، شرح النهج لابن أبي الحديد).
وروي ان مولاتنا الزهراء (عليها السلام) قالت لابي بكر:
لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى؟
فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى احتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال " أم أيمن امرأة من أهل الجنة " فقال: بلى. قالت " فأشهد: أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله " وآت ذا القربى حقه "
ورفض ابوبكر شهادة ام ايمن
و
قالت مولاتنا العقيلة زينب بنت امير المؤمنين علي (عليهما السلام ):
لَمّا بلغ فاطمة إجْماَع أَبي بَكْرٍ عَلى مَنْعها حقَّها من فَدَكٍ ، لاثَتْ خِمارَها وَاشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها ، وَأَقْبَلَتْ في لُمَّةٍ مِنْ حَفَدَتِها وَنِساءِ قَوْمِها تجُرُّ أدْراعَها ، وتَطَأُ ذُيُولَها ، لا تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله ، حَتَّى دَخَلَتْ عَلى أبِي بَكْرٍ ، وَهُوَ فِي حَشَدٍ مِنَ المُهاجِرِينَ وَالأَنْصارِ وَغَيْرِهِمْ . فَنِيطَتْ دُونَها مُلاءَةٌ ، فَجَلَستْ ثُمّ أنَّتْ أنَّةً أجْهَشَ لَها القَوْمُ بِالْبُكاءِ والنحيب ، فَارْتَجَّ الَمجْلِسُ ، ثُمَّ أمْهَلَتْ هُنَيَّةً حَتّى إِذا سَكَنَ نَشِيجُ القَوْمِ وهَدَأتْ فَوْرَتُهُمْ وسكنت روعتهم، افْتَتَحَتِ الكَلامَ بالِحَمْدِ للهِ وَالثَّناءِ عَلَيْهِ ، وَالصَلاةِ عَلى رَسُولِهِ في كلام طويل من الثناء والتحميد ، فَعادَ الَقْومُ فِي بُكائِهِمْ ، فَلمَّا أمْسَكُوا عَادَتْ فِي كَلامِها فَقَالَتْ عليها السلام :
أبْتدئُ بحمدِ مَنْ هو أوْلى بالحمدِ والطولِ والمجدِ .
الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها ، وَسُبُوغُ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها ، جَمَّ عَنِ الإِحْصاءِ عَدَدُها ، وَنَأى عَنِ الجَزاءِ أمَدُها،وَتَفاوَتَ عَنِ الإِدْراكِ أبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بِالشكْرِ لاتّصالِها ، وَاسْتَحْمَدَ إلى الخَلائِقِ بِإِجْزالِها ، وَثنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها .
وَأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإخْلاصَ تَأويلَها ، وَضَمّنَ القُلُوبَ مَوْصُولَها ، أنارَ فِي الَفِكَرِ مَعْقُولَها . المُمْتَنِعُ مِنَ الأَبْصارِ رُؤْيَتُهُ ، وَمِنَ الأَلْسُنِ صِفَتُهُ ، وَمِنْ الأَوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. ابْتَدَعَ الأَشْياءَ لامِنْ شَئ كانَ قَبْلَها ، وَأنْشَأها بِلا احْتِذاءِ أمْثِلَةٍ امْتَثَلَها ، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ ، وذَرَأها بِمَشِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إِلى تَكْوِينِها ، وَلا فَائِدَةٍ لَهُ فِي تَصْوِيرِها إلاّ تَبْيِيناً لِحِكْمَتِهِ ، وَتَنْبِيهَاً عَلى طَاعَتِهِ ، وَإظْهارَاً لِقُدْرَتِهِ ، وَتَعَبُّدَاً لِبَرِيَّتِهِ ، وَإعْزازَاً لِدَعْوَتِهِ . ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ عَلى طَاعَتِهِ ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيَتِهِ ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ ، وحِياشَةً لَهُمْ إلى جَنَّتِهِ .
وَأشْهَدُ أنَّ أَبي مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اخْتَارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أنْ أرْسَلَهُ ، وَسَمَّـاهُ قَبْلَ أنْ اجْتَبَلَهُ ، وَاصْطَفَاهُ قَبْلَ أنْ ابْتَعَثَهُ إِذِ الخَلائِقُ بِالْغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسَتْرِ الأهاوِيلِ مَصُونَةٌ ، وَبِنهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالَى بِمآئِلِ الأُمُورِ، وَإِحاطَةً بِحَوادِثِ الدهُورِ ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ المقدُورِ .
ابْتَعَثَهُ اللهُ إتْماماً لأَمْرِهِ ، وَعَزِيمَةً عَلى إِمْضاءِ حُكْمِهِ ، وَإنفاذَاً لِمَقَادِيرِ حَتْمِهِ ، فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً فِي أدْيانِها ، عُكَّفاً عَلى نِيرانِها ، عَابِدَةً لأِوْثانِها ، مُنْكِرَةً للهِ مَعَ عِرْفانِها، فَأنارَ اللهُ بِأَبي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها ، وَكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها ، وَجَلا عَنِ الأَبْصارِ عَمَهَها ، وعن الأنْفُس غُمَمَها ، وَقامَ فِي النَاسِ بِالهِدايَةِ ، فَأنْقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وَهَداهُمْ إلى الدينِ القَويِمِ ، وَدَعَاهُمْ إِلى الصراطِ المُسْتَقِيمِ .
ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إلَيْهِ قَبْضَ رَأفَةٍ وَاخْتِيارٍ ، وَرَغْبَةٍ وَإيثارٍ ، فَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله فِي راحَةٍ مِنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ ، مَوضُوعَاً عَنْهُ أعْباءُ الأَوْزارِ ، وَمَحْفُوفَاً بِالْملاَئِكَةِ الأَبْرارِ ، وَرِضْوانِ الربِّ الغَفَّارِ ، وَمُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبَّارِ، صَلَّى الله على أبي نَبِيِّهِ وَأمِينِهِ عَلى الَوحْي وَصَفِيهِ ، وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَرَضِيّهِ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
ثمّ التفتت عليها السلام إلى أهل المجلس وقالت : وأنْتُم عِبادَ اللهِ نَصْبُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَحَمَلَةُ دِينِهِ وَوَحْيِهِ ، وَاُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ حولكم ، زَعِيمُ حَقّ لهُ فيكُمْ ، وَعَهْدٌ قَدَّمَهُ إلَيْكُمْ ..وَنحن بَقِيَّةٌ اسْتَخْلَفَها عَلَيْكُمْ ، ومعنا كِتابُ اللهِ النَّاطِقُ ، وَالقُرآنُ الصَّادِقُ ، وَالضياءُ اللاَّمِعُ ، بَيّنَةٌ بَصائِرُهُ ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ ، مَتَجَليَّةٌ ظَواهِرُهُ ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أشْياعُهُ، قَائِدٌ إلى الرضْوانِ أتْباعُهُ ، مُؤَدٍّ إلى النَجاةِ اسْتِماعُهُ ، بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ ، وعَزَائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ الُمحَذَّرَةُ ، وَبَيناتُهُ الجَالِيَةُ ، وَبَراهِينُهُ الكَافِيَةُ ، وَفَضَائِلُهُ المَنْدُوبَةُ ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ ، وَشَرائِعُهُ المَكْتُوبَةُ . فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهِيراً لَكُمْ مِنَ الشركِ ، وَالصَلاةَ تَنْزِيَهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ ، وَالزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً فِي الرزْقِ ، وَالصيامَ تَثْبِيتا لِلإِخْلاصِ ، وَالحَجَّ تَشْيِيداً لِلدينِ ، وَالعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلْقُلُوبِ ، وَطَاعَتَنا نِظامَاً لِلْمِلَّةِ ، وَإمامَتَنا أمانَاً مِنَ الفُرْقَةِ ، وَالجِهادَ عِزَّاً لِلإِسْلامِ ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلى اسْتِيجابِ الأَجْر ، وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الوَالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ منْسأةً في العمر ومَنْماةً لِلْعَدَدِ ، وَالقِصاصَ حَقْنَاً لِلدماءِ ، وَالوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضَاً لِلْمَغْفِرَةِ ، وَتَوْفِيَةَ المَكائِيلِ وَالمَوَازِينِ تَغْييراً لِلْبَخْسِ ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الخَمْرِ تَنْزِيهَاً عَنِ الرجْسِ ، وَاجْتِنابَ القَذْفِ حِجابَاً عَنِ اللَّعْنَةِ ، وَتَرْكَ السرْقَةِ إيجابَاً لِلْعِفَّةِ ، وَحَرَّمَ الشرْكَ إخْلاصَاً له بِالربُوبِيَّةِ .. فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلاّ وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ . وَأطِيعُوا اللهَ فِي ما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ ، فَإنَّهُ قال إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ . فاحْمَدُوا اللهَ الذي بِعَظمَتِهِ ونُوْرِهِ ابْتَغَى مَنْ في السَمَواتِ والأرْضِ إليه الوسيلةَ ، فنَحْنُ وَسيلَتُهُ في خَلْقِهِ ونَحْنُ آلُ رسُولِهِ ، ونَحْنُ خاصَّتُهُ ، ومَحَلُّ قُدْسِهِ ، ونَحْنُ حُجَّةُ غَيْبِهِ ، ووَرَثَةُ أنْبِيائِهِ .
أيها النّاسُ : أنَا فَاطِمَةُ وَأبِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله ، أقُولُها حَقَّاً عَوْدَاً وَبَدْءاً ، ما أقُولُ إذ أقُولُ غَلَطَاً ، وَلاَ أفْعَلُ مَا أفْعَلُ سرفاً ولا شَطَطَاً . لَقَدْ جَاءَ كُمْ رَسُولٌ مِنَ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ . فَإِنْ تَعْزُوهُ تَجِدُوهُ أبِي دُونَ نِسائِكُمْ ، وَأخا ابْنِ عَمي دُونَ رِجالِكُمْ ، وَلَنِعْمَ المَعْزِي إلَيْهِ صلّى الله عليه ، فَبَلَّغَ النذارَةَ صَادِعَاً بِالرسَالَةِ ، ناكباً عَنْ سنن المُشْرِكِينَ ، ضَارِباً لأثْباَجِهِمْ ، آخِذَاً بِأكْظامِهِمْ ، دَاعِيَاً إلى سَبِيلِ رَبّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ، يَفُضُّ الهام ويجُذُّ الأَصْنامَ ، حَتّى انْهَزَمَ الجَمْعُ وَوَلَّوُا الدبُرَ ، وحَتَّى تَفَرَّى اللَّيْلَ عَنْ صُبْحِهِ ، وَأسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدينِ ، وهدأتْ فَوْرةُ الكفْر ، وَخَرسَتْ شَقَاشِقُ الشَّياطِينِ، وَطَاحَ وَشِيظُ النفاقِ ، وَانْحَلَّتْ عُقَدُ الكُفْرِ وَالشقَاقِ ، وَفُهْتُمْ بِكلِمَةِ الإِخْلاصِ ، فِي نَفَرٍ مِنَ البِيضِ الخِماصِ ، وَكُنْتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فأنْقَذَكُم منها بنبيّهِ ، تعْبُدُونَ الأصْنامَ وتَسْتَقْسِمُونَ بالأزْلام مَذْقَةَ الشَّارِبِ ، وَنُهْزَةَ الطَّامِعِ ، وَقُبْسَةَ العَجْلانِ ، وَمَوْطِئَ الأَقْدامِ ، تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ، وَتَقْتَاتُونَ القدَّ والوَرَقَ ، أذِلَّةً خَاسِئِيَن ، تَخَافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ ، فَأنْقَذَكُمُ اللهُ بِنبيّه صلى الله عليه وآله بَعْدَ اللَّتِيَّا وَالَّتيِ ، وَبَعْدَ ما مُنِيَ بِبُهَمِ الرجالِ ، وَذُؤْبانِ الَعَربِ ، وَمَرَدَةِ أهَلِ الكِتَابِ ، كُلَّما أوْقَدُوا نَاراً لِلْحَربِ أطْفَأها اللهُ ، أوْ نَجَمَ قَرْنٌ للضلالة ، أوَ فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ المُشْرِكِينَ ، قَذَفَ أخَاهُ عليّاً فِي لَهَواتِها ، فَلا يَنْكَفِئُ حَتّى يَطَأ ضِماخَها بِأخْمَصِهِ ، وَيُخْمِدَ لَهَبَها بِحدِّهِ ، مَكْدُودَاً فِي طاعة اللهِ ورسوله ، مُجْتَهِدَاً فِي أمْرِ اللهِ ، قَرِيبَاً مِنْ رَسُولِ الله ، سَيّدَاً فِي أوْلِياءِ اللهِ ، مُشَمرَاً نَاصِحَاً مُجِدَّاً كَادِحَاً .. وَأنْتُمْ فِي بُلَهْنِيَةٍ وَادِعُونَ آمِنُونَ فرِحون، وفي رَفَاهِيَة مِنَ العَيْشِ فَكِهُونَ ، تأْكُلُون العَفْوَ وتشربُوْنَ الصَفْوَ ، تَتَوَكَّفُونَ الأخْبارَ ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النزالِ وَتَفِرونَ مِنَ القِتَالِ !!
فَلَمّا اخْتارَ اللهُ لِنَبِيهِ دَارَ أنْبِيائِهِ ، وَمحلَّ أصْفِيائِهِ ، ظَهَرَتْ فِيكُمْ حَسِيْكَةُ النقاقِ ، وَانْسَمَلَ جِلْبابُ الدينِ ، وأخْلقَ عهده ، وانتقضَ عقده ، وَنَطَقَ كَاظِمُ ، وَنَبَغَ خَامِلُ ، وَهَدَرَ فَنِيقُ الباطِلِ يخَطُرُ فِي عَرَصَاتِكُمْ ، وَأطْلَعَ الشّيطانُ رَأسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ ضارخاً بِكُمْ ، فَألْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُصيخينَ ، وَلِلْغِرَّةِ مُلاحِظِينَ،واسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافَاً ، وَأحْمَشَكُمْ فَألْفاكُمْ غِضابَاً ، فَوَسَمْتُمْ غَيْرَ إِبِلِكُمْ ، وأَورَدْتُموها غَيْرَ شِرْبِكُمْ .
هَذا وَالعَهْدُ قَرِيبٌ ، وَالكَلْمُ رَحِيبٌ ، وَالجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ ، وَالرَّسُولُ لَمّا يُقْبَر ، بِدارَاً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الفِتْنَةِ ! ألا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِين .
هَيْهَاتَ مِنْكُمْ ؟ وَأينَ بِكُمْ ؟ وَأنَّى تُؤْفَكُونَ ؟! وَكِتَابُ اللهِ بَيْنَ أظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظَاهِرَةٌ ، وَأحْكامُهُ زَاهِرَةٌ ، وزَوَاجِرُهُ قاهرة ، وَأوَامِرُهُ لاَئِحَةٌ ، وأدلته وَاضِحَةٌ ، وَأعْلامُهُ بَيّنةٌ ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ !! أرَغْبَةً ويْحَكُمْ عَنْهُ تُدْبِرُونَ ؟ أمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ ؟! بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً.. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ .
ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا بعد اجتهاد إِلاّ رَيْثَما سكنتَ نِفْرَتُها ، وَأسْلَسَ قِيادُها ، ثُمَّ أخَذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها ، وَتُهَيّجُونَ جَمْرَتَها ، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيْطَانِ الغَوِيّ ، وَإطْفاءِ أنْوارِ الدّينِ الجَلِي ، وَإهْمادِ سُنَنِ النَبيّ الصَفِيّ ، تُسرِّونَ حَسْوَاً فِي ارْتِغَاءٍ ، وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوُلْدِهِ فِي الخَمَر وَالضَّرآءِ ، وَنحن نَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حزّ المُدَى ، وَوَخْزِ السنانِ فِي الحَشَا ! وَأنْتُمْ الآنَ تَزْعَمُونَ أنْ لا إِرْثَ لَنَا ولاحظّ ! أفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمَاً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ !! بَلى قَدْ تَجَلَّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضَّاحِيَةِ أَني ابْنَتُهُ!
إيْهاً معاشر المُسْلِمينَ ، أأبْتزُّ إِرْثِيَهْ ؟ يَا ابْنَ أبِي قُحافَةَ أفِي كِتابِ اللهِ أنْ تَرِثَ أباكَ وَلاَ أرِثُ أبِيَهْ ؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئَا فَرِيَّاً ! جرْأةً منكم على قطيعة الرحِم ونكْث العهْد ، أفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللهِ وَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ إِذْ يَقُولُ: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُد . وَقَالَ فِي ما اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيّا عليهما السلام إِذْ قَالَ: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ. وَقَالَ: وأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ .وَقَالَ: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظ الأُنْثَيَيْنِ . وَقَال: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقَّاً عَلى المُتَّقِينَ .
وَزَعَمْتُمْ أنْ لاحظْوَةَ لِي وَلا إِرْثَ مِنْ أبي ، وَلاَ رَحِمَ بَيْنَنَا ! أفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ أبِي صلى الله عليه وآله مِنْها ؟ أمْ هَلْ تَقُولُونَ : إِنَّا أهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثانِ ؟ أوَلَسْتُ أنَا وَأبِي مِنْ أهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ ؟! أمْ أنْتُمْ أعْلَمُ بِخُصُوصِ القُرآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أبِي وَابْنِ عَمي ؟!
فَدُونَكَهَا مَخْطُوْمَةً مَرْحُولَةً مزْمومةً ، تكون معك في قبرك ، وتَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ ، فَنِعْمَ الحَكَمُ اللهُ ، وَنعم الزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ،وَالمَوْعِدُ القِيامَةُ ، وَعِنْدَ السَّاعَةِ يَخْسَرُ المُبْطِلُونَ . وَلِكُل نَبَأٍ مُسْتَقَر، وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيِه وَيَحِل عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ !
ثُمَّ رَنَتْ عليها السلام بِطَرْفِها نَحْوَ الأَنْصارِ وَقَالَتْ :
يَا مَعْشَرَ النَّقِيبَة ِ، وَأعْضادَ المِلَّةِ ، وَحَضَنَةَ الإسْلاَمِ : مَا هَذِهِ الغَمِيزَةُ فِي حَقّي ، وَالسِنَةُ عَنْ ظُلاَمَتِي ؟! أمَا قال رَسُولُ اللهِ أبِي : الْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ ؟ لَسَرْعانَ مَا أحْدَثْتُمْ ، وَعَجْلاَنَ ذَا إِهالَة ، وَلَكُمْ طَاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلَى مَا أطْلُبُ وَاُزاوِلُ ؟! أتَقُولُونَ مَاتَ مُحَمَّدٌ ؟ لعمري خَطْبٌ جَلِيلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ ، وَفُقِد رَاتِقُهُ ، وَأظْلَمَتِ الأرْضُ لِغَيْبَتِهِ واكتأبت خِيَرةُ الله لِمُصِيبَتِهِ ، وَخَشَعَتِ الجِبالُ ، وَأكْدَتِ الآَمالُ ، وَأُضِيعَ الحَرِيمُ ، وَاُزِيلَتِ الحُرْمَةُ ، فَتِلْكَ وَاللهِ النَّازِلَةُ الكُبْرى ، وَالمُصِيبَةُ العُظْمى ، لا مِثْلُها نَازِلَةٌ ، وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ ، أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في مَمْساكُمْ وَمُصْبَحِكُمْ ، يَهْتِفُ بِهِ فِي أفْنِيَتِكُمْ هِتَافاً وَصُراخَا، وَتِلاوَةً ، وَإلحاناً ، وَلَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنْبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَقَضَاءٌ حَتْمٌ : وَما مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرسُلْ أفَإِنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللهَ شَيْئَاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرينَ .
إيْهاً بَنِي قَيْلَةَ ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ ، وَأنْتُمْ بِمَرْأىً مِنّي وَمَسْمَعٍ وَمُنْتَدى وَمَجْمَعَ؟ تَشْمَلُكُمُ الدَّعْوَةُ ، وتَلْبَسُكُمُ الحَيْرَةُ ، وفيكم العَدَدِ وَالعُدَّةِ وَلكم الدارُ وعندكم الجُنَنُ والأَداةُ وَالقُوَّةُ ، وَعِنْدَكُمُ السلاحُ،تُوافِيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأتِيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغِيثُونَ وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاح ِ، مَعْرُوفُونَ بِالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ ، والنخْبَةُ الَّتي انتُخِبَتْ لنا أهل البيت ، وَالخِيَرَةُ الَّتي اخْتِيرَتْ فنابذتُمُ فينا صميم العَرَبَ،وَتَحَمَّلْتُمُ الكَدَّ وَالتَّعَبَ، وَنَاهضْتُمُ الاُمَمَ ، وَكَافَحْتُمُ البُهَمَ ، لاَنَبْرَحُ ولا تَبْرَحُونَ نَأمُرُكُمْ فَتْأتَمِرُونَ ، حَتَّى إِذا دارَتْ بِنا رَحى الإسْلامِ ، وَدَّرَ حَلَبُ الأَيَّامِ ، وَخَضَعَتْ نخوة الشركِ ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإِفْكِ ، وَهَمَدَتْ نِيرانُ الكُفْر وَهَدَأتْ روْعةُ الهَرْجِ ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدينِ . فَأنّى حِرتُمْ بَعْدَ البَيَانِ، وَأسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإِعْلان ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإقْدامِ وجَبُنْتُمْ بعدَ الشَجاعَةِ ، عن قوْمٍ نَكَثُوا أيْمانَهُمْ ، من بعد عَهْدِهِمْ وطَعَنُوا في دينكم . فقاتلُوا أئمّةَ الكُفْرِ إنّهُمْ لا أيْمانَ لَهُمْ لَعَلّهُمْ يَنْتَهُوْنَ . ألا تُقاتِلُونَ قَوْمَا نَكَثُوا أيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُوكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أحَق أنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
ألا ، قَدْ أرى والله أنْ قَدْ أخْلَدْتُمْ إلى الخَفْضِ ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أحَق بِالْبَسْطِ وَالقَبْضِ ، وَخُلِبتُمْ بِالدَّعَة ، َنجَوْتُمْ مِنَ الضيقِ بِالسعَةِ ، فَمَجَجْتُمْ الذي عرفتُمْ ، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ ، فَإِنْ تَكْفُرُوا أنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِي حَمِيدٌ .
ألا وَقَدْ قُلْتُ الذي قُلْتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالخِذْلَةِ الَّتِي خامَرَتْكُمْ ، وَالغَدْرَةِ الَّتِي اسْتَشْعَرَتْها قُلُوبُكُمْ ، وَلَكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ ، ومنية الغَيْظِ، ونفْثَّةُ الصدْرِ ، ومعذرَةُ الحُجَّة !! فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبْرَةَ الظَّهْرِ ، مَهِيْضَةَ العَظْمِ خَوْراءَ القناةِ ، نَاقِبَةَ الخُفّ، باقِيَةَ العارِ ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ موصولةً بشَنارِ الأَبَدِ، متصُلَةً بِنارِ اللهِ المُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلى الأَفْئِدَةِ .
فَبِعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ ، واعملوا إنّا عاملون ، وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ ، وَأنا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ . فكِيْدُوني جَمِيْعاً ثُمّ لا تُنْظِرُون . وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

جواب أبي بكر:
جاء في الاحتجاج للشيخ للطبرسي: (فأجابها أبو بكر وقال: يا بنت رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفك دون الأخلاء آثر على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبّكم إلاّ سعيد، ولا يبغضكم إلاّ شقي بعيد فأنتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، والله ما عدوت رأي رسول الله، ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله، وأني أشهد الله وكفى به شهيداً، أني سمعت رسول الله (ص) يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه، وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم انفرد به وحدي، ولم استبد بما كان الرأي عندي، وهذه حالي ومالي، هي لك وبين يديك، لا تزوى عنك، ولا ندخر دونك، وأنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لاندفع مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك (ص)).
جواب سيدة النساء:
فقالت (عليها السلام): (سبحان الله ما كان أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كتاب الله صادفاً ولا لأحكامه مخالفاً! بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل في حياته هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً يقول: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...﴾ ، ويقول: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ...﴾ ، وبيّن (عز وجل) فيما وزع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾).
جواب أبي بكر:
فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.
جواب سيدة النساء:
فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس وقالت:
(معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ ؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلاً، وغِبَّهُ وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء وبان بأورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون).
ثم عطفت على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالت:
قد كان بعدك أنباء وهنبثــة لـو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابـلها واختل قومـك فاشهدهم ولا تغب
وكل أهل له قربى ومنـــزلة عند الإلــه على الأدنين مقترب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لما مضيت وحالت دونــك الترب
تجهمتنا رجـال واستخف بنـا لمـا فقـدت وكل الأرض مغتصب
وكنت بدرا ونورا يستضاء بـه عـليك ينزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريـل بالآيات يونسنا فقـد فقـدت وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا لما مضيت وحـالت دونك الكثب

وقد ذكر هذه الخطبة جمع من العلماء والمحققين في كتبهم ومنهم :ـ
1ـ أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور، ولد ببغداد سنة 204، وتوفي سنة 280 هجرية /في كتابه بلاغات النساء
2- ابن المنظور/ في (لسان العرب) في مادة (لم) ج12 ص548.
3- ابن الأثير/ في (النهاية ج4 ص273) في مادة (لمة):
4- الخليل بن أحمد الفراهيدي/ في كتاب العين ج8 ص323في كلمة اللمّة
5- جار الله محمد بن عمر الزمخشري/ في الفائق في غريب الحديث: ج3 ص212:
6- علي بن الحسين المسعودي/ في مروج الذهب ج2 ص304
7- اليعقوبي / في تاريخه ج2 ص127حيث أورد منها بعض الجمل.
8- أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم (المتوفى 568) في مقتل الحسين (ع): ج1 ص77
9ـ ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة / ج :16
10- أبن شهر آشوب / في المناقب : ج1 ص381، الطبعة القديمة .
11- العلامة الإربلي / في كشف الغمة: ج2 ص108
12- الطبرسي / في الاحتجاج / ج :1، من ص:97 إلى ص:107، طبع مشهد المقدسة 1403هـ.
13ـ ابن الأثير مجد الدين المبارك بن محمد – 544 - 606 هـ/ منال الطالب في شرح طوال الغرائب/ تحقيق الدكتور الفاضل محمود محمد الطناحي / منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي ، بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية ، بجامعة أمّ القرى بمكّة المكرّمة ، بالمملكة العربية السعودية
14ـ الشيخ محمد بن علي المعروف بالصدوق - ت381هـ/ من لا يحضره الفقيه
15ـ السيد الشريف المرتضى علي بن الحسين - ت 436هـ / الشافي في الإمامة
16ـ محمد بن جرير بن رستم الطبري - ت310هـ / دلائل الإمامة
17ـ علي بن موسى بن جعفر (ابن طاوس الحلي ) ت664هـ / الطرائف من مذاهب الطوائف
18- الشيخ محمد باقر المجلسي / بحار الأنوار: ج29 ص215.
19- السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي / في النص والاجتهاد: هامش ص60
اما فيما يخص موضوع فدك فهنالك الكثير من العلماء والمحققين ، كتبوا حوله واليكم اخوتي البعض من عناوين كتبهم :ـ
1- كتاب فدك، لأبي إسحاق، إبراهيم الثقفي، المتوفّى 283 هـ.
2 ـ فدك أو رسالة في قصة فدك، لجعفر بن بكير بن جعفر الخياط.
3 ـ كتاب فدك، والكلام فيه للشيخ المتكلّم، طاهر، غلام أبي الجيش، الّذي عدّه ابن النديم من متكلّمي الشيعة
4 ـ كتاب فدك، لعبد الرحمان بن كثير الهاشمي.

5 ـ كتاب فدك، لأبي طالب، عبيد الله بن أبي زيد، أحمد بن يعقوب بن نصر
6- رسالة فدك، للسيّد عليّ بن دلدار، عليّ الرضوي، النصير آبادي، المتوفّى سنة 1259 هـ.
7- كتاب فدك، لأبي الجيش، مظفر بن محمّد بن أحمد، البلخي، الخراساني، المتكلّم المشهور، المتوفّى سنة 367 هـ.
8- كتاب فدك، لأبي الحسين، يحيى بن زكريا النرماشيري.
9- فدك في التاريخ، للسيّد الشهيد، محمّد باقر الصدر(قدس).
10- كتاب فدك والخمس، للسيّد الشريف، أبي محمّد الأطروش، الحسن بن عليّ بن الحسن بن عمر بن عليّ السجّاد (عليه السلام).
11 ـ كتاب كلام فاطمة (عليها السلام) في فدك، لأبي الفرج، عليّ بن الحسين الأصفهاني، صاحب كتاب الأغاني.
12 ـ هدي الملّة إلى أنّ فدك من النحلة، للسيّد حسن بن الحاج آقا مير الموسوي الحائري، ألّفه سنة 1352.
اسال الباري ان يجازي كل من سعى في تدوين ونشر واظهار الحقائق والمظالم وادلتها، لكي لايفلت الجناة من محكمة العدل والانصاف ، وهيهات ان يفلتوا والله هو القاضي العدل ، وجزى الله العلماء والمؤرخين المنصفين خير الجزاء على التوثيق والتحقيق ، وان شاء الله يُرزقون نظرة الرضا من وريث الزهراء(عليها السلام) والذي هو وريث الأنبياء والأوصياء سيدنا ومولانا أبو القاسم محمد المهدي المنتظر ابن إمامنا الحسن العسكري (عليهم السلام) وإن شاء الله قد اقترب الوعد الحق الذي فيه سينتصف المظلوم من الظالم ،بل وسوف لن يبقى ركن للفساد ودعامة للظلم إلا ويحطمها ولي الله وحجته لتمتلئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا
اللهم أحفظ سيدنا ورئيسنا وإمامنا صاحب الزمان وأحفظ سادتنا ،عبيدك جيش الإمام(عليه السلام) ومن علينا واجعلنا من جيش الإمام(عليه السلام) وارزقنا الشهادة قربة لك تحت راية حجتك صاحب العصر والزمان(عليه السلام)انك عل كل شيء قدير ونعم المولى ونعم النصير.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق