الاثنين، 31 ديسمبر 2018

معاداة القائد المصلح



من الامور البالغة الخطورة الواقعة في مسيرة التكامل الانساني هو الوقوع في وادي معاداة القائد المصلح ، بحيث يصبح الفرد اداة طيّعة بيد جهة الشر من اجل الحاق الضرر بالقائد المصلح ، وهذه عاقبة بالغة السوء نتيجة شدة الضرر الناجمة من توابع وافرازات معاداة القائد المصلح ، وهذا المطلب يحتاج الى مزيد بيان ولكن اجمالا يمكن العروج عليه بهاتين النقطتين:
اولا - من هو القائد المصلح ؟
هو ذلك الانسان الذي سعى جاهدا من اجل تصفير ساحة نفسه وقلبه من الادران والاوساخ والنجاسات وابتداءً من النية والخاطرة والتفكير مرورا بالأفعال ، اي انه وبعد ان سعى جاهدا في افراغ ساحة قلبه ونفسه من الشوائب ، غرس بذرة شجرة الخير وحافظ على ان يسقيها بالماء النقي فنمت تحت اشعة شمس الحقيقة حتى خرجت من جوانح ذلك الانسان الى جوارحه ، حينها اصبح قدوة للإنسان
اي ان ما قام به ادخله في مرتبة القادة المصلحين ، فاصبح حينها قدوة للإنسان ، ومرتبة القائد المصلح تضم مستويات متعددة داخلة في هذا العنوان ، وهم الانبياء والمرسلين ثم الاوصياء فالمراجع الناطقين وثلة طيبة طاهرة من خيرة تابعيهم المخلصين.
ثانيا - من اسباب معاداة القائد المصلح :
المعاداة ، من العَدَاوَة والمُخَاصَمَة ، وبالتأكيد الفطرة الانسانية السليمة تأبى معاداة النباتات والحيوانات والجمادات فضلا عن الانسان فكيف بمعاداة القائد المصلح؟
اذن لابد من وجود عدة اسباب ادت الى الوقوع في هذا المرض والتي من اخطرها هو:
السبب الناجم عن الهوس في حب الدنيا والمصالح الشخصية نتيجة عدم تصفير ساحة النفس والقلب من الشوائب والادران كالحسد والجشع ...وغيرهما كثير ، بل والقيام بسقي هذه البذور الخبيثة حتى نمت بالماء الحرام تحت ظلمة الجهل فخرجت من جوانح ذلك الفرد الى جوارحه لتجعل منه ذنب يمشي على الارض تفوح منه رائحة الموبقات وتستغيث منه المخلوقات حينها ينحدر كليا من رتبة الانسان الى رتبة البهيمية ، او قد يستمر بالانحدار حتى يصل الى رتبة الأَضَلُّ سَبِيلًا
حينها وفي ظل هذا التسافل الخطير المرعب يصبح الفرد من اخطر الادوات التي تستخدم من قبل جهة الشر في الحاق الاذى والضرر بالقائد المصلح واتباعه ومنهجه.

إصرار السيد مقتدى الصدر(اعزه الله) على مواصلة المسير في طريق الاصلاح


لا يخفى على المنصف مدى صعوبة ومشقة مواصلة المسير في طريق الاصلاح ، خصوصا في وضع معقد مثل الوضع العراقي ، فالعراقيل التي تواجه المصلح كثيرة ومتنوعة وتزداد حدتها يوما بعد يوم ، مما جعل مستوى الفساد والفوضى يتجذر بشكل خطير وكانه وباء قد استحكم قبضته على البلد ، وهذه محنة مهولة قد اخذت مأخذها في المجتمع ومؤسساته، تاركةً اثر بالغ الخطورة ، في نفوس الشعب العراقي المظلوم ، ولولا رباطة جأش السيد مقتدى الصدر(اعزه الله)، واصراره العجيب على الاستمرار بمواصلة المسير في طريق الاصلاح مادامه يتنفس ، لكنا الان في عداد الموتى انسانيا ، فلا قيمة للحياة بدون الانسانية وقيمها النبيلة ، ولذا فهو يدعونا ليلا ونهارا سرا واعلانا ، من اجل ان نحيا حياة الانسان الحر الكريم مهما كان الثمن مما يعطي دعماً وهمةً عالية لشعبه المظلوم بشكل خاص والانسانية بشكل عام من اجل مواصلة المسير في طريق الاصلاح ، مهما كانت رياح الاشرار والفاسدين عاتية ومؤذية ، ولا يزيدهم من شذ وابتعد عن طريق الاصلاح الانساني الا قوة وتماسكا ، فهدفهم سامي وقائدهم نبيل ، فطوبى لمن عاش ومات على طريق الاصلاح ومنهج المصلحين .

القائد الانساني .. طائر قدس


طيور صغار ضعيفة متفرقة لا تعرف تحريك اجنحتها فضلا عن الطيران تبحث عن طائر القدس الذي تتمنى ان يوصلها الى الكهف الحصين الموجود في اعلى قمة جبل النور ، وفي اثناء مسيرها المتعثر نتيجة التعب الذي انهكها والخوف الذي استولى عليها ، توجهت نحو باريها القدوس باكية في محضره تبتغي بره وترجو احسانه وتطمع في كرمه...تقدست اسماؤه
واذا بطائر حنون قد حلّق فوقها ثم توجه نحوها فاتحا جناحيه ليضمها الى صدره ، فتشعر بطمأنينة الامان بعد ذلك الخوف، وبشائر الراحة بعد ذلك التعب...
فيسألهم بحنان: الى اين متوجهين؟
قالوا: الى طائر القدس
قال: وماذا تريدون منه؟
قالوا: نبتغي ان يوصلنا الى الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين..
قال: وهل تعلمون اين يقع الكهف الحصين؟
قالوا: قد سمعنا من طائر قدس كبير وقبل ان تمتد له يد المنون ، ان الكهف الحصين في اعلى قمة جبل النور، ولا يمكن ان يوصلنا اليه الا طائر القدس
قال: وهل تعلمون اين يقع جبل النور؟
قالوا: كلا ، ولكن نعلم ان طائر القدس هو الذي يتمكن من ايصالنا اليه
قال: وهل تعلمون ان هدفكم نفيس ويحتاج الى المسير الطويل والصبر الجميل...
قالوا : نعم، نشعر انه صعب المنال ولكن عزمنا على المسير نحوه مهما غلى الثمن واشتدت الصعاب والمحن، فان كان لحياتنا قيمه فقيمتها منه
قال: مرحبا بكم ، هيا معي نسعى لطائر القدس
فقالوا: لكننا لا نتمكن من الطيران فلنقف مدة نتعلم الطيران ثم نسير
قال: كلا فالوقت قصير والمسير طويل ولكن نتعلم ونسير معا
فانطلقوا معه بعد ان فارقهم جماعة لم يرق لهم المسير وفي كل محطة يلتحق بهم مجموعة من الطيور قسم منها تشبههم وقسم منها كأنها غريبة عنهم ولكن الطائر الحنون يمد جناحيه لكل من يبتغي المسير ما دامه قد جاء لهدف نبيل...
فقطعوا في مسيرهم اشواطا واشواطا مارين بعشرات المحطات مقتحمين عدة غابات مواجهين لسلاسل من الصعوبات ...وفي كل مرة يتوجهون بالسؤال الى الطائر الحنون قائلين له:
متى نلتقي بطائر القدس؟
فيقول لهم : قد اقتربنا من اللقاء ، فصبر جميل
وبعد مدة لاح في الافق شعاع نور بهي
فقالوا بصوت عال :هذا شعاع جبل النور
فقال لهم الطائر الحنون: كلا هذا شعاع طائر القدس، فجدوا المسير، وتهيئوا للقاء
فيالها من فرحة قد غمرتهم وجعلتهم ينطلقون نحو طائر القدس بجد واجتهاد حتى اذا اقتربوا منه فاذا هو:
عظيم المنظر بهي الطلعة فائق الجمال رائع التحليق سريع الطيران...، التفت اليهم ورمقهم بنظرة ذابت فيها نفوسهم وخشعت لها قلوبهم...
قائلا لهم : مرحبا باتباع المصلحين فالآن قد جد المسير فأعينوني على انفسكم واستمعوا جيدا لما اقوله لكم ولا تلتفتوا لبهرجة الدنيا مهما اعترضتكم ولا تهنوا لما سوف يصيبكم ...فأمامنا عواصف شديدة سوف تبتلع من شذ منكم عن سربه ، فاصبروا اجمل الصبر وتوحدوا اشد التوحد ...، حتى اراكم امامي واحدا ذائبين في اخيكم الحنون ...وفي اثناء هذا الذهول غاب طائر القدس فتوجه السرب الى الطائر الحنون ، قائلين له:
اين ذهب طائر القدس اوليس قد تم اللقاء فلماذا هذا الفراق!؟
قال لهم الطائر الحنون:
ان لقاء طائر القدس هكذا يكون وليس كما تتصورون فطائر القدس ليس لنا فقط بل هو لكل اسراب المحبين اضافة الا ان له شغلا عظيما يعنيه وواجبات جمة تخصه ...وما تبتغون قد اعطاكم وزيادة وليست كل الامور كما تظنون وتحسبون، وحسبكم انه الاعرف بما ينفعكم فأطيعوه وسلموا له تسليما.

برنامج ( تعلّم معنا علم المنطق ) للاستاذ طالب العلوي / الحلقة الرابعة و ...

The Fifty Seventh Friday of the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtada Al-Sadr ...

The Fifty Seventh Friday of the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtada Al-Sadr ...

السيد مقتدى الصدر .. السفارة الامريكية طيّرت طيارة فوكانه بس جانت تحت مر...

هل يعيش المواطن في الدول الكبرى في رفاهية وعدالة ؟؟ .. #الاستاذ_علي_الزيدي

الخميس، 20 ديسمبر 2018

رؤى جديدة في سيرة السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس / ج1 للباحث والمفكر ا...

( رؤى جديدة في سيرة السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس )ج2 للباحث والمفكر ...

فاطمة الزهراء (عليها السلام) وصيانة كرامة الانسان



عن أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت لأسماء: إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى فقالت أسماء: يا بنت رسول الله أنا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة، قال: فدعت بجريدة رطبة فحسنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة (عليها السلام): ما أحسن هذا وأجمله لا تُعرف به المرأة من الرجل...(انتهى).
وقد وردت في المصادر التاريخية عدة روايات شبيهة لمضمون هذه الرواية ، والتي عند التأمل فيها يمكن للفرد ان يستشف منها بعض المعاني والعبر والتي منها ما يلي:

1.ان الزهراء عليها السلام ، رأت في التصرف الدارج في المجتمع مع جنازة المرأة بعد موتها فيه خدش لكرامتها ، فأرادت ان تعالجه وابتداءً من شخصها الكريم، فالقائد الانساني لا يأمر بشيء حسن الا ويبدأ بنفسه قبل الناس ولا ينهى عن شيء قبيح الا وهو لا يأتي بمثله.

2.انها(عليها السلام)، وبالرغم من كثرة مسؤولياتها ومحورية وجودها ، كانت مهتمة بأمور المجتمع وملتفتة لدقائق الامور الحاصلة فيه ، وتسعى لطرح الحلول والمعالجات لمشاكله ، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على شعورها العالي بالمسؤولية اتجاه الانسانية وصيانة كرامة الانسان حياً وميتاً.

3. بالرغم من علمها(عليها السلام)، بان المتكفل بها امير المؤمنين علي عليه السلام ، وكان حاضرا وموجودا بجنبها الا انها قامت بهذا التصرف ، لان على الفرد ان يؤدي ما يترتب عليه من واجبات وتكاليف ما دامه مستطيع لذلك.

4. تشجيع للمشورة ومشاركة عقول الاخرين فما خاب من استشار ، فان كان القائد الانساني يستشير ويسمع المشورة ، فغيره احوج لها اكيدا.

5.حب الخير للآخرين واشراكهم في فعل الخير ، وهذه من سمات المثل العليا في الانسانية التي تجسدت في افعال واقوال قادة الانسانية ومنهم السيدة الزهراء عليها السلام.

المصدر: سنن البيهقي : 4/ 34. فضائل الخمسة: 3/ 161 و 162، البحار: 43/ 189 و 190، و 81/ 251 ح 10،. ذخائر العقبى: ص 53


السبت، 8 ديسمبر 2018

قراءة في رواية (الدون كيخوتي للأديب ميغيل دي ثيربانتس) بين البعد الانساني والخطاب الانهزامي


الدون كيخوتي ، رواية ولدت في زنزانة سجن
ولكن في اي زنزانة سجن ولدت؟
افي زنزانة السجن المادي ، ام هو سجن النفس وزنزاناتها ؟
ام كلا السجنين اتحدا لإنجابها ؟
وهل هي رواية حقا ، ام انها رسالة تحتاج الى اعادة قراءة من جديد ، للتعرف على ابعادها الانسانية ومقدار تأثيرها وماذا تريد ؟

يتكون المبحث من ثلاثة محاور وخلاصة المبحث:

المحور الاول. ويتكون من النقاط التالية:

اولا. من هو كاتب رواية الدون كيخوتي
هو الاديب ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا،(بالإسبانية: Miguel de Cervantes) جندي وكاتب مسرحي وروائي وشاعر إسباني ، ويعد إحدى الشخصيات الرائدة في الأدب الإسباني على مستوى العالم ، واشتهر عالميًا بعد كتابة هذه الرواية ، التي يعتبرها البعض واحدة من بين أفضل الأعمال الروائية المكتوبة قبل أي وقت مضى، واعتبرها الكثير من النقاد بمثابة أول رواية أوروبية حديثة وواحدة من أعظم الأعمال في الأدب العالمي
ولد في مدينة ألكالا دي إيناريس التابعة لمنطقة مدريد، عام 1547.
في عام 1569، هرب ثيربانتس إلى روما ، خوفا من الاعتقال الصادر بحقه من ملك إسبانيا فيليب الثاني بعد اتهامه بجرح عامل البناء أنطونيو سيجورا على خلفية مبارزة بينهما، وقد عمل في روما مساعدًا لكاهن من الأثرياء يدعى : خيوليو أكواببيبا وهو كاردينال الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في فترة بابوية بيوس الخامس ، وفي السنة الثانية اصبح كاردينالًا .
عام 1575، تم تجنيده في قوات المشاة البحرية الإسبانية ، ونتيجة احد المعارك تم اسره لمدة خمسة سنوات في الجزائر ، ثم أطُلق سراحه بفدية ، وعاد إلى مدريد.
بعد عام 1582، ارتبط بعلاقية غرامية مع آنا بييا فرانكا دي روخاس، وهي امرأة لأحد عمال الحانات ويدعى ألونسو رودريجيث. ونتج عن هذه العلاقة غير الشرعية ابنته التي تسمى : إيزابيل دي سابيدرا ، والتي اعترف بها لاحقا
وفي عام 1585، نشر ثيربانتس أول رواية له باسم لا جالاتيا.
في عام 1597 حبس في السجن الملكي في إشبيلية ، ولمدة ثلاث سنوات بتهمة اختلاس المال العام بعد ثبوت وجود مخالفات في حساباته.
وفي عام 1605، نشر الجزء الأول من روايته دون كيخوتي في مدريد
في عام 1607، استقر في مدريد حتى وفاته، ونشر روايات النموذجية عام 1613 و قصيدته الشعرية رحلة إلى جبل بارناسوس عام 1614، وهي قصيدة مطولة في شكل ثلاثيات ، وفي عام 1615، نشر ثماني كوميديات وثمانية فواصل تمثيلية مع الجزء الثاني من رواية دون كيخوتي.
توفي في مدريد، عام 1616. عن عمر ناهز التاسعة والستين بعد إصابته بمرض السكري في منزله المعروف حاليًا باسم كاسا دي ثيربانتس، في محيط ما يُعرف باسم مدريد القديمة.

ثانيا. مختصر رواية الدون كيخوتي
رواية الدون كيخوتي دي لا ما نتشا (بالإسبانية: Don Quijote de la Mancha)
طبعت في دار نشر خوان دي لا كويستا في 87 شارع أتوتشا في مدريد، عام 1604، وخرجت لسوق المبيعات في يناير 1605، ونشرت على جزئين:
الجزء الأول باسم، العبقري النبيل دون كيخوتي دي لا ما نتشا، وظهر عام
1605 ، والجزء الثاني تحت عنوان العبقري الفارس دون كيخوتي دي لا ما نتشا ظهر عام 1615.يعتبرها ذوي الاختصاص ، انها من صنف السخرية أدبية، تهكمية، هزلية
بدأ الكاتب الجزء الأول بمقدمة يسخر بها من سعة المعرفة المتحذلقة مع بعض القصائد الفكاهية التي تمدح أعمال الكاتب نفسه كنوع من التمهيد
تدور أحداث الرواية حول شخصية ألونسو كيخانو، رجل نبيل طويل نحيف قارب الخمسين من العمر يقيم في احدى قرى إقليم لامانتشا ابان القرن السادس عشر ، وكان مولعًا بقراءة كتب الفروسية والشهامة بشكل كبير ، بحيث انه لم يتزوج من كثرة قراءاته. كاد ان يفقد عقله وينقطع ما بينه وبين الحياة الواقعية نتيجة قلة النوم والطعام وكثرة القراءة ، ثم يبلغ به الهوس حدا يجعله يفكر في ان يعيد دور الفرسان الجوالين وذلك بمحاكاتهم والسير على نهجهم حين يضربون في الارض ويخرجون لكي ينشروا العدل وينصروا الضعفاء، ويدافعوا عن الأرامل واليتامى والمساكين. فيقرر ترك منزله وعاداته وتقاليده ويشد الرحال كفارس شهم يبحث عن مغامرة تنتظره، بسبب تأثره بقراءة كتب الفرسان الجوالين، وأخذ يتجول عبر البلاد حاملًا درعًا قديمة ومرتديًا خوذة بالية ورمحا قديما متآكلا خلفه له آباؤه ، مع حصانه الضعيف روسينانتي حتى أصبح يحمل لقب دون كيخوتي دي لا ما نتشا، ووُصف بـ فارس الظل الحزين. وبمساعدة خياله الفياض كان يحول كل العالم الحقيقي المحيط به، فهو يغير طريقته في الحديث ويتبنى عبارات قديمة بما كان يتناسب مع عصر الفرسان. فيما لعبت الأشخاص والأماكن المعروفة دورًا هي الأخرى بظهورها أمام عينيه ميدانًا خياليًا يحتاج إليه للقيام بمغامراته. تذكر وهو سائر في طريقه فرحا مزهوا ان الفارس الجوال لا بد له من تابع مخلص أمين، فعمد الى فلاح ساذج من ابناء بلدته ، وهو جاره البسيط سانشو بانثا لأقناعه على ان يكون تابعا له وحاملا لشعاره ومرافقا له ليكون حاملًا للدرع ومساعدًا له مقابل تعيينه حاكمًا على جزيرة ، ويصدقه سانشو لسذاجته ويضع خرجه على حماره ويسير خلف سيده الجديد ، حيث بدأت شخصيتهم في التكشف رويدًا رويدًا وتربطها صداقة قائمة على الاحترام المتبادل ، و كان سانشو بانزا ضخم الجثة بعكس صاحبه دون كيخوتي الطويل الهزيل.
ويقع الدون كيخوتي بحب جارته الفتاة القروية دولثينيا، حبًا أفلاطونيًا، على انها سيدة نبيلة ، وذلك عن بعد دون علمها.
من اشهر احداث الرواية في الرواية : معركة طواحين الهواء اذ توهم أنها شياطين ذات أذرع هائلة فهاجمها غير مبالٍ إلى صراخ تابعه وتحذيره له، حيث رشق رمحه تجاهها فرفعته أذرعها في الفضاء ودارت به وطرحته أرضًا فرضت عظامه ، ثم يكمل مسيرته ويعتقد بوجود زحف جيش جرار يملأ الجو غبارًا وضجيجًا، فيندفع بجواده ليخوض المعركة التي أتاحها له القدر . ولكنه في الحقيقة كان قطيعًا من الأغنام، وتسفر المعركة عن قتل عدد من الأغنام وعن سقوط دون كيخوتي نفسه تحت وابل من أحجار الرعاة افقدته بعض أضراسه، ، وهنالك ايضا سلسلة من المعارك الوهمية التي وقعت له مع الرجل الباسكي المشاكس والرجل الذي كان يجلد نادله وبعض الرهبان البينديكتين الذين كانوا برفقة تابوت إلى مدفنه بمدينة أخرى، وفي نهاية المطاف، يقوم بعض جيرانه بإلقاء القبض عليه، ويقومون بإعادته إلى قريته داخل قفص.

ثالثا. اراء متعدد حول كتابة رواية الدون كيخوتي نذكر منها ما يلي:
رأى بعض المحققين والكتاب ان ثيربانتس كتب رواية الدون كيخوتي نتيجة لـ :

1. تأثره بأعمال ، مثل تيرانتي الأبيض لجوان مارت ورل ، والمور غنتي للشاعر الايطالي لويجي بولشي ، وأورلاندو الهائج للشاعر الايطالي لود فيكو أريوس تو
2.والبعض الآخر يرى أن ثيربانتس ربما يكون استوحاها من قصة الحمار الذهبي للوك يوس أبوليوس .
3. الدكتور جوزيف إلياس اللبناني، الذي ترجم وحقق نسخة دار العلم للملايين : يرى أن التأثير الأندلسي يبدو واضحًا في الرواية، من حيث ظهور ملامح من أبطال القصص العربية والإسلامية أمثال سيف بن ذي يزن وعنترة بن شداد والظاهر بيبرس.
4. البعض يراها محاكاة ساخرة للسيرة الذاتية المخطوطة يدويًا من قبل سان إجناثيو دي لويولا، والتي حاول اليسوعيون إخفاؤها
5. الشاعر الفرنسي ألفريد دي فيجن تخيل أن ثيربانتس كان يحتضر عندما أعلن عن رغبته في رسم صورة لفارس الظل الحزين بقلمه.
اذن هنالك الكثير ممن يرى وجود دواعي من وراء كتابة هذه الرواية الا انهم اختلفوا في تحديد حقيقة تلك الدواعي

المحور الثاني. مناقشة رواية الدون كيخوتي

اولا. قبل الدخول في المناقشة من النافع الالتفات الى ما يلي:

1.تم اختيار هذه الرواية لأنها تمثل ادبا لكاتب سجين ، ولكنه لم يكن سجين سياسي او عقائدي او فكري ، انما سجين بسبب الاخلال في النظم الانسانية ، وهذا بداية تحول غريب دراماتيكي في كتابة القصة يكون فيها القلم المخالف والمنتهك للعدالة الانسانية موجها ومحركا في مسرح الانسان.

2. هذه الرواية التي صدرت عام 1604 وطبعت عام 1605 ، تم توزيعها ونشرها بشكل كثيف وفي مناطق متعددة بحيث انها طبعت في بلدان اخرى وبيعت بسعر اقل من سعرها الاصلي في مملكة قشتالة صاحبة امتياز طباعتها ، بالإضافة الى ترجمتها الى عدة لغات عالمية فقد ترجمت الى اللغة الإنكليزية عام 1612 على يد توماس شيلتون . والفرنسية عام 1614 ، والإيطالية عام 1622، والألمانية عام 1648 والهولندية عام 1657 ...، وتسويقها على انها واحدة من أعظم الأعمال في الأدب العالمي ، واول رواية حديثة في اوربا ، والقيام بإنتاج سلسلة من الافلام السينمائية وكارتون الاطفال حولها ... ، وجعل جوائز ومسارح ومعاهد وجامعات ومؤسسات علمية وثقافية وصحية ، ومجلات ومهرجانات وعملات نقدية ونصب وتماثيل ولوحات باسم مؤلفها وابطال قصتها ، حتى ان أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل دافيد بن غوريون يعلن انه قد تعلم اللغة الإسبانية حتى يتمكن من قراءتها بلغتها الأصلية...، فهل كل هذا كان طبيعي ، ام ان هنالك توجيهات مركزية بدعم ونشر وتسويق هذه الرواية عالميا ، ليس من باب روعة الرواية وحبكة صياغتها ودقة معانيها بل قد يكون لأسباب اخرى؟
وان كانت هنالك اسباب ودواعي من اجل نشر وتوزيع ودعم هذه الرواية ، فما هي هذه الاسباب ، سيما وان الرواية تصنف من نوع ادب السخرية والهزل والتهكم ، وهذا ما سوف يتم التعرف عليه من خلال المناقشة:

ثانيا. المناقشة.

1.شخصية الدون كيخوتي والتي قُدِّمَتْ بعنوان رجل نبيل بوضع اقتصادي ميسور ، قد افنى زهرة عمره في قراءة جانب من الارث الانساني المعرفي وخصوصا ما يتعلق بكتب الفروسية التي تمجد القيم النبيلة والمثل العليا ، كنشر العدل والدفاع عن المظلومين والوقوف بوجه المستبدين...
حتى وصل الامر به الى عشق هذه المثل العليا ، والعزم على تجسيدها في ارض الواقع حيث السير على نهج الفرسان واقتفاء اثرهم من اجل خدمة الناس واعانتهم.
مثل هذه الشخصية لماذا تصدر بانها حالمة متوهمة لاعقلانية ، بحيث يصل بها التوهم الى ان تكون محل ازدراء واستهزاء الجميع ، فتخسر وبشكل مؤسف سمعتها وصحتها وكرامتها، قال الشاعر البريطاني اللورد غوردون بايرون :
ان هذه الرواية قد وجهت ضربة قاصمة للفروسية في إسبانيا
فهل الانشغال بالمطالعة والتعمق بالبحث والتدقيق ، وعشق القيم النبيلة ومحاولة تجسيدها عمليا على ارض الواقع ، يؤدي الى السقوط في بئر الوهم بحيث يكون البسطاء من الناس اعقل من تلك الشخصية واكثر تدبرا وحكمة؟
وهل فعلا هو صراع بين المثالية والواقعية كما يقول الفيلسوف الألماني فريدريش شيلينج في عمله فلسفة الفن بتفسير المصطلحات الأكثر حداثة وتأثيرًا ، معتمدًا على المواجهة بين المثالية والواقعية، والتي حولت دون كيخوتي إلى مقاتلًا تراجيديًا ضد الواقع الفظ والعدائي في دفاعه عن مثالية غير قابلة للتطبيق.
عليه فمن النافع اعادة استقراء مفردات هذه القصة ورمزيتها ضمن اطار انساني اوسع واعمق فالمشكلة لا يمكن حصرها من خلال الفشل او النجاح لتجربة واحدة ، او بممارسة استثنائية هنا او هناك ، بل نحتاج الى فهم آلية التغيير في المجتمع الانساني بصورة اجمالية ، وتكون ضمن رؤية واضحة ومحددة ، فأي تحرك لأي انسان وفي أي مجال يعتمد على تسلسل عقلي لا يمكن ان ينفك بين فرد وآخر وهو كالتالي :
تحديد الهدف ، والتخطيط للوصول الى الهدف ، وايجاد الالية العملية المناسبة لتحقيق الهدف ، وهذه الخطوات لا تتم الا ببعد معرفي تختلف صورته ووضوحه من شخص لآخر ، وعلى سبيل المثال الفلاح البسيط الامي :
لا يمكن ان يستهدف ارضا ليزرعها بدون ان يكون الهدف واضحا في ذهنه ، وآلية التطبيق والتخطيط لهذا الامر ، اما معرفته فقد لا تكون عن طريق القراءة وانما تكون عن طريق السماع او من خلال التجربة العملية ، فكأنما نقرأ في الرواية فشلا انسانيا استثنائيا يمكن ان نقربه واقعيا من خلال مثال الفلاح الذي خطط للزراعة وحدد ارضا ، وقام فعلا بعملية الزرع ، ولكنه لم يحصل على ناتج يتناسب وطموحه ، فهل هذا يعني ان نقوم بإلغاء الزراعة ، نتيجة هذه التجربة الغير الناجحة ، ام نقول انها تجربة استثنائية، وهذا هو المقارب للواقع العملي ، والاقرار العقلي
بالتالي لا يمكن اعتبار قضية الساعي لإصلاح المجتمع الانساني الذي ينتج مجتمعا عادلا تسود فيه القيم والمثل العليا او ما يسمى في الادبيات المعاصرة بالمنقذ للبشرية او المصلح الانساني العالمي المحارب لظلم الطبقات السياسية الفاسدة والايديولوجيات المنحرفة ، لتحقيق حياة حرة كريمة يسودها العدل والأمان ، عبارة عن احلام خيالية لا يمكن تطبيقها على ارض الواقع بالرغم من طول جذور هذه العقيدة الضاربة في عمق التاريخ البشري .

2.لماذا يُصَدَّرْ تابع الفارس النبيل ، شانزوا بانثا بهذه السذاجة بحيث لا يملك من الانسان الا بدنه الخالي من الروح ، ولذا انقاد بيسر خلف الفارس النبيل بالرغم من ظروف معيشته الصعبة تاركا زوجته واطفاله ، والحقيقة اننا ننظر من خلال شخصية شانزو ، انها صفه لأبناء المجتمع الكادحين المستضعفين الذين يمثلون وقود الثورات التي تستهدف العدالة الاجتماعية ولا يمكن ان نتصور أي تغيير اجتماعي يكون افراده متساوين بالإدراك والفهم ولكن يكون تقدير صواب التحرك حسب قيمة الاهداف المرسومة له والالية التي يتم تطبيقها ولا يتم تقييم التحرك من خلال المستوى العقلي لأفراده والا اسقطنا قيمة كل الثورات التي طالبت بالحقوق وواجهت الظلم فهل كان المجتمع الفرنسي المعاصر للثورة الفرنسية متساويا في ادراكاته ، وهل يمكن اليوم ان نقول ، ان الذين اندفعوا لمواجهة ظلم لويس السادس عشر ، جسدا بلا روح
هذا في الحقيقة استخفاف في مفهوم جدا مهم وهو التضحية من اجل الآخر ، وحقيقة هذه الفكرة التي تدور محورية القصة حولها ، انما تمثل رايا ساذجا تردد في المجتمع الانساني على طول خط وجوده المتقاعس عن تحقيق المستقبل الافضل للبشرية ، قال تعالى:
((فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ)) (هود من الآية :27)
فان صعود أي انسان في سفينة ، وسط عصر صحراوي الفكر والارض ، بعيد عن المياه من اجل ان يعيد بناء المجتمع الانساني على اسس القيم النبيلة التي تميل لها الفطرة الانسانية ، يمثل رؤية عميقة وشجاعة وتكامل عقلي ، يصفه المتقاعس بالحالم والمجنون والمتدني ، بينما هو في حقيقته المثال العملي والذي من خلاله تبنى المشاريع الجبارة والخطوات العظيمة للبشرية .

3. لماذا تُصَدَّرْ وسائل الفارس النبيل الساعي لخير الانسانية بشكل عاجز، رمح وخوذة ودرع بالية قد عفا عليها الزمن ، وحصان عجوز هزيل .
والحقيقة ان نسبة تأثير الادوات المادية في تحقيق الاهداف الانسانية ، قليلة ، فالتجربة الانسانية لو قدرنا عمرها بالالآف السنين تمتاز بالتكيف مع الضرف والنجاح بأبسط الادوات الممكنة وابسط شاهد الحضارات العملاقة القديمة التي نشأت بأدوات بسيطة
ولو قدمنا رؤية القران للمفهوم العددي ، قال تعالى:
((إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ )) (الانفال من الآية 65)
فهنا نجد في المنظور والايديولوجية الاسلامية رؤية اعمق لمفهوم التغيير تعتمد على الانسان ومقدار تعلقه بالهدف السامي والنسبة الطردية في تحقيق النجاح مع عدم اغفال الظرف العددي وليس الجانب المادي البحت ، فبالتالي حتى لو كانت الجيوش تمتلك احدث الاسلحة ، ولكن بدون بعد ايديولوجي واعتقاد عميق ، هذا يؤدي بها الى الفشل والهزيمة ، وامامنا الاتحاد السوفيتي اكبر ترسانة في العالم تفككت لأسباب تتعلق بالانكسار النفسي من الداخل ، وليس بسبب نقصان العدة او العدد .

4.
اـ لماذا يُصَّدَّرْ الفارس النبيل على انه في حالة من الصراع بين المثل والآلة بحيث يرى طواحين الهواء بانها شيطان ينبغي تحطيمها ، وهذا تجسيد لصراع بين المادة والمعنى ، والحقيقة لا يوجد هكذا صراع اطلاقا في ساحة المصلحين ، باعتبار ان اغلب اصحاب الرسالات الروحية ، كموسى وعيسى(عليهما السلام) ، والرسول الاكرم(محمد صلى الله عليه وآله وسلم)، رسموا تعاملا انسانيا عمليا مع الالة او الصناعة ، سواءً باستخدامها للدفاع عن النفس ، او حين استخدامها لتامين الاحتياجات الانسانية ، فلم نسمع او نقرا بان احد منهم رفض ناعور الماء او سراج النور وسرج الحصان ومحراث الزرع وماكنة حياكة نسيج القماش ...، بل كانوا منفتحين تماما على كل فكرة من شانها ، ان خدمة البشرية ، ولكن ومع هذا التطور الهائل في التكنلوجيا اليوم ، لا يمكن القول باننا اصبحنا لا نحتاج صفات الانسان النبيلة كالكرم والايثار والشجاعة والحلم ...، لان الآلة لا تغنينا عن هذا الصفات المحمودة هذا من جهة ومن جهة اخرى لا يوجد أي تعارض بينهما اطلاقا.

ب ـ لماذا يرى الفارس النبيل قطيع الاغنام ، بانها جيش العدو الذي ينبغي الوقوف بوجه وصده ؟
هل ان اصحاب المشاريع الاصلاحية الانسانية يهجمون على المخلوقات الوديعة النافعة في مسيرة اصلاحهم!
نعم الصراع بين الخير والشر على طول خط التاريخ الانساني ، يسقط في ثناياه بعض الابرياء ولكن لا يمكن وبأي حال من الاحوال تحميل مسؤوليته ، على عاتق رواد البشرية المصلحين ، والفكرة الاصلاحية انما هي لإحياء المجتمع الانساني ، فكيف تكون سببا في هلاكه ، وهذا ما تصرح به الادبيات العالمية عن الثورة الفرنسية بالرغم من دمويتها.

5. لماذا يتم تسفيه التغيير الاصلاحي بالمجتمع للوصول الى اليوم الذي يسود في العدل والمحبة والسلام جميع بقاع العالم واعتباره من اليوتوبيا البعيدة كل البعد عن التطبيق واقعيا ، مع ان امكانية وامل وجود هذا اليوم يقر به العديد من علماء البشرية ، قال ألبرت اينشتاين : (إن اليوم الذي يسود العالمَ كله فيه السلام والصفاء ويكونُ الناس متحابين متآخين ليس ببعيد).

المحور الثالث .استقراء مناظر لأطروحة الدون كيخوتي

نريد ان نقدم استقراء عملي للبديل المناسب او الموازي لإفرازات هذه الرواية من خلال تحرك السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس ).
ان هذه الرواية تحمل في طياتها عدد من المغالطات والاسس الفكرية الساذجة وتمثل بمجملها رسالة يراد لها ان تنتشر بين المجتمعات المقهورة والمستضعفة ، فارتأينا في سلسلة البحث ، ان نقدم رؤية تمثل عمق العقل الاسلامي المقاوم لكل اشكال الاستعباد ، من خلال ملاحظة تحرك سماحة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس )، سنذكر منه بعض الجوانب العملية والتي منها ما يلي:

1.قام السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس )، بدراسة جانب مهم من الارث المعرفي البشري وخصوصا المتعلق بسيرة ومنهج الفرسان كالنبي محمد ، والامير علي(صلوات الله عليهما)...، وعلى مدى عدة سنوات ، ضمن الجامعة الدينية في النجف الاشرف ، وهذه الدراسة حولها الى سلوك عملي ومعرفي وعاش تطبيقاتها ضمن تحركه المبارك ..
اذن هو رجل معبأ بفكرة الفارس المصلح ، وعندما وجد المجتمع الذي يعيش به مليء بالانتهاكات الانسانية نتيجة تسلط الظالمين عليه ، استخدم آليه ، وحدد هدف (هذا استقراء اجمالي لاحد جوانب تحركه)، فخرج لمواجهة الظلم الطاغوتي ، من خلال عملية الرفض السلمي ، وفق منهج اسلامي فهم مفرداته بشكل صحيح وحدد طريقة والية استخدام هذه المفردات بشكل صحيح وفي الوقت المناسب ، فاستقطب طبقة واسعة من المجتمع العراقي وخصوصا المحرومة والتي وقع عليها ظلم النظام الطاغوتي الصدامي بشكل كبير ، مشكلا بذلك قاعدة شعبية عقائدية ، لتكون بنية مجتمع يشعر بأهمية تحرره ورقيه وتكامله ، ودفع الظلم عن الانسان والارض والعرض...
اذن هو قد جسد رؤية اسلامية عميقة للمقاربة بين الواقعية والمثالية ، ومفهوما حداثويا للفروسية الاسلامية ، بالرغم من بساطة امكانياته وتظافر الظروف المعقدة والصعبة بوجه تحركه.
ومازلنا الى اليوم نجني من ثمار تحركه المبارك فمواجهة الاحتلال الامريكي ومقاومته وطرده كان من ثمار تحركه المبارك .
اذن لدينا ما يقارب السبع سنوات ، حُدِّدَ فيها هدف من قبل سماحته ، وآلية للتطبيق ، وضمن تخطيط محدد بالاعتماد على معرفة اكتسبها من فهمه للشخصية الاسلامية ، فكان مشروعا ناجحا ، وحقق جانبا كبيرا من اهدافه المحددة ، من خلال ذلك يمكن ان نقرأ بعدا مناظرا في الايديولوجية الاسلامية ، تقابل مغالطات ثيربانتس ضمن رؤيته الفلسفية التي سجلها في روايته الدون كيخوتي

2. من الممكن ان نقرأ بعدا فلسفيا من قبل سماحة السيد الشهيد محمد الصدر(قدس)، للمجتمع الانساني ، وهذا البعد الفلسفي يتمثل بما يلي:
ان ما يحتاجه الانسان لكي يتحرر من استعباد الدول والسياسات الفاسدة الظالمة ، يمكن تحقيقه من خلال تحديد اهداف تدريجية ، مع الالية المناسبة والتخطيط المناسب ، وضمن معرفة انسانية تقدمها الاطروحة الاسلامية ، وهذا ما يجعل الانسانية تخطو بسرعة لتحقيق هدفها المنشود في بناء مجتمع عادل يسود فيه الخير والعدل والسلام مهما كانت الظروف معقدة او صعبة ، بل وحتى لو اتفق سياسيو العالم الفاسدين بأجمعهم على الوقوف بوجه الانسانية ، مع ذلك يمكن للإنسانية مواجهتهم والانتصار عليهم

3. قدم السيد الشهيد، رؤية ايجابية للجهد الانساني ، أي ان الجهد الانساني الذي يستهدف المثل العليا لن يذهب سدى ، ولكن يحتاج الى الوقت الكافي لتحقيق اهدافه

4.ليس لكل فرد الامكانية في ممارسة دور القائد ، لان القيادة تحتاج الى مواصفات خاصة ، هي ليست اعجازية ، ولكنها فريدة وجوهرية ، وتمثل عاملا رئيسيا في تحقيق الهدف ، لأن الاهداف الانسانية وظروف الحياة تمثل حالة ديناميكية ، تستلزم قرارا يناسب الاوقات المختلفة وحسب تغيرات الظروف فيها

5.من المهم الالتفات الى ان الرؤية الفلسفية التي قدمها ثيربانتس في رواية الدون كيخوتي ، او المنظرين لها في وقتنا المعاصر ، هي ثقافة تُقرأ من قبل الطبقات السياسية واصحاب المشاريع الضخمة في العالم ، تماما كما قرأناها نحن ، أي انهم يرونها مجرد مغالطات ووسيلة لتخدير الشعوب ، او هي تعبير نموذجي للغة العاجزين والمتقاعسين ، في حين ان المنهجية التي يقومون بها حقيقة ، هي معاكسة تماما لهذه الرؤية واطارها الفلسفي ، والا كيف بنيت المشاريع العالمية الضخمة مع انها بدأت بأفكار بسيطة ، وادوات بسيطة ، ثم تشكلت هذا التشكل الذي نراه اليوم.

خلاصة المبحث:

هذه الرواية تمثل ارهاصات تأثر العقل الاجتماعي الغربي ، بعد المعارك الطاحنة التي خاضها الافراد البسطاء من المجتمع الغربي تحت لواء الحروب الصليبية ، وطرد المسلمين من الاندلس ، والتحرك بالأساطيل الاسبانية نحو العالم الجديد في الامريكيتين والصراع مع الهنود ، مما نتج عنه انكسار عبرت عنه هذه الرواية بشكل عالي ، حيث اصطدام الواقعية الظرفية التي عاشتها في ذلك الوقت الفروسية الغربية مع المثالية والوازع الانساني في وجدان الانسان ، باعتبار ان الموت في سبيل القيم النبيلة شيء انساني
قمنا من خلال هذا الاستقراء في الرواية ، اعطاء منظور حديث ، يتناول هذا النتاج الانساني الادبي ، اعتمادا على الظروف الواقعية المعاشة ، والتجارب البشرية التاريخية المسجلة ، لأنه اصبح ينعكس في رؤيا وتصرفات الكثير من ابناء المجتمعات الانسانية ، والفصل بين الواقعية والمثالية يمكن ان نقربه بالفصل بين الهدف والعمل من اجل تحقيقه
طبعا يمكن ان نستثني من ذلك اهدافا غير عقلائية ، وعملا لا يتناسب مع قيمة الهدف ، وقد اشرنا الى اهمية وجود القائد الفريد في خصائصه الذي يمتاز بالديناميكية في قراراته ، والقابلية في التأثير على سلوك الأفراد وتنسيق جهودهم لتحقيق أهداف معينة ، والذي يكون هو العامل القوي في ايصال جهود المجتمع الانساني المقهور الى النجاح في تحقيق اهدافه.
واخيرا يختم البحث بكلمة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)، حيث قال:
ان هداية المجتمع والدفاع عن الطبقات المحرومة والمستضعفة يستحق الفداء بأعظم الفداء واعظم انواع التضحية بالنحو الذي قدمه الحسين عليه السلام في عرصة كربلاء .

المصادر:
1.Fernández de Avellaneda – author of a spurious sequel to Don
Quixote, which in turn is referenced in the actual sequel
2. دون كيشوت، دراسة نقدية تحليلية، تأليف الدكتور جوزيف الياس
3.خطبة الجمعة (44)، للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)

( .... فإني والذي نفسي بيده ما قاومت الاحتلال لأجل الاستيلاء على الامور ...

The Fifty Fourth Friday of the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtada Al-Sadr (T...

The Fifty Fourth Friday of the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtada Al-Sadr (...

الأحد، 25 نوفمبر 2018

( مفاهيم جديدة حول اسباب غيبة الإمام المهدي عليه السلام ) ج2 / الاستاذ ع...

السيد الشهيد محمد الصدر قدس : المهم انه من الصحيح اني مولود في 17 من شهر...

( مفاهيم جديدة حول بعثة الرسول ( ص ) ودوره التكميلي في سعادة البشرية ) /...

برنامج ( تعلّم معنا علم المنطق ) للاستاذ طالب العلوي / الحلقة الثلاثون

الاثنين، 19 نوفمبر 2018

لماذا نعتقد بالإمام المهدي عليه السلام، قائدا للإنسان


1 ـ المستمع الواعي لصوت العقل والشرع ، يدرك بان الله(جل جلاله)، لم يخلقنا عبثا ، بل خلقنا من اجل السير في طريق الكمال والرقي الانساني وان يكون هذا السير اختياري وبشعور حر ، عسى ان نصل الى السعادة الحقيقية .

2 ـ اثبت الواقع المعاش بان تعاون العقل والحس بدون الوحي الالهي يبقيه قاصراً عن ادراك الكثير من الحقائق ، فها هي المنظومات الوضعية ، بالرغم من عمرها الطويل وخبرة الاف العلماء فيها الا انك تجد فيها الفجوات والثغرات والهفوات سواء كان ذلك الخلل في النظريات او في القوانين المشرعة لديهم ، مما يحتم على العقل ان يقبل بطريق ثالث وهو الوحي لسد النقص الحاصل من جراء القصور والتقصير ، لكي نصل الى جاده الصواب من جهة ، ولمعرفة كيفية الارتقاء في طريق التكامل الايجابي من جهة اخرى.

3 ـ ان العقل يرى بان قابليات الناس متفاوتة فهنالك:
ا. من يمتلك الاستعداد العالي والصفاء القلبي فاثمر العلماء والصالحين ، الذين نالتهم العناية والتربية والتأييد ، فطوي البعض منهم مراحل الكمال برشده العقلي وارتقى بروحه حتى اصبح يرى ظلم الناس وانتهاك حرياتهم وغصب حقوقهم ، على صورتها الحقيقة ، اي انها قاذورات ينبغي للعاقل ان يتجنبها ، وهذا هو الانسان الحقيقي الذي اراده الله خليفه وقائد ؟
ب.وهنالك من لوث فطرته فلم يلتزم بأبسط القيم الإنسانية ، او ارتدى ثوب الكسل ، فصعبت عليه اسهل المعارف العلمية ، فاثمر الاشرار والفاسدين الذين مالوا الى البهيمية وابتعدوا عن الإنسانية!

4 ـ لقد رأى العقلاء انه لابد من وجود مدارس للتربية والتعليم بمناهج علمية تربوية ولابد لهذه المدارس من معلمين من اجل أفهام التلاميذ مفردات تلك المناهج وكيفية تطبيقها ، واي خرق في هذه المنظومة ومفاصلها سوف ينعكس بالسلب على المسيرة التربوية والتعليمية لأنها سوف تتلكيء وتصاب بالكثير من الهفوات
اذن العقل يقر بضرورة وجود المعلم في كل مجالات الحياة ، سيما المعلم الانساني الذي يكون قائد انساني ، فوجوده ضرورة لابد منها من اجل الوصول الى الرقي الانساني .

5 ـ ان سلوك المعلم وافعاله من الاهمية بحيث انها تكون ابلغ في ايصال المعلومات في كثير من الاحيان سيما واننا محتاجين لمن يترجم التعليمات والقواعد الى سلوكها العملي الحقيقي ولا تبقى محبوسة في دائرة التطبيق النظري فحسب ، لأننا ومثلما نحتاج الى التعليم النظري نحتاج الى التربية من اجل تركيز وتجذير الخصائص الانسانية النبيلة ، وهذا من اولى مهام ومسؤوليات القائد الانساني ولذا هو قدوة واسوة .

النتيجة :
نعم بالرغم من وجود النصوص الشرعية والاخبار التاريخية العميقة الجذور ، الدالة على خروج وظهور قائد انساني نبيل يملئ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا ، الا انه ومع ذلك حينما تلتفت الى سيرة وقصص المصلحين في تراث البشرية ، وسيرة جمله من قادة الانسانية في الكتب السماوية ، فعليك ان تشعر بحكم من وراء تلك القصص المذكورة والتي تناقلتها الاجيال البشرية ومن هذه الحكم البحث عن مصاديقها في كل زمان ومكان للسير على خطاهم ، ونحن قوم وجدنا في زماننا هذا ان الشهيدين الصدرين، ونجلهما المقتدى من تلك المصاديق ، لانهم عاشوا عيشة الانسان في السراء والضراء ، ففرحوا لفرحه وحزنوا لحزنه ، ونصروه ودافعوا عن حقوقه حتى ُقتلوه من اجله.
وهذا ما فهمناه بعقولنا ووجدناه بكل شعورنا ، ولذا اتبعناهم اتباع الفصيل اثر امه ، وصدقناهم فيما يقولون من الحقائق التي بشرونا بها وفهمونا جملة من مفرداتها واخذوا بأيدينا للتمهيد لها والاستعداد الحقيقي لاستقبالها ، والتي من اهمها حقيقة الامام المهدي وانه هو القائد الانساني المصلح الذي سيحقق حلم المصلحين في بناء دولة الانسان العادلة والتي سوف تتجلى فيها جميع القيم الانسانية النبيلة ومبادئها السامية.

برنامج ( تعلّم معنا علم المنطق ) للاستاذ طالب العلوي / الحلقة التاسعة و ...

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

السيد الشهيد محمد الصدر قدس سره يذكر من هم اشد الناس بلاءً في الدنيا

سيد المقاومة الشريفة وقائدها السيد مقتدى الصدر يُحيي الحموع التي التحقت...

الكتاب المسموع ( نظرات اسلامية في اعلان حقوق الانسان )

العملية العسكرية النوعية ضد المحتل الامريكي التي خطط واشرف عليها بنفسه ا...

هل كان الامام الحسن العسكري(عليه السلام)، من احلاس البيوت ؟؟


اولا.
الذي يطلع على عصر الامام الحسن العسكري يجده مليءً بالملاحم والفتن حيث:
1.الصراع الدموي بين افراد بني العباس انفسهم واتباعهم من الاعاجم وكذلك صراع غيرهم كصاحب الزنج ، على زمام السلطة، وانعكاساته المريرة على طبقات واسعة من المجتمع ، والتي راحت ضحية تلك الصراعات .
2.الهجمات الفكرية والعقائدية ، وبروز الكثير من الفرق والحركات والتيارات المذهبية والطائفية والعنصرية ، وانجراف الكثير من فئات المجتمع خلف هذا وذاك من المنحرفين والمنشقين .
3. تفشي الكثير من الامراض والاوبئة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع نتيجة فساد وظلم السلطة الحاكمة واتباعها من جهة ، ونتيجة احداث الاضطرابات والصراعات كثورة الزنج من جهة اخرى.
عليه ووفق ما ذكر اعلاه وهو غيض من فيض ملامح عصر الامام الحسن العسكري(عليه السلام)، لابد ان يكون الامام العسكري(عليه السلام)، من احلاس البيوت اكيدا، فهو القائل:
(قد وضع بنو اُمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلّتين:
إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون (انّ) ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا إيّاها وتستقرّ في مركزها.
وثانيهما: انّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة الظلمة على يد القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول الى منع تولد القائم(عليه السلام) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتم نوره ولو كره المشركون)(منتخب الأثر: 359 ).
ثانيا.
الامام الحسن العسكري عليه السلام، كان يشعر حقيقة وبكل وجدانه وشعوره ووجوده ، بأبوته للناس ، اضافة الى انه حجة الله ووصي رسول الله وخليفته على الناس من بعد ابيه الامام علي الهادي(عليه السلام) ، اي ان هنالك مسؤوليات عظيمة تقع على عاتقه(عليه السلام) ، والتي منها:
1.حماية الناس من الوقوع ضحية لـحيل وألاعيب الاشرار والدفاع عن حقوقهم وخصوصا المتعلقة بحريتهم وكرامتهم من جهة ، ومواصلة الطريق في بنائهم ورقيهم وتكاملهم الانساني من جهة اخرى.
2.الحفاظ على منظومة الشريعة وقواعدها ، وافهام الناس كيفية تطبيق مفرداتها.
3. المحافظة على ولده الامام محمد المهدي عليه السلام ، وفكرة الدولة العادلة فلقد (...كان كل امام يقوم بدوره الكافي في التبليغ والارشاد الى هذه الفكرة الكبرى وقد كان لكل هذه التبليغات اثرها الكبير في ترسيخ فكرة المهدي في نفوس المسلمين بشكل عام ..، يأخذ كل فرد منهم ما يناسبه منها بحسب عمق ايمانه وسعة تفكيره واتجاه مذهبه في الاسلام(السيد الشهيد الصدر)).
وقاد شاركت المرأة في اعباء هذه المهمة الانسانية النبيلة ، متمثلة بالسيدة نرجس ، والدة الامام المهدي ، تلك المرأة الصابرة النقية(عليهما السلام).
اذن كيف أدى الامام العسكري(عليه السلام)، هذه المهمات وغيرها كثير ان كان حِلْساً حسب المعنى الشائع والدارج في اذهان الكثير من الناس ، فذلك المعنى لا يتلاءم وحجم هذه المهمات وطريقة ادائها مع ان الامام العسكري ، قد اداها على اكمل وجه ، وكان من احلاس البيوت كآبائه الطاهرين الذين(كانوا يمثلون دور المعارضة بشكل اعزل لا يراد به الا العدل الالهي ورضاء الله عز وجل )(السيد الشهيد الصدر))
عليه لابد ان يكون هنالك معنى آخر لأحلاس البيوت غير المعنى الشائع بين الكثير من الناس، فما هو ذلك المعنى يا ترى؟
ثالثا. قبل التطرق الى المعنى الحقيقي للحِلْس من النافع الالتفات الى ما يلي:
1.قاعدة احلاس البيوت رويت عن النبي محمد وعترته الطاهرة ، وهنالك جملة من الروايات في هذا المعنى ، فقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال:
كونوا ينابيع الحكمة ، مصابيح الهدى ، احلاس البيوت ، سرج الليل ، جدد القلوب..
2.المعنى الشائع عند الكثير من الناس للحِلْس هو:
اذا اجتاحت البلاد البلاءات والفتن والاوبئة والامراض ، فعلى المرء ان ينعزل في بيته وينطوي على نفسه واسرته ، حتى يمر البلاء او ينقضى الوباء ، وان تبع ذلك ضرر ناجم عن ترك نشر العلم ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، واعانة الناس وخصوصا المحتاج والمظلوم والمسكين منهم؟
رابعا. المعنى الحقيقي للحِلْس والذي كان يطبقه المعصومون عليهم السلام ، ومنهم الامام الحسن العسكري ، والذي يجب ان نفهمه ، لكي نطبقه ونتلافى الوقوع في الهفوات والاخطاء والمحاذير التي وقع بها الكثير من الناس ، قال الامام العسكري عليه السلام ، في مراسلته مع اسحاق بن اسماعيل النيسابوري:
(ولقد كانت منكم في أيام الماضي (عليه السلام) إلى ان مضى لسبيله وفي أيامي هذه ، أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسدّدي التوفيق)
وقبل بيان الجواب من النافع الالتفات الى الامثلة التالية لتقريب المطلب:
ا. لو اجتاح البلاد وباء من الامراض واعتزل جميع الاطباء والصيادلة في بيوتهم ، لكي لا يصابون بالوباء ، وحينما تسالهم عن حجتهم في ذلك ، يكون جوابهم انه:
في البلاءات والفتن على المرء ان يكون حلسا في بيته لتجنبها ، ونحن ملتزمين بتطبيق قاعدة الحِلْس.
فهل تطبيقهم لقاعدة الحلس بهذا الشكل صحيح يا ترى؟
وحينما ينعزل في البيوت الاطباء المعالجين واصحاب الادوية الصيادلة ، امام الاوبئة التي اجتاحت البلاد ، فماذا ستكون النتائج غير الدمار وهلاك الناس وما يلحقه من تبعات جمه
ب. حينما تجتاح البلاد هجمات اللصوص والقتلة ، امثال النواصب والدواعش والمحتلين ، وانعزل المحاربين وقادة العسكر والشباب ، مبررين انعزالهم بالالتزام بقاعدة الحلس
فهل تطبيقهم لقاعدة الحِلْس بهذا الشكل صحيح يا ترى؟
وحينما ينعزل الحماة عن صد هجمات الاعداء ، ماذا ستكون النتائج غير هلاك الحرث والنسل ، والدمار الشامل.
ج. حينما تشن الهجمات الفكرية والعقائدية والثقافية ، كالبعث والشيوعية والالحادية والاباحية ، وينعزل العلماء والمفكرين والباحثين ، بحجة التمسك بقاعدة الحلس وتطبيقها
فهل تطبيقهم لقاعدة الحلس بهذا الشكل صحيح يا ترى؟
وحينما ينعزل العلماء والمفكرين والعقلاء وذوي الحكمة والباحثين ، عن صد الهجمات الفكرية والعقائدية والثقافية والنفسية والاجتماعية...، المسلطة على المجتمع ، ماذا ستكون النتائج غير هلاكه وتدمير اسس قواعده ليكون مسخا ودون مرتبة البهيمية بمراتب.
اذن لابد ان يكون هنالك معنى حقيقي للحِلْس غير معناه الشائع وان النبي واهل بيته (عليهم السلام)، قد اعطوا لنا هذه القاعدة لتكون وسيلة نواجه بها البلاءات والفتن وليس وسيلة للتقهقر والانهزام ، اي انها فرس اصيلة نمتطيها لمواجهة البلاءات والمحن وليس من اجل الهروب ، وسلاح فعال نستخدمه وقت البلاءات والمحن وليس لخزنه وقت البلاءات والمحن!
عليه ما هو المعنى الحقيقي للحلس؟
الجواب:
معنى الحِلْس الحقيقي ، بينه الاستاذ الفاضل علي الزيدي في محاضرته الاولى من المحاضرات الستة لمحرم الحرام 1440 هـ ، والتي بعنوان (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)،حيث قال بما معناه ومضمونه:
(معنى الحِلس ، ان يكون الفرد صلب العقيدة لا تؤثر به الفتن الخارجية ، يعرف كيف يتعامل مع الخارج ومع الفرد الاخر ، وكيف يوصل المباني الاسلامية الحقة الى المجتمع من دون أن يتأثر بهم، اي :
كأبن اللبون لا ظهرٌ فيُركب ولا ضُرعٌ فيُحلب
اي من دون أن يُركب من قبلهم فيكون امعه ، ويمكن لأي انسان ان يأتي ويصعد عليه فيجعله دابة لتمشية مشاريعه، ولا ضُرع فيُحلب ، اي لا تسحب وتمتص عقيدته الحقة من قبل الاخرين ويتخلى عنها ، فتسلب ويكون خاويا )
اذن هنالك فرق واسع وجوهري بين معنى:
1.الحلس الدارج بين الكثير من الناس والذي في واقعه الحقيقي خدعة ومكر من اساليب جهة الشر لتمرير مشاريعهم الفاسدة ، والتي انطلت على الكثير من الناس فجعلتهم مشلولين الحركة ، محبوسين في البيوت كأنهم موتى، والاشرار في الخارج يسرحون ويمرحون ويعيثون في الارض فسادا ، وقد راينا نتائج ذلك بأم اعيننا فلو تصدينا للبعث والبعثيين بداية هجومهم لكنا قد تجنبنا جميع الويلات التي اصابتنا بسببهم ، ولو تصدينا بكل حزم واصرار للفساد والفاسدين لتجنبنا جميع الويلات التي اثقلت كاهل شعبنا وعرقلة مسيرة رقيه الانساني .
2.وبين معنى الحلس الحقيقي الوارد عن المعصومين عليهم السلام والذي يجعلنا احياء نواجه اساليب جهة الشر مهما كثرت وتنوعت وتطورت ، بصورة تجعلنا نرتقي ونتكامل في مراتب الانسانية ، بل وتتجذر فينا الخصائص الانسانية بشكل اتم وامثل ، كالطرح الفكري الرائع الذي يحصل كلما واجهت المفكرين مطالب وشبهات جديدة ، والطب الذي يتطور كلما واجهت الاطباء امراض جديدة ، والتكنولوجيا التي تتقدم كلما واجهت المهندسين مشاكل جديدة.
من مصادر المقال:
1.العلم والحكمة لمحمد الريشهري ، وغيبة النعماني : 203 / 5
2.موسوعة الامام المهدي (عليه السلام) للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)ج1(تاريخ الغيبة الصغرى)

الخميس، 8 نوفمبر 2018

السيد الشهيد محمد الصدر قدس يتحدث عن الامام الرضا (سلام الله عليه) في ذك...

The Forty Ninth Friday of the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtada Al-Sadr (...

لماذا يعاقب الله العبد المؤمن في الدنيا ؟ هذا ما ما يجيبنا عنه السيد مق...

جانب من حضور السيد مقتدى الصدر مجلس العزاء السنوي المقام بذكرى استشهاد ...

الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

محمد حقيقة يجب ان نعيد التفكير بها من جديد لكي نفهم ماذا يريد


في الواقع لازال الكثير منا بعيد الفهم عن حقيقة النبي محمد وفكره وسلوكه ومنهجه(صلى الله عليه وآله وسلم) ...، ولا اكاد ابالغ ان قلت ان الكثير منا لم يغادر دائرة الفهم السطحي القشري لهذه الحقيقة، والدليل على ذلك هو:
كثرة ما وقعنا فيه من مشاكل وهفوات وتعثر اثناء المسير باتجاه الرقي الانساني ، فان دل هذا على شيء فإنما يدل على سطحية فهمنا القشري لحقيقة محمد ومنهجه وسلوكه (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعليه :
ان كنا لم نفهم حقيقة محمد الفهم الصحيح ، فهل يا ترى نتمكن من اتخاذه قدوة ونتأسى به؟
هيهات ، فكيف يمكن للفرد ان يتأسى بقدوة جاهل بها اصلا؟
ثم ان الامر تعدى ذلك ، حيث اننا بينا للبشرية محمد الذي لم نفهمه الفهم الصحيح ، وانما توهمنا باننا فهمناه من خلال تفكيرنا السطحي القشري وهذا ما انتج مظلوميتين :
الاولى.
للبشرية ، وذلك لان فهمنا السطحي القشري الخاطئ قد ساعد في حجب الكثير من حقيقة محمد عن الانسانية.
الثاني.
لمحمد نفسه فقد ظلمناه بفهمنا السطحي القشري المغلوط ، وهذا بحد ذاته ظلم لإنسان نبيل ومصلح كريم ، حينها سنكون مشاركين بالحاق الاذى لهذا النبي الذي ما اوذي نبي مثل ما اوذي(صلى الله عليه وآله وسلم)
اذن يجب ان نعيد التفكير الجدي بمحمد عسى ان نقترب من فهمه ، الفهم الصحيح لكي نتمكن من الاقتراب من معرفته ، عسى ان نتأسى به ونقتدي.
فان قيل ولكن حقيقة محمد لا يعرفها الا الله وعلي؟
الجواب:
نعم ذلك مقام وتلك مرتبة من المعرفة الحقيقية الواقعية التي هي فوق ادراكنا بمراتب والتي لا يمكن لنا حتى ان نتصورها فضلا عن ادراكها ، ولكن هنالك مراتب من المعرفة المتعلقة بحقيقة محمد يمكن لنا الوصول اليها ، والا لما جاء التكليف والتوجيه لنا بان نتأسى به ، لان التكليف دون الوسع والطاقة يقينا ، والتوجيه لابد ان يتلاءم مع الاستطاعة اكيدا، لكي يكون الفرد قادرا على الاداء.
عليه كيف يمكن لنا ان نتقدم خطوه في فهم حقيقة محمد ؟
الجواب:
يمكن لنا ان نتقدم خطوة في فهم حقيقة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، اذا حاولنا ان نجتهد في ذلك وننظر بقواعد وقوالب متلائمة مع مرحلة التكامل الانساني للبشرية ، وقبل الدخول في المطلب لنستمع الى هذه الرواية التي نقلها الشيخ الكليني في الكافي ج ٦ - الصفحة ٢٧١ ، بسنده حيث قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: مرت امرأة بذية برسول الله صلى الله عليه وآله وهو يأكل وهو جالس على الحضيض (قرار الأرض وأسفل الجبل) فقالت: يا محمد إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: إني عبد وأي عبد أعبد مني، قالت: فناولني لقمة من طعامك فناولها فقالت لا والله إلا الذي في فيك فأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله اللقمة من فيه فناولها فأكلتها قال أبو عبد الله عليه السلام: فما أصابها بذاء حتى فارقت الدنيا(انتهى).
وللتعرف على معنى من معاني هذه الرواية ، لنعود الى الجذر الفلسفي الذي اشار اليه الاستاذ الفاضل علي الزيدي في احدى محاضراته الستة لمحرم الحرام 1440 هجـ ، وهو:
ان الموت علة للحياة ، او العدم علة للوجود
فيمكن ان نستشف منه : ان العدم علة للحياة
ففي المقال السابق (محمد هو الحياة التي يمكن لكل انسان ان يسعى اليها) ، ذكرت انه:
(عاش الانسان النبيل محمد بكل روحه وقلبه ونفسه وشعوره ووجدانه ، بانه لا شيء امام الله اطلاقا ، وان كل شيء لله وحده فقط ، أي انه لم تكن لديه أي علائق تحول بينه وبين الله)
والان يمكن التقدم خطوة اخرى والقول :
ان الانسان النبيل محمد عاش بروحه وقلبه ونفسه وشعوره ووجدانه ، بانه لا شيء امام باقي المخلوقات ومنها الانسان ، أي انه كان يشعر بعدميته في قبال اي انسان اخر، وكلما تقدم الرسول باتجاه الرقي الانساني مرتبه بقي هذا الشعور لصيقا به ولم يفارقه ابدا ، حتى حينما وصل الى مرتبة الفرد الاكمل والمثال الانساني الاعلى.
اذن من يريد ان يقتدي بمحمد يجب ان يرى محمد بهذا المنظار ، والذي يريد ان يتأسى بمحمد ، عليه ان يشعر بعدميته امام المخلوقات بشكل عام والانسان بشكل خاص، لكي يتمكن من الرقي والتكامل الانساني ، كطالب العلم ، فالتلميذ حينما يدخل المدرسة اول مرة يجب ان يكون مهيئ لاستقبال العلم ، أي تكون ساحته مهيئة لاستقبال العلم ، وبمعنى اخر فارغة لاستقبال العلم ، وهكذا خلال طيلة رحلته المدرسية ، يسمى تلميذ ، او طالب ، لأنه كلما انتقل الى مرحلة اعلى ، عليه ان يواجهها وقد افرغ ساحته لاستقبال العلم فيها ، اما لو كان الفرد الجالس امام المعلم يشعر بانه عالم ، حينها سوف لن يتعلم بالتأكيد؟
ولتقريب المطلب اكثر يتم ذكر هذه الحادثة التي ذكرها السيد حسين دستغيب في كتابه القلب السليم ج2 ص92:
روي أن الله -تبارك وتعالى- أوحى لموسى (؏):
عـندما تأتي للمناجاة هذه المرة إجلب معك من تعتقد أنك أفـضل منه وأرقى.
فطفق موسى يبحث هنا وهناك، وينظر إلى هذا وذاك ويتصفح وجوه الناس ويفكر مع نفسه لكنه لم يجرؤ أن يعتبر نفسه أفضل من أي واحد منهم أو أرقى، ولذلك قرر الالتفات إلى الحيوانات مضطراً وطفق يبحث بينها على بُغيته، فلم يعثر على ضالته المنشودة، وكاد أن ييأس من ذلك، إلا أنه وقع نظره على كلب أجرب.
فقال مع نفسه:
( لولا أخذت معي هذا الكلب ).
فجاء بحبل ووضعه في رقبة الكلب، وفي الموعد المحدد للمناجاة انطلق بالكلب الأجرب متجهاً نحو جبل الطور، وبعد مسافة قصيرة ألقى الحبل من يده بعد أن ندم من جلبه الكلب وفك الحبل عن رقبته وخلّى سبيله.
وعندما وصل إلى محل المناجاة أوحى إليه الله تبارك وتعالى:
هل جلبت يا موسى ما كنا أمرناك بجلبه في المرة السابقة.
أجاب موسى:
إلـهي انني لم أجد ما طلبته مني.
فقال الله (جل جلاله):
وعـزتي وجلالي، لو كنت أتيت به لمحوت اسمك من ديوان الأنبياء(انتهى).
اذن ومن هذه الحادثة يمكن لنا فهم صورة من معاني المطلب ، وهو:
ان الانسان ولكي يكون انسانا يجب ان لا يشعر بأهميته في داخل نفسه قبال مخلوقات الله ومنها الانسان فيكون حينئذ صفر امام الانسانية التي حوله، حينها سوف يتخلص من السلبيات ويتمكن من الرقي نحو الحياة الاكمل ، وسوف تتركز به الخصائص الانسانية.
ومن هذه الفهم يمكن لنا الوقوف على صورة من صور معاني قوله تعالى:
((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47))
أي انه تم تصفير قلوبهم من الغل ، بعد نزعه منها ، ولذا اصبحوا :
((لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48))
لأنه لو بقي الغل في قلوبهم لما استطاعوا التلذذ بالحياة في الجنان ولمسهم النصب .

الاثنين، 5 نوفمبر 2018

فراق المصطفى مأساة كبرى ومحنة عظمى.



حينما خفت ضوء النور الالهي في المعمورة ، طوى البشرية ظلام دامس ، فأكل الغني الفقير والقوي الضعيف واُنتهكت كرامة الانسان حتى اصبح سلعة يباع ويشترى بـ أبخس الاثمان ، ووأدت الطفلة باعتبارها عار وسبة...
في هذا الوضع الرهيب حيث طوفان الظلم والفساد اجتاح الارض واهلك ما فيها الا من عصم الله ، فاضمحل الامل عند المظلومين وانقطع الرجاء عند المحرومين وطفح الياس عند العقلاء واستولى الحزن على الفقراء ...
انبلج الصبح بنور النبي احمد ، ذاك النبيل الامجد ، ومعه سفينة عظيمة ، وكأنه ينادي بأعلى صوته ، النجاة ، النجاة ، النجاة
ايها الناس خذوا مني اطواق النجاة ، وتمسكوا بها كي انقذكم من الهلاك ، ساحبا الغرقى بيديه الكريمتين ، نحو سفينته ، ليغمرهم بعطفه ويشملهم بكرمه ، فتزداد بوجه سفينته الامواج العاتية عتوا وشدة ، تبتغي ابادته وتحطيم سفينته للحؤول بينه وبين الغرقى ، فلم يثنيه ذلك ابدا ، فلقد كان سعيدا بانقاذ الناس من جهة ، وحزينا على من ابى النجاة من جهة اخرى ، وهكذا ، رويدا رويدا تنحسر الامواج ويهدأ البحر ، فتجري السفينة في عبابه بكل سكينة ، تواصل سيرها نحو ما اعده الله لها من خير عظيم ورزق كريم ، وفي كل مرة ينشغل فيها النبي ، بشؤون من التقطهم يجعل اخيه المرتضى في حجرة قيادته ليكون ربان سفينته ، معلنها بمليء فمه :
يا علي، أنت أخي ووارثي ووصيي وخليفتي في أهلي وأمتي في حياتي وبعد مماتي.، أنت مني بمنزلة هارون من موسى.، من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ،...
وتستمر الرحلة ويا لها من رحلة ، فما احلى العمل فيها وما اجمل البذل فيها ، وما اروع الاخلاص فيها ...، حيث سكان السفينة متنعمين ببركات ذلك المصلح العظيم الذي ارسله العطوف رحمة للعالمين ، لاحت للناظرين جزيرة الدنيا وزخارف زينتها ، واذا بزمرة ممن تسللوا مع من انقذهم منقذ العالمين فيمن انقذ ، يجمعون امرهم للنزول الى جزيرة الدنيا ، والاستيلاء عليها ، بعد قتل المنقذ ، فقد وسوست لهم انفسهم الشريرة ، بان الاستيلاء على جزيرة الدنيا لن يتم الا بقتله ، معتبرين وجوده من اشد الموانع امام رغبتهم في تملك جزيرة الدنيا والتلذذ بمتاعها ، فيتحينون فرصة الغدر، حتى اذا سنحت لهم امتدت ايديهم نحو المنقذ النبيل فاردوه قتيلا ، معلنيها بأشد الصلافة وقاحة ، عن رغبتهم بالنزول من السفينة الى تلك الجزيرة واتبعهم الكثير ممن ركنوا للذين ظلموا ، تاركين الوصي في محنته العظيمة بفقدان اخيه النبي ، معرضين عن سماع نصيحة بضعة النبي التي خرجت من خدرها لتحذرهم عاقبة الانقلاب على الاعقاب ، ولكن دون جدوى ، ففروا الى براثن ما انقذهم النبي منه ، زاهدين بقوله :
إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
وهكذا وبعد عظيم المحنة وشدة المأساة في فراق المنقذ العظيم والمصلح النبيل المصطفى المحمود احمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، واصلت السفينة مسيرها بقيادة اولياء الله واوصياء رسول الله ، لكي تصل الى جزيرة الله ، فتبني مدينة الانسان الاكمل وحضارة الانسان الامثل ، فطوبى لمن ركب سفينة رسول الله فقد فاز فوزا عظيما ، وسحقا لمن تخلف عنها فقد خسر خسرانا مبينا.

الأحد، 4 نوفمبر 2018

السيد مقتدى الصدر :- كل من يستطيع ان يحضر الى النجف الاشرف وليس فيه ضرر ...

السيد الشهيد محمد الصدر قدس يذكر معجزة خالدة اخرى (غير القرآن الكريم) لل...

محمد هو الحياة التي يمكن لكل انسان ان يسعى اليها


الانسان هو اكرم مخلوقات الله ، الذي خُلِقَ من أجل غاية نبيلة يسعى للوصول اليها ، ولمحبة الله له ، اكرمه بقدوة يقتدي بها واسوة حسنة يتأسى بها ، وهذه القدوة هي ذلك الانسان النبيل والمصلح الكريم الذي انعدمت عنده كل العلائق التي تحول بينه وبين حبيبه ، فكان العدم عنده علة للحياة الحقيقية ، الا وهو المحمود المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فما احوجنا للتأسي به واقتفاء اثره عسى ان نصل الى الحياة الحقيقية ، وهذا من دواعي هذا المبحث المتكون من محورين :

المحور الاول / عدمية رسول الله علة لحياته العظيمة.

اشار الاستاذ الفاضل علي الزيدي ، في احد محاضراته الستة لموسم محرم الحرام 1440هـ ، الى هذا الجذر الفلسفي المهم وهو:
ان العدم علة للحياة
وهنا سنحاول ان نستقرأ حياة الرسول الاكرم من خلال مدخل عدميته فلقد عاش الانسان النبيل محمد بكل روحه وقلبه ونفسه وشعوره ووجدانه ، بانه لا شيء امام الله اطلاقا ، وان كل شيء لله وحده فقط ، أي انه لم تكن لديه أي علائق تحول بينه وبين الله ، فكان لا يرى شيئا سوى الله ، فوهبه الله كل شيء ، ولذا كانت حياته عظيمة وبها انقذ امم واحياها ، وكون خير امة اخرجت للناس.
فكيف انقذ المجتمع ، وكون خير امة اخرجت للناس ؟

اولا. حالة المجتمع المعاصر للرسول الاكرم.
لقد كان المجتمع المعاصر للرسول كثير الادران مليء بالشوائب ، فلقد كان مجتمعا يعيش في بيئة صحراوية انعكست قسوتها على حالة المعيشة فيها ، فالقبائل يغير بعضها على بعض لتامين لقمة العيش عن طريق السلب والنهب وما يصاحبه من اراقة الدماء وازهاق النفوس وانتهاك الاعراض وسبي الذراري ، فانتشرت الكثير من السلبيات فيهم كوجود:
دور اللهو والمجون ، وكثرة ابناء الفراش واستعمال الربا في التعاملات ، وانتشار السحرة والمشعوذين بينهم ، وتفشي الامية عندهم ، وقلة الوعي في تفكيرهم ، واضمحلال شعورهم بالمسؤولية...

ثانيا. كيفية انقاذ المجتمع .
توجه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نحو هذا المجتمع لإنقاذه ، بكل عطف ورحمة باذلا كل طاقاته وبأقصى جهده ، بالرغم من وجود عدة معرقلات والتي منها:

ا. تدني فكر ووعي المجتمع وخشونة سلوكه وطباعه
ب. كثرة المناوئين والخصوم والاعداء الموجودين والذين منهم:

1.عتاة قريش الجبابرة المنتفعين كليا من مآسي الوضع المعاش والبانين كل مصالحهم ونفوذهم وحياتهم عليه ، والمحيطين بالرسول احاطة الحلقة بمعصم اليد.
2.اشرار المشركين في جزيرة العرب المتغطرسين الطباع والسلوك والذين سلوتهم في القتل وسفك الدماء ، ومعيشتهم على السلب والنهب ، وافتخارهم بكثرة الزنا وشرب الخمر ...
3.مردة اليهود الذين شاقوا الله ورسله وتلطخت ايديهم بسفك دماء انبياء الله واولياءه ، والذين اعتاشوا على الدسائس والمكائد ، والمتربصين لأي نفس او حركة تشير ولو ظنا لخروج اي نبي ، لينقضوا عليه مسرعين من اجل القضاء عليه ، سيما وان علماؤهم يعلمون بانه لم يبقى من الانبياء والمرسلين الا خاتمهم وسيدهم ، وعندهم اوصافه ومحل سكناه ودار هجرته...
4.طواغيت الدول المجاورة وعملائهم بالمنطقة ، الرافضين حتى سماع دعوة النبي والاصغاء الى مضمون رسالته.

ومع ذلك وغيره كثير ، كان النبي يؤمن بضرورة واهمية الانقاذ والاصلاح ، وانها مهمة نبيلة ، تستحق الصبر والبذل والتضحية ، لأنها رسالة كونية عظيمة تحتاج الى تبليغها وترسيخ اسسها وبناء قواعدها ، فهي المتكفلة بضمان كرامة الانسان ونيل حريته وسعادته ورقيه وتكامله وفق ما يريده الله ويرضاه.
ولذا سعى الرسول بالحكمة والموعظة الحسنة وبكل حنان وعاطفة ، من اجل اقناع المجتمع وافهامه لكي يشعر بأهمية التخلص من العلائق المتمثلة بالأدران والشوائب الناجمة عن ارتكاب الموبقات والمحرمات لكي يعدمها شيئا فشيئا ، مبينا لهم بان ضرر هذه الامور خطير فهي سبب النصب والضعف والتمزق والحزن فيجب التخلي عنها ، لأنها جعلت من الناس تعيش في صراعات وهمية
اذن يجب الرجوع الى الفطرة السليمة لتكون العقول والقلوب سليمة ، والنفوس نقية ، وخالية من علائق الشر والرذيلة والفساد بعد اعدامها شيئا فشيئا .
وهكذا اوقفهم الرسول على هذه الحقيقة البالغة الاهمية وهي:
ان الفرد كلما استشعر انه لا شيء ، لأنه اصلا لم يكن شيئا ، حينها سيتمكن من العودة الى فطرته السليمة ، وسيشعر بقيمة النعم الالهية والفضل الالهي والاحسان الالهي ، اما حينما يستشعر الانسان ان له وجود قبال وجود الله وانه شيء وعلى شيء ، فحينها لن يشعر بحقيقة النعم الالهية واهمية النعم الالهية ، ولن يتمكن من النهوض والتعلم والتفكير ، لذا ترى شهواته ونزواته هي التي تقوده باتجاه السرقة والزنا والقتل ...، فهو لا يستشعر حقيقة انه لا شيء قبال الله ، قال تعالى(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ)
اذن محورية حركة العدمية، اصبحت علة للحياة الجديدة وبؤرة التأسيس من اجل التغير الايجابي نحو التكامل ، فلا يمكن زرع مغروسات الفضيلة وازهار المحبة واشجار الخير والنماء ، في ارض مليئة بمغروسات الرذيلة واشجار الفساد والرذيلة ، عليه لابد من تطهير الارض وتصفيرها ، وذلك بإعدام جميع تلك الاشجار الفاسدة والمغروسات الضارة وقلعها من جذورها ، ليحل محلها نباتات ومغروسات الخير والعطاء ، أي يجب التخلص والتخلي من أي سلوك منحرف وفكر متطرف ، لكي يحل محله السلوك الصحيح والفكر الراقي ، وهذا ما قام به الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

المحور الثاني: إنما أنا بشر مثلكم.

وهذه قاعدة بالغة الاهمية تبين لنا وبشكل جلي عدة معاني والتي منها:
1.انه يمكن لكل انسان ان يقتدي برسول الله ويتأسى به صلى الله عليه وآله وسلم
2.ان الرسول الاكرم مع اهمية رسالته وعظيم مسؤوليته وثقل امانتها ، يعمل بالأدوات الممكنة والاسلوب المتيسر المتناسب مع افهام الجميع بشكل عام ، والافراد ، فردا فردا بشكل خاص ، بلا كلل ولا ملل ، مهما كان ذلك الفرد متدني الفكر ومحدود الفهم وخشن الطباع ، لذا فانه (صلى الله عليه وآله وسلم)، استطاع التأثير بكل فرد عاصره او لم يعاصره مهما كان ذلك الفرد وحشيا ومنحرفا.
3.انه (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يعيش معيشتهم البسيطة فيأكل الطعام البسيط ويلبس الملابس البسيطة الخشنة ويسكن المسكن البسيط ويركب الحمار العاري ويجلس مع العبيد ويجيب دعوة المملوك الى قرص الشعير ، موجود بينهم غير معزول عنهم يبكي لبكائهم ويحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم غير متكبر عليهم ، بل انه معهم وكانه احدهم ، فاحبوه من كل قلوبهم وكانوا يسمعونه بكل جوارحهم ، لذا تسابقوا في شرح تعاليمه ونشر فضائله لانهم رأوه الروح التي احيتهم والبلسم الذي داوى جراحهم والعطر الزكي الذي ملء انفسهم وانشرحت له قلوبهم.

نعم لقد بالغ الخصوم والاعداء في محاربته وابداء الاذى اتجاهه واسرته ، ولكنه كان يبادلهم بالعطف والحنان...
حاصروه ثلاث سنوات في شعب ابي طالب مع اهل بيته حتى راح في ظلم هذا الحصار عمه سيد البطحاء ابو طالب ، وزوجته الحنون السيدة خديجة الكبرى ، ولم يتغير في عطفه وحنانه اتجاههم قيد شعرة ، بل انه كان يحزن ويبكي بشدة من اجلهم فخاطبه حبيبه ، بقوله(فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) ، وحينما اصروا على ابادته واستئصاله ومن انقذهم ، امر اتباعه ومحبيه بالهجرة الى ارض الله الواسعة ، وبقي هو حتى اطمئن على هجرتهم جميعا ثم هاجر لتكون هجرته مؤشر للانتقال الى الحياة المدنية التي تليق بكرامة الانسان علما وادبا ، ولكي يكون الانسان انسانا كما خلقه الله واكرمه، وفعلا تأسست نواة دولة الانسان وقاعدة امة الانسان وفق اعدل واكمل نظام عرفه الانسان .

خلاصة المبحث:

1.يجب على الفرد ان يستشعر بان لاوجود له قبال الله تعالى وان الوجود الحقيقي لله وحده فقط ، وحينما يستشعر بعدميته سوف يستشعر قيمة نعم الله ، وقيمة رحمة الله ، وقيمة فضل الله ، وهذا الشعور هو الذي يجعل منه انسانا .
2. لابد للإنسان من قدوة يتأسى به ، وخير قدوة وافضل قدوة واعلى قدوة ، هو ذلك الفرد الاكمل الذي تخلى عن جميع العلائق التي تحول بينه وبين خالقه فكان لا يرى لنفسه أي شيء قبال الله فمنحه الله كل شيء ، فاصبح هو الحياة الحقيقية التي ينبغي للإنسان ان يسعى اليها، الا وهو النبي المحمود احمد(صلى الله عليه وآله وسلم)
3.يجب عدم الالتفات الى المعرقلات والمبررات واتخاذها حجة وذريعة لأنها سوف تحول بين الفرد وبين ان يكون انسانا كما خلقه الله واراده ، فمهما كانت المعرقلات شديدة فإنها لن تكون بشدة المعرقات التي واجهها الرسول الاكرم ، ومع ذلك فإنها لم ولن تحول دون تنفيذ مطالبه وتحقيق اهدافه.
4.ان الاصلاح الداخلي مقدم على الاصلاح الخارجي فيجب على الفرد ان يبدأ بنفسه اولا ليصلحها ثم اسرته وهكذا الى ان يصل الى مرحلة اصلاح المجتمع ، ولا يمكن للفرد ان يكون مصلحا ، ان لم يكن صالحا اطلاقا.
5.يجب على الانسان ان يواصل مسيره ويسعى في طريق كماله وان كانت الادوات المتوفرة بسيطة والوسائل المتاحة محدودة ، فالإيمان بالهدف النبيل والهمة العالية والجد والاجتهاد والصبر والتضحية كفيلة بتذليل الصعاب وتحقيق المطالب.
6. الذين يشعرون بوجود اهمية لأنفسهم وانهم شيء في قبال الله ، أي انهم لم يعدموا العلائق التي تحول بينهم وبين الله ، ولم يصفروا ساحة انفسهم وقلوبهم من الادران والشوائب وخصوصا الخطير منها فانهم لم يسايروا رسول الله ولم يتخذوه قدوة واسوة حقيقة ، وان بدوا ظاهرا انهم يسايروه ، فهؤلاء وفي لحظة الانتقال المفصلية كلحظة شهادة رسول الله لن يتمكنوا من الانتقال الى حياة ضمن مرحلة الولاية.
7.ان جهود النبي الاكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، في انقاذ البشرية ومدها بالحياة الحقيقية لن تذهب سدا اطلاقا لأنها بذلت خالصة لوجه الله تعالى ، عليه لابد من تحقق ذلك اليوم الذي تصل به البشرية الى الغاية التي خلقت من اجلها وتحيا حياة الانسانية وكما اراده الله تعالى لها.

السبت، 3 نوفمبر 2018

السيد القائد مقتدى الصدر يدعو الى توّحد المسلمين بمناسبة وفاة واستشهاد س...

The Forty eighth Friday of the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtada Al-Sadr (T...

The Forty eighth Friday of the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtada Al-Sadr ...

السيد الشهيد محمد الصدر قدس يتحدث عن تواضع الرسول الاعظم محمد ص ورفضه لت...

السيد مقتدى الصدر يقدّم التعازي ويؤدي الطاعة بمناسبة استشهاد النـبيّ الأ...

برنامج ( تعلّم معنا علم المنطق ) للاستاذ طالب العلوي / الحلقة الثامنة و ...

الأحد، 28 أكتوبر 2018

تساؤل وجواب بخصوص الزيارة الاربعينية


شكك البعض من الافراد في موضوع الزيارة الاربعينية ، حتى وصل الامر ، عند بعض المتشددين انه اعتبرها بدعة وان عاقبتها ستكون اثما ، لذا من النافع الالتفات الى بعض صور الاجابة وكما يلي :

اولا.
بالتأكيد من حق اي فرد ، الرفض او الاعتراض او التساؤل ...، حول اي موضوع ما
ولكن الحكم المسبق من دون دلائل عقلية او اخلاقية او شرعية او حتى عرفية ، وكذلك الحكم المتسرع وسيما من الذين ينظرون للمواضيع من زاوية واحدة او من بعض الزوايا ، فهذا الحكم بالتأكيد سوف يكون بعيد عن كبد الحقيقة ، وقد يكون محل استغراب واستهجان لدى العقلاء ، فمثلا:
الزيارة الاربعينية للإمام الحسين عليه السلام ، المتزامنة مع العشرين من شهر صفر الخير من كل عام هجري
ما هو الضرر الناجم عنها لكي يتم التشكيك بصحتها ، وصحة عمل المشارك فيها ، بل ويصل الحد عند بعض المتطرفين الى اعتبار المشارك فيها آثم ؟!
فهنالك انسان نبيل معروف النسب والحسب مشهور المناقب كثير الفضائل ، رفض الظلم والفساد ورفض القهر والاستعباد ، ورفض الذلة والخضوع ، واصر على ان يعيش الانسان انسانا محفوظ الكرامة مضمون الحرية...
وقد بذل من اجل ذلك الغالي والنفيس حتى راح شهيدا مظلوما عطشانا هو واسرته وصحبه من اجل ان تحيا الانسانية حياة النبلاء
فمثل هذا الفرد الاكمل الا ينبغي ان يكون قدوة للبشرية تستذكره كل حين لكي تحيا حياة النبلاء؟
وفعلا هذا الذي حدث ، فقد ابت الانسانية وافرادها الكمل ان ينسوا هذا الفادي العظيم ، لذا تراهم يأتون اليه مسرعين من كل فج عميق قلوبهم وارواحهم تسبق اجسامهم للوصول الى البقعة التي نحر فيها مظلوما عطشانا ، ليواسوا قدوتهم الانسانية ، عسى ان يكونوا انسانا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني
ولذا فانك ترى دولة الله في ايام الزيارة الاربعينية كما وصفها الاستاذ علي الزيدي ، حيث البذل والسخاء والكرم على اروع صوره ، والتعامل والرقة والعطف والامان بأبهى مظهره ، يخدم الانسان اخيه الانسان ببركة حبه لقدوة الانسان ، يتسابق الجميع في ساحة الفضائل ، في مسير يتفجر الخير من كل جوانبه ، وكأنها مدرسة انسانية عالية المضامين كثيرة الدروس والعبر ، ولذا حارت عقول العلماء والخبراء في غور سبر واسرار هذه الزيارة ودوافعها ونتائجها ، بل واستمرارها ، فمهما اطلقوا طائر ذهنهم لغور اسباب ما يرونه فيها من اعمال انسانية من كرم وبذل وسخاء وهمة ونكران للذات... ، يرجع اليهم طائر ذهنهم خاشعا قلبه ومتصدع من خشية نور الحسين...
هذه قطرة من بحار منافع الزيارة الاربعينية؟
فاين يا ترى مواضع الاستهجان او الاثم فيها؟!
وقد افرد الاستاذ علي الزيدي ، محاضرة كاملة على ذكر جملة من منافعها.
ثم ، اوليس الاثم متزامن مع الضرر؟
فاين الضرر في هذه الزيارة ؟
هل هو : في ان يكون الانسان انسانا ، ام في ان يحترم الانسان اخيه الانسان ، ام في ان يكرم الانسان اخيه الانسان ، ام في رعاية الانسان لأخيه الانسان...
سبحان الله ، او ليست كل الشرائع السماوية تدعوا لهذه القيم النبيلة والمبادئ السامية؟
او ليست العقول البشرية على اختلاف مذاهبها ومشاربها اجمعت على اهمية احياء هذه القيم النبيلة والمبادئ السامية؟
افلاطون اليوناني وتلميذه ارسطو ، وغاليلوا الايطالي ، وغاندي الهندي، وزليخة عدي(يمينة الشايب)الجزائرية ، وجيفارا الارجنتيني ، ومارتن لوثر الالماني ، جان دارك الفرنسية ...، لماذا نحترمهم ؟
لانهم انسان دعوا بمقدار جهدهم ووعيهم ، لاحترام الانسان والدفاع عن الانسان وقيم الانسان ومبادئ الانسان وعقل الانسان وحرية الانسان ووطن الانسان...
اذن ان كنت انسانا فيجب علي حينئذ ان احترم الانسان .

ثانيا.
موضوع البدع لا ينبغي اطلاقه جزافا من غير بينة يقر بها العقل، او الشرع او الاخلاق...، فالبدعة هي ادخال شيء في الدين ما ليس منه مثل اباحة محرم او مكروه.

*. في ما يخص الزيارة الاربعينية ، نحن مجموعة من الناس نعتقد بصحة مضمون مارواه الشيخ المفيد، والشيخ الطوسيّ والعلّامة الحلّي حول موضوع زيارة الامام الحسين عليه السلام، بشكل عام والزيارة الاربعينية بشكل خاص ، فقد جاء عنهم:
1.(يوم العشرين من صفر هو اليوم الذي رجع فيه حرم الإمام الحسين عليه السلام من الشام إلى المدينة. وفي هذا اليوم أيضاً، قدم جابر ابن عبد الله الأنصاريّ صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، من المدينة إلى كربلاء، من أجل زيارة الإمام الحسين عليه السلام، وقد كان هو اوّل من زار قبر سيّد الشهداء عليه السلام ).
(الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة /ج7/ ص 46 ـ الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص 787 ـ رضيّ الدّين المطهّر الحلّي، العدد القويّة، ص 219).

2. وروى الشيخ الطوسيّ بسنده عن صفوان بن مهران الجمّال قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول:
(السلام على وليّ الله وحبيبه، السلام على خليل الله ونجيبه...).

3.جاء في ثواب الاعمال وعقاب الاعمال للشيخ الصدوق :
عن معاوية بن وهب قال دخلت على ابى عبدالله عليه السلام و هو في مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته و هو يناجى ربه و يقول يا من خصنا بالكرامة و وعدنا الشفاعة و حملنا الرسالة و جعلنا ورثه الانبياء و ختم بنا الامم السالفة و خصنا بالوصية و اعطانا علم ما مضى و علم ما بقى و جعل افئده من الناس تهوى الينا اغفِرْ لي ولإخواني، وزُوّارِ قبرِ أبي، الحسينِ بن علي، صلوات الله عليهما، الذين أنفقوا أموالَهم، وأشخصوا أبدانهم؛ رغبةً في بِرِّنا، ورجاءً لِما عندَك في صِلتِنا، وسُروراً أدخلوه على نبيِّك محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وإجابةً منهم لأمرنا، وغَيظاً أدخَلُوه على عدوِّنا، أرادوا به رِضوانَك، فكافِئْهم عنّا بالرضوان... اللّهمّ إنّ أعداءَنا عابُوا عليهم خروجَهم، فلم يَنْهَهُم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا، خلافاً عليهم، فارحَمْ تلك الوجوه التي غَيّرتْها الشمس، وارحَمْ تلك الخُدودَ التي تَقلّبَت على قبرِ أبي عبدالله عليه السلام، وارحَمْ تلك الأعيُنَ التي جَرَت دموعُها رحمةً لنا، وارحَمْ تلك القلوبَ التي جَزِعت واحتَرقَت لنا، وارحَمْ تلك الصرخةَ التي كانت لنا اللهم انى استودعك تلك الانفس و تلك الابدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش فما زال صلوات الله عليه يدعوا بهذا الدعاء و هو ساجد ...)
( ثواب الأعمال للشيخ الصدوق 120 ـ 121، كامل الزيارات 228 ـ 231، بحار الأنوار للشيخ المجلسي 51:101 ـ 53 ).

*. وفيما يخص زيارة الامام الحسين عليه السلام ، سيرا على الاقدام ، ايضا نعتقد بصحة مضمون ماروي بهذا الشان ، فقد روى الشيخ الطوسي عن الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الزَّائِرِ لِقَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) ؟ فَقَالَ (عليه السلام) :
"مَنِ اغْتَسَلَ فِي الْفُرَاتِ ثُمَّ مَشَى إِلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ يَرْفَعُهَا وَ يَضَعُهَا حَجَّةٌ مُتَقَبَّلَةٌ بِمَنَاسِكِهَا".
( تهذيب الأحكام للشيخ الطوسيّ 53:6 ).
وعن الامام الصادق عليه السلام:
« مَن أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً، كتَبَ اللهُ له بكلِّ خُطوَةٍ وبكلِّ قَدَمٍ يَرفَعُها ويَضَعُها عِتْقَ رقبةٍ مِن وُلدِ إسماعيل »
( كامل الزيارات لابن قُولويه 257 ).
وقال الام الصادق عليه السلام: "من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام إن كان ماشيا كتبت له بكل خطوة حسنة ومحا عنه سيئة…"
(بحار الأنوار 98: 28، المزار للشيخ المفيد: 30).
(راجع كتاب نور العين في فضل زيارة الحسين عليه السلام/ للشيخ الاصطهباناتي .وكتاب اول الاربعين للسيد الشهيد القاضي الطباطبائي).

ثالثا. الحكم المتسرع والتشدد والتطرف وتلفيق التهم جزافا والكيل بعدة مكاييل قد اكتوت البشرية منها طيلة القرون المنصرمة ومازالت اثارها موجودة ماثلة امام اعيننا ، فيا ايها الانسان الا ينبغي بعد كل هذه التجارب المريرة التريث قليلا قبل اطلاق اي حكم ، الا ينبغي التخلي عن التشدد والتطرف ولو من اجل الانسان وكرامة الانسان وحرية الانسان.
واخيرا اختم المقال بكلمة من كلمات السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس):
السير الى زيارة الحسين (عليه السلام) ايضا شوكة في عين المستعمرين عامة واسرائيل خاصة. ومن الواضح انه يكون مشمولا لقوله تعالى : ((وما تطئون موطئا يغيض الكفار الا كتب لكم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين)).
(الجمعة الخامسة والثلاثون 21 شعبان 1419/الخطبة الاولى)

السيد الشهيد محمد الصدر قدس يتحدث عن اهمية المسير الى الإمام الحسين (سلا...

السيد مقتدى الصدر يذكر الدليل على خروج الهاشميات وهن محجبات بعد حرق الخي...

زائرة من بلدروز عمرها 99 سنة متوجهة سيرا على الاقدام الى مرقد الامام الح...

السبت، 27 أكتوبر 2018

حوارية بين زائرين من زوار الاربعينية


في مسير الزيارة الاربعينية يشاهد الفرد الكثير من الزوار والمواكب والمشاهد ...، وهنالك الكثير من الافراد يتم التعارف بينهم ، اثناء اجتماعهم في محطة من محطات المسير ، او في موكب ما ، او في الطريق او حتى اثناء الرجوع الى محل السكن سواء كان ذلك في السيارة او في الطيارة او في السفينة وهكذا...
المهم كأنما جرى هذا اللقاء بين زائرين من زوار الاربعينية ليتم بينهما هذا الحوار بعد ان تعرف الاثنان على بعضهما البعض ، فالزائر الاول بدأ بطرح السؤال على الزائر الثاني قائلا له : هل سبق لك ان شاركت في المسير للزيارة الاربعينية؟
الثاني: نعم ولعدة مرات
الاول : اراك وحيدا هل عادتك ان تأتي للزيارة سيرا على الاقدام بمفردك؟
الثاني : كلا ولكن حصل خلاف مع اصدقائي وقررت المسير في هذه الزيارة بمفردي ، وانت هل تسير للزيارة الاربعينية بمفردك ام مع اصدقائك او اقربائك؟
الاول : غالبا ما اسير للزيارة الاربعينية مع اصدقائي وبعض اقربائي ، ولكن هذه الزيارة احببت ان اسير بمفردي من اجل الخلوة مع ربي ، اريد ان التفت الى عيوبي ببركة هذا المسير عسى ان اشعر بما يترتب عليَّ من مسؤولية؟
الثاني : أي مسؤولية واي عيوب، انها زيارة للإمام الحسين سيرا على الاقدام والامام الحسين سفينة النجاة وباب رحمة الله الواسعة ، وسوف تمحى ذنوبنا ان شاء الله.
الاول : نعم ان الامام الحسين سفينة النجاة وباب رحمة الله الواسعة ، ولكني اسمع نداءات كثيرة من العقل تشير عليَّ بان هنالك افراد وجماعات لن يتمكنوا من الصعود الى هذه السفينة ،فمثلا:
هل تظن ان سفينة الامام الحسين مليئة بالقردة والخنازير ...؟
الثاني : حاشا لله كيف تقول ذلك ، بل هي سفينة طاهرة مطهرة ببركة الامام الحسين عليه السلام.
الاول : هل ترى ان سفينة الامام الحسين مليئة بالأوساخ والنجاسات والقاذورات...؟
الثاني : سبحان الله كيف تتجرا وتقول ذلك ، ان الحسين من الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فالقاذورات والنجاسات والاوساخ عند غيرهم اما هؤلاء الاولياء فهم حجج الله وفي بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه
الاول : هل ترى ان الشمر وزجر وخولى ويزيد وابن مرجانه وعمر بن سعد ...، من ركاب سفينة الامام الحسين؟
الثاني: عجيب امرك يا اخي ان القردة والخنازير والقاذوران والنجاسات اهون من هؤلاء المجرمين المارقين فهيهات ان يسمح لهم الله بالدنو من هذه السفينة ناهيك عن الركوب فيها
الاول : يا اخي هذا الذي اعنيه بنداءات عقلي وهو الذي ارعبني وارقني ...
فالذي يسرق اموال اليتامى والمساكين ، ويعمل بالربا ويرتكب المحرمات وينغمس بالموبقات ويظلم الانسان والحيوان والحجر والشجر والمدر ، اليس هو من القردة والخنازير وان كان بشكل آدمي؟
الثاني : نعم
الاول: والمؤيد لافعال هؤلاء وراضيا عنهم او ساكت ، اليس مشمول معهم ؟
الثاني : نعم(من أحب قوماً حشر معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم)
الاول: اذن هل من المعقول ان نجد هؤلاء راكبين في سفينة الامام الحسين؟
الثاني: كلا
الاول: الذي يأكل الربا اضعافا مضاعفة ويسرق ويزني ويسعى في الارض فسادا ، يهلك الحرث والنسل اليس هو على شاكلة يزيد وابن مرجانه والشمر وزجر وخولى؟
الثاني :نعم
الاول: والمؤيد لافعال هؤلاء وراضيا عنهم او ساكت ، اليس مشمول معهم ؟
الثاني : نعم(من أحب قوماً حشر معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم)
الاول: اذن هل من المعقول ان نجد هؤلاء راكبين في سفينة الامام الحسين؟
الثاني: كلا
الاول: اموال السحت والمراباة...، اليست نجاسة وقاذورات...
الثاني: نعم
الاول: والمؤيد لافعال هؤلاء وراضيا عنهم او ساكت ، اليس مشمول معهم ؟
الثاني : نعم(من أحب قوماً حشر معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم)
الاول: فهل من الممكن ان نرى هؤلاء في سفينة الامام الحسين؟
الثاني : صراحة لقد نبهتني الى امور كثيرة ، قد كنت غافلا عنها ، ولم احسبها بهذه الصورة
الاول : كذلك يا اخي ، كنت انا مثلك ولكن منَّ الله عليَّ بشخص نبهني الى بعض هذه الحقائق، بحيث تلعثمت من اول سؤال سألني به
الثاني: وما هو هذا السؤال؟
الاول : قال لي ، انت لماذا تقصد الحسين سيرا على الاقدام
الثاني : جوابه بسيط للزيارة والتبرك بالإمام الحسين
الاول : لا يا اخي ، فهذا ليس جواب ومقصد زواره الحقيقين ولذا تلعثمت ، وحينما رآني تلعثمت عن الاجابة هون علي الاجابة قائلا لي:
هل تعرف حق الحسين؟ ، فتلعثمت اكثر لأني حقيقة لا اعرف حق الحسين
حينها قال لي :
حسين ثورة ضد الظلم والفساد ، حسين ناصر المظلومين والمحرومين ، حسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ، حسين جوهر الانسانية وقيمها النبيلة ، حسين الاتقياء والصالحين ، حسين دموع اليتامى والمساكين ، حسين العفة والطهر والايثار، حسين التضحية والصبر والفداء، حسين الرقة والعطف والحنان...
فأجبته بـ نعم ، وانا ابكي ، ابكي لعدم معرفتي وقلة وعيي... ، ابكي لجهلي بإمامي الحسين
الثاني ، وهو يبكي بحرقة ودموعه تجري على خديه :
نعم يا اخي لابد من المعرفة والوعي فما فائدة الاعمال من دون معرفة ووعي ، لقد انقذتني حينما نبهتني الى اهمية المعرفة والوعي ، ولقد بصرتني حينما نبهتني الى المعرفة والوعي ، ولقد نورتني حينما نبهتني الى المعرفة والوعي ، فلقد كنت بعيدا عن هذه الحقائق؟
الاول : انها قطرة من بحار الحقائق ، فاين نحن يا اخي من الحقائق ، نحن في غفلة عن الحقائق؟
الثاني : نعم يا اخي جعلتني انتبه الى نفسي وعيوبي ، بعد طول سبات الغفلة
ثم التفت الى كربلاء وهو يصيح :
يا حسين يا مظلوم برك وخيرك يصل الى ابعد الحدود فكم انت عظيم يا حسين
، كم انت رحيم يا حسين ، كم انت عطوف يا حسين ، كم انت كريم يا حسين ، يا حسين يا حسين ، يا حسين يا حسين ، يا حسين يا حسين
وهكذا ترك الزائر الثاني ، الزائر الاول بعد ان طلب الاذن منه بمفارقته ، وهام على وجه باتجاه الحسين يبكي ودموعه على خديه وهو يصيح:
يا حسين يا حسين ، وكانه ثكلى فقدت طفلها في حجرها
وبقي الزائر الاول يبكي ايضا ، يبكي لبكاء اخيه الزائر من جهة ، ويبكي على امامه المظلوم من جهة ثانية ، ويبكي شكرا لله لأنه التقى بأحد زوار الحسين من جهة ثالثة ...
فشكرا لله على نعمة المسير نحو الامام الحسين عليه السلام.