الخميس، 25 أبريل 2019

مرحبا بك يا ابن فاطمة ( ع )



عندما اخبر الرسول الاعظم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، عن الكثير من الاحداث التي سوف تقع في آخر الزمان تعجب بعض الصحابة من حدة مضمونها وشدة احداثها ، وانه كيف يمكن للإنسان وخصوصا من يدعي الانتساب للاسلام ان يقدم على ارتكاب اعمال بهذه الدرجة البشعة ، وما يصاحبها من قسوة واستهتار .
ولكن وقع ما اخبر به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وليس هذا فحسب بل ان ما اخبر به النبي قد وقع على مرأى ومسمع الناس كافة وعلى اختلاف مذاهبهم ومشاربهم !
نعم فهنالك الكثير ممن خرجوا من الانسانية نتيجة اسرافهم بالافعال الشاذة المتسافلة ، مصرين على رفض سماع صوت اي مصلح يدعوهم الى الكف عن ارتكاب جرائمهم التي تترفع عن الاتيان بمثلها حتى الوحوش الكواسر
نعم ولقد تعدى الامر ذلك بمراتب حيث انهم عمدوا الى المصلحين فشنوا عليهم غارات الحرب ، واقفين سدا منيعا بوجه المصلحين من اجل قطع طريق الاصلاح!
والان يتم طرح التساؤل الآتي :
مثل هؤلاء هل سيقبلون بمجيء القائد الانساني والمصلح العالمي ؟
ام سيقولون له :
ارجع يا بن فاطمة لا حاجة لنا بك فالاسلام بخير؟
ولو تركنا الحديث عن اركان الفساد واعمدته وعوائلهم التي باتت مشهورة بالفساد والرذيلة ، ولننظر الى من هو دونهم بكثير من امثال هذه الشاكلة:

1 ـ نقل لي بعض الارحام ان أمام احد المحاكم المهمة في جنوب العراق رجل عجوز طاعن في السن يلقب بـ(شاهد الزور)، يتكسب من شهادة الزور فهو يعرض خدماته لكل من يحتاج شهادة زور بعد ان يستعلم من طالب الشهادة مجمل قصته وعلى ماذا يريد ان يشهد مقابل (25000)الف دينار قابلة للتخفيض الى (10000) وحسب نوع شهادة الزور وطالبها وكثرة او قلة الطلبات في اليوم الواحد ، علما ان القضاة يعلمون بذلك وكذلك كتاب العدول والمحامين والعرضحالجية والشرطة والمراجعين على مختلف انواعهم ، فهل يقبل هذا الرجل العجوز بمجيء ابن فاطمة (عليه السلام)؟

2ـ نقل لي احد الجيران حينما كان يؤدي الخدمة العسكرية كان معهم في غرفتهم من يسرق اموالهم وبعض حاجياتهم بين الحين والاخر وبعد فترة كشفوا هويته وحينها انتقل الى وحدة عسكرية اخرى ، وبعد سقوط الهدام اصبح هذا اللص قاضي محكمة مهمة لثاني اكبر مدن وسط العراق ، فهل يقبل هذا القاضي بمجيء ابن فاطمة (عليه السلام)؟

3 ـ نقل لي احدهم ، ان احد اقاربه ادين باعطاء رشوة لمسؤوله ورفعت قضيته للقضاء فتم تسوية الامر باعطاء رشوة للقاضي ليغلق ملف قضية الرشوة؟
فماذا يا ترى يكون رد فعل هذا القاضي مع مجيء ابن فاطمة (عليه السلام)؟

4 ـ كان مدير معهد المعلمات في احد مدن جنوب العراق بعثي فاسد ومرتشي ، وبعد سقوط الهدام رقي الى رئيس جامعة في مدينته وعندما ذاع صيت فساده وكثرة موبقاته رقي الى درجه اعلى في الوزارة ، وعين مكانه احد اعضاء الحزب الحاكم الان فقام الاخير بتعيين شبكة من اقربائه واضعا سواتر وحجب بينه وبين المنتسبين في الجامعة وباقي الناس ، ومن عنده حاجة من الموظفين ، فاقصى ما يمكن فعله هو الاتصال بالسكرتير الذي كأنه بسر بن ارطاة ، فهل يقبل هؤلاء بمجيء ابن فاطمة (عليه السلام)؟

5 ـ ليذهب اي فرد الى مطاعم الدرجة الاولى في داخل وخارج العراق، ولينظر الى مرتاديها ، وكم مرة ياتونها شهريا ، وكذلك مكاتب العقارات في العالم ومعارض السيارات الفاخرة والمنتجعات ...، وليقارن معدل هدر المال مع رواتبهم ، حتى وصل الامر الى قيام احد المسؤولين الاردنيين بفرض حصه مالية يقتطعها منهم عند ايداعهم الاموال في بنوك عمان والا فضحهم ، وبعض هؤلاء من افراد الاحزاب الدينية الذين كانوا يشتكون ليلا ونهارا من الظلم والطغيان وانهم ذاقوا المر بسبب الفقر والحرمان ، فماذا حدا مما بدا!
او ليس الالاف من الاسر العراقية الان بلا سكن ولا مأوى مهتوكة الستر مشغولة البال؟
او ليس الالاف من الاسر العراقية الان تقتات على المزابل وهم في اغنى بلد على هذه المعمورة؟
فهل هذا هو العدل مع الفقراء الذين صعدوا على اكتافهم!؟
وما هو التفسير الحقيقي لافعالهم المنكرة؟
هل انهم نسوا الشرع واحكامه ام تناسوه؟
ام انهم عن علم وعمد انتهكوه؟
فليسمعوا اذن ما قاله قائد الانسانية محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر خطبة له :
(من تولى خصومة ظالم أو أعانه عليها نزل به ملك الموت بالبشرى بلعنة الله ونار جهنم خالدا فيها وبئس المصير ومن خف لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النار ومن دل سلطانا على الجور كان مع هامان وكان هو والسلطان من أشد أهل النار عذابا ومن ظلم أجيرا أجره أحبط الله عمله وحرم الله عليه ريح الجنة وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام ومن أهان مسلما فقيرا من أجل فقره واستخف به فقد استخف بحق الله ولم يزل في مقت الله و سخطه حتى يرضيه و من أكرم فقيرا مسلما لقي الله يوم القيامة وهو يضحك إليه ومن عرضت له دنيا و آخرة واختار الدنيا وترك الآخرة لقي الله عز وجل وليست له حسنة يتقي بها النار ومن أخذ الآخرة وترك الدنيا لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض ومن اكتسب مالا حراما لم يقبل الله منه صدقة ولا عتقا ولا حجا ولا اعتمارا وكتب الله له بعدد أجر ذلك أوزارا وما بقي بعد موته منه كان زاده إلى النار ومن فرج من أخيه كربة من كرب الدنيا نظر الله إليه برحمة ينال بها الجنة وفرج الله عنه كربه في الدنيا والآخرة ومن يبني على ظهر طريق ما يأوي إليه عابر سبيل بعثه الله يوم القيامة على نجيب من در ووجهه يضيء لأهل الجمع نورا حتى يزاحم إبراهيم خليل الرحمن في قبته فيقول أهل الجمع هذا ملك من الملائكة لم ير مثله قط ودخل بشفاعته في الجنة أربعون ألف ألف رجل )

المصدر:
عوالي اللآلي لابن ابي جمهور الاحسائي

The two sermons of Friday prayer for the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtad...

برنامج ( تعلّم معنا علم المنطق ) للاستاذ طالب العلوي / الحلقة الثامنة و ...

السبت، 20 أبريل 2019

من الابعاد الاصلاحية لغيبة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف



هذا المطلب يتم التطرق اليه باختصار وضمن محورين:
المحور الاول.
لقد دأب الناس لاسيما المتشرعة منهم على التعامل مع الاثار المسجلة تاريخيا باسم المعصومين عليهم السلام والمشتملة على ثلاث مفاصل وهي:
اقوالهم وافعالهم وتقريرهم (عليهم السلام)، اما فيما يخص ذات المعصومين وصفاتهم ، اي عين المعصوم ، فاقتصر حد فهم الكثيرين من الناس على حصر فترتها بحالة معايشتهم للمعصومين من خلال الاحتكاك المباشر بهم (عليهم السلام)، اما في حالة تغييب احد المعصومين او غيبته او مقتله فلدى افهام الكثيرين من الناس ، انه انقطع التعامل المباشر مع ذات المعصومين وصفاتهم(عينهم) ، والاقتصار على حبل الارتباط معهم (عليهم السلام ) ، بالآثار فقط .
وهذا في واقعه يمثل نقطة ضعف ومؤشر خلل نتيجة الآثار السلبية المترشحة منه والتي منها ما يلي:
1.في حالة مقتل المعصومين(عليهم السلام)، فالباري العطوف ينهانا عن التعامل معهم باعتبارهم اموات لانهم في الواقع أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
اذن كيف نعتبرهم كانهم موتى حينما نبتعد عن عينهم في حالة غيبة احدهم تحت ظروف معينة او تغييبه نتيجة ظروف اخرى
وكيف يمكن للامة ان تتصرف مع قائدها ومدير شؤونها وراعي تكاملها ان انقطعت عنه كليا متكئة على الاثر فقط والذي قد لا يعينها في مواطن كثيرة
اذن نحتاج الى بعد آخر غير الاثر المتكون من القول والفعل والتقرير، لتلافي الفجوات الحاصلة عند الناس ، فيا ترى ما هذا البعد؟
البعد في حقيقته هو ذات المعصوم وصفاته(عينه)، وهذا ما اشار اليه الاستاذ المفكر علي الزيدي في احد حوارياته
اي ان ذات المعصوم لا يمكن باي حال من الاحوال اهمالها والتغافل عنها ، فهي واسطة الفيض الالهي من جهة وأمان من نزول العذاب من جهة ثانية قال تعالى:
((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)(الانفال))
وكذلك صفات المعصوم لايمكن لنا الاستغناء عنها ، فهو الاسوة والقدوة في التربية والتعليم ، سيما وان :
لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ لتتم الحجة عليهم ، فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ .
عليه فما جرى عند الكثيرين من التركيز على اثار المعصوم وترك عينه لهو خلل واضح ، افرز نتائج سلبية عديدة لا يمكن اهمالها والتغاضي عنها بعد اليوم لأن المفروض والصحيح ، هو الاعتقاد الكامل بالعصمة اي الاعتقاد بأثرهم وعينهم.
2.ان العدو واقف على هذا النقطة الجوهرية وملتفت لها بشدة ، لذا فهو كان ومازال يعمل على تشويه الاثر لزعزعة الثقة بينه وبين الناس حينما يدب الشك بصحة صدوره من المعصومين(عليهم السلام)
اذن لابد من سلاح نواجه به هذا التشويه وهذا الخلل، وهذا السلاح يكمن بمطلب ذات المعصوم وصفاته(عين المعصوم)، والتي لا يمكن باي حال من الاحوال ان يمسها العدو، قال تعالى:
((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (54)(الحج)).
3.هنالك بعد سلبي دقي مترتب من نتيجة الاقتصار على اثر المعصوم وترك عينه (ذاته وصفاته) يمكن ملاحظته جليا من التمعن بهذا المقطع من دعاء الامام الحسين عليه السلام في عرفه، حيث قال (عليه السلام):
اِلهى تَرَدُّدى فِى الاْثارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزارِ، فَاجْمَعْنى عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُنى اِلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فى وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيْكَ، اَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ، حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً
فان قيل ان هذا الدعاء من الامام الحسين عليه السلام يقصد به الله جل جلاله ، فما هو الربط لكي يستدل به على ذات المعصوم وصفاته؟
من صور الجواب:
نعم ان هذا الدعاء يقصد به الامام الحسين عليه السلام الله جل جلاله ، ولكن هذا القصد العالي ، هو من مقام الامام الحسين عليه السلام، فهل نحن واصلين الى هذا المقام بحيث اننا لسنا فقط مستغنين عن آثار الله بل نراها تبعدنا عنه؟
وهل نحن واقفين على حقيقة مظهريتها بأنها لا شيء في قبال ظهور الله، فكيف تكون مظهرة لله؟
وكيف تكون دليل على الله وهي مفتقرة اليه كليا ؟ ...
هذا من ناحية ومن ناحية ثانية يمكن ان يستشف من هذه الكلمات بان الامام الحسين عليه السلام ، وبمعنى من المعاني ينبهنا الى خطورة وخلل الاقتصار على اثر الله تعالى وترك ذاته وصفاته(عينه)، وانما الاثر له اثر بمرتبة من مراتب الكمال المتدنية حينما يتخذه الانسان دليل على المؤثر ، ولكن لا ينبغي الجمود عليه والاكتفاء به بل ان المقصود الحقيقي هو الله جل جلاله
وهذا ايضا لا يمكن الوصول اليه الا من خلال اولياء الله ، الذين ايضا لا ينبغي الاقتصار على اثرهم والجمود عليه ، والتغاضي عن ذاتهم وصفاتهم(عينهم)، لأنه ومن خلال ذات المعصومين وصفاتهم يمكن للفرد ان يرتقي الى مقام القرب من ذات الله وصفاته ، ولذا تجد مرتبة التعامل مع ذات الله وصفاته نفيسة جدا ، بحيث انها كانت من نصيب القلة القليلة من الناس او ما يسمى بالأوحدي منهم .
المحور الثاني.
ان القادة المصلحين يسعون جاهدين بكل امكانياتهم وطاقاتهم من اجل رقي وتكامل الانسان وبنائه الاخلاقي وذلك ضمن منهاج نموذجي علمي تربوي ، ولكن اذا كان الظرف الموضوعي غير مناسب نتيجة عدة معرقلات والتي منها ضعف المستوى العام من التقبل والاستعداد لدى المجتمع من جهة ، ووجود طبقة فاسدة متجذرة متسلطة على زمام الامور في المجتمع من جهة ثانية ، فان القائد المصلح سوف يتخذ طريق آخر في هداية واصلاح المجتمع ، كما حدث لأمير المؤمنين علي عليه السلام، حينما تخلت الامة عن مسؤوليتها اتجاهه ولكنه مع ذلك لم يترك رعاية وتربية المجتمع لأنه يشعر بالأبوة الحقيقية للإنسانية والانسان وبكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى حقيقي ، وهذا عينه ما حصل للإمام الحسن عليه السلام في موضوع الصلح ، وعينه ما حصل للإمام الحسين عليه السلام في ملحمة كربلاء ، ومن هذا الباب كان موضوع السجن للإمام الكاظم عليه السلام ، اي ان الامام الكاظم عليه السلام ضحى بنفسه وبراحته واسرته ...، من اجل هداية المجتمع وتكامله وتهذيبه وتربيته ولكن بواسطة طريق ومحطة السجن ، اي ان مسير الرقي التكاملي للبشرية كان يقتضي هذه المحطة مع ما فيها من قسوة والم واضطهاد ، حينها انتقل الامام الكاظم عليه السلام من طاعة معينة في عبادة لله جل جلاله ، الى طاعة ثانية في عبادة لله (1)، كانتقال الامام الحسين عليه السلام من طاعة الله في الحج الى طاعة الله في جهاد الظالمين الفاسدين ، وكل ذلك كان من اجل خدمة الانسان والانسانية وانقاذها من حالة الذل والخضوع والاستكانة ...
ومن هنا كانت غيبة الامام المهدي عليه السلام ، اي انه المصلحة والحكمة الالهية كانت تقتضي هذه الغيبة من اجل رقي وتكامل البشرية من خلال فترات التمحيص الطويلة وما جرى خلال هذه الفترات من زيادة وعي وان كان بطيء الا ان المسير الجمعي للبشرية هو مسير تكاملي كل ذلك من اجل ان تقترب البشرية من ذات وصفات الامام المهدي عليه السلام ، لتستعد لجائزة الاتصال به ، والتشرف بالتزود مباشرة من ذاته وصفاته ولتكون البشرية بعد هذه المدة الطويلة من الغيبة والتمحيص قد شعرت بأهمية ذات وصفات المعصوم وكيفية التعامل الايجابي التكاملي مع هذه الذات والصفات من اجل ان تكون على قدر المسؤولية العظيمة في طي مراحل الرقي والتكامل بأشواط نموذجية(2).
الهامش:
(1).وقد وضح المطلب مفصلا المفكر الاستاذ علي الزيدي في حواريته حول البعد الاصلاحي من شهادة الامام الكاظم عليه السلام ، في شهر رجب الاصب لهذا العام 1440هـ.
(2).هنالك حوارية قيمة ذكر فيها الاستاذ الفاضل علي الزيدي الكثير من النقاط المهمة والمطالب الثمينة حول جملة من الحكم المترتبة على غيبة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف القاها في قاعة الحواريات الثقافية في معرض بغداد الدولي لهذا العام 1440هـ

أهمية المسير الى كربلاء المقدسة في النصف من شعبان


بالرغم من عدم تمكننا من إدراك أهمية المسير نحو كربلاء المقدسة ، حيث الضريح الشامخ لابي الشهداء الامام الحسين(عليه السلام) في النصف من شعبان إلا ان مرجعنا السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)، قد قرب الينا فهم المطلب كثيرا سيما لو ابدى الفرد شيئا من التفكر والتدبر ، حيث قال(قدس)، في الجمعة الثانية والثلاثون(30 رجب 1419 هـ) ، وقبل البدء بالخطبة الاولى ما يلي:

((والآن أمامكم مناسبة جليلة هي زيارة نصف شعبان ليلاً ونهاراً من نصف شعبان ، فلا تقصروا بالمشي الى كربلاء المقدسة من مدنكم جزاكم الله خيرا.
استثني من ذلك أمرين:
اولا. المعممين يبقى بالنسبة لهم مستحبا وليس واجبا جزاهم الله خير.
والآخر: من زاد في عمره على الخمسين عاما ، يبقى بالنسبة اليه مستحبا وليس واجبا ، وكذلك بالنسبة الى النساء يبقى لهن مستحبا وليس واجبا.
فلا تقصروا اذا لم يكن هناك ضرر وتحملوا شيئا من المشقة في سبيل الله ، ونحن أيضا نعلم ونحس بان الوقت مناسب من حيث البرد والحر على اية حال.))(انتهى)
والآن حينما تقرأ هذه الكلمة من درر السيد الشهيد(قدس) ، تجد فيها جملة من المعاني ، يتم التطرق الى البعض منها مع شيء من الملاحظات البسيطة ، وكما يلي:

1.(... أمامكم مناسبة جليلة هي زيارة نصف شعبان ليلاً ونهاراً من نصف شعبان...)
وهنا السيد الشهيد يؤكد على أهمية زيارة النصف من شعبان إلى ضريح الامام الحسين عليه السلام ، ليلاً كانت او نهاراً، ويكفي لمعرفة جلالة هذه المناسبة انها مناسبة ولادة امام العصر والزمان زعيمنا ورئيسنا الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، وهنالك احاديث كثيرة في فضل زيارة الامام الحسين عليه السلام في النِّصف مِن شَعبان، ومنها هذا الحديث المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ، حيث قال :
(مَن زارَ أبا عبدالله عليه السّلام ثلاث سِنين متواليات لا فصل فيها في النِّصف مِن شعبان غُفِرَ له ذنوبه) .ح/560.

2. (... فلا تقصروا بالمشي الى كربلاء المقدسة من مدنكم جزاكم الله خيرا ...)
وهنا السيد الشهيد يدعونا لعدم التقصير في المشي من كافة مدننا الى كربلاء المقدسة حيث قبلة الاحرار ومنارة الثوار ...، فتلك الحرارة لن تبرد ابدا في قلوب المؤمنين ، بل تعطي العزم والاصرار لتجديد العهد والبيعة في مواصلة المسير في طريق الاصلاح والمصلحين والسير خلف راية طالب الاصلاح حتى يتحقق الاصلاح بتسديد الله وحسن توفيقه ، هذا من جهة ومن جهة اخرى فقد اكد السيد الشهيد الصدر المقدس على ان : (... السير الى زيارة الحسين (عليه السلام) ايضا شوكة في عين المستعمرين عامة واسرائيل خاصة. ومن الواضح انه يكون مشمولا لقوله تعالى: ( وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )(التوبة/120)).

3.(... استثني من ذلك أمرين:
اولا. المعممين يبقى بالنسبة لهم مستحبا وليس واجبا جزاهم الله خير.
والآخر: من زاد في عمره على الخمسين عاما ، يبقى بالنسبة اليه مستحبا وليس واجبا ، وكذلك بالنسبة الى النساء يبقى لهن مستحبا وليس واجبا...)
بالرغم من ان هذه الكلمة قد القاها سيدنا الشهيد الصدر المقدس في زمن الهدام العفلقي والذي كان من اكبر طواغيت الكرة الارضية في وقته ، الا ان سيدنا الشهيد اعتبر المسير نحو ضريح الامام الحسين عليه السلام بمناسبة زيارة النصف من شعبان واجبا وليس مستحبا مستثنيا من هذا الواجب بعض الطوائف من الناس لضرورات اقتضتها المصلحة ، ولكنه لم يعفهم من هذا المسير بل جعله مستحبا ، فان دل هذا على شيء، فإنما يدل على أهمية هذا المسير في هذه المناسبة الجليلة.

4.(... فلا تقصروا اذا لم يكن هناك ضرر وتحملوا شيئا من المشقة في سبيل الله ...)
وهنا السيد الشهيد يؤكد مرة اخرى على أهمية عدم التقصير في إحياء هذه المناسبة سيرا على الاقدام اذا لم يكن هناك ضرر (مع اهمية الالتفات الى وقت هذا الكلام ، مع ان الضرر له امثلة عديدة ومنها الضرر الصحي) ، ولزيادة التأكيد على اهمية هذه المناسبة وأهمية اداء المسير فيها فالسيد الشهيد يدعونا لتحمل المشقة فيها ان وجدت هذه المشقة لأنها في سبيل الله جل جلاله.

5.لايخفى على عاقل مدى وأهمية وضرورة احتياجنا للدعم الالهي ومعونته ، خصوصا ونحن عاقدين العزم على المضي قدما في طريق الاصلاح ، فهذا الطريق ونتيجة لصعوبة المسير فيه وصعوبة الثبات على منهجه ، لذا فإننا دائما وابدا نحتاج الى التعرض الى نفحات الباري العطوف جل جلاله للتزود منها ، فلو قطع عنا دعمه ولأقل من لحظة هلكنا وزلت اقدامنا الى وادي سحيق ليس له قرار .
اذا يجب ان نستثمر هذه المناسبات الجليلة للتزود من الطاف الله وبركاته وخيراته ونعمه ...، ولعمري ان مثل هذا المناسبات الجليلة تحتاج الى مقدمات صحيحة وحسن توفيق من الله لإحيائها والمحروم من حرم من بركاتها، اجارنا الله من سوء العاقبة بحق زعيمنا ورئيسنا الامام المهدي وجده الحسين عليهما افضل الصلاة واتم التسليم.

الخميس، 11 أبريل 2019

من الابعاد الاصلاحية للامام زين العابدين (عليه السلام)



حينما تم اغتصاب مسند الخلافة، ظهرت الكثير من المظالم ، والتي منها موضوع الرقيق ، الذين اكتظت بهم أسواق النخاسة وما افرزت هذه العملية من آثار سلبية ادت الى انكماش معظم أهالي هؤلاء الرقيق في بلدانهم عن الالتحاق الحقيقي بالدين الإسلامي لما لاقوه من قسوة وتعسف الكثير من الجنود وقادتهم...
ولأن خدمة البشرية ورفع الحيف الواقع على الناس من صميم واجبات قادة الانسانية والذين هم اوصياء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لذا فانهم افنوا اعمارهم في سبيل ذلك الهدف النبيل ، ومن هؤلاء النبلاء المصلحين ، الامام السجاد (عليه السلام) ،الذي حاول جاهدا ازالة المتعلقات السلبية التي لحقت بالكثير من هؤلاء الرقيق نتيجة ظلم وفساد السلطة السياسية واتباعها ، وقد جرى ذلك بالرغم من تقية الامام المكثفة نتيجة الظروف الصعبة التي كانت محيطه بالامام (عليه السلام)
وفي هذا المبحث يتم التعرض لبعض ما سجله التاريخ من صور رائعة تمثل في حقيقتها جانب من جوانب بعد الامام الاصلاحي لاسيما المتعلق منه بالسبايا والرقيق
فلقد كان الإمام السجاد(عليه السلام)، بين فترة وأخرى وعلى طيلة فترة حياته الشريفة ، يقوم بشراء مجموعة كثيرة من الرقيق ويجلبهم بقربه ، ليرافقونه فترة من الزمن يعاينون ذاته ويعايشون صفاته ويسمعون كلامه ويرون افعاله ، فيتعلمون منه بالمباشر فكرا مثاليا بجميع أبعاده الاخلاقية والنفسية والعقائدية والتطبيقية...، أي انهم ينهلون من فيض مدرسة نموذجية بكل ما تحمل من قيم انسانية نبيلة ومبادئ اخلاقية سامية
*.فقد رأوا كيف تعامل الإمام السجاد (عليه السلام)، مع الجارية التي كانت تحمل إبريقا وتسكب منه الماء لوضوئه ، فيسقط ذلك الابريق من يدها على وجهه(عليه السلام)، فشجه وسال دمه فرفع رأسه(عليه السلام)، إليها، فقالت له الجارية ، إن الله يقول:
(والكاظمين الغيظ ) فقال (عليه السلام) :
قد كظمت غيظي، فقالت( والعافين عن الناس ) فقال (عليه السلام) :
عفا الله عنك، فقالت (والله يحب المحسنين)، فقال (عليه السلام):
أنت حرة لوجه الله .

انظر الى مستوى تعليم الجارية وكيفية تعاملها مع الموقف الذي تعرضت له ؟

*.جاء في مناقب ابن شهر آشوب وكشف الغمة إن ضيوفا طرقوا الإمام(عليه السلام)، فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فأقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود منه على رأس طفل له(عليه السلام)، فقتله فتحير الخادم واضطرب، فلما نظر إليه وهو بتلك الحالة قال (عليه السلام) له :
انك لم تتعمده اذهب فأنت حر لوجه الله .

فهل يا ترى هنالك درس في الحلم وكظم الغيظ والعفو عند المقدرة أروع من هذا الدرس وابلغ في المعنى.

*.روى السيد ابن طاووس في الإقبال بسند ينتهي الى الإمام الصادق(عليه السلام)، إن على بن الحسين (عليهما السلام)، إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا له ولا امة (إذا أذنبوا) وإذا أذنب عبدا له أو أمة يسجل ذلك عليهم , فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله، ثم يعرض عليهم سيئاتهم فيعترفون بها ، فيقول لهم :
قولوا يا علي بن الحسين ، إن ربك قد أحصى عليك كل ما عملت كما أحصيت علينا كل ما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وتجد كل ما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كل ما عملنا لديك حاضرا فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح
وهو(عليه السلام) واقف بينهم يبكي ويقول :
ربنا انك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا وقد عفونا كما أمرت فاعف عنا فانك أولى بذلك منا ومن المأمورين
ثم يقبل عليهم ويقول :
لقد عفوت عنكم فهل عفوتم ما كان مني إليكم اذهبوا فقد أعتقت رقابكم طمعا في عفو الله وعتق رقبتي من النار
فإذا كان يوم العيد أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس . وكان (عليه السلام) يقول :
إن لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان سبعين ألف عتيق من النار، فإذا كان آخر ليلة منه اعتق الله فيها مثلما اعتق في جميعه ، وأني لأحب أن يراني الله وقد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار.

فما أروعه من درس تتجلى فيه اروع صور الرحمة والرقة والعفو والحنان والتواضع والكرم والرأفة واللطف والإحسان الإلهي.

ولقد كان الرقيق يرون كيف إذا توضأ الإمام السجاد(عليه السلام) للصلاة اصفر لونه، وإذا قيل له(عليه السلام) : ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء ، يقول (عليه السلام):
أتدرون بين يدي من أريد أن أقف
وإذا قام الى الصلاة أخذته رعدة فيقال له :مالك يا بن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فيقول(عليه السلام) :
ما تدرون لمن أريد أن أناجي

*.ووقع حريق في داره(عليه السلام) وهو ساجد ، فاجتمع الناس وقالوا : النار النار يا بن رسول الله، فلم يكترث ولم يرفع رأسه حتى أطفئت، فقيل له : ما الذي ألهاك عنا ؟ فقال (عليه السلام):
ألهتني النار الكبرى

*.قال الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس)(شذرات من فلسفة..ص113):
.. روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام، أنه كانت له عدة مناهج في نفع المجتمع، فمنها: إنه كان يشتري العبيد ويستخدمهم لمدة سنة ثم يتخذ ثلاث خطوات:
الأولى: يبرئ ذممهم
الثانية: أن يعطيهم مالاً
والثالثة: أن يعتقهم
فإذا كان الأمر لمجرد العتق فلماذا يبقيه عنده سنة كاملة؟ في حين أنه يمكنه أن يعتقه بمجرد أن يشتريه.
وإنما الشيء الرئيسي الذي يريده الإمام عليه السلام هو أن يتربى الفرد في خلال هذه السنة، فيحملون من الفقه والورع من الإمام وأسرته الشيء الكثير فيكونون ألسنة ورع وألسنة ثناء وألسنة طاعة لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ولكل المعصومين عليهم السلام.(انتهى)

اي ان هذه الدروس كانت منهج نموذجي لإزالة جميع المتعلقات السلبية التي لحقت بهؤلاء الافراد في موطنهم الاصلي من جانب ونتيجة السبي وآثاره من جانب ثاني ، مما ادت الى عودة هؤلاء الافراد الى فطرتهم السليمة ، أي تصفير ساحة انفسهم من الشوائب والادران لينبثق بعدها وجود لهم مرتبط بالله من خلال ذات وصفات ولي الله ، فيتم بعد ذلك عتق رقاب هؤلاء المتخرجين من انبل مدارس الانسانية ، ليكونوا دعاة للإنسانية واسوة وقدوة لمجتمعاتهم .

*.نقل السيد الأمين في أعيان الشيعة ، إن الإمام (ع) يعتق في كل ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأس الى أقل أو أكثر ، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان اعتق فيها مثلما أعتق في جميعه.

وكذلك كان الإمام(ع) يأتي بهم الى عرفات فيسد بهم تلك الفرج فإذا أفاض أمر بعتق رقابهم وجوائز لهم من المال ، وهكذا طيلة حياة الإمام(ع) حتى وصل عدد الذين اعتقهم الإمام(ع) عشرات الألوف ، وكان البعض من هؤلاء الافراد يرفضون الذهاب الى بلدانهم وأهاليهم بالرغم من عتق رقابهم وإعطائهم ما يكفيهم من المال ، ويصرون على البقاء في المدينة المنورة قريبين من الإمام السجاد (عليه السلام)، لأنهم أصبحوا لا يقوون على مفارقته ، حتى نقل إن المدينة المنورة كانت مليئة بموالين السجاد(ع)، وكان لهذا العمل نتائج عديدة والتي منها ما يلي:

1ـ قيام القائد الانساني المصلح بإنقاذ هؤلاء الناس من الحيف والظلم الذي وقع عليهم من الظالمين المنتحلين لاسم الاسلام زورا وبهتانا .

2ـ تشجيع الناس لاسيما المؤمنين منهم على إتباع هذا المنهج والسلوك مع هذه الفئة(الرقيق)، التي تعرضت لظروف قاسية.

3ـ قيام الإمام(عليه السلام) بصد محاولات البعض لإرجاع الكثير من سلبيات الجاهلية ونزعات الطبقية والعنصرية من جانب ، والسعي لتثبيت قاعدة :
إن أكرمكم عند الله اتقاكم ، في المجتمع من جانب ثاني .

4ـ تعريف شعوب البلدان المفتوحة باسم الإسلام ، بأن الإسلام شريعة سهلة سمحاء ، وانه(الاسلام)، هو غير ما تدعيه وتمارسه السلطات السياسية الفاسدة وأعوانهم ، وقد جرى هذا التعريف من خلال عدة عناصر والتي منها هؤلاء الذين تم عتقهم ليصبحوا دعاة حق وانسانية في بلدانهم ، فيقومون بنقل وممارسة جوانب الاصلاح التي تعلموها من الإمام السجاد(عليه السلام)، فيبينون لأهاليهم ومعارفهم بان دين الاسلام الحقيقي هو المتمثل بعترة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، إضافة إلا إن الكثير منهم سوف لن يتركوا مواصلة الارتباط بالإمام السجاد(عليه السلام) ، بل يبقون على اتصال دائم معه ومع اهل بيته لأخذ الأحكام والتعاليم لكل أمر اجتماعي او ثقافي او شرعي مستجد يواجههم ومجتمعاتهم فيكونوا بذلك أشبه بالرسل، او السفراء ، أو الوكلاء للقادة المصلحين (عليهم السلام).

5ـ درس لجميع الاجيال البشرية بأهمية خدمة الانسانية ومواساة المظلومين والمحرومين ، وإنصافهم قدر المستطاع لرفع الحيف الذي أصابهم من أيدي الظالمين والفاسدين.

من المصادر:
(1) شذرات من فلسفة ...... لشهيد الله السيد محمد الصدر,ص123
(2) أعيان الشيعة للسيد الاميني ج2ص468
(3) زين العابدين(ع) لسيد الأهل ص7
(4) سيرة الأئمة .... للسيد هاشم معروف الحسني

السبت، 6 أبريل 2019

قراءة في الاشكالية الاجتماعية والتاريخية في علم المخطوطات



بمناسبة يوم المخطوط العربي في الرابع من شهر نيسان من كل عام، الذي يوافق إنشاء معهد المخطوطات العربية بالقاهرة ، عام 1946م، في إطار جامعة الدول العربية، تقدم مؤسسة جامع الائمة للثقافة والاعلام ، وبالتعاون مع المركز الثقافي البغدادي ، مبحث بعنوان :

" قراءة في الاشكالية الاجتماعية والتاريخية في علم المخطوطات"
المبحث يتكون من ثلاثة محاور بالإضافة الى خلاصة المبحث.

المحور الاول. قراءة في الاطار التاريخي
المحور الثاني. قراءة في الاطار الاجتماعي
المحور الثالث. رؤيتنا في منهجية البحث المعاصر

المقدمة :

اولا. المخطوطات ، هي ما كتبت بخط اليد وتبرز اهميتها من ناحية كونها تضم ارشيف الارث المعرفي الانساني السابق من جانب ، وشاهد على سلامة المطبوع وصحته، من جانب ثاني.
وهنالك تفاصيل متعددة حول صناعة المخطوطات معروفة عند ذوي الاختصاص ، متعلقة بأنواع المواد التي تكتب عليها المخطوطات من رقاع واوراق مستعملة وكذلك الاحبار والتجليد والخط ، واساليب كتابة المخطوط ، والزخارف والمنمقات والاختصارات والرموز المستخدمة والحواشي...
وصناعة المخطوطات مرت بمراحل ، تطورت فيها هذه الصناعة بشكل كبير ومن عدة نواحي متعلقة بشكل الخطوط المستعملة ومختلف الزخارف وطريقة التجليد وغيرها كثير.

ثانيا. بالرغم من كثرة الحروب التي تعرضت لها المجتمعات البشرية والتي من ارهاصاتها تعرض ملايين المخطوطات الى التلف ، اضافة الى سوء التخزين وعوامل التخريب الاخرى والتي ضاعت من خلالها ملايين المخطوطات ، الا انه ومع ذلك يوجد الان في المتاحف والمكتبات والخزانات آلاف المخطوطات لاسيما المتعلقة منها بالإرث المعرفي الاسلامي ، ومن هذه المتاحف والخزانات على سبيل المثال :خزانة ضريح الامام علي بن ابي طالب ، وخزانة ضريح الامام الحسين وخزانة ضريح ابي الفضل العباس وخزانة ضريح الامام الرضا وخزانة ضريح الامام الكاظم عليهم السلام وفي متحف لندن وعدد من خزائن جامعات بريطانيا وفي متحف اللوفر ومتحف برلين خزانة الفاتيكان ومكتبة الكونجرس وخزانات بعض جامعات امريكا وخزانات اسطنبول وانقرة وخزانة مكتبة الاسكندرية وخزانة مكتبة طهران وخزانة مكتبة السيد شهاب الدين المرعشي النجفي ، وخزانة الساده آل طعمة ، وخزانة الساده آل ثابت وخزانة مكتبة كاشف الغطاء ومكتبة امير المؤمنين(مكتبة الشيخ الاميني)، وخزانة مكتبة بيت شبر، وفي خزانة المتحف العراقي وخزانة الروضة القادرية وخزانة ابو حنيفة النعمان وخزانة الدكتور حسين علي محفوظ الوشاحي الاسدي ، وخزانة السادة آل احمد العطار ، وخزانة المخطوطات في الرياض وفي متاحف دلهي وكلكتا .

ثالثا. هنالك مشاهدات ميدانية جرت في هذا الجانب مع عدد من المؤرخين والاطلاع على جملة من الخزانات والمتاحف ، فمن المؤرخين واصحاب المخطوطات الذي جرى اللقاء معهم:

1.الدكتور حسين علي محفوظ في داره الواقعة في العطيفية مطلع تسعينيات القرن الماضي
2.السيد محمد سعيد آل ثابت في خزانته الواقع في كربلاء نهاية ثمانينيات القرن الماضي
ومن الخزانات والمتاحف والمكتبات التي تم زيارتها:

1.خزانة المكتبة القادرية نهاية ثمانينيات القرن الماضي
2.خزانة مكتبة السيد شهاب الدين المرعشي في قم المقدسة
2.مخطوطات متحف الامام الرضا عليه السلام في مشهد.

واخيرا عالم المخطوطات عالم رائع حيث التحليق في سماء الارث المعرفي والمخطوطة في حقيقتها عبارة عن تحفة فنية نادرة بالإضافة الى القيمة العلمية او الادبية لما تتضمنه من معلومات الا ان هنالك مجموعة من الفنون والابداع يرافقها في الزخارف والرسوم والمنمقات والخطوط ...، وهي مما تفتخر به المجتمعات الانسانية قاطبة.

محاور المبحث:

المحور الاول. القراءة في الاطار التاريخي
اولا. نبدأ هذا المحور بطرح التساؤل الاتي:
1.هل التدوين تحرك تجريبي للإنسانية ام له بعد آخر، أي هل ان الانسان قام بالتدوين والتوثيق من ذاته فحسب ام ان هنالك توجيه وارشاد لهذا التدوين
2. ماهي نتيجة التدوين ان كانت الحروب والكوارث الطبيعية سوف تقوم بإتلاف النتاج المعرفي المدون
الجواب :
لابد من موجه ومرشد لموضوع التدوين والتوثيق ، وان هذا الموجه يؤكد على وجود مستقبل سعيد سوف تصل اليه البشرية ، وان هذا الارث المعرفي له حافظ وراعي ، ولفهم المطلب لابد ان نستوعب ما هي الغاية من التدوين وحفظ المخطوطات فهو بالتأكيد وبشكل اساسي حفظ النتاج الانساني للمستقبل ولكن كيف يؤمن الانسان في بابل والاسكندرية نزولا الى باقي الحواضر الانسانية بمستقبل مزدهر للبشرية يكون فيه اثر لمخطوطاتهم وهم يرون تحرك قوى الطبيعة والصراع البشري عاملا هداما لهذه المخطوطات
اذن نحن امام بعد معنوي ورؤية شاملة للإنسانية لا يمكن تحققها من غير البعد النبوي أي ان رواد التدوين والمخطوطات هم الانبياء الذين آمنوا بمستقبل مزدهر للبشرية سياتي بعد حين وجعلوا هذه الممارسة ، أي ممارسة التدوين وحفظ المخطوطات سجية ومنهج لعقلاء البشرية ، علما ان خط السياسة الفاسدة في التاريخ لعب دورا سلبيا في التأثير على هذا النتاج الانساني من حيث التدوين والاستقراء، فتولدت لدينا اشكالية يعاني منها ارباب هذا العلم والتي هي:
ان المخطوطات كنتاج معرفي قد لا تستظهر البعد التاريخي المعاصر لها (
أي هل فلسفة المخطوطات هي فعلا معبرة عن العصر الموجودة فيه وتمثل نتاجه العلمي ، وهل ان طبيعة النقل والسرد معبرة عن الشخصية الاجتماعية في ذلك العصر الذي كتبت فيه المخطوطة ، أي يجب نستقرأ بعدا فلسفيا وليس فقط المعلومة الحرفية):
مثلا حينما يتم اظهار حاكم ما منتصر في حدث ما ، وهو في الواقع مهزوم
وكمصداق حي لنلتفت الى تعدد المخطوطات المدونة عن الانجيل او ما نعيشه في تاريخنا الاسلامي من مخطوطات مغايرة في زاوية النظر لحدث واحد تاريخي واحد
بالتالي نحتاج الى رؤية فلسفية اعمق لاستقراء التراث الانساني وتقييمه ليس على اساس فكرة المنظور التجريبي (كأنما نقدم مبرر للمخطوطات التي تحوي على المغالطات التاريخية الاجتماعية ، نعبر عنها كنوع من جهد وطاقة الخطاط ذلك الوقت)
ثانيا. ان الفلسفة اليونانية والتي اراها امتداد لمدرسة الاسكندرية والمدرسة الاشورية اطرت النمطية العقلية للخطاط او المدون فيجب تفكيك تلك النمطية (تفكيك نظرة الخطاط والمدون للحدث او البعد العلمي الذي يسجله)، لاستخلاص النتائج التاريخية المناسبة لتلك المخطوطة
مثلا الصراع الروماني مع المسيحيين كان يدون ويؤرشف من جهة الرومان بانهم قد سحقوا المسيحيين وفي حقيقة الامر تبين وبعد مدة من الزمن انتصار المسيحية على الامبراطورية الرومانية
اذن الفلسفة التي كتبت بها تلك المدونات كانت تعتمد على الفلسفة اليونانية قدم العالم واصالة الوجود كمرتكز او اصالة الماهية
أي ان المدون او الخطاط ينظر باتجاه الحدث المعاصر له نظرة وجودية ان صح التعبير أي انه يفلسف ما هو موجود بدون البحث في جذوره فتكون النتائج والتدوينات حينئذ اقرب ما يكون للشكلية بعيدة عن جوهر الحقيقة ، فيصبح التاريخ بالنسبة لنا وفي بعض الاحيان عبارة عن انقلاب لا يمكن ان تتلمس تغييراته قبل حصوله في المخطوطات المعاصرة له
اذن ولحل هذه الاشكالية نحتاج الى المنظور الفلسفي الذي قدمه الاستاذ الفاضل علي الزيدي، وهو:
ان العدم علة للوجود ، فيمكن ان نقدمه باطار بحثي من خلال رؤية يمكن ان نصطلح عليها بانها ثورية لكل حدث نريد ان نستقرأه ضمن اطار المخطوطات المعاصرة له من خلال اعدام كل المتعلقات السلبية المحتملة المتعلقة في خصوصية الحدث لإعادة استقرائه من الصفر وصولا الى رؤية اقرب للواقع المعاصر واكثر موضوعية ، وان هذه المنهجية سيكون لها بعد حركي في دولة العدل والانسانية القادمة للإمام المهدي (عليه السلام)، وكالتالي :
ان الامام عليه السلام يؤكد على احترام النتاج البشري وكل ما بشأنه ان يوظف في خدمة البشرية، ولكن يجب ان يكون احترام النتاج الانساني مبني على اسس وابعاد انسانية والتي من ضمنها ان يكون هذا النتاج نافع للإنسانية ، اما النتاج الضار ، فيجب ان لا نأخذ بمحتواه الضار سيما الكتب التي حرفت عن مسارها الصحيح وزيف محتواها ، ولكن هنا يجب ان ندرس ما هي الاسباب التي ادت الى التحريف لكي نتجنبها عندما نؤسس للتدوين في الاطار المستقبلي ضمن الدولة العادلة للإمام المهدي(عليه السلام).

المحور الثاني. القراءة في الاطار الاجتماعي
لكي نخوض في هذا المضمون يجب ان نقر بان القران هو اصدق مخطوطة محفوظة متداولة ضمن ايدينا هذا اليوم وهذه المخطوطة المحفوظة وان كانت خطاب الهي ، ولا يمكن باي حال من الاحوال جعلها قرينة لمخطوطات النتاج الانساني ولكن يمكن ان تكون مستند ثابت لقراءة ودراسة الاطر الاجتماعية وتطورات الاجيال البشرية المتعاقبة والمعاصرة لاهم المخطوطات المخزونة في المكتبات العالمية ومن خلالها يمكن ان نؤشر ما يلي:
1.يوجد خطان اجتماعيان في تنميط المدون او الخطاط على مستوى التاريخ ، نمطية تدوين الحدث الخارجي بشكل جامد
2. نمطية تدوين الحدث الخارجي بشكل حركي يوجد علاقة موضوعية بين المجتمع الانساني وذاتية الحدث وصفاته
وبين هذين النمطين افرز القران الكريم وجوده كأعلى قيمة تقرب الانسان الى ذاتيات وصفات الحدث او الموقف المخبر عنه أي انه يمثل بعدا كماليا للتدوين يجعل المفردة الخارجية حياة مسجلة على ورق يعيشها الفرد ويتفاعل معها وهو يمثل غاية لو طور هذا البعد في الاطار التدوين والمخطوطات قد تقربنا اشواط في فهم وتطوير التدوين واستقراء التراث الانساني

المحور الثالث . رؤيتنا في منهجية البحث المعاصر
1.علم المخطوطات لا يمكن دراسته بشكل مستقل من دون دراسة جغرافية المخطوطة وبعدها الزماني والبعد الشخصي للخطاط والاطار الفلسفي او الديني السائد في المجتمع والذي يمتاز به الفرد
2.لابد ان نقف عند بعد تاريخي للاطار التاريخي والتدويني القديم انه كان ضمن رؤية الفلسفة الكلاسيكية التي تتكلم عن قدم العالم واصالة الوجود واصالة الماهية وحتى السابقة لها لان البعد الوثني هو انعكاس لرؤية ايضا وجودية هذا له افرازات وتداعيات يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار في قبال ما قدمناه من رؤية مغايرة يكون اساسها العدم علة للوجود أي قراءة المخطوطة وابعادها ضمن ميزان صفري خالي من أي متعلقات لتقييم ما تقدمه من معلومات سواء كان بشكل مباشر او غير مباشر
3.يجب ان نركز في اطار رؤية الانسانية على اساس تكاملي وبخط تصاعدي ليس باطار التاريخ يعيد نفسه بتكرار الزمن عليه ، عند ذلك سنجد ونستقرأ الاطار الغير مباشر لمحتوى المخطوطة باعتباره مؤشر للتغيرات الاجتماعية او العقلية لمعرفة اسباب هذه المتغيرات وتركيز النافع منها في واقعنا المعاصر لتجنب ابعادها السلبية
والانتقال برؤية الانسان من اساس المادية والتأثير الخارجي الى رؤية الانسانية بذاتها باعتبار ان لديها بعد تكاملي تعبر فيه عنه خصائصها الاجتماعية المتميزة وهذا جدا نافع في فهم النتاج الانساني والاستعانة به لتطوير الذات الانسانية بخصائصها المميزة .
4.رسالة القران للمدون او الخطاط هو ان يجعل البشرية تعيش مع البعد الايجابي الحركي للحدث وتتجنب البعد السلبي الذي يقتل الطموح والسعي البشري والامل بإنشاء مجتمع عادل يحقق الرفاه المعرفي والعلمي والمادي والانساني والاخلاقي للبشرية

خلاصة المبحث
نحتاج الى مراكز دراسات منفتحة تعتمد على مرتكز اساسي في بحثها الا وهو كتاب القران باعتباره كما قدمنا غاية تكاملية للتاريخ والارشفة ونقل الحدث يمتلك ادوات ومنهجية يمكن استظهارها لِنُقَيِّمْ من خلاله اثار وابعاد المخطوطات واستخلاص الجوانب الايجابية النافعة التي تكامل البشرية لتحقيق رؤية فلسفية انسانية زرعها الانبياء وهي ان ندون نتاجنا لكي تتعلم منه الاجيال فتتكامل لتحقق الدولة العادلة المهدوية القادمة.

الجمعة، 5 أبريل 2019

السيد الشهيد محمد الصدر قدس يناقش احد الروايات المشهورة لدى ابناء العامة...

The two sermons of Friday prayer for the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtad...

The two sermons of Friday prayer for the Iraqi leader Al-Sayyid Muqtad...

برنامج ( تعلّم معنا علم المنطق ) للاستاذ طالب العلوي / الحلقة الخامسة و ...

الثلاثاء، 2 أبريل 2019

شهادة الامام موسى الكاظم (عليه السلام)


في هذا المبحث يتم التعرض الى شهادة الامام موسى الكاظم(عليه السلام)، وضمن نقطتين :

النقطة الاولى: ارتكاب جريمة القتل
جاء في عدد من الروايات المسجلة تاريخيا ما يلي:

1.ان هارون العباسي هو الذي عمد الى رطب فوضع فيه سما فاتكا وامر السندي ان يقدمه للإمام الكاظم (عليه السلام) ، ويحتم عليه ان يتناول منه
(باقر شريف القرشي عن الدمعة الساكبة في أحوال النبي(ص) والعترة الطاهرة - لمحمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني. نقلا عن عيون الاخبار)
2.ان هارون أوعز الى السندي في ذلك، فأخذ رطبا ووضع فيه السم وقدمه للإمام(عليه السلام) فأكل منه عشر رطبات ، فقال له السندي زد على ذلك ، فرمقه الامام(عليه السلام) بطرفه وقال له :
حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه (باقر شريف القرشي عن البحار للمجلسي )
3.هنالك أقوال أخرى فيمن تولى سم الامام(عليه السلام):
*. ففي كتاب فرق الشيعة / ص89 : ان يحيى بن خالد البرمكي هو الذي سم الامام(عليه السلام) ، وكذلك في كتاب رجال الكشي ص371 ، في رواية عن عبدالله بن طاووس قال : سألت الامام الرضا(عليه السلام) قلت له : هل ان يحيى بن خالد سم أباك موسى بن جعفر ؟ فقال الامام الرضا (عليه السلام):
نعم سمه في ثلاثين رطبة مسمومة
*.عن ابو الفرج الاصفهاني ان يحيى البرمكي أمر السندي بقتل الامام(عليه السلام)بعد حادثة غضب هارون على الفضل بن يحيى (القرشي عن مقاتل الطالبيين ص504)
*.في كتاب عيون أخبار الرضا ان الفضل بن يحيى هو من سم الامام(عليه السلام)
وذكر ان السندي وبعد ارتكاب الجريمة اضطرب اضطرابا شديدا، واستدعى الوجوه والشخصيات وكانوا ثمانين شخصا وقال لهم: انظروا الى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فان الناس يزعمون انه قد فعل به مكروه ، ويكثرون من ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا وانما ينتظره ان يقدم عليه فيناظره ، وها هو ذا موسع عليه في جميع اموره فاسألوه ، يقول أحد الشهود وهو من شيوخ العامة: ولم يكن لنا هم سوى مشاهدة الامام(عليه السلام) ومقابلته فلما دنونا منه لم نر مثله قط في فضله ونسكه فانبرى الينا وقال لنا :
أما ما ذكر من التوسعة ، وما أشبه ذلك ، فهو على ما ذكر ، غير اني أخبركم ايها النفر اني قد سقيت السم في تسع تمرات ، واني أصفر غدا ، وبعد غد أموت .
ولما سمع السندي ذلك انهارت قواه ، ومشت الرعدة في أوصاله واضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة
(باقر القرشي عن روضة الواعظين ص185ـ186، وعيون الاخبار ، والامالي)
وجاء في البحار ان الامام(عليه السلام) التفت الى الشهود ، فقال لهم :
اشهدوا على اني مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام ، اشهدوا أني صحيح الظاهر ، لكني مسموم وسأحمر في هذا اليوم حمرة شديدة وأبيض بعد غد ، وأمضي الى رحمة الله ورضوانه ، فمضى (عليه السلام) كما قال : في آخر اليوم الثالث
وجاء في قرب الاسناد للحميري انه(عليه السلام) قال للشهود :
اني سقيت السم في سبع تمرات.
ومن ثمار البعد الاصلاحي للإمام الكاظم عليه السلام، هدايته للمسيب بن زهرة (وهو احد رجال دولة بني العباس فقد خدمهم من عهد الدوانيقي الى هارون( (القرشي عن الجهشياري ص97))
وقد استدعاه الامام الكاظم(عليه السلام) قبل استشهاده بثلاثة ايام ، فلما مثل عنده قال(عليه السلام) له: يا مسيب . فقال المسيب : لبيك يا مولاي .
قال (عليه السلام): اني ظاعن في هذه الليلة الى المدينة ، مدينة جدي رسول الله (ص) لأعهد الى علي ابني ما عهده الي آبائي ، وأجعله وصيي وخليفتي ، وآمره بأمري . قال المسيب : يا مولاي ، كيف تأمرني أن أفتح لك الابواب وأقفالها والحرس معي على الابواب ؟ فقال الامام(عليه السلام) : يا مسيب ضعف يقينك في الله عز وجل وفينا ؟ ، قال المسيب : لا، يا سيدي ادع الله ان يثبتني . فقال الامام(عليه السلام) :
اللهم ثبته ، ثم قال (عليه السلام):
ادعو الله باسمه العظيم الذي دعا به آصف حين جاء بسرير بلقيس فوضعه بن يدي سليمان قبل ارتداد طرفه اليه ، حتى يجمع بيني وبين علي ابني بالمدينة.
قال المسيب فسمعته يدعوا ، ففقدته عن مصلاه فلم ازل قائما على قدمي حتى رأيته قد عاد الى مكانه واعاد الحديد الى رجليه ، فوقعت على وجهي ساجدا شاكرا لله على ما أنعم به علي من معرفته والتفت الامام (عليه السلام) له فقال :
يا مسيب ، ارفع رأسك ، وأعلم اني راحل الى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم .قال المسيب فبكيت ، فلما رآني الامام(عليه السلام) وأنا باك حزين قال لي :
لا تبك يا مسيب فان عليا ابني هو امامك ، ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فانك لن تضل ما لزمته ،.قال المسيب :
الحمد لله على ذلك (باقر القرشي عن عيون الاخبار، والبحار)
وسرى السم في بدن الامام(عليه السلام) ، واستدعى الامام(عليه السلام) ، السندي فلما مثل بين يديه أمره ان يحظر مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله ، وسأله السندي أن يأذن له في تكفينه ، فأبى(عليه السلام) وقال : انا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا وعندي كفني (باقر القرشي عن مقاتل الطالبيين ص504، البحار 11/303)
وأحضر له السندي مولاه ، وثقل حال الامام(عليه السلام) ، وأقترب اللقاء الالهي فاستدعى الامام(عليه السلام) المسيب بن زهرة فقال له : اني على ما عرفتك من الرحيل الى الله عز وجل فاذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت ، واصفر لوني واحمر واخضر وتلون الوانا فاخبر الطاغية بوفاتي .
قال المسيب فلم أزل اراقب وعده حتى دعا بشربة فشربها ، ثم استدعاني فقال لي : يا مسيب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم انه سيتولى غسلي ودفني ، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا ، فاذا حملت الى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ، ولا ترفعوا قبري فوق اربعة أصابع مفرجات ، ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به ، فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي (عليه السلام) فان الله عز وجل جعلها شفائا لشيعتنا وأوليائنا.
قال المسيب ثم رأيت شخصا أشبه الاشخاص به جالسا الى جانبه ، وكان عهدي بسيدي الرضا (عليه السلام) وهو غلام ، فأردت أن أسأله ، فصاح بي سيدي موسى : وقال اليس قد نهيتك ، ثم ان ذلك الشخص قد غاب عني ، فجئت الى الامام(عليه السلام) ، واذا به جثة هامدة قد فارق الحياة فأنهيت الخبر الى الرشيد بوفاته (باقر القرشي عن عيون أخبار الرضا) .

النقطة الثانية. شهادة الامام الكاظم(عليه السلام)
المشهور ان استشهاد الامام(عليه السلام) كان في يوم الجمعة سنة 183 هجريه لخمس بقين من شهر رجب الاصب
(الشيخ باقر القرشي عن ابن خلكان 2/173 ، تاريخ بغداد 13/32 ، الطبري 10/70 ، ابن الاثير 6/54 ، تأريخ الخميس 2/371 ، تأريخ ابي الفداء 2/17 ، تهذيب التهذيب 10 / 340 ، ميزان الاعتدال 3/209 ، عمدة الطالب...ص85 )
عن عمر الـ 54 او قارب الـ 55 (القرشي عن المناقب)
وكان مقامه(عليه السلام) منها مع ابيه(عليه السلام) عشرين سنة وبعد ابيه(عليه السلام) خمسا وثلاثين سنة (القرشي عن الفصول المهمة ص255)
والمشهور ان استشهاد الامام(عليه السلام) كان في حبس السندي بن شاهك وقيل في دار المسيب بن زهرة بباب الكوفة الذي تقع فيه السدرة (القرشي عن البحار 11/300) وقامت السلطات العباسية بأجراء ما يسمى بتحقيق في هذه الحادثة من قبل السندي اولا وهارون ثانيا للتغطية على هذه الجريمة البشعة ، ولكن هيهات فالطاغية العباسي وأتباعه لم يكتفوا بارتكاب جريمة الاعتقال والقتل بل عمدوا الى الانحدار اكثر في بحر الخسة والرذيلة ، فقد أمر اللعين بوضع الجسد الطاهر للإمام الكاظم على جسر الرصافة وان ينادوا عليه بذل الاستخفاف (القرشي عن اخبار الرضا ، البحار)
ولما سمع سليمان بن ابي جعفر الدوانيقي الصياح والضوضاء التفت الى ولده وغلمانه قائلا ما لخبر ، فقالوا له هذا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر وأخبروه بذلك النداء ، فصاح بولده :
انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم ، فان مانعوكم فأضربوهم وخرقوا ما عليهم من سواد ، فانطلق ابناء سليمان وغلمانه وأخذوا الجنازة وعادوا اليه ، وأمر بالوقت ان ينادي بنداء معاكس لنداء السندي ، فانطلق غلمانه رافعين أصواتهم بهذا النداء :
الا من أراد أن يحظر جنازة الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليحظر(القرشي عن البحار، عيون أخبار الرضا )
*.وجاء في مناقب ابن شهر آشوب 2/386 ، ان سليمان كان في دهليزه في يوم ممطر اذ مرت به جنازة الامام(عليه السلام) فقال : سلوا هذه جنازة من ؟
فقيل هذا موسى بن جعفر مات في الحبس قد أمر الرشيد ان يدفن بحاله ، فقال سليمان : موسى بن جعفر يدفن هكذا ؟ ، فان في الدنيا من كان يخاف على الملك في الاخرى لا يوفى حقه
وقام سليمان بتجهيز الامام (عليه السلام) فغسله وكفنه ، ولفه بحبرة قد كتب عليها القرآن الكريم بأسره كلفته الفين وخمسمائة دينار(القرشي عن المناقب2/387) وحدث المسيب بن زهره ، قال: والله لقد رأيت القوم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم اليه ويظنون انهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم انهم لا يصنعون شيئا ، ورأيت ذلك الشخص الذي حظر وفاته ــ الامام الرضا(عليه السلام) ــ هو الذي يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه ، وهو يظهر المعاونة لهم ، وهم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره التفت الي وقال :
يا مسيب مهما شككت في شيء فلا تشكن في ، فأني امامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي ، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ومثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه وهم له منكرون ( القرشي عن عيون أخبار الرضا)
وبعد انتهاء الغسل حمل جثمان الامام(عليه السلام) الى مثواه الاخير بتشييع مهيب يتقدمهم سليمان وباقي كبار الدولة ، وجمع غفير من الناس بعد ان هرعت بغداد لتشييع الامام(عليه السلام) على اختلاف مشاربهم ، وانشد بعض الشعراء (القرشي عن الاتحاف بحب الاشراف ص57) فقال:
قد قلت للرجل المولى غسله *** هلا أطعت وكنت من نصائحه
جنبه مائك ثــم غســـــله بما *** أذرت عيون المجد عند بكائــه
وأزل أفاويه الحنوط ونحـها *** عنه وحنـطه بطيب ثنائـــــــــه
ومر الملائكـة الكرام بحملـه *** كرما الست تراهم بإزائــــــــه
لاتوه أعناق الرجال بحملــه *** يكفي الذي حملوه من نعمائـــه
وسارت المواكب متجهة الى محلة التبن قرب مقابر قريش لدفن الجسم الطاهر للإمام موسى الكاظم عليه أفضل الصلاة واتم التسليم

*.قال الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر في الخطبة الأولى / الجمعة 31 (في 23/ رجب / 1419هجـ ـ 13 تشرين الثاني 1988م):
.. فان اشهر ما مر به الامام الكاظم (عليه السلام) هو السجون التي عاناها من قبل الظالمين في عصره فقد استمر يتقلب في السجون مدة أربعة عشر سنة أو اكثر حتى مات في السجن ولم يشم نسيم الحرية طيلة حياته حيث قتلوه مظلوما مسموما قتله سرجون عصره وفي كل عصر يوجد سرجون أو سراجين ـ على اية حال ـ وانا قلت اكثر من مرة ان في كل شيء وموعظة ونحن تكليفنا ان ننظر في العبر المستفادة من الأشياء ونمحصها لا ان نغفل عنها ونهملها كما قال الله تعالى :
((وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ))(سورة يوسف/ الآية 105 )
فلنحاول الان بمقدار الإمكان ـ طبعاـ استخلاص العبر والخلاصات التي يمكننا التوصل اليها من حصول السجن الطويل للإمام الكاظم(عليه السلام) مع الالتفات بوضوح أن كل موعظة منها هو باب واسع يمكن أن ينطبق في كل مكان وزمان وهذا ما لا يمكن استقصاؤه واحدة واحدة طبعا انتم تلاحظوه .
وأن قول القرآن وفعل المعصومين هو هداية لنا وكأنه خاص بمجتمعنا ومكاننا وزماننا وان كان هو في نفس الوقت شاملا لغيرنا ونفس هذا الشعور سيكون صادقا في أي مجتمع وفي أي زمان وهذا من معجزات الإسلام على الحقيقة وما يمكن بيانه من العبر كما يلي:
أولا:
ان اعتداء الدولة ـ وهذا ينبغي ان يكون واضحا ـ الظالمة يومئذ على الإمام(عليه السلام) طبعا احتقار له وتحدي له بصفته هو القائد الأهم والزعيم الأعظم لعدد مهم من المسلمين وطائفة ضخمة منهم ـ أي من المسلمين ـ مشهود لهم بالصحة والرجاحة اذن فاحتقاره احتقار لهم ـ للطائفة نفسها والاعتداء عليه اعتداء عليها والتحدي له تحدي لها وليس على فرد واحد في الحقيقة وان بدا في الظاهر هكذا الا انه تحدي لمذهب كامل في الإسلام.
ثانيا:
انه بصفته من أولياء الله واصفيائه والمبلغين لأحكامه والحاملين الى البشرية هدايته ونوره ، الا نسمع في زيارته يا نور الله في ظلمات الأرض .
اذن فيكون الاعتداء عليه والاحتقار له وتحديه اعتداء ًعلى الله واحتقارا له وتحديا له ـ والعياذ بالله ـ وليس فقط على الطائفة .
ثالثا :
ان الدولة حين سجنته وقتلته فقد حرمت المجتمع من علمه ولطفه وقيادته .
وما كان يقوم به من جهود وجهاد في سبيل تقويمه ـ أي تقويم المجتمع ـ وتنويره وحفظ شؤون شيعته ومواليه ، والدولة في ذلك الحين ملتفتة الى ذلك عالمة وعامدة لذلك مع شديد الأسف .
رابعا :
ان ائمتنا(عليهم السلام) كانوا يقومون في حدود امكاناتهم المتاحة بكثير من الاعمال والاتصالات التي كانت الدولة في ذلك الحين تتحذر منها وتعتبرها تحديا لسلطانها والروايات في ذلك طافحة ومتوفرة ومتيسرة . ومن هنا كان من المنطقي ان تجد الدولة من وجهة نظرها لوم التخلص من هذا القائد والقائه في غياهب السجون ولا تخرجه الا ان يموت لكي لا تبتلي بعمله وجهده وجهاده مرارا وتكرارا.
خامساـ
اننا نعلم ان بلاء الدنيا كلما ازداد ، ازداد ثوب الآخرة لامحالة ـ ونعلم ان اشد الناس بلاءً في الدنيا (((وهذا في الروايات واضح))هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ـ وانه كلما زاد الانسان شهرة ازداد بلاء وامتحانا وهذا أيضا حكمة موجودة .
ومن هنا كان لابد في الحكمة الإلهية ان يمر المعصومين (عليهم السلام) بفترات من البلاء على اختلاف ذلك فيما بينهم فبينما يموت الامام الحسين(عليه السلام)قتلا يموت الامام الحسن(عليه السلام)بالسم ويموت الامام الكاظم (عليه السلام)بالسجن وهكذا . وليس ذلك الا لعلوا مقامهم وازدياد درجاتهم كما ورد في الحسين(عليه السلام)((أن لك عند الله درجات لا تنالها الا بالشهادة))
سادساـ
أنهم(عليهم السلام) تلقوا كل ذلك من البلاء الدنيوي بالرضا والتسليم من الله سبحانه وتعالى بل بالحب والقبول كما لو كان هدية لطيفة تهدى لهم بها دلائل وروايات احبائي .
اليس قال امير المؤمنين (عليه السلام)حين ضرب في المحراب ، ماذا قال ؟ قال:
فزت ورب الكعبة وقال الحسين بعرصة كربلاء :
هون ما نزل بي انه بعين الله .
فقط هم ؟ وقال ابوذر وهو في الربذة حيث اشتد به البلاء يخاطب الله جل جلاله : اخنق خنقتك يعني ضيق عليَّ بما تشاء فانك تعلم اني احب لقائك . وقال الامام الكاظم(عليه السلام) الذي نتحدث عنه الآن في سجنه
اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد .
سابعاـ
ان في ود المؤمن المتكامل ان يتوجه بقلبه الى الله تعالى وان يكثر ذكره وتتزايد عنده عبادته وهذا مالا تتوفر فرصته حين يكون الفرد في معمعة المجتمع وفي الاتصال الكثير في الناس وانما تحصل فرصة ذلك لدى الوحدة والابتعاد عن الناس ، وكيف تحصل الوحدة وقد اوجب الله تعالى على المؤمن الامر بالمعروف وتبليغ الاحكام وهداية الناس .
اذن فالوحدة في مثل ذلك والابتعاد بهذا المعنى حرام واسقاط للطاعة الالهية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهداية الآخرين واما اذا كان الانسان في السجن فيكون فارغ الذمة من جانب الامر بالمعروف والتبليغ ويكون مبتعدا عن المجتمع قهرا .
اذن فالمؤمن يرى السجن من هذه الناحية نعمة ورحمة عليه لكي يتفرغ فيه لذكر الله وطاعته وعبادته كما سمعنا من الامام الكاظم(عليه السلام) يقول :
اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد
ثامناـ
ان الحجة قائمة بوضوح ضد ساجنيه ، وضد الدولة التي سجنته لأنها سجنت عبدا صالحا ووليا من أولياء الله وهم يعلمون ذلك طبعا ، يكفيهم منم ذلك ما يرونه دائما منه من كثرة العبادة والتهجد وقيام الليل وصيام النهار حتى ان عددا من ساجنيه كخالد بن يحيى البرمكي وغيره حاول التخلص والتملص من مسؤولية سجنه لما يرون من فضله وعلو شأنه وهذا هو السبب الرئيسي فيما أرى في نقله من سجن الى سجن ، لان السجان كان يرفض استمرار سجنه عنده الى ان وصل الى سجن السندي بن شاهك ـ عليه اللعنة ـ الذي لم يكن يشعر بهذه المسؤولية ـ قبحه الله ولعنه ـ .
تاسعاـ
ليس هذا فقط بل كان الفراشون والمباشرون له في السجن يصبحون اتقياء وأولياء في ليلة وضحاها بهداية الامام(عليه لسلام)وعمله حتى انه روي أنهم جعلوا له امرأة خليعة لكي تخدمه فأصبحت في يوم واحد زاهدة وعابدة
عاشراـ
أنه ـ الامام الكاظم(عليه السلام)ـ تحرر من السجن ، اطلق سراحه الى الحرية الحقيقية بموته مظلوما وليس الى الدنيا كما هو العادة فيمن يطلق سراحهم فانه اذا اطلق سراحه في الدنيا سيكون قد خرج من سجن الى سجن لان( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) أما اذا ذهب الى ربه ومقاماته العليا فقد نال الحرية الحقيقية من اضيق السجون .
ومن هنا ورد ان هارون العباسي ولا اريد ان اسميه الرشيد لأنه ليس برشيد . ليس برشيد . ليس برشيد . ارسل اليه يطلب منه مجرد الاعتذار لكي يطلق سراحه ـ بمعنى أن يعتذر الامام لهارون ويطلق هارون سراح الامام ـ فقال الامام(عليه السلام):
قال له ـ مخاطبا الرسول ـ إن أي يوم يمضي فانه يقلل من أيام بلائي كما انه سيقلل من أيام سعادتك وملكك ـ أي سعادته بالخلافة والدنيا والمستوسقة له(انتهى )
نعم لقد اصبح المكان الذي دفن به الجسم الطاهر للإمام الكاظم(عليه السلام) ، روضة من رياض الجنة يغاث فيها الملهوف وينفس فيها عن المكروب ،وتهوي اليه القلوب قبل الابدان من جميع الاصقاع والبلدان ، لأنه باب من ابواب الله تعالى ورمزا للحرية والاباء والتضحية والاخلاص ...، وما إن تأتي ذكرى الخامس والعشرين من رجب إلا وأنت ترى الملايين من المحبين يزحفون زرافات، زرافات نحو مشهد الكاظمين المقدسين حاملين نعوشا رمزيه معلنيها صرخة مدوية تهز الكون بأن السعيد من وفى بالعهد مع الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ،وأن لا مكان للطواغيت والظالمين في ارض الله مهما طالت السنين .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم.

من المصادر الاخرى للبحث:
1ـ حياة الامام موسى بن جعفر(عليهما السلام)، للشيخ باقر شريف القرشي ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ط3/ 1398هج
2ـ سيرة الأئمة الاثني عشر(عليه السلام) السيد هاشم معروف الحسني

الاثنين، 1 أبريل 2019

بالصبر والاباء احيا الامام موسى الكاظم عليه السلام ، منهاج الانبياء


تمر على الانسانية بشكل عام والشعب العراقي بشكل خاص ذكرى شهادة الانسان النبيل موسى الكاظم الذي ضرب اروع مصداق لمفهوم الصبر والاباء ، في قبال همجية اعتى طغاة زمانه هارون العباسي ، الذي كان يبتغي كسر ارادة الانسان المصلح او ثنيها باي ثمن ، من دون جدوى فقد تحطمت موجات هجماته على سفح جبل الصبر الاشم وجوهر الاباء ، فاذا بجبروت الظالم قد انكسر وتهاوى لان : ((مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18))، واذا بقهر بطش الطغاة يتلاشى امام منهاج الانبياء ، والذي احياه شبيه المسيح وسمي الكليم
واليوم حري بنا ان نستشف بعض الدروس من هذه المدرسة العظيمة في الصبر والاباء ، عسى ان نتمكن من ازالة ترسبات حالات الخضوع والذل والاستكانة التي نشعر بها امام النفس الامارة ، وامام الطغاة والفاسدين ليحل محلها الصبر على البلاءات والثبات على النهج الانساني والقيم النبيلة حينها ستتمكن الامة من النهوض الحقيقي وتبدأ بتصفير ساحتها شيئا فشيئا من الطغاة والفاسدين .

المحور الاول. الاسباب التي ادت الى اعتقال الامام موسى الكاظم(عليه السلام).
لا يمكن معرفة جميع الاسباب التي ادت الى اعتقال الامام موسى الكاظم(عليه السلام)، ولكن يمكن ذكر مجموعة من الاسباب والتي ذكر بعضها في المصادر التاريخية والاخرة تستشف من السيرة العطرة للإمام الكاظم والمتيسرة للاطلاع وهذا المحور يتكون من ثلاثة نقاط وكما يلي:

اولا. من ميزات حادثة سجن الامام موسى الكاظم(عليه السلام):
1.اول امام في سلسلة ابائه المعصومين(عليهم السلام)، تعرض لهذا النوع من البلاء
2.طول فترة بقائه(عليه السلام)، في السجن من جهة والقيام بنقله لأكثر من سجن من جهة ثانية والذي كان آخرها سجن السندي بن شاهك
3.بعد مواقع السجون التي اودع فيها الامام الكاظم (عليه السلام)، عن محل سكناه وتواجد اسرته وعياله(عليه السلام)
4.ارتكاب جريمة قتله واغتياله في السجن على يدي السندي بن شاهك
5.الاساءة الى جسده الطاهر من خلال عدة امور والتي منها تركه مقيد بسلاسل الاغلال ، ووضعه على الجسر والنداء عليه بذل الاستخفاف تنفيذا لأمر الطاغية هارون العباسي وهذا ما قوبل بالاستهجان حتى من قبل سليمان بن ابي جعفر الدوانيقي.

ثانيا. هنالك جملة من الاسباب والمبررات التي ذكرها المؤرخين حول اسباب الاعتقال
*. كوشاية بعض اقرباء الامام عند هارون العباسي بسعي وتدبير من يحيى البرمكي.
*. او حادثة السلام على رسول الله في المدينة حينما خاطب هارون رسول الله بالسلام عليك يا بن العم وخاطب الامام جده بـ السلام عليك يا ابة (راجع اخبار الدول ص113 وفيات الاعيان 1/394 ومرآة الجنان 1/395
*. او حادثة بيان حدوك فدك(2/381) ...
وهذه مبررات مذكورة ومسجلة تاريخيا ، ولكن حينما يتم النظر الى الموضوع بنظرة ادق واعمق ، نجد ما يلي:

1.ان السلاطين وخصوصا الطواغيت منهم لا ينفكون عن مراقبة الشخصيات البارزة في المجتمع سيما التي يرون فيها منافس كبير لهم من جهة وغير خاضعة لأهوائهم ، ولا تسير في فلكهم من جهة ثانية
2. كان الامام الكاظم(عليه السلام)، شاخصا ايمانيا بارزا في جسم الامة الاسلامية فهو زعيم الاسرة النبوية الشريفة في زمانه ، تلك الاسرة المتربعة على كرسي منابع العلوم ومحاسن الآداب من جانب ، والواقفة على عتبة ارفع مكانة من ناحية الوجاهة والمهابة الاجتماعية من جانب ثاني ، والحاملة للواء المواجهة مع جهة الباطل والفساد منذ ان رفع آذان التوحيد على المآذن والى اليوم.
اذن، هارون العباسي واعتبارا من اللحظات الاولى التي استولى بها على مسند الخلافة قد وضع مراقبة ومواجهة الامام الكاظم على راس اولوياته خوفا على مصلحة كرسي سلطته ، والذي طالما صرح بانه لو نازعه عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأخذ الذي فيه عينيه ، وهذا السلوك ليس غريبا على الطواغيت ومن سار على نهجهم في مراقبة الشواخص الانسانية الاصلاحية العالية الموجودة في الامة والتي تميل لها اعناق طبقة كبيرة من المجتمع ، فالطواغيت يحاولون جاهدين استمالة هذه الشواخص لكي تكون خاضعة لهم او تسير في فلكهم وعلى اقل التقادير اسكاتهم وتحجيم بعدهم الحركي الى اقل قدر ممكن ، والا فهم لا يتوانون عن استعمال آخر ورقة في جعبتهم الا وهي ورقة الاعتقال او القتل ، ولما كان:
1. للإمام الكاظم(عليه السلام)، مكانة عالية في نفوس الامة حتى تم التصريح ولأكثر من مرة ، بان شطر هذه الامة تنظر للإمام بعنوان الامامة وخلافة رسول الله
2.عدم وجود اي مبرر او مسوغ او منفذ لأمر القتل ، عمد الطاغية الى القيام بحيلة مختلقه متكونه من عدة عناصر:

العنصر الاول. وقوفه امام ضريح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قائلا بصوت عالي يسمعه الحضور : بابي انت وامي يا رسول الله ، اني اعتذر اليك من امر عزمت عليه اني اريد ان آخذ موسى بن جعفر فاحبسه لأني قد خشيت ان يلقي بين امتك حربا يسفك فيها دمائهم (البحار 17/296)، وهذه حيلة خبيثة لا تنطلي الا على السذج من الناس حينما يمارس الخداع بهذا الشكل فيظهر انه مجبور على هذا الاعتقال خوف الفتنة كمثل فرعون حينما قال : ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26)).

العنصر الثاني. عمل موكبين احدهما حقيقي والذي تم فيه تسفير الامام الى سجن البصرة ، والثاني للتمويه المنطلق باتجاه الكوفة .

العنصر الثالث. معرفة مدى ردة فعل القواعد الشعبية اتجاه امر الاعتقال فان كان هنالك رد فعل كبيرة ومؤثر عمد الى حيلة ثانية ، وقد يقوم بإطلاق سراح الامام والا فانه ماضي للخطوة الثانية الا وهي قتل الامام ، باعتبار ان رد الفعل الحركي في الشارع من قبل القواعد الشعبية لا يشكل خطر او بالإمكان احتوائه
اذن من الممكن ان يستشف الفرد بعض الاسباب الاخرى التي دفعت هارون العباسي الى ارتكاب جريمة اعتقال الامام الكاظم والتي منها ما يلي:

1ـ اعتقال الامام الكاظم عليه السلام كان نتيجة محورية وجوده الحركي وعظيم نتائج ابعادها ، فان رفض الامام الكاظم للظلم والجور المسلط على الناس من قبل السلطة الحاكمة ، لابد ان يسري شعوره للناس ، لذا قام الطاغية العباسي باعتقال الامام ، من اجل تحجيم طاقاته وعرقلة بعده الحركي الواقع في خدمة الانسانية .
2ـ اعتقال الامام الكاظم عليه السلام كان من اجل كسر ارادة المعصوم او ثنيها ، باستخدام وسيلة السجن وما يصاحبها من افرازات شديدة الالم وآثار مؤذية .
3ـ تخويفا لباقي الناس وخصوصا الرافضين للظلم والفساد، بان هذا مصير كل من يعترض على السلطة الحاكمة ويستنكر فسادها او يستهجن افعالها واعتباره خارجا عن قانونها.
4ـ عقوبة لعائلة الامام والذين ينالهم حيف كبير نتيجة اعتقال والدهم ومعيلهم ومربيهم ، وفي ذلك وسيلة ضغط اخرى على المصلح
5ـ إشباعا لغرور وتكبر الظالم الذي اعماه الحسد والحقد ، فنفسه الامارة بالسوء تشعر بنشوة حينما يقوم برمى من يراه خصما وندا له في طوامير السجون ويبالغ في تعذيبه والحاق الاذى به .

ثالثا. ذكر في اعلاه انه قد يكون الامر الاولي للطاغية هارون العباسي ، هو قتل الامام الكاظم ، ولكنه ارتأى اولا اعتقاله ليرى مقدار ردة فعل الجماهير فان كانت خطيرة عمد الى حيلة اخرى وان كانت ليست خطيرة ومن الممكن احتوائها مضى في ارتكاب جريمة القتل ، وفعلا حينما كانت ردة فعل الجماهير اتجاه جريمة الاعتقال ضعيفة التأثير ببعدها الحركي ، اصدر الطاغية العباسي اوامره الى والي البصرة عيسى بن ابي جعفر العباسي ، بان يقتل الامام الذي كان معتقلا عنده في البصرة ، ولكن الاخير رفض تنفيذ الامر وذلك لعدة اسباب محتملة والتي منها:

اـ لما رأى من كرامات الامام ورفيع اخلاقه وغزير علمه وعظيم عبادته
ب ـ ان الكثير من علماء البصرة ووجهائها بالإضافة الى غيرهم ، حينما علموا بوجود الامام في سجن البصرة ، سعوا الى التشرف بلقاء الامام(عليه السلام) ، كـ ياسين الزياتي ، اي ان موضوع وجود الامام الكاظم قد انتشر بين الناس في البصرة وغيرها ، وعليه فمن المحتمل ان الوالي العباسي قد رأى في ارتكاب جريمة القتل ضرر كبير على مصالحه الخاصة والعامة حينما ينتشر الخبر ، سيما وان مثل هذه الجريمة لا يمكن اخفائها باي حال، لذا طالب هارون العباسي بان يعفو عن الامام او يبعث اليه من يستلمه منه ، وفعلا بعث هارون مجموعه من اعوانه قامت بنقل الامام الى بغداد ، وقد قرر هارون العباسي بإلقاء الامام في سجون خاصة لكي لا يكون هنالك اي نوع من الاتصال بينه وبين عامة الناس فيسري تأثير الامام عليهم ، وفعلا اودع في سجن دار الفضل بن الربيع بن يونس والذي رفض ايضا تنفيذ جريمة القتل لما رأى من شدة عبادة وصلاح الامام وورعه وتقواه
لذا تم نقل الامام الى سجن الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي ، وهذا الاخير ايضا رفض تنفيذ جريمة القتل حينما كان الامام مودع في سجن داره ، مع ما يستتبع ذلك الرفض من ارهاصات قد تكون وخيمه ضد مصالحهم من قبل الطاغية هارون العباسي ومع ذلك راو عدم تنفيذ جريمة القتل هي الاسلم لهم

المحور الثاني. من دروس الصبر والاباء والتي احيت منهاج الانبياء.

1.لقد تمنى هارون العباسي ومنذ ان اصدر اوامره باعتقال الامام والى لحظة استشهاده بان يحصل على التماس عفو او طلب بإطلاق السراح من قبل الامام الكاظم (عليه السلام)، ولكن هذا لم يحصل بتاتا بل على العكس ، شاهدوا من الامام اروع معاني الانسانية وقيمها النبيلة ، من نفس مطمئنه ابيه على الضيم وتأبى الخنا والخضوع، بل انه قد قيل للإمام الكاظم (عليه السلام) :« لو كتبت إلى فلان يكلّم فيك الرشيد ؟ فقال : حدّثني أبي عن آبائه : أن الله عزّ وجلّ أوحى إلى داود : يا داود ، إنّه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني ... إلّا وقطعت عنه أسباب السماء ، وأسخت الأرض من تحته (تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١٤)». ومن هنا يمكن ان نستشف درسا قيما وهو:
عدم استجداء العفو من الظلمة او الدخول في مساومات معهم والضعف امام ترغيبهم او ترهيبهم فالبقاء في سجن الظالمين المادي افضل من الدخول في سجن مولاتهم.

2.لم تكن القوة المسلحة التي اعتقلت الامام الكاظم (عليه السلام)، ولا التي رافقته الى سجن البصرة ولا الذين رافقوه من البصرة الى بغداد ولا الذين شاهدوه في سلسلة تنقلاته بين زنزانات الظالمين ، قد رأوا او عايشوا مثل الامام الكاظم نورا وبهجة ورقتا في التعامل ولطفا في الكلام ، وكان الكل كما هو مسجل تاريخيا ينصعق لأول نضره تقع عليه من الامام ، فالكل يقف امامه مبهورا ولهيبته متواضعا ، ومن هنا نستشف درسا:
ان الذي سعى جاهدا في ازالة الشوائب والادران من ساحة نفسه ، حتى طهرت وطابت بالطيبات ، سوف لن يرى منه الاخرين غير الطيب ، لأنه لن يصدر منه الا الطيب ولا يفوح منه الا عطر الطيب.

3.لم يسمعه الذين راقبوه في زنزانات السجون بانه قد دعا على احد بالعذاب او شتم احدا ، او طلب طعاما او شرابا من احد او تأوه واشتكى ، وكانوا مذهولين من شدة عبادته لله وانقطاعه اليه وسلوته به ، حتى شهد القريب والبعيد والشريف والدنيء والمحب والمبغض بان الامام الكاظم هو راهب من رهبان بني هاشم ، صاحب السجدة الطويلة ذي الثفنات
وفي ذلك درس لنا بان الدنيا كلها عبارة عن سجن للمؤمن وجنة للكافر فينبغي لنا ان نستغل هذا الوجود المحدود بالأجل في كل ما بشأنه رقينا وتكاملنا لنسعد بالنشأة الاخرة والحياة الحقيقية.

4.كان شديد كظم الغيض سيما مع الذين بالغوا في اساءة الادب معه وامعنوا في ظلمه وتعذيبه ، واغلبهم طار لبه من صبر الامام وشدة حلمه ، ومن العجب العجاب وجود انفس شريرة الى اقسى حد ممكن كالسندي بن شاهك الذي اسرف في مواجهة الامام بأقسى وابشع انواع المعاملة واقذر الكلمات ، ومع ذلك كان الامام يقابله بكل حنان وعطف يبتغي هدايته ويتمنى صلاحه.

5.لقد سجل التاريخ حادثة وشاية احد اقرباء الامام عند السلطة الظالمة ، وكان الامام قد سعى من اجل انقاذ هذا الشخص من وادي الخيانة وبئر الخطيئة من باب الابوة الانسانية وصلة الرحم ، وهذا وان كان مؤشر بان السلطة الظالمة لا تألوا جهدا في استغلال أي فرصه ضد القائد المصلح وخصوصا من المحسوبين عليه للقيام بشراء ذممهم من اجل الحاق الاذى بهم الا انه ينبهنا الى:

اـ عدم التأثر بمن يقع في هاوية حب الدنيا نتيجة الغربلة والتمحيص مهما كان عنوانه.
ب ـ الالتزام الكامل بأوامر وارشادات وتوجيها القائد المصلح ففي ذلك مجموعه من الحكم اكيدا ومنها حمايتنا من ان نقع في شباك الاعداء وحفر خدعهم والاعيب مكرهم.

6ـ ان هذه المحنة تؤشر الى اهمية وجود المصلح الذي يحي منهاج الانبياء ، علما ان اهمية هذا الوجود ليس فقط من باب النهل من علومه والتخلق بأخلاقه ، بل ان وجود القائد المصلح ضرورة لابد منها لطي مراحل الرقي الانساني وعليه فان:

ا. في محنة سجن امامنا الكاظم(عليه السلام) درس بليغ لنا في كيفية التصرف اثناء غياب شخص القائد المصلح
ب. لقد اشرت هذه المحنه على وجود حالات من الضعف والاستكانة عند البعض منا حيث لازالت ترسباتها في قعر بعض نفوسنا لذا يجب المسارعة في ازالتها .

واخيرا ها هو ضريح الامام موسى الكاظم(عليه السلام) ، اصبح مزارا ومنارا للإنسانية تهوي اليه قلوب الطيبين من كل جانب ومكان ، تعانق قبته عنان السماء وتصدح مآذنه بترنيمة الخلود ، وكانه يقول :

ان السَجينَ سَجينَ الذنوب *** وللموبقات فعال القيــــــــود

واني ضريح الحليم الكريم *** تقي بفضله نلتُ الخلـــــــود

شبيه المسيح سمـي الكليم *** امام صبره فاق الحــــــــدود

امام بنوره انار البـــــلاد *** على الخلق دوما سخيا يجـود

ولي الالـه مثال الصمود *** وجيــــها شفيعا بيوم الورود

فـبغداد تزهو بالكاظمين *** كزهو الندى فوق خد الورود