الثلاثاء، 2 أبريل 2019

شهادة الامام موسى الكاظم (عليه السلام)


في هذا المبحث يتم التعرض الى شهادة الامام موسى الكاظم(عليه السلام)، وضمن نقطتين :

النقطة الاولى: ارتكاب جريمة القتل
جاء في عدد من الروايات المسجلة تاريخيا ما يلي:

1.ان هارون العباسي هو الذي عمد الى رطب فوضع فيه سما فاتكا وامر السندي ان يقدمه للإمام الكاظم (عليه السلام) ، ويحتم عليه ان يتناول منه
(باقر شريف القرشي عن الدمعة الساكبة في أحوال النبي(ص) والعترة الطاهرة - لمحمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني. نقلا عن عيون الاخبار)
2.ان هارون أوعز الى السندي في ذلك، فأخذ رطبا ووضع فيه السم وقدمه للإمام(عليه السلام) فأكل منه عشر رطبات ، فقال له السندي زد على ذلك ، فرمقه الامام(عليه السلام) بطرفه وقال له :
حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه (باقر شريف القرشي عن البحار للمجلسي )
3.هنالك أقوال أخرى فيمن تولى سم الامام(عليه السلام):
*. ففي كتاب فرق الشيعة / ص89 : ان يحيى بن خالد البرمكي هو الذي سم الامام(عليه السلام) ، وكذلك في كتاب رجال الكشي ص371 ، في رواية عن عبدالله بن طاووس قال : سألت الامام الرضا(عليه السلام) قلت له : هل ان يحيى بن خالد سم أباك موسى بن جعفر ؟ فقال الامام الرضا (عليه السلام):
نعم سمه في ثلاثين رطبة مسمومة
*.عن ابو الفرج الاصفهاني ان يحيى البرمكي أمر السندي بقتل الامام(عليه السلام)بعد حادثة غضب هارون على الفضل بن يحيى (القرشي عن مقاتل الطالبيين ص504)
*.في كتاب عيون أخبار الرضا ان الفضل بن يحيى هو من سم الامام(عليه السلام)
وذكر ان السندي وبعد ارتكاب الجريمة اضطرب اضطرابا شديدا، واستدعى الوجوه والشخصيات وكانوا ثمانين شخصا وقال لهم: انظروا الى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فان الناس يزعمون انه قد فعل به مكروه ، ويكثرون من ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا وانما ينتظره ان يقدم عليه فيناظره ، وها هو ذا موسع عليه في جميع اموره فاسألوه ، يقول أحد الشهود وهو من شيوخ العامة: ولم يكن لنا هم سوى مشاهدة الامام(عليه السلام) ومقابلته فلما دنونا منه لم نر مثله قط في فضله ونسكه فانبرى الينا وقال لنا :
أما ما ذكر من التوسعة ، وما أشبه ذلك ، فهو على ما ذكر ، غير اني أخبركم ايها النفر اني قد سقيت السم في تسع تمرات ، واني أصفر غدا ، وبعد غد أموت .
ولما سمع السندي ذلك انهارت قواه ، ومشت الرعدة في أوصاله واضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة
(باقر القرشي عن روضة الواعظين ص185ـ186، وعيون الاخبار ، والامالي)
وجاء في البحار ان الامام(عليه السلام) التفت الى الشهود ، فقال لهم :
اشهدوا على اني مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام ، اشهدوا أني صحيح الظاهر ، لكني مسموم وسأحمر في هذا اليوم حمرة شديدة وأبيض بعد غد ، وأمضي الى رحمة الله ورضوانه ، فمضى (عليه السلام) كما قال : في آخر اليوم الثالث
وجاء في قرب الاسناد للحميري انه(عليه السلام) قال للشهود :
اني سقيت السم في سبع تمرات.
ومن ثمار البعد الاصلاحي للإمام الكاظم عليه السلام، هدايته للمسيب بن زهرة (وهو احد رجال دولة بني العباس فقد خدمهم من عهد الدوانيقي الى هارون( (القرشي عن الجهشياري ص97))
وقد استدعاه الامام الكاظم(عليه السلام) قبل استشهاده بثلاثة ايام ، فلما مثل عنده قال(عليه السلام) له: يا مسيب . فقال المسيب : لبيك يا مولاي .
قال (عليه السلام): اني ظاعن في هذه الليلة الى المدينة ، مدينة جدي رسول الله (ص) لأعهد الى علي ابني ما عهده الي آبائي ، وأجعله وصيي وخليفتي ، وآمره بأمري . قال المسيب : يا مولاي ، كيف تأمرني أن أفتح لك الابواب وأقفالها والحرس معي على الابواب ؟ فقال الامام(عليه السلام) : يا مسيب ضعف يقينك في الله عز وجل وفينا ؟ ، قال المسيب : لا، يا سيدي ادع الله ان يثبتني . فقال الامام(عليه السلام) :
اللهم ثبته ، ثم قال (عليه السلام):
ادعو الله باسمه العظيم الذي دعا به آصف حين جاء بسرير بلقيس فوضعه بن يدي سليمان قبل ارتداد طرفه اليه ، حتى يجمع بيني وبين علي ابني بالمدينة.
قال المسيب فسمعته يدعوا ، ففقدته عن مصلاه فلم ازل قائما على قدمي حتى رأيته قد عاد الى مكانه واعاد الحديد الى رجليه ، فوقعت على وجهي ساجدا شاكرا لله على ما أنعم به علي من معرفته والتفت الامام (عليه السلام) له فقال :
يا مسيب ، ارفع رأسك ، وأعلم اني راحل الى الله عز وجل في ثالث هذا اليوم .قال المسيب فبكيت ، فلما رآني الامام(عليه السلام) وأنا باك حزين قال لي :
لا تبك يا مسيب فان عليا ابني هو امامك ، ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فانك لن تضل ما لزمته ،.قال المسيب :
الحمد لله على ذلك (باقر القرشي عن عيون الاخبار، والبحار)
وسرى السم في بدن الامام(عليه السلام) ، واستدعى الامام(عليه السلام) ، السندي فلما مثل بين يديه أمره ان يحظر مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله ، وسأله السندي أن يأذن له في تكفينه ، فأبى(عليه السلام) وقال : انا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا وعندي كفني (باقر القرشي عن مقاتل الطالبيين ص504، البحار 11/303)
وأحضر له السندي مولاه ، وثقل حال الامام(عليه السلام) ، وأقترب اللقاء الالهي فاستدعى الامام(عليه السلام) المسيب بن زهرة فقال له : اني على ما عرفتك من الرحيل الى الله عز وجل فاذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت ، واصفر لوني واحمر واخضر وتلون الوانا فاخبر الطاغية بوفاتي .
قال المسيب فلم أزل اراقب وعده حتى دعا بشربة فشربها ، ثم استدعاني فقال لي : يا مسيب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم انه سيتولى غسلي ودفني ، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا ، فاذا حملت الى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ، ولا ترفعوا قبري فوق اربعة أصابع مفرجات ، ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به ، فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي (عليه السلام) فان الله عز وجل جعلها شفائا لشيعتنا وأوليائنا.
قال المسيب ثم رأيت شخصا أشبه الاشخاص به جالسا الى جانبه ، وكان عهدي بسيدي الرضا (عليه السلام) وهو غلام ، فأردت أن أسأله ، فصاح بي سيدي موسى : وقال اليس قد نهيتك ، ثم ان ذلك الشخص قد غاب عني ، فجئت الى الامام(عليه السلام) ، واذا به جثة هامدة قد فارق الحياة فأنهيت الخبر الى الرشيد بوفاته (باقر القرشي عن عيون أخبار الرضا) .

النقطة الثانية. شهادة الامام الكاظم(عليه السلام)
المشهور ان استشهاد الامام(عليه السلام) كان في يوم الجمعة سنة 183 هجريه لخمس بقين من شهر رجب الاصب
(الشيخ باقر القرشي عن ابن خلكان 2/173 ، تاريخ بغداد 13/32 ، الطبري 10/70 ، ابن الاثير 6/54 ، تأريخ الخميس 2/371 ، تأريخ ابي الفداء 2/17 ، تهذيب التهذيب 10 / 340 ، ميزان الاعتدال 3/209 ، عمدة الطالب...ص85 )
عن عمر الـ 54 او قارب الـ 55 (القرشي عن المناقب)
وكان مقامه(عليه السلام) منها مع ابيه(عليه السلام) عشرين سنة وبعد ابيه(عليه السلام) خمسا وثلاثين سنة (القرشي عن الفصول المهمة ص255)
والمشهور ان استشهاد الامام(عليه السلام) كان في حبس السندي بن شاهك وقيل في دار المسيب بن زهرة بباب الكوفة الذي تقع فيه السدرة (القرشي عن البحار 11/300) وقامت السلطات العباسية بأجراء ما يسمى بتحقيق في هذه الحادثة من قبل السندي اولا وهارون ثانيا للتغطية على هذه الجريمة البشعة ، ولكن هيهات فالطاغية العباسي وأتباعه لم يكتفوا بارتكاب جريمة الاعتقال والقتل بل عمدوا الى الانحدار اكثر في بحر الخسة والرذيلة ، فقد أمر اللعين بوضع الجسد الطاهر للإمام الكاظم على جسر الرصافة وان ينادوا عليه بذل الاستخفاف (القرشي عن اخبار الرضا ، البحار)
ولما سمع سليمان بن ابي جعفر الدوانيقي الصياح والضوضاء التفت الى ولده وغلمانه قائلا ما لخبر ، فقالوا له هذا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر وأخبروه بذلك النداء ، فصاح بولده :
انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم ، فان مانعوكم فأضربوهم وخرقوا ما عليهم من سواد ، فانطلق ابناء سليمان وغلمانه وأخذوا الجنازة وعادوا اليه ، وأمر بالوقت ان ينادي بنداء معاكس لنداء السندي ، فانطلق غلمانه رافعين أصواتهم بهذا النداء :
الا من أراد أن يحظر جنازة الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليحظر(القرشي عن البحار، عيون أخبار الرضا )
*.وجاء في مناقب ابن شهر آشوب 2/386 ، ان سليمان كان في دهليزه في يوم ممطر اذ مرت به جنازة الامام(عليه السلام) فقال : سلوا هذه جنازة من ؟
فقيل هذا موسى بن جعفر مات في الحبس قد أمر الرشيد ان يدفن بحاله ، فقال سليمان : موسى بن جعفر يدفن هكذا ؟ ، فان في الدنيا من كان يخاف على الملك في الاخرى لا يوفى حقه
وقام سليمان بتجهيز الامام (عليه السلام) فغسله وكفنه ، ولفه بحبرة قد كتب عليها القرآن الكريم بأسره كلفته الفين وخمسمائة دينار(القرشي عن المناقب2/387) وحدث المسيب بن زهره ، قال: والله لقد رأيت القوم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم اليه ويظنون انهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم انهم لا يصنعون شيئا ، ورأيت ذلك الشخص الذي حظر وفاته ــ الامام الرضا(عليه السلام) ــ هو الذي يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه ، وهو يظهر المعاونة لهم ، وهم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره التفت الي وقال :
يا مسيب مهما شككت في شيء فلا تشكن في ، فأني امامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي ، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ومثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه وهم له منكرون ( القرشي عن عيون أخبار الرضا)
وبعد انتهاء الغسل حمل جثمان الامام(عليه السلام) الى مثواه الاخير بتشييع مهيب يتقدمهم سليمان وباقي كبار الدولة ، وجمع غفير من الناس بعد ان هرعت بغداد لتشييع الامام(عليه السلام) على اختلاف مشاربهم ، وانشد بعض الشعراء (القرشي عن الاتحاف بحب الاشراف ص57) فقال:
قد قلت للرجل المولى غسله *** هلا أطعت وكنت من نصائحه
جنبه مائك ثــم غســـــله بما *** أذرت عيون المجد عند بكائــه
وأزل أفاويه الحنوط ونحـها *** عنه وحنـطه بطيب ثنائـــــــــه
ومر الملائكـة الكرام بحملـه *** كرما الست تراهم بإزائــــــــه
لاتوه أعناق الرجال بحملــه *** يكفي الذي حملوه من نعمائـــه
وسارت المواكب متجهة الى محلة التبن قرب مقابر قريش لدفن الجسم الطاهر للإمام موسى الكاظم عليه أفضل الصلاة واتم التسليم

*.قال الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر في الخطبة الأولى / الجمعة 31 (في 23/ رجب / 1419هجـ ـ 13 تشرين الثاني 1988م):
.. فان اشهر ما مر به الامام الكاظم (عليه السلام) هو السجون التي عاناها من قبل الظالمين في عصره فقد استمر يتقلب في السجون مدة أربعة عشر سنة أو اكثر حتى مات في السجن ولم يشم نسيم الحرية طيلة حياته حيث قتلوه مظلوما مسموما قتله سرجون عصره وفي كل عصر يوجد سرجون أو سراجين ـ على اية حال ـ وانا قلت اكثر من مرة ان في كل شيء وموعظة ونحن تكليفنا ان ننظر في العبر المستفادة من الأشياء ونمحصها لا ان نغفل عنها ونهملها كما قال الله تعالى :
((وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ))(سورة يوسف/ الآية 105 )
فلنحاول الان بمقدار الإمكان ـ طبعاـ استخلاص العبر والخلاصات التي يمكننا التوصل اليها من حصول السجن الطويل للإمام الكاظم(عليه السلام) مع الالتفات بوضوح أن كل موعظة منها هو باب واسع يمكن أن ينطبق في كل مكان وزمان وهذا ما لا يمكن استقصاؤه واحدة واحدة طبعا انتم تلاحظوه .
وأن قول القرآن وفعل المعصومين هو هداية لنا وكأنه خاص بمجتمعنا ومكاننا وزماننا وان كان هو في نفس الوقت شاملا لغيرنا ونفس هذا الشعور سيكون صادقا في أي مجتمع وفي أي زمان وهذا من معجزات الإسلام على الحقيقة وما يمكن بيانه من العبر كما يلي:
أولا:
ان اعتداء الدولة ـ وهذا ينبغي ان يكون واضحا ـ الظالمة يومئذ على الإمام(عليه السلام) طبعا احتقار له وتحدي له بصفته هو القائد الأهم والزعيم الأعظم لعدد مهم من المسلمين وطائفة ضخمة منهم ـ أي من المسلمين ـ مشهود لهم بالصحة والرجاحة اذن فاحتقاره احتقار لهم ـ للطائفة نفسها والاعتداء عليه اعتداء عليها والتحدي له تحدي لها وليس على فرد واحد في الحقيقة وان بدا في الظاهر هكذا الا انه تحدي لمذهب كامل في الإسلام.
ثانيا:
انه بصفته من أولياء الله واصفيائه والمبلغين لأحكامه والحاملين الى البشرية هدايته ونوره ، الا نسمع في زيارته يا نور الله في ظلمات الأرض .
اذن فيكون الاعتداء عليه والاحتقار له وتحديه اعتداء ًعلى الله واحتقارا له وتحديا له ـ والعياذ بالله ـ وليس فقط على الطائفة .
ثالثا :
ان الدولة حين سجنته وقتلته فقد حرمت المجتمع من علمه ولطفه وقيادته .
وما كان يقوم به من جهود وجهاد في سبيل تقويمه ـ أي تقويم المجتمع ـ وتنويره وحفظ شؤون شيعته ومواليه ، والدولة في ذلك الحين ملتفتة الى ذلك عالمة وعامدة لذلك مع شديد الأسف .
رابعا :
ان ائمتنا(عليهم السلام) كانوا يقومون في حدود امكاناتهم المتاحة بكثير من الاعمال والاتصالات التي كانت الدولة في ذلك الحين تتحذر منها وتعتبرها تحديا لسلطانها والروايات في ذلك طافحة ومتوفرة ومتيسرة . ومن هنا كان من المنطقي ان تجد الدولة من وجهة نظرها لوم التخلص من هذا القائد والقائه في غياهب السجون ولا تخرجه الا ان يموت لكي لا تبتلي بعمله وجهده وجهاده مرارا وتكرارا.
خامساـ
اننا نعلم ان بلاء الدنيا كلما ازداد ، ازداد ثوب الآخرة لامحالة ـ ونعلم ان اشد الناس بلاءً في الدنيا (((وهذا في الروايات واضح))هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ـ وانه كلما زاد الانسان شهرة ازداد بلاء وامتحانا وهذا أيضا حكمة موجودة .
ومن هنا كان لابد في الحكمة الإلهية ان يمر المعصومين (عليهم السلام) بفترات من البلاء على اختلاف ذلك فيما بينهم فبينما يموت الامام الحسين(عليه السلام)قتلا يموت الامام الحسن(عليه السلام)بالسم ويموت الامام الكاظم (عليه السلام)بالسجن وهكذا . وليس ذلك الا لعلوا مقامهم وازدياد درجاتهم كما ورد في الحسين(عليه السلام)((أن لك عند الله درجات لا تنالها الا بالشهادة))
سادساـ
أنهم(عليهم السلام) تلقوا كل ذلك من البلاء الدنيوي بالرضا والتسليم من الله سبحانه وتعالى بل بالحب والقبول كما لو كان هدية لطيفة تهدى لهم بها دلائل وروايات احبائي .
اليس قال امير المؤمنين (عليه السلام)حين ضرب في المحراب ، ماذا قال ؟ قال:
فزت ورب الكعبة وقال الحسين بعرصة كربلاء :
هون ما نزل بي انه بعين الله .
فقط هم ؟ وقال ابوذر وهو في الربذة حيث اشتد به البلاء يخاطب الله جل جلاله : اخنق خنقتك يعني ضيق عليَّ بما تشاء فانك تعلم اني احب لقائك . وقال الامام الكاظم(عليه السلام) الذي نتحدث عنه الآن في سجنه
اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد .
سابعاـ
ان في ود المؤمن المتكامل ان يتوجه بقلبه الى الله تعالى وان يكثر ذكره وتتزايد عنده عبادته وهذا مالا تتوفر فرصته حين يكون الفرد في معمعة المجتمع وفي الاتصال الكثير في الناس وانما تحصل فرصة ذلك لدى الوحدة والابتعاد عن الناس ، وكيف تحصل الوحدة وقد اوجب الله تعالى على المؤمن الامر بالمعروف وتبليغ الاحكام وهداية الناس .
اذن فالوحدة في مثل ذلك والابتعاد بهذا المعنى حرام واسقاط للطاعة الالهية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهداية الآخرين واما اذا كان الانسان في السجن فيكون فارغ الذمة من جانب الامر بالمعروف والتبليغ ويكون مبتعدا عن المجتمع قهرا .
اذن فالمؤمن يرى السجن من هذه الناحية نعمة ورحمة عليه لكي يتفرغ فيه لذكر الله وطاعته وعبادته كما سمعنا من الامام الكاظم(عليه السلام) يقول :
اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد
ثامناـ
ان الحجة قائمة بوضوح ضد ساجنيه ، وضد الدولة التي سجنته لأنها سجنت عبدا صالحا ووليا من أولياء الله وهم يعلمون ذلك طبعا ، يكفيهم منم ذلك ما يرونه دائما منه من كثرة العبادة والتهجد وقيام الليل وصيام النهار حتى ان عددا من ساجنيه كخالد بن يحيى البرمكي وغيره حاول التخلص والتملص من مسؤولية سجنه لما يرون من فضله وعلو شأنه وهذا هو السبب الرئيسي فيما أرى في نقله من سجن الى سجن ، لان السجان كان يرفض استمرار سجنه عنده الى ان وصل الى سجن السندي بن شاهك ـ عليه اللعنة ـ الذي لم يكن يشعر بهذه المسؤولية ـ قبحه الله ولعنه ـ .
تاسعاـ
ليس هذا فقط بل كان الفراشون والمباشرون له في السجن يصبحون اتقياء وأولياء في ليلة وضحاها بهداية الامام(عليه لسلام)وعمله حتى انه روي أنهم جعلوا له امرأة خليعة لكي تخدمه فأصبحت في يوم واحد زاهدة وعابدة
عاشراـ
أنه ـ الامام الكاظم(عليه السلام)ـ تحرر من السجن ، اطلق سراحه الى الحرية الحقيقية بموته مظلوما وليس الى الدنيا كما هو العادة فيمن يطلق سراحهم فانه اذا اطلق سراحه في الدنيا سيكون قد خرج من سجن الى سجن لان( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) أما اذا ذهب الى ربه ومقاماته العليا فقد نال الحرية الحقيقية من اضيق السجون .
ومن هنا ورد ان هارون العباسي ولا اريد ان اسميه الرشيد لأنه ليس برشيد . ليس برشيد . ليس برشيد . ارسل اليه يطلب منه مجرد الاعتذار لكي يطلق سراحه ـ بمعنى أن يعتذر الامام لهارون ويطلق هارون سراح الامام ـ فقال الامام(عليه السلام):
قال له ـ مخاطبا الرسول ـ إن أي يوم يمضي فانه يقلل من أيام بلائي كما انه سيقلل من أيام سعادتك وملكك ـ أي سعادته بالخلافة والدنيا والمستوسقة له(انتهى )
نعم لقد اصبح المكان الذي دفن به الجسم الطاهر للإمام الكاظم(عليه السلام) ، روضة من رياض الجنة يغاث فيها الملهوف وينفس فيها عن المكروب ،وتهوي اليه القلوب قبل الابدان من جميع الاصقاع والبلدان ، لأنه باب من ابواب الله تعالى ورمزا للحرية والاباء والتضحية والاخلاص ...، وما إن تأتي ذكرى الخامس والعشرين من رجب إلا وأنت ترى الملايين من المحبين يزحفون زرافات، زرافات نحو مشهد الكاظمين المقدسين حاملين نعوشا رمزيه معلنيها صرخة مدوية تهز الكون بأن السعيد من وفى بالعهد مع الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ،وأن لا مكان للطواغيت والظالمين في ارض الله مهما طالت السنين .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم.

من المصادر الاخرى للبحث:
1ـ حياة الامام موسى بن جعفر(عليهما السلام)، للشيخ باقر شريف القرشي ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ط3/ 1398هج
2ـ سيرة الأئمة الاثني عشر(عليه السلام) السيد هاشم معروف الحسني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق