السبت، 6 أبريل 2019

قراءة في الاشكالية الاجتماعية والتاريخية في علم المخطوطات



بمناسبة يوم المخطوط العربي في الرابع من شهر نيسان من كل عام، الذي يوافق إنشاء معهد المخطوطات العربية بالقاهرة ، عام 1946م، في إطار جامعة الدول العربية، تقدم مؤسسة جامع الائمة للثقافة والاعلام ، وبالتعاون مع المركز الثقافي البغدادي ، مبحث بعنوان :

" قراءة في الاشكالية الاجتماعية والتاريخية في علم المخطوطات"
المبحث يتكون من ثلاثة محاور بالإضافة الى خلاصة المبحث.

المحور الاول. قراءة في الاطار التاريخي
المحور الثاني. قراءة في الاطار الاجتماعي
المحور الثالث. رؤيتنا في منهجية البحث المعاصر

المقدمة :

اولا. المخطوطات ، هي ما كتبت بخط اليد وتبرز اهميتها من ناحية كونها تضم ارشيف الارث المعرفي الانساني السابق من جانب ، وشاهد على سلامة المطبوع وصحته، من جانب ثاني.
وهنالك تفاصيل متعددة حول صناعة المخطوطات معروفة عند ذوي الاختصاص ، متعلقة بأنواع المواد التي تكتب عليها المخطوطات من رقاع واوراق مستعملة وكذلك الاحبار والتجليد والخط ، واساليب كتابة المخطوط ، والزخارف والمنمقات والاختصارات والرموز المستخدمة والحواشي...
وصناعة المخطوطات مرت بمراحل ، تطورت فيها هذه الصناعة بشكل كبير ومن عدة نواحي متعلقة بشكل الخطوط المستعملة ومختلف الزخارف وطريقة التجليد وغيرها كثير.

ثانيا. بالرغم من كثرة الحروب التي تعرضت لها المجتمعات البشرية والتي من ارهاصاتها تعرض ملايين المخطوطات الى التلف ، اضافة الى سوء التخزين وعوامل التخريب الاخرى والتي ضاعت من خلالها ملايين المخطوطات ، الا انه ومع ذلك يوجد الان في المتاحف والمكتبات والخزانات آلاف المخطوطات لاسيما المتعلقة منها بالإرث المعرفي الاسلامي ، ومن هذه المتاحف والخزانات على سبيل المثال :خزانة ضريح الامام علي بن ابي طالب ، وخزانة ضريح الامام الحسين وخزانة ضريح ابي الفضل العباس وخزانة ضريح الامام الرضا وخزانة ضريح الامام الكاظم عليهم السلام وفي متحف لندن وعدد من خزائن جامعات بريطانيا وفي متحف اللوفر ومتحف برلين خزانة الفاتيكان ومكتبة الكونجرس وخزانات بعض جامعات امريكا وخزانات اسطنبول وانقرة وخزانة مكتبة الاسكندرية وخزانة مكتبة طهران وخزانة مكتبة السيد شهاب الدين المرعشي النجفي ، وخزانة الساده آل طعمة ، وخزانة الساده آل ثابت وخزانة مكتبة كاشف الغطاء ومكتبة امير المؤمنين(مكتبة الشيخ الاميني)، وخزانة مكتبة بيت شبر، وفي خزانة المتحف العراقي وخزانة الروضة القادرية وخزانة ابو حنيفة النعمان وخزانة الدكتور حسين علي محفوظ الوشاحي الاسدي ، وخزانة السادة آل احمد العطار ، وخزانة المخطوطات في الرياض وفي متاحف دلهي وكلكتا .

ثالثا. هنالك مشاهدات ميدانية جرت في هذا الجانب مع عدد من المؤرخين والاطلاع على جملة من الخزانات والمتاحف ، فمن المؤرخين واصحاب المخطوطات الذي جرى اللقاء معهم:

1.الدكتور حسين علي محفوظ في داره الواقعة في العطيفية مطلع تسعينيات القرن الماضي
2.السيد محمد سعيد آل ثابت في خزانته الواقع في كربلاء نهاية ثمانينيات القرن الماضي
ومن الخزانات والمتاحف والمكتبات التي تم زيارتها:

1.خزانة المكتبة القادرية نهاية ثمانينيات القرن الماضي
2.خزانة مكتبة السيد شهاب الدين المرعشي في قم المقدسة
2.مخطوطات متحف الامام الرضا عليه السلام في مشهد.

واخيرا عالم المخطوطات عالم رائع حيث التحليق في سماء الارث المعرفي والمخطوطة في حقيقتها عبارة عن تحفة فنية نادرة بالإضافة الى القيمة العلمية او الادبية لما تتضمنه من معلومات الا ان هنالك مجموعة من الفنون والابداع يرافقها في الزخارف والرسوم والمنمقات والخطوط ...، وهي مما تفتخر به المجتمعات الانسانية قاطبة.

محاور المبحث:

المحور الاول. القراءة في الاطار التاريخي
اولا. نبدأ هذا المحور بطرح التساؤل الاتي:
1.هل التدوين تحرك تجريبي للإنسانية ام له بعد آخر، أي هل ان الانسان قام بالتدوين والتوثيق من ذاته فحسب ام ان هنالك توجيه وارشاد لهذا التدوين
2. ماهي نتيجة التدوين ان كانت الحروب والكوارث الطبيعية سوف تقوم بإتلاف النتاج المعرفي المدون
الجواب :
لابد من موجه ومرشد لموضوع التدوين والتوثيق ، وان هذا الموجه يؤكد على وجود مستقبل سعيد سوف تصل اليه البشرية ، وان هذا الارث المعرفي له حافظ وراعي ، ولفهم المطلب لابد ان نستوعب ما هي الغاية من التدوين وحفظ المخطوطات فهو بالتأكيد وبشكل اساسي حفظ النتاج الانساني للمستقبل ولكن كيف يؤمن الانسان في بابل والاسكندرية نزولا الى باقي الحواضر الانسانية بمستقبل مزدهر للبشرية يكون فيه اثر لمخطوطاتهم وهم يرون تحرك قوى الطبيعة والصراع البشري عاملا هداما لهذه المخطوطات
اذن نحن امام بعد معنوي ورؤية شاملة للإنسانية لا يمكن تحققها من غير البعد النبوي أي ان رواد التدوين والمخطوطات هم الانبياء الذين آمنوا بمستقبل مزدهر للبشرية سياتي بعد حين وجعلوا هذه الممارسة ، أي ممارسة التدوين وحفظ المخطوطات سجية ومنهج لعقلاء البشرية ، علما ان خط السياسة الفاسدة في التاريخ لعب دورا سلبيا في التأثير على هذا النتاج الانساني من حيث التدوين والاستقراء، فتولدت لدينا اشكالية يعاني منها ارباب هذا العلم والتي هي:
ان المخطوطات كنتاج معرفي قد لا تستظهر البعد التاريخي المعاصر لها (
أي هل فلسفة المخطوطات هي فعلا معبرة عن العصر الموجودة فيه وتمثل نتاجه العلمي ، وهل ان طبيعة النقل والسرد معبرة عن الشخصية الاجتماعية في ذلك العصر الذي كتبت فيه المخطوطة ، أي يجب نستقرأ بعدا فلسفيا وليس فقط المعلومة الحرفية):
مثلا حينما يتم اظهار حاكم ما منتصر في حدث ما ، وهو في الواقع مهزوم
وكمصداق حي لنلتفت الى تعدد المخطوطات المدونة عن الانجيل او ما نعيشه في تاريخنا الاسلامي من مخطوطات مغايرة في زاوية النظر لحدث واحد تاريخي واحد
بالتالي نحتاج الى رؤية فلسفية اعمق لاستقراء التراث الانساني وتقييمه ليس على اساس فكرة المنظور التجريبي (كأنما نقدم مبرر للمخطوطات التي تحوي على المغالطات التاريخية الاجتماعية ، نعبر عنها كنوع من جهد وطاقة الخطاط ذلك الوقت)
ثانيا. ان الفلسفة اليونانية والتي اراها امتداد لمدرسة الاسكندرية والمدرسة الاشورية اطرت النمطية العقلية للخطاط او المدون فيجب تفكيك تلك النمطية (تفكيك نظرة الخطاط والمدون للحدث او البعد العلمي الذي يسجله)، لاستخلاص النتائج التاريخية المناسبة لتلك المخطوطة
مثلا الصراع الروماني مع المسيحيين كان يدون ويؤرشف من جهة الرومان بانهم قد سحقوا المسيحيين وفي حقيقة الامر تبين وبعد مدة من الزمن انتصار المسيحية على الامبراطورية الرومانية
اذن الفلسفة التي كتبت بها تلك المدونات كانت تعتمد على الفلسفة اليونانية قدم العالم واصالة الوجود كمرتكز او اصالة الماهية
أي ان المدون او الخطاط ينظر باتجاه الحدث المعاصر له نظرة وجودية ان صح التعبير أي انه يفلسف ما هو موجود بدون البحث في جذوره فتكون النتائج والتدوينات حينئذ اقرب ما يكون للشكلية بعيدة عن جوهر الحقيقة ، فيصبح التاريخ بالنسبة لنا وفي بعض الاحيان عبارة عن انقلاب لا يمكن ان تتلمس تغييراته قبل حصوله في المخطوطات المعاصرة له
اذن ولحل هذه الاشكالية نحتاج الى المنظور الفلسفي الذي قدمه الاستاذ الفاضل علي الزيدي، وهو:
ان العدم علة للوجود ، فيمكن ان نقدمه باطار بحثي من خلال رؤية يمكن ان نصطلح عليها بانها ثورية لكل حدث نريد ان نستقرأه ضمن اطار المخطوطات المعاصرة له من خلال اعدام كل المتعلقات السلبية المحتملة المتعلقة في خصوصية الحدث لإعادة استقرائه من الصفر وصولا الى رؤية اقرب للواقع المعاصر واكثر موضوعية ، وان هذه المنهجية سيكون لها بعد حركي في دولة العدل والانسانية القادمة للإمام المهدي (عليه السلام)، وكالتالي :
ان الامام عليه السلام يؤكد على احترام النتاج البشري وكل ما بشأنه ان يوظف في خدمة البشرية، ولكن يجب ان يكون احترام النتاج الانساني مبني على اسس وابعاد انسانية والتي من ضمنها ان يكون هذا النتاج نافع للإنسانية ، اما النتاج الضار ، فيجب ان لا نأخذ بمحتواه الضار سيما الكتب التي حرفت عن مسارها الصحيح وزيف محتواها ، ولكن هنا يجب ان ندرس ما هي الاسباب التي ادت الى التحريف لكي نتجنبها عندما نؤسس للتدوين في الاطار المستقبلي ضمن الدولة العادلة للإمام المهدي(عليه السلام).

المحور الثاني. القراءة في الاطار الاجتماعي
لكي نخوض في هذا المضمون يجب ان نقر بان القران هو اصدق مخطوطة محفوظة متداولة ضمن ايدينا هذا اليوم وهذه المخطوطة المحفوظة وان كانت خطاب الهي ، ولا يمكن باي حال من الاحوال جعلها قرينة لمخطوطات النتاج الانساني ولكن يمكن ان تكون مستند ثابت لقراءة ودراسة الاطر الاجتماعية وتطورات الاجيال البشرية المتعاقبة والمعاصرة لاهم المخطوطات المخزونة في المكتبات العالمية ومن خلالها يمكن ان نؤشر ما يلي:
1.يوجد خطان اجتماعيان في تنميط المدون او الخطاط على مستوى التاريخ ، نمطية تدوين الحدث الخارجي بشكل جامد
2. نمطية تدوين الحدث الخارجي بشكل حركي يوجد علاقة موضوعية بين المجتمع الانساني وذاتية الحدث وصفاته
وبين هذين النمطين افرز القران الكريم وجوده كأعلى قيمة تقرب الانسان الى ذاتيات وصفات الحدث او الموقف المخبر عنه أي انه يمثل بعدا كماليا للتدوين يجعل المفردة الخارجية حياة مسجلة على ورق يعيشها الفرد ويتفاعل معها وهو يمثل غاية لو طور هذا البعد في الاطار التدوين والمخطوطات قد تقربنا اشواط في فهم وتطوير التدوين واستقراء التراث الانساني

المحور الثالث . رؤيتنا في منهجية البحث المعاصر
1.علم المخطوطات لا يمكن دراسته بشكل مستقل من دون دراسة جغرافية المخطوطة وبعدها الزماني والبعد الشخصي للخطاط والاطار الفلسفي او الديني السائد في المجتمع والذي يمتاز به الفرد
2.لابد ان نقف عند بعد تاريخي للاطار التاريخي والتدويني القديم انه كان ضمن رؤية الفلسفة الكلاسيكية التي تتكلم عن قدم العالم واصالة الوجود واصالة الماهية وحتى السابقة لها لان البعد الوثني هو انعكاس لرؤية ايضا وجودية هذا له افرازات وتداعيات يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار في قبال ما قدمناه من رؤية مغايرة يكون اساسها العدم علة للوجود أي قراءة المخطوطة وابعادها ضمن ميزان صفري خالي من أي متعلقات لتقييم ما تقدمه من معلومات سواء كان بشكل مباشر او غير مباشر
3.يجب ان نركز في اطار رؤية الانسانية على اساس تكاملي وبخط تصاعدي ليس باطار التاريخ يعيد نفسه بتكرار الزمن عليه ، عند ذلك سنجد ونستقرأ الاطار الغير مباشر لمحتوى المخطوطة باعتباره مؤشر للتغيرات الاجتماعية او العقلية لمعرفة اسباب هذه المتغيرات وتركيز النافع منها في واقعنا المعاصر لتجنب ابعادها السلبية
والانتقال برؤية الانسان من اساس المادية والتأثير الخارجي الى رؤية الانسانية بذاتها باعتبار ان لديها بعد تكاملي تعبر فيه عنه خصائصها الاجتماعية المتميزة وهذا جدا نافع في فهم النتاج الانساني والاستعانة به لتطوير الذات الانسانية بخصائصها المميزة .
4.رسالة القران للمدون او الخطاط هو ان يجعل البشرية تعيش مع البعد الايجابي الحركي للحدث وتتجنب البعد السلبي الذي يقتل الطموح والسعي البشري والامل بإنشاء مجتمع عادل يحقق الرفاه المعرفي والعلمي والمادي والانساني والاخلاقي للبشرية

خلاصة المبحث
نحتاج الى مراكز دراسات منفتحة تعتمد على مرتكز اساسي في بحثها الا وهو كتاب القران باعتباره كما قدمنا غاية تكاملية للتاريخ والارشفة ونقل الحدث يمتلك ادوات ومنهجية يمكن استظهارها لِنُقَيِّمْ من خلاله اثار وابعاد المخطوطات واستخلاص الجوانب الايجابية النافعة التي تكامل البشرية لتحقيق رؤية فلسفية انسانية زرعها الانبياء وهي ان ندون نتاجنا لكي تتعلم منه الاجيال فتتكامل لتحقق الدولة العادلة المهدوية القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق