الأحد، 28 أكتوبر 2018

تساؤل وجواب بخصوص الزيارة الاربعينية


شكك البعض من الافراد في موضوع الزيارة الاربعينية ، حتى وصل الامر ، عند بعض المتشددين انه اعتبرها بدعة وان عاقبتها ستكون اثما ، لذا من النافع الالتفات الى بعض صور الاجابة وكما يلي :

اولا.
بالتأكيد من حق اي فرد ، الرفض او الاعتراض او التساؤل ...، حول اي موضوع ما
ولكن الحكم المسبق من دون دلائل عقلية او اخلاقية او شرعية او حتى عرفية ، وكذلك الحكم المتسرع وسيما من الذين ينظرون للمواضيع من زاوية واحدة او من بعض الزوايا ، فهذا الحكم بالتأكيد سوف يكون بعيد عن كبد الحقيقة ، وقد يكون محل استغراب واستهجان لدى العقلاء ، فمثلا:
الزيارة الاربعينية للإمام الحسين عليه السلام ، المتزامنة مع العشرين من شهر صفر الخير من كل عام هجري
ما هو الضرر الناجم عنها لكي يتم التشكيك بصحتها ، وصحة عمل المشارك فيها ، بل ويصل الحد عند بعض المتطرفين الى اعتبار المشارك فيها آثم ؟!
فهنالك انسان نبيل معروف النسب والحسب مشهور المناقب كثير الفضائل ، رفض الظلم والفساد ورفض القهر والاستعباد ، ورفض الذلة والخضوع ، واصر على ان يعيش الانسان انسانا محفوظ الكرامة مضمون الحرية...
وقد بذل من اجل ذلك الغالي والنفيس حتى راح شهيدا مظلوما عطشانا هو واسرته وصحبه من اجل ان تحيا الانسانية حياة النبلاء
فمثل هذا الفرد الاكمل الا ينبغي ان يكون قدوة للبشرية تستذكره كل حين لكي تحيا حياة النبلاء؟
وفعلا هذا الذي حدث ، فقد ابت الانسانية وافرادها الكمل ان ينسوا هذا الفادي العظيم ، لذا تراهم يأتون اليه مسرعين من كل فج عميق قلوبهم وارواحهم تسبق اجسامهم للوصول الى البقعة التي نحر فيها مظلوما عطشانا ، ليواسوا قدوتهم الانسانية ، عسى ان يكونوا انسانا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني
ولذا فانك ترى دولة الله في ايام الزيارة الاربعينية كما وصفها الاستاذ علي الزيدي ، حيث البذل والسخاء والكرم على اروع صوره ، والتعامل والرقة والعطف والامان بأبهى مظهره ، يخدم الانسان اخيه الانسان ببركة حبه لقدوة الانسان ، يتسابق الجميع في ساحة الفضائل ، في مسير يتفجر الخير من كل جوانبه ، وكأنها مدرسة انسانية عالية المضامين كثيرة الدروس والعبر ، ولذا حارت عقول العلماء والخبراء في غور سبر واسرار هذه الزيارة ودوافعها ونتائجها ، بل واستمرارها ، فمهما اطلقوا طائر ذهنهم لغور اسباب ما يرونه فيها من اعمال انسانية من كرم وبذل وسخاء وهمة ونكران للذات... ، يرجع اليهم طائر ذهنهم خاشعا قلبه ومتصدع من خشية نور الحسين...
هذه قطرة من بحار منافع الزيارة الاربعينية؟
فاين يا ترى مواضع الاستهجان او الاثم فيها؟!
وقد افرد الاستاذ علي الزيدي ، محاضرة كاملة على ذكر جملة من منافعها.
ثم ، اوليس الاثم متزامن مع الضرر؟
فاين الضرر في هذه الزيارة ؟
هل هو : في ان يكون الانسان انسانا ، ام في ان يحترم الانسان اخيه الانسان ، ام في ان يكرم الانسان اخيه الانسان ، ام في رعاية الانسان لأخيه الانسان...
سبحان الله ، او ليست كل الشرائع السماوية تدعوا لهذه القيم النبيلة والمبادئ السامية؟
او ليست العقول البشرية على اختلاف مذاهبها ومشاربها اجمعت على اهمية احياء هذه القيم النبيلة والمبادئ السامية؟
افلاطون اليوناني وتلميذه ارسطو ، وغاليلوا الايطالي ، وغاندي الهندي، وزليخة عدي(يمينة الشايب)الجزائرية ، وجيفارا الارجنتيني ، ومارتن لوثر الالماني ، جان دارك الفرنسية ...، لماذا نحترمهم ؟
لانهم انسان دعوا بمقدار جهدهم ووعيهم ، لاحترام الانسان والدفاع عن الانسان وقيم الانسان ومبادئ الانسان وعقل الانسان وحرية الانسان ووطن الانسان...
اذن ان كنت انسانا فيجب علي حينئذ ان احترم الانسان .

ثانيا.
موضوع البدع لا ينبغي اطلاقه جزافا من غير بينة يقر بها العقل، او الشرع او الاخلاق...، فالبدعة هي ادخال شيء في الدين ما ليس منه مثل اباحة محرم او مكروه.

*. في ما يخص الزيارة الاربعينية ، نحن مجموعة من الناس نعتقد بصحة مضمون مارواه الشيخ المفيد، والشيخ الطوسيّ والعلّامة الحلّي حول موضوع زيارة الامام الحسين عليه السلام، بشكل عام والزيارة الاربعينية بشكل خاص ، فقد جاء عنهم:
1.(يوم العشرين من صفر هو اليوم الذي رجع فيه حرم الإمام الحسين عليه السلام من الشام إلى المدينة. وفي هذا اليوم أيضاً، قدم جابر ابن عبد الله الأنصاريّ صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، من المدينة إلى كربلاء، من أجل زيارة الإمام الحسين عليه السلام، وقد كان هو اوّل من زار قبر سيّد الشهداء عليه السلام ).
(الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة /ج7/ ص 46 ـ الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص 787 ـ رضيّ الدّين المطهّر الحلّي، العدد القويّة، ص 219).

2. وروى الشيخ الطوسيّ بسنده عن صفوان بن مهران الجمّال قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول:
(السلام على وليّ الله وحبيبه، السلام على خليل الله ونجيبه...).

3.جاء في ثواب الاعمال وعقاب الاعمال للشيخ الصدوق :
عن معاوية بن وهب قال دخلت على ابى عبدالله عليه السلام و هو في مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته و هو يناجى ربه و يقول يا من خصنا بالكرامة و وعدنا الشفاعة و حملنا الرسالة و جعلنا ورثه الانبياء و ختم بنا الامم السالفة و خصنا بالوصية و اعطانا علم ما مضى و علم ما بقى و جعل افئده من الناس تهوى الينا اغفِرْ لي ولإخواني، وزُوّارِ قبرِ أبي، الحسينِ بن علي، صلوات الله عليهما، الذين أنفقوا أموالَهم، وأشخصوا أبدانهم؛ رغبةً في بِرِّنا، ورجاءً لِما عندَك في صِلتِنا، وسُروراً أدخلوه على نبيِّك محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وإجابةً منهم لأمرنا، وغَيظاً أدخَلُوه على عدوِّنا، أرادوا به رِضوانَك، فكافِئْهم عنّا بالرضوان... اللّهمّ إنّ أعداءَنا عابُوا عليهم خروجَهم، فلم يَنْهَهُم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا، خلافاً عليهم، فارحَمْ تلك الوجوه التي غَيّرتْها الشمس، وارحَمْ تلك الخُدودَ التي تَقلّبَت على قبرِ أبي عبدالله عليه السلام، وارحَمْ تلك الأعيُنَ التي جَرَت دموعُها رحمةً لنا، وارحَمْ تلك القلوبَ التي جَزِعت واحتَرقَت لنا، وارحَمْ تلك الصرخةَ التي كانت لنا اللهم انى استودعك تلك الانفس و تلك الابدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش فما زال صلوات الله عليه يدعوا بهذا الدعاء و هو ساجد ...)
( ثواب الأعمال للشيخ الصدوق 120 ـ 121، كامل الزيارات 228 ـ 231، بحار الأنوار للشيخ المجلسي 51:101 ـ 53 ).

*. وفيما يخص زيارة الامام الحسين عليه السلام ، سيرا على الاقدام ، ايضا نعتقد بصحة مضمون ماروي بهذا الشان ، فقد روى الشيخ الطوسي عن الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الزَّائِرِ لِقَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) ؟ فَقَالَ (عليه السلام) :
"مَنِ اغْتَسَلَ فِي الْفُرَاتِ ثُمَّ مَشَى إِلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ يَرْفَعُهَا وَ يَضَعُهَا حَجَّةٌ مُتَقَبَّلَةٌ بِمَنَاسِكِهَا".
( تهذيب الأحكام للشيخ الطوسيّ 53:6 ).
وعن الامام الصادق عليه السلام:
« مَن أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً، كتَبَ اللهُ له بكلِّ خُطوَةٍ وبكلِّ قَدَمٍ يَرفَعُها ويَضَعُها عِتْقَ رقبةٍ مِن وُلدِ إسماعيل »
( كامل الزيارات لابن قُولويه 257 ).
وقال الام الصادق عليه السلام: "من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام إن كان ماشيا كتبت له بكل خطوة حسنة ومحا عنه سيئة…"
(بحار الأنوار 98: 28، المزار للشيخ المفيد: 30).
(راجع كتاب نور العين في فضل زيارة الحسين عليه السلام/ للشيخ الاصطهباناتي .وكتاب اول الاربعين للسيد الشهيد القاضي الطباطبائي).

ثالثا. الحكم المتسرع والتشدد والتطرف وتلفيق التهم جزافا والكيل بعدة مكاييل قد اكتوت البشرية منها طيلة القرون المنصرمة ومازالت اثارها موجودة ماثلة امام اعيننا ، فيا ايها الانسان الا ينبغي بعد كل هذه التجارب المريرة التريث قليلا قبل اطلاق اي حكم ، الا ينبغي التخلي عن التشدد والتطرف ولو من اجل الانسان وكرامة الانسان وحرية الانسان.
واخيرا اختم المقال بكلمة من كلمات السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس):
السير الى زيارة الحسين (عليه السلام) ايضا شوكة في عين المستعمرين عامة واسرائيل خاصة. ومن الواضح انه يكون مشمولا لقوله تعالى : ((وما تطئون موطئا يغيض الكفار الا كتب لكم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين)).
(الجمعة الخامسة والثلاثون 21 شعبان 1419/الخطبة الاولى)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق