في ذكرى شهادة ريحانة رسول الله ، وثاني خلفائه ، ورابع اصحاب الكساء واخ المذبوح من القفا عطشانا بكربلاء، الامام الحسن الزكي المجتبى (عليه السلام)، من النافع الالتفات الى بعض الامور والتي منها ما يلي:
1ـ إن سبيل النجاة والفلاح في الدين والدنيا والآخرة مرهون بالطاعة المطلقة لله ولرسوله ولأولي الأمر الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(صلوات الله عليهم).
وقد رأى المسلمون العاقبة الأليمة والخسارة الجسيمة ، نتيجة عصيان اوامر الله ورسوله في عصر الوحي والتنزيل
وبالرغم من ان النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) ، لم يترك صغيرة أو كبيرة تحفظ الإسلام والمسلمين ، من الوقوع في مهاوي الهلكة ، إلا وبينها قولا وفعلا حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة بولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
الا ان اغلب الامة عصت اوامر الله ورسوله ، مرة أخرى واتبعت سبيل المنقلبين على أعقابهم ، فباءت بالشقاء إلا ما رحم الله ، وبعد مدة من التيه عادت لراعيها، وكان المفروض أن يكون التيه واعظ في عدم الرجوع إلى العصيان مرة أخرى ولكن للأسف ، لم ينعم ببركة أولياء الله المعصومين(عليهم السلام) ، إلا القليل ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه فرزئت الامة بالمرتضى(عليه السلام) ، بعد رزيتها بالمصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وببضعته سيدة النساء(عليها السلام) ، فاشتد الحال في زمن الامام الحسن (عليه السلام) ، بعد ان تخاذل الناس عن نصرة الحق تخاذلا عجيبا بسبب خلودهم الى الارض واتباعهم لأهوائهم...
فقد روي عن الإمام الحسن(عليه السلام) قوله:
(والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون ويقولون لنا: إن قلوبهم معنا، وإن سيوفهم لمشهورة علينا)
وكان عاقبة العصيان وعدم إتباع حجج الله(عليهم السلام) ، هو الرجوع إلى التيه مرة اخرى ولكن ببلاءات اشد وانكى ، وراح نتيجة هذا التخاذل والعصيان ، ان زهقت الارواح الطيبة ، وطمست معالم الدين ، ولولا خروج الامام الحسين (عليه السلام) ، وعصبته الطاهرة من اهل بيته وانصاره ، لما بقي للدين من باقيه ، فما اغلى هذا الدين الذي بُذِلَ من اجل احيائه وابقائه دماء الطيبين الطاهرين وعلى رأسهم سيد الشهداء الحسين (عليه السلام).
ومما يدمي القلب إن جزء من هذه المظلومية يقع على عاتقنا نحن الذين نحسب أنفسنا من المؤمنين وذلك لضعف إتباعنا وقلة طاعتنا لائمتنا الميامين(عليهم السلام) ، وتلاميذهم المخلصين(قدس)، قال تعالى:
((وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))(سورة الأنفال/ الآية 25).
اذن كيف يمكن ان نعالج هذا التقصير الذي كان ولازال يتسبب في ظلم المعصومين ويساهم وبشكل فعال في تأخير ظهور الامام المهدي (عليه السلام) ؟
وقد أجاب الأستاذ الفاضل علي الزيدي عن هذا السؤال بقوله:
ويكون جواب ذلك من خلال ما قاله وبينه السيد الشهيد، ففي هذا الصدد يقول السيد الشهيد(قدس):
(واهم ما يشترط في هؤلاء المؤيدين، شرطان متعاضدان، يكمل احدهما الآخر، ويندرج تحتهما سائر الأوصاف:
احدهما .
الوعي والشعور الحقيقي بأهمية وعدالة الهدف الذي يسعى إليه ، والأطروحة التي يسعى إلى تطبيقها .
ثانيا .
الاستعداد للتضحية في سبيل هدفه على أي مستوى اقتضته مصلحة ذلك الهدف )
إذن، بعد أن عرفنا إن المؤمن هو الذي متى ما قصر فانه سوف يكون سببا في تأخير الظهور وان الأمور التي عليه إن لا يقصر فيها هي التي تندرج تحت الشرطين اللذين ذكرهما السيد الشهيد (قدس).
ويمكن أن نعدد بعض النقاط التي تندرج تحت هذين الشرطين:
1 ـ الصبر على الشدائد والثبات على الطاعة
2 ـ ترك الدنيا بكل ملذاتها
3 ـ معرفة جهة الحق بأقل القرائن وإتباعها بغض النظر عن الظروف والعناوين
4 ـ تكثيف العبادة والإكثار من أدعية الفرج
5 ـ أن يكون الفرد المؤمن ذو بصيرة في دينه ومن الذين لا تهزهم إثارة الشكوك والفتن بحيث تبعدهم عن مطلبهم العالي
6 ـ أن يشعر بأنه فرد مراقب من قبل إمامه وان عليه مسؤوليه سوف تلقى ، يتوقف عليها الفتح العالمي ، فعليه أن يسعى جاهدا لإكمال أي نقص يعيقه عن تأدية ذلك الواجب المقدس
7 ـ أن يحدد مكانه في دائرة الوجود ، حتى يتمكن من خلاله أن يؤدي دوره الذي يرضي الإمام (عليه السلام) وضمن الشعور الذي يملي عليه تأدية واجبه الشرعي على أتم وجه ممكن ]
وهكذا فان الطاعة المطلقة والإتباع المخلص لأولياء الله ، في حقيقته جائزة يمن بها الله(جل جلاله)، على الذين جاهدوا في الله حق جهاده مخلصين له الدين ولو كرهت النفس الامارة والطواغيت ، وهذه الجائزة هي فوز عظيم تحتاج إلى توفيق الله وتسديده ، وشفاعة أهل البيت وبركاتهم(عليهم السلام) .
2 ـ ليس القرب من المعصومين(عليهم السلام)، وتلاميذهم المخلصين (قدس)، هو القرب المادي فحسب فكم من قريب ماديا منهم ، الا انه لم يتمكن من شكر هذه النعمة العظيمة وأداء شيء من حقوقها ، بل قد يصل فيه الحال الى ان يصبح اداة من ادوات ابليس(عليه اللعنة)، لضرب المعصومين واتباعهم ، لتكون العاقبة خسران الدنيا والآخرة
وعليه فان القرب الحقيقي يكون بالإتباع الخالص لوجه الله تعالى لمن جعلهم الله أدلاء وقاده، قال تعالى:
((...فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ...))(سورة إبراهيم/ الآية 36 )
وليس في إتباع غيرهم، قال تعالى:
((... أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ))(سورة يونس / الآية 35).
3 ـ صحيح إن المؤمن المحب لله محب للخير ويتمنى الخير للجميع فكيف بأسرته وأرحامه وجيرانه ...
فهو يتمنى لهم الخير أكيدا وما أعظم الهداية من خير ، لذا فالمؤمن يتمنى لأهله الهداية من كل قلبه ويسعى جاهدا من اجل ذلك ويتألم كثيرا عندما يبوء احدهم بالفشل ولكن، ينبغي الالتفات الى قوله تعالى:
((إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ))(سورة القصص/ الآية 56 )
وعلى هذا الأساس ينبغي الحذر من هؤلاء الذين((... لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ))(سورة القصص/ الآية 50) ، لأنهم ليسوا أهل للمؤمن ((...إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ))(سورة هود/ الآية 46)
نستجير بالله من سوء العاقبة والمنقلب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
من مصادر المقال :
1 ـ القرآن الكريم.
2ـ بحار الأنوار/ الشيخ محمد باقر المجلسي ج44.
3ـ كشف الغمة للاربلي ج 2 ص 167.
4 ـ اسئلة معاصرة حول الامام المهدي (ع)، س14 ، الاستاذ علي الزيدي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق