الخميس، 25 يونيو 2015

الاخوة الالهية


الاخوة الالهية
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم.
ما ان يأذن الله (جل جلاله) للانسان بالخروج الى عالم الدنيا والا ويجد عدة روابط تربطه بابناء جنسه ، واول هذه الروابط هي رابطة الدم اوما تسمى اجتماعيا برابطة النسب وقرآنيا برابطة الرحم ، وهكذا بقية الروابط كرابطة الوطن الواحد واللغه الواحدة والدين الواحد(سواء كان هذا الدين وضعيا ام سماويا)والحزب الواحد ...
ورابطة الاخوة الالهيه :
والتي هي من انبل الروابط وامتنها لارتباطها بالحق المطلق ، فكل شيء زائل الا وجهه الكريم ، قال تعالى:
((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ))
((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ))(سورة الرحمن/الآية26ـ27 )
وقد اولى الشارع المقدس هذه الرابطة اهتماما بالغا حيث تم وضع قواعدها ورسم مناهجها وبيان الكثير من ثمارها .
وهنالك عدة امور تخص هذه الرابطه من النافع توضيح بعضها :
أولا ـ  من هم اصحاب هذه الرابطه :
وهذه الرابطة النبيله منحها الله(تعالى شأنه) لعباده المؤمنين ، بالمعنى العام  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ..))(سورة الحجرات/ الآية10)، وللمتقين ، بالمعنى الخاص((الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ))(سورة الزخرف/ الآية 67 )، وللذوات المقدسه المعصومه ، بالمعنى الاخص كـ اخوة (المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) والمرتضى(عليه السلام)، واخوة (المجتبى(عليه السلام) وشهيد كربلاء(عليه السلام)....)والحديث عن هذه الاصناف الطيبه يخرج البحث عن الايجاز ، ولاشتراكها في الايمان وافتراقهما بدرجاته ، نقتصر بالاشاره السريعه لمعنى الايمان قرآنيا وكما يلي :ـ قال تعالى:
((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ))(سورة الحجرات/ الآية 15)
وقال تعالى((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ))(سورة الأنفال/ الآية74 ) 
وقال تعالى((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))(سورة التوبة/ الآية 71 )
وان شاء الله في مباحث قادمه يتم التطرق الى بعض تعريفات الايمان ودرجاته واقسامه...
ثانيا  
 كيف تكون هذه الرابطه:
قد وصفها الهداة المهديين اساتذة مدرسة التوحيد الكبرى باوصاف بالغة الدقه (من حيث هي  كرابطة ومن حيث بيان نتائج كل من المتعلق بها والمتخلف عنها..)، فعن المصطفى الخاتم (صلى الله عليه وآله):
[ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى ]. وعنه (صلى الله عليه وآله):
 [مثل مؤمن لا يرعى حقوق إخوانه المؤمنين كمثل من حواسه كلها غير صحيحة ، فهو لا يتأمل بعقله، ولا يبصر بعينه، ولا يسمع باذنه، ولا يعبر بلسانه عن حاجته، ولا يدفع المكاره عن نفسه بالإدلاء بحججه، ولا يبطش لشئ بيديه ، ولا ينهض إلى شئ برجليه، فذلك قطعة لحم قد فاتته المنافع ، وصار غرضا لكل المكاره ، فكذلك المؤمن إذا جهل حقوق إخوانه فاته ثواب حقوقهم، فكان كالعطشان بحضرة الماء البارد فلم يشرب حتى طفى... فإذا هو سليب كل نعمة، مبتلى بكل آفة ].
وعن الإمام الصادق (ع ) :
 [لا واللّه ، لا يكون المؤمن مؤمنا أبدا حتى يكون لأخيه مثل الجسد ، اذاضرب عليه عرق واحد تداعت له سائر عروقه ] 
وقال رسول الله(ص):
[ من أعان أخاه المسلم أو أغاثه حتى يخرجه من هم أو كربة أو ورطة كتب الله له عشر حسنات و رفع له عشر درجات و أعطاه الله ثواب عتق عشر نسمات و دفع عنه عشر نقمات و أعد له يوم القيامة عشر شفاعات و من أكرم أخاه المؤمن بكلمة أو لفظ فرج بها كربته لم يزل في ظل الله الممدود و الرحمة ما كان في ذلك و من لقي أخاه بما يسره سره الله يوم القيامة و من لقي أخاه بما يسوؤه ساءه الله يوم القيامة و من تعظيم الله إجلال ذي الشيبة المؤمن و من عرف فضل شيخ كبير فوقره لشيبة آمنه الله من فزع يوم القيامة] 
وعن رسول اللّه (ص ) :
 المؤمنون تتكافا دماؤهم ،وهم يد على من سواهم ، ويسعى بذمتهم ادناهم ]
وعنه (ص ) :
 المؤمنون بعضهم لبعض نصحة وادون وان افترقت منازلهم وابدانهم ، والفجرة بعضهم لبعض غششة متخاذلون وان اجتمعت منازلهم وابدانهم ]
ثالثا
كيف نحافظ على هذه الرابطة:
هنالك عدة قواعد تساعدنا في ذلك منها مايلي:ـ
1. المؤمن مرآة لأخيه المؤمن فالعيب الذي لايراه المؤمن بنفسه ، سوف يراه إخوته قطعا ، فلا ينبغي التشنج عند سماع نصيحة الإخوان لأنها ماخرجت إلا قربة لله أولا ولمصلحة أخيهم المؤمن ثانيا وللحفاظ على جسمهم من الضعف والخلل ثالثا .. وهذا عين الحكمة والصواب، كما إن التعود على الحزن والانقباض عند سماع نصيحة الاخوان يجعل الفرد قريب من قوله تعالى:
 {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ }البقرة206 
2 . من القواعد التي تفضل بها علينا أهل البيت(ع)أن يضع المؤمن نفسه في كفة ميزان وأخيه في الكفة الأخرى فما يحب أن يراه المؤمن من أخيه المؤمن يُريه إياه وما يكره أن يراه من أخيه المؤمن فلا يُريه إياه (حب لأخيك ما تحب لنفسك ...)
3 . الالتزام قدر المستطاع بالقاعدة القرآنية المذكورة في قوله تعالى:
ا . ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ))(سورة  الأحزاب الآية70 )   
ب . {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً }الإسراء53
وهنا توجد نكته لطيفه وهي :
إن المؤمنين وان كانوا متحدين بالعقيدة والمنهج والقيادة والبلاء العام وفصول من البلاء الخاص ومتآلفة ارواحهد بالعوالم السابقة...إلا انه لكل فرد مهم خصوصية خاص به وعلى اثر ذلك قد يكون لكل منهم صوره معينه عند تفاعله مع الحدث الواحد لا تُشابه صورة أخيه وهذا طبيعي جدا ولتقريب المطلب يتم ذكر المثالين التاليين:
1 ـ ذات مره سألت أخي الكبير عن نبيين عظيمين يجمعهم زمان واحد وبينهما صلة رحم ولكن احدهما دائم البشر والآخر دائم الحزن فلماذا ، فقال أخي ما مظمونه (إن دائم البشر قد ذاب في صفات وأسماء الله الجمالية بينما أخيه قد ذاب في صفات وأسماء الله الجلاليه ).
 2 ـ في ملحمة الطف وبالذات ليلة عاشوراء كان من الصحابه من يتعجب حينما يرى أخيه فرح مستبشر ..أي إن لكل منهما حالته الخاصة في التفاعل ، مع إن الحدث واحد ، وبالرغم من انهما نجحا النجاح الباهر وفازا الفوز العظيم. لذا يجب احترام خصوصية أخي ولا أزعجه ولا ادخل الحزن على قلبه ، فحرمته اشد من حرمة الكعبة فمثلا أنا أحب المزاح وهو لا يحب المزاح ، فهذا شأنه وهو حر في ذلك ، صحيح إن كثرة الكآبة مكروهه ولكن كثرة المزاح أيضا مذمومة فهي تذهب ببهاء الرجل وتجعله يحوم حول الشبهات ، ثم بما اننا كالجسد الواحد إذن فينا من هو رأس ولا يصلح أن يكون قدم وفينا من هو قلب ولا يصلح أن يكون يد .. 
وهكذا نفس الرأس ففينا من هو عين وفينا من هو مخ ...وهذا هو معنى معاني الجسد فبالجميع يتقوم الجسد ولكل منا مقام معلوم وهل سمعنا من يدنا إنها تمنت يوما ما أن تحل محل الاذن  ، كلا وهذا معنى آخر من معاني الجسد ، وهل تألمنا يوما عند إصابة يدنا ولم نتألم عند إصابة قدمنا ، كلا ، وهذا معنى من معاني الجسد الواحد ..فان قيل إن اليد والرجل ..ليسا بأهمية الرأس ومكانته ، فحينما تقطع يد الإنسان أو رجله ليس  مثل قطع رأسه ، وهذا بديهي لايرفضه عاقل ، وبهذا تتم الأمور وفق الحكمة الالهيه اللامتناهيه فاستعداداتنا وقابلياتنا متفاوتة وفينا المجتهد وفينا الاقل اجتهادا ...وغيرها من الأمور كثير، المهم أن نوجه وجوهنا خالصةً مخلصتاً لوجه الله تعالى ونرضى بقضائه وقدره ونسلم أمورنا إليه حقيقة  ونتوكل عليه فهو ارحم الراحمين .وللبحث مطالب أخرى كثيرة مهمة ولكن الاختصار قيد القلم ، وفي ختام هذا المبحث نشكر الله مليء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش وسعة الكرسي على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ومنها نعمة الاخوان فبهم تزال الوحشة أثناء المسير الإلهي وفي لقائهم الفرح والسرور وفي جمعهم العز والمنعة وفي وحدتهم قوة الشوكة والاراده وفي ضياعهم الندم والخسران فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، نستجير بالله من سوء العاقبة والمنقلب ونسأله حسن الخاتمة ببركة ليلة القدر ومن تعبد فيها انه على كل شيء قدير ونعم المولى ونعم النصير .
من مصادر ومراجع المبحث:
1 ـ القرآن الكريم
كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال/ علي بن حسام الدين المتقي الهندي
3ـ الدر المنثور / الشيخ جلال الدين السيوطي/  دار احياء التراث العربي
عوالي اللآلي/ لابن ابي جمهور الاحسائي/ تقديم السيد شهاب الدين المرعشي النجفي/  تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي / ط1 مطبعة سيد الشهداء 1403هج
ميزان الحكمة/ محمد الري شهري/ (التنقيح الثاني 1416 ه‍. ق). - قم: دار الحديث، 4 ج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق