السبت، 22 أغسطس 2015

حديث الطائر المشوي


حديث الطائر المشوي
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم.
اليكم احبتي هذه الصورة من صور الحديث الشريف المسمى بحديث الطائر المشوي ، وضمن النقاط الآتية :ـ
اولاـ متن حديث الطائر المشوي :
1ـ قال الشيخ محمد حسن المظفر في كتابه (دلائل الصدق لنهج الحق /ج6 ص158/ سلسلة الكتب المؤلفة في رد الشبهات (106)/ إعداد: مركز الأبحاث العقائدية):
... قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ (العلاّمة الحسن بن يوسف المطهر الحلي في كتابه (نهج الحقّ وكشف الصدق / ص220/ سلسلة الكتب المؤلفة في رد الشبهات (119)/إعداد :مركز الأبحاث العقائدية):
الثامن عشر: في مسند أحمد بن حنبل، و " الجمع بين الصحاح الستّة "، عن أنس بن مالك، قال: كان عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) طائر قد طُبخ له، فقال: اللّهمّ ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي; فجاء عليٌّ فأكل معه( ينابيع المودّة 1 / 175 ح 1 و ص 176 ح 4 عن مسند أحمد وسنن أبي داود، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 692 ـ 693 ح 945، جامع الأُصول 8 / 653 ح 6494 عن الجمع بين الصحاح الستّة، وانظر: سنن الترمذي 5 / 595 ح 3721، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 107 ح 8398، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ 1 / 358 رقم 1132 و ج 2 / 2 رقم 1488، مسند أبي يعلى 7 / 105 ح 4052، المعجم الكبير 1 / 253 ح 730 و ج 7 / 82 ح 6437 و ج 10 / 282 ح 10667، المعجم الأوسط 2 / 239 ح 1765 و ج 6 / 153 ح 5886 و ص 418 ح 6561 و ج 7 / 315 ح 7466 و ج 9 / 251 ح 9372، أنساب الأشراف 2 / 378، تاريخ جرجان: 176 رقم 228، العقد الفريد 4 / 77، طبقات المحدّثين بأصبهان 3 / 454 ح 613 رقم 451، مروج الذهب 2 / 425، تمهيد الأوائل: 546، المستدرك على الصحيحين 3 / 141 ـ 142 ح 4650 و 4651، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ 20 ق 2 / 122، حلية الأولياء 6 / 339، تاريخ أصبهان 1 / 279 ـ 280 رقم 468، موضّح أوهام الجمع والتفريق 2 / 459 رقم 458، تاريخ بغداد 3 / 171 رقم 1215 و ج 9 / 369 رقم 4944، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 163 ـ 176 ح 189 ـ 212، مصابيح السُنّة 4 / 173 ح 4770، تاريخ دمشق 37 / 406 رقم 4428 و ج 42 / 245 ـ 259، مجمع الزوائد 9 / 125 ـ 126.
ومنه، أنّه لمّا حضرت ابن عبّاس الوفاة قال: اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب( فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ 2 / 823 ح 1129، وانظر: الرياض النضرة 3 / 130 ـ 131)
وقال الفضل(إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 7 / 452): حديث الطير مشهور، وهو فضيلة عظيمة، ومنقبة جسيمة، ولكن لا يدلّ على النصّ، وليس الكلام في عدّ الفضائل.
وأمّا التوسّل بولاية عليّ، فهو حقّ ومن أقرب الوسائل.
وأقول(شيخ محمد حسن المظفر):
روى الترمذي حديث الطائر بسنده عن السُّدي، عن أنس، ثمّ قال: وقد روي من غير وجه عن أنس(سنن الترمذي 5 / 595 ح 3721.).
ورواه النسائي في " الخصائص "، عن أنس ـ بهذا اللفظ ـ، أنّه أتى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده طائر فقال: اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير; فجاء أبو بكر فردّه، ثمّ جاء عمر فردّه، ثمّ جاء عليٌّ فأذن له(خصائص الإمام عليّ (عليه السلام): 25 ـ 26 ح 12، وانظر: السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 107 ح 8398).
ورواه الحاكم في " المستدرك "( ص 130 من الجزء الثالث [ 3 / 141 ـ 142 ح 4650 ]. منه (قدس سره).)، عن أنس أيضاً، وذكر فيه أنّه جاء عليٌّ مرّتين فقال له: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حاجة; ثمّ جاء فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إفتح; فدخل.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما حبسك علَيَّ؟!
قال: إنّ هذه آخرُ ثلاث كرّات يردّني أنس، يزعم أنّك على حاجة; الحديث.
ثمّ قال الحاكم: هذا حديث [ صحيح ] على شرط الشيخين.
وقال: وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثمّ صحّت الرواية عن عليّ، وأبي سعيد الخدري، وسفينة.
ثمّ رواه الحاكم أيضاً من طريقين، عن إبراهيم بن ثابت البصري القصّار، عن ثابت البناني، عن أنس; وتعقّبه الذهبي: بأنّ إبراهيم بن ثابت ساقط(المستدرك على الصحيحين 3 / 142 ـ 143 ح 4651.).
ويشكل بأنّ هذا مناقض لِما ذكره هو في " ميزان الاعتدال "، فإنّه قال فيه: " لا أعرف حاله جيّداً "( ميزان الاعتدال 1 / 143 رقم 59.).
كما أنّه تعقّب الحديث الأوّل بأنّ في سنده محمّد بن أحمد بن عياض، عن أبيه; فقال: " ابن عياض لا أعرفه "( انظر هامش المستدرك على الصحيحين 3 / 141 ح 4650).
وقال في " الميزان " بترجمة محمّد المذكور، بعدما ذكر روايته لحديث الطير بالسند الذي ذكره الحاكم: " قال الحاكم: هذا على شرط البخاريّ ومسلم ".
ثمّ قال الذهبي: " الكلّ ثقات إلاّ هذا ـ يعني محمّداً ـ، فأنا أتّهمه به، ثمّ ظهر لي أنّه صدوق ـ إلى أن قال: ـ فأمّا أبوه فلا أعرفه "( ميزان الاعتدال 6 / 53 رقم 7186.).
وعليه: فالأمر هيّن; لأنّ عدم معرفته له لا تضرّ فيه بعدما عرفه الحاكم وصحّح حديثه على شرط الشيخين.
وقد روى الذهبيّ حديث الطير بترجمة جعفر بن سليمان الضُّبَعي من " الميزان "، وسنده صحيح; لأنّه رواه عن قَطَن بن نُسَير ـ وهو من رجال مسلم(انظر: ميزان الاعتدال 5 / 474 رقم 6907، تهذيب التهذيب 6 / 516 رقم 5746) ـ، عن جعفر المذكور ـ وهو من رجاله أيضاً(انظر: ميزان الاعتدال 2 / 136 رقم 1507، تهذيب التهذيب 2 / 61 رقم 984) ـ، عن عبد الله بن المثنّى بن عبد الله بن أنس ـ وهو من رجال البخاري(انظر: تهذيب التهذيب 4 / 461 رقم 3664) ـ، عن أنس(ميزان الاعتدال 2 / 139 ذيل رقم 1507).
وحكاه في " كنز العمّال "( ص 406 من الجزء السادس [ 13 / 166 ـ 167 ح 36505 و 36507 و 36508. منه (قدس سره) وانظر: تاريخ دمشق 42 / 245 ـ 259)، عن ابن عساكر من ثلاثة طرق، وعن ابن النجّار من طريق(لم نجده في " ذيل تاريخ بغداد " المطبوع!).
ونقله سبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواصّ "، عن أحمد في " الفضائل "، بسنده عن سفينة(تذكرة الخواصّ: 44، وانظر: فضائل الصحابة 2 / 693 ح 945.).
ونقله في " ينابيع المودّة " في الباب الثامن، عن أحمد في مسنده، عن سفينة(ينابيع المودّة 1 / 175 ح 1).
كما نقله المصنّف (رحمه الله) هنا عن مسند أحمد، عن أنس(تقدّم في الصفحة 159 من هذا الجزء).
والظاهر أنّ القوم أسقطوا الحديثين الأخيرين من " المسند " الموجود بأيدينا اليوم، طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1313 هجرية، كما هي عادتهم في إسقاط كثير من الأحاديث المتعلّقة بفضل أمير المؤمنين!!
فمع ما ذكرناه ـ الذي هو قليل من كثير ـ كيف يزعم ابن تيميّة أنّه لم يروِ حديث الطير أحدٌ من أصحاب الصحاح، ولا صحّحه أئمّة الحديث(انظر: منهاج السُنّة 7 / 371)؟!
والحال أنّه قد رواه: الترمذي، والنسائي، وصحّحه الحاكم ورواه الذهبي بترجمة جعفر بطريق لا شبهة في صحّته عندهم كما سمعت.
بل زعم ابن تيميّة ـ كعادته في فضائل إمام المتّقين ـ أنّ الحديث عند أهل المعرفة والعلم من المكذوبات والموضوعات(منهاج السُنّة 7 / 371.)، والحال أنّه حكى عن أبي موسى المديني، أنّه قال: جمع غير واحد من الحفّاظ طرق أحاديثه( منهاج السُنّة 7 / 371 ـ 372).
نقول: وممّن ذُكر أنّه جمع طرق حديث الطير وأفرده بالتصنيف:
1 ـ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت 310); له: " حديث الطير "; كما في البداية والنهاية 7 / 281 و ج 11 / 125.
2 ـ الحافظ أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة (ت 333); له: " حديث الطير "; كما في مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب ـ 2 / 317.
3 ـ الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن حمدويه، ابن البيّع الشافعي (ت 405); له: " قصّة الطير "; ذكره هو لنفسه في معرفة علوم الحديث: 252، وذكره له الذهبي في سير أعلام النبلاء 17 / 176 رقم 100.
4 ـ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني (ت 410); له: " حديث الطير "; كما في البداية والنهاية 7 / 281، ومنهاج السُنّة 7 / 372.
5 ـ الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430); له: " حديث الطير "; ذكره السمعاني في التحبير 1 / 181، والذهبي في سير أعلام النبلاء 19 / 306 رقم 193، وابن تيميّة في منهاج السُنّة 7 / 372.
6 ـ الحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن عليّ بن حمدان الخراساني (ق 5); له: " طرق حديث الطير "; كما في سير أعلام النبلاء 17 / 463، تذكرة الحفّاظ 3 / 1112 رقم 1000، البداية والنهاية 7 / 281.
7 ـ شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي (ت 748); نصَّ هو على ذلك في تذكرة الحفّاظ 3 / 1042 ـ 1043 رقم 962 بقوله: " وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً، قد أفردتها بمصنّف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل ".
وقال في سير أعلام النبلاء 17 / 169: " وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء، وطرق حديث: من كنت مولاه; وهو أصحّ، وأصحّ منهما ما أخرجه مسلم عن عليّ، قال: إنّه لعهد النبيّ الأُمّيّ إليّ أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق ".
وقد أدرج السيّدُ عبد العزيز الطباطبائي (قدس سره) كلّ ما أُلِّف عن حديث الطير، كلاًّ في محلّه من كتابه " أهل البيت (عليهم السلام) في المكتبة العربية "، كما أوسع الحديثَ بحثاً في ألفاظه وطرقه ومصادره، وذلك في معرض ذِكره لكتاب الحاكم النيسابوري، آنف الذِكر برقم 3; فراجع: أهل البيت (عليهم السلام) في المكتبة العربية: 384 ـ 413 رقم 594.
وكذا فعل السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ـ; إذ توسّع في الحديث بحثاً، سنداً ودلالة، ودحض أباطيل ومفتريات المشكّكين بصحّته; فراجع الجزءين 13 و 14 من موسوعته " نفحات الأزهار في إمامة الأئمّة الأطهار ".
فللّه درّهما وعليه أجرهما.
وراجع: ج 1 / 8 هـ 2 من هذا الكتاب.
وقال في " ينابيع المودّة ": ولابن المغازلي حديث الطير من عشرين طريقاً(ينابيع المودّة 1 / 176 ذ ح 3، وانظر: مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ: 163 ـ 176 ح 189 ـ 212.).
وقد سمعت قول الحاكم: رواه عن أنس زيادة على ثلاثين نفساً(المستدرك على الصحيحين 3 / 142 ذ ح 4650).
...وأمّا دلالة الحديث على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) فمن أظهر الأُمور; لأنّ أحبّ الناس إلى الله تعالى إنّما هو أفضلهم وأتقاهم وأعملهم بطاعته، فلا بُدّ أن يكون أحقّهم بالإمامة، لا سيّما من أبي بكر وعمر; إذ مع دخولهما بعموم الناس صرّح حديث النسائي باسمهما بالخصوص كما سمعت...
وأشكل في " المواقف " وشرحها على الحديث: " بأنّه لا يفيد أنّه أحبّ إليه في كلّ شيء; لصحّة التقسيم، وإدخال لفظ الكلّ والبعض; ألا ترى أنّه يصحّ أن يستفسر ويقال: أحبّ إليه في كلّ الأشياء أو في بعض الأشياء؟... فلا يدلّ على الأفضليّة مطلقاً "( انظر: المواقف: 409، شرح المواقف 8 / 367 ـ 368.).
والجواب: إنّ الإطلاق مع عدم القرينة على الخصوص يفيد العموم في مثل المقام، ألا ترى أنّ كلمة الشهادة تدلّ على التوحيد؟! وبمقتضى ما ذكراه ينبغي أن لا تدلّ عليه; لإمكان الاستفسار بأنّه لا إله إلاّ هو في كلّ شيء، أو في السماء، أو في الأرض؟ إلى غير ذلك; فلا تفيد نفي الشريك مطلقاً; وهذا لا يقوله عارف.
والعجب منهما أن يقولا ذلك، وهما يستدلاّن على فضل أبي بكر بقوله تعالى: { وسيجنّبها الأتقى }( سورة الليل 92: 17)، زاعمين أنّ المراد بالأتقى: أبو بكر، فيكون أفضل(المواقف: 407 ـ 408، شرح المواقف 8 / 366)، والحال أنّه يمكن الاستفسار بأنّه الأتقى في كلّ شيء أو بعض الأشياء؟! مضافاً إلى أنّه لا يصحّ حمل الحديث على إرادة الأحبّ في بعض الأُمور، وإلاّ لجاء مع عليّ (عليه السلام) كلّ من هو أحبّ منه بزعمهم في بعض الأُمور كالشيخين; لاستجابة دعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، والحال أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ردّهما كما في حديث النسائي(انظر: خصائص الإمام علي (عليه السلام): 25 ـ 26 ح 12، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 107 ح 8398).
ونحن نمنع أن يكون أحدٌ أحبَّ إلى الله سبحانه بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من عليّ (عليه السلام) في شيء من الأشياء; لِما سبق في المبحث الثاني من مباحث الإمامة أنّ الإمام أفضل الناس في كلّ شيء، فيكون أحبّهم إلى الله تعالى في كلّ شيء(انظر: ج 4 / 233 وما بعدها من هذا الكتاب).
وقد زاد ابن تيميّة ...، فأَورد على الحديث بأُمور ....
منها: إنّ أكل الطير ليس فيه أمر عظيم هنا، يناسب أن يجيء أحبّ الخلق إلى الله ليأكل معه، فإنّ إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر، وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الآكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأيُّ أمر عظيم يناسب أن يجيء أحبّ الخلق إلى الله يفعله(منهاج السُنّة 7 / 374)؟!
والجواب: إنّ الأمرَ العظيم تعريفُ الأحبّ إلى الله تعالى للناس بدليل وجداني، فإنّه آكد من اللفظ ، وأقوى في الحجّة ، كما عرّفهم نبيّ الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ عليّاً حبيب الله في قصّة خيبر، بإخبارهم أنّه يُعطي الراية من يُحبّه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، وأنّ الفتح على يده
على أنّه يكفي في المناسبة رغبة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يأكل مع أحبّ الخلق إلى الله وإليه. على أنّه يكفي في المناسبة رغبة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يأكل مع أحبّ الخلق إلى الله وإليه.
ومنها: إنّ هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة; فإنّهم يقولون: إنّ النبيّ كان يعلم أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه جعله خليفة من بعده، وهذا الحديث يدلّ على أنّه ما كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله(منهاج السنّة 7 / 374).
الجواب: إنّا لا نعرف وجه الدلالة على أنّه لا يعرفه، أتُراه لو قال: " ائتني بعليّ " يدلّ على عدم معرفته له؟! وكيف لا يعرفه وقد قال كما في بعض الأخبار: " اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليَّ "( المستدرك على الصحيحين 3 / 142 ح 4651)؟!..
وقال لعليّ في بعض آخر: " ما حبسك علَيَّ؟! "( انظر: المعجم الأوسط 7 / 315 ح 7466، المستدرك على الصحيحين 3 / 142 ح 4650)..
وقال له في بعضها: " ما الذي أبطأ بك؟! "( تاريخ دمشق 42 / 253)..
فالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عارفاً به، لكنّه أبهم ولم يقل: " ائتني بعليّ ";
ليحصل التعيين من الله سبحانه، فيعرف الناس أنّ عليّاً هو الأحبّ إلى الله تعالى بنحو الاستدلال.
ومنها: ما حاصله أنّه مناقض للأحاديث الثابتة في الصحاح، القاضية بأنّ أبا بكر هو الأحبّ، كما في الصحيحين من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لو كنت متّخذاً خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا "( صحيح البخاري 5 / 66 ح 156 ـ 158، صحيح مسلم 7 / 108 ـ 109).
ومناقض لقوله تعالى: { وسيجنّبها الأتقى }، فإنّ أئمّة التفسير يقولون: إنّه أبو بكر(ذكر بعض المفسرين هذا على أنّه قولٌ من الأقوال في تفسير الآية الكريمة، لا أنّهم يقولون بذلك على وجه الجزم والقطع وليس هناك قول غيره; فانظر: الوسيط في تفسير القرآن المجيد 4 / 505، زاد المسير 8 / 277، تفسير الفخر الرازي 31 / 205، تفسير القرطبي 20 / 59، تفسير الدرّ المنثور 8 / 537 ـ 538 عن ابن أبي حاتم وابن مردويه.); والأتقى هو الأحبّ لله ورسوله(منهاج السُنّة 7 / 375 ـ 376).
والجواب: إنّ روايتهم لا تقوم حجّة علينا، وكذا قول أهل تفسيرهم; لأنّه من التفسير بالرأي ..!
على أنّه ليس مجمعاً عليه بينهم ،.. كما أنّ روايته غير تامّة الدلالة على مدّعاه.(انتهى )


2ـ قال السيد محمد الموسوي سلطان الواعظين الشيرازي «مؤلف ليالي بيشاور» في كتابه (الفرقة الناجيه ج1 ص160 مناظرات ومراسلات في العقائد والتاريخ ,عن سبب افتراق المسلمين إلى 73 فرقة):ـ

..حديث الطائر المشوي روي من الفريقين وبطرق مختلفة ، فقد روي عن أنس بن مالك وسفينة مولى رسول الله وعبدالله بن عبّاس . .

أنّ أُمّ أيمن قدَّمت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) طائراً مشويّاً ليأكله وقبل أن يأكله النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال داعياً وقد رفع يديه : اللّهمَّ ائتني بأحبّ خلقك إليَّ وإليك حتّى يأكل معي من هذا الطير فجاء علي فأكل معه .

وعلى رواية الحافظ النيشابوري وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة والكنجي الشافعي في الكفاية والحاكم النيشابوري ج30 ص132 في المستدرك(وفي الطبعة الحديثة ج3 ص142 رقم 4651) والذهبي في تلخيص المستدرك وآخرين كلّهم ذكروا الحديث بهذا النحو : . . . فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : اللّهمَّ ائتني بأحبّ الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير فحضر علي ثلاثاً وأنس يردّه ، بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة فصاح النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)قائلاً : أدخل يا علي فلمّا دخل قال : ما أبطأك يا عليّ؟ قال : هذه ثالثة يردّني أنّ رسول الله في حاجة فقال : ما حملك على ما فعلت يا أنس؟ قال : سمعت دعاءك فأحببت أن يحضر رجل من الأنصار . . .( سنن الترمذي ج5 ص296 وتذكرة الخواص ص39 ومناقب الخوارزمي ص59 ومسند أحمد في فضائل علي وتاريخ المسعودي ج2 ص49 والحاكم النيشابوري في المستدرك ج3 ص142 رقم 4651 والذهبي في تلخيص المستدرك والخصائص للنسائي وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة ص21 وينابيع المودّة باب 8 نقله عن سنن أبي داود والترمذي عن سفينة مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأنس بن مالك وابن عبّاس إلى أن قال : وحديث الطير حديث مشهور مروي بـ (24) طريقاً عن أنس وقد أفرد الحافظ ابن عقدة ومحمد بن جرير الطبري كلّ واحد منهما كتاباً خاصّاً عن تواتر أسانيد هذا الحديث وكذلك الحافظ أبو نعيم الاصفهاني له كتاب مفصّل عن حديث الطير . وكفاية الطالب باب 33 بعد أن ذكر الحديث بعدّة طرق ، قال : رواه المحاملي في الجزء التاسع من أماليه كما أخرجناه سواء ، وفيه دلالة واضحة على أنّ علياً أحبّ الخلق إلى الله وأدلّ الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)فيما دعا به ، انتهى .

... أقول(مترجم الكتاب) : هذه المصادر ذكرها المؤلِّف(قدس سره) وإليك بقيّة مصادر هذا الحديث :

... كنز العمّال ج6 ص406 وذخائر العقبى ص61 واُسد الغابة ج4 ص30 والرياض النضرة ج2 ص160 ومجمع الزوائد ج9 ص125 وحلية الأولياء ج6 ص339 وتاريخ بغداد ج3 ص171 ونظم درر السمطين القسم الثاني من السمط الأوّل ص101 والسنن الكبرى للنسائي ج5 وفضائل الصحابة لأحمد ج2 ص560 ط السعودية ومعجم الطبراني الكبير ج1 ص253 رقم 730 ومصابيح السنّة للبغوي ج1 ص516 ومجمع البحرين للهيثمي ج3 وتاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء ص633 ط دار النشر العربي وغيرها ( المترجم.).(انتهى )


3ـ قال السيد هاشم البحراني الموسوي التوبلي في كتابه (غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام / ج1/ تأليف : السيد هاشم البحراني الموسوي / تحقيق: السيد علي عاشور/ سلسلة الكتب العقائدية (196) / إعداد : مركز الأبحاث العقائدية):ـ

...الثلاثون ـ إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة قال: أخبرنا الشيخ الزاهد عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع البصري بقراءتي عليه بالمدينة المعظمة في الحرم الشريف النبوي بين الروضة والمنبر صلوات الله وسلامه على الحال به ضحوة يوم الثاني عشر من شهر الله الحرام المحرم سنة ثمانين وستمائة قال: أنبأنا الشيخ موفق الدين أبو المحاسن فضل بن أبي بكر عبد الرزاق بن عبد القادر الجبلي بقراءة محيي الدين علي بن إبراهيم بن أبي الدردانة الحربي في يوم الخميس السادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وستمائة بباب الأزج ببغداد وأجاز لنا جميع رواياته لفظا قال: أنبأنا أبو الفتح عبد الله بن عبد الله بن محمد بن كار(في المصدر: محمد بن نجاء) بن شاتيل الدباس قراءة وأنا أسمع في يوم الجمعة من شوال سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بجامع القصر ببغداد قبل الصلاة الجمعة، حيلولة، وأخبرني الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن يعقوب ابن أبي الفرج إذنا بروايته عن أبي الفتح بن عبد الله بن شاتيل إجازة قال: أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني قراءة عليه وأنا أسمع في رمضان سنة سبع وسبعين وأربعمائة قال: أنبأنا أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن إسماعيل المحاملي في صفر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن محمد بن أحمد بن مالك الأشجعي قراءة عليه في شهر ذي القعدة من سنة خمسين وثلاثمائة قال: أنبأنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم بن حماد القاضي العكبري سنة ست وسبعين ومائتين قال: أنبأنا يوسف بن عدي قال: أنبأنا حماد بن المختار من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير عن أنس قال: أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) طير فوضع بين يديه فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي " فجاء علي (عليه السلام) فدق الباب فقلت: من ذا فقال: أنا علي فقلت: النبي (صلى الله عليه وآله) على حاجة فرجع ثلاث مرات كل ذلك يجي قال: فضرب الباب برجله فدخل فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " ما حبسك " قال: " قد جئت ثلاث مرات كل ذلك يقول أنس النبي (صلى الله عليه وآله) على حاجة " فقال النبي (صلى الله عليه وآله) ما حملك على ذلك، قلت: أحب أن يكون رجلا من قومي.( فرائد السمطين: 1 / 209 / ب 42 / ح 165)

الحادي والثلاثون ـ الحمويني هذا قال: أخبرني الإمام العلامة تاج الدين أبو المفاخر محمد ابن أبي القاسم محمود السديدي كتابة إلي من كرمان في رجب سنة أربع وستين وستمائة قال: أنبأنا الصدر الكبير ركن الإسلام إمام الأئمة مفتي الشرق والغرب ابن ثابت عبد العزيز بن عبد الجبار بن علي الكوفي إجازة في رجب سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة قال: أنبأنا قاضي القضاة عماد الدين شيخ الإسلام ذو المعالي أبو سعيد محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد إجازة، أنبأنا الشيخ يعقوب ابن أحمد بن محمد صاحب التخريج للأحاديث قال: أنبأنا الشيخ الصالح أبو بكر محمد ابن إسماعيل ابن محمد بن إبراهيم المؤذن في شوال سنة عشر وأربعمائة، أنبأنا أبو العباس الفضل ابن عباس الكندي الهمداني الإمام في جامع همذان، حدثني أبو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن بهرام الزنجاني سنة ست وتسعين ومائتين قال: أنبأنا بشر بن الحسين بن أبي محمد الأصفهاني، أنبأنا الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال: أهدي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) طير مشوي فلما وضع بين يديه قال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير " قال: فقلت في نفسي اللهم اجعله رجلا من الأنصار فجاء علي (عليه السلام) فقرع الباب قرعا خفيفا فقلت: من هذا، فقال: علي، فقلت إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حاجة فانصرف قال: فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو يقول الثانية: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير " فقلت في نفسي اللهم اجعله رجلا من الأنصار فجاء علي (عليه السلام)

فقرع الباب فقلت: ألم أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حاجة فأنصرف قال: فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول الثالثة: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير " فجاء علي (صلى الله عليه وآله) فضرب الباب ضربا شديدا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إفتح إفتح " فلما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " اللهم وإلي اللهم وإلي " قال فجلس مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأكل معه الطير(فرائد السمطين: 1 / 212 / ب 42 / ح 166).
الثاني والثلاثون: الحمويني هذا قال: أخبرنا الشيخ الإمام نجم الدين عثمان بن الموفق الأذكاني عن والدي شيخ الإسلام سعد الحق والدين محمد بن المؤيد الحمويني بقراءتي عليه بمدينة اسفرائن في جمادى الآخر سنة خمس وستين إجازة كتبها له في سنة أربعين وستمائة بروايته عن شيخ الإسلام نجم الدين أبي الجناب أحمد بن عمر بن محمد الخيوقي إجازة قال: أنبأنا محمد بن عمر بن علي الطوسي، أنبأنا أبو العباس أحمد بن أبي الفضل الشقاني، أنبأنا أبو سعيد محمد ابن طلحة الجنابذي قال: أنبأنا والدي أبو منصور طلحة، أنبأنا محمد بن محمد بن عبد
الرحمن الذهلي ببغداد نبأ عبد الله بن عمر بن عبد العزيز البغوي، أنبأنا عبد الله ابن عمر القواريري نبأ يونس بن أرقم، أنبأنا بكير(في المصدر: مطير بن أبي خالد) عن ثابت البلخي(في المصدر: البجلي) عن سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) طائرين بين رغيفين ولم يكن في البيت غيري وغير أنس فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعا بغدائه فقلت: يا رسول الله قد أهدت إلينا امرأة من الأنصار هدية فقدمت الطائرين إليه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك " فجاء علي بن أبي طالب فضرب الباب ضربا خفيفا فقلت من هذا فقال: " أبو الحسن) ثم ضرب الباب فرفع صوته فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " افتح له " ففتحت له فأكل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الطيرين حتى فنيا.( فرائد السمطين: 1 / 214 / ب 42 / ح 167)

الثالث والثلاثون: كتاب مناقب الصحابة لأبي المظفر السمعاني عن عمران الطائي قال: سمعت أنسا يقول أهدي لرسول الله طيرا فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " وجاء علي يستأذن فقال أنس: وأحببت أن يكون من الأنصار ثم الثالثة فقلت له: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حاجة فدفعني ودخل فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " اللهم وإلي ".

الرابع والثلاثون: السمعاني أيضا بإسناده عن السدسي عن أنس بن مالك قال كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) طير فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير " فجاء علي فأكل معه وقد روي ذلك في الجمع بين الصحاح الستة لرزين من مسند أبي داود السجستاني ورواه أحمد بن حنبل بطريق واحد من طريق السفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورواه ابن المغازلي الشافعي الواسطي من عشرين طريقا(يراجع المعجم الكبير: 1 / 226 و 7 / 96 و 10 / 343، والبداية والنهاية: 7 / 354 - 351، وشرح الأخبار: 1 / 137 - 139 عن أبي أيوب وأبي رافع، وجواهر المطالب: 1 / 51، والمعجم الأوسط: 2 / 443 ح 2765 و 6 / 414 ح 5882 و 7 / 288 ح 6557 و 8 / 225 ح 7462 و 10 / 172 ح 9368، ومجمع الزوائد: 9 / 125 ط. مصر وبغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد: 167 و 169 ح 14723 و 14727 وما بعده عن أنس وسفينة وابن عباس، والتاريخ الكبير للبخاري: 1 / 358 ح 1132 و: 2 / 2 ح 1488، ومصابيح السنة: 4 / 173 ح 4770، وتاريخ أصبهان: 1 / 248 و 279، ومجمع الزوائد: 9 / 126 - 127 ط. مصر وبغية الرائد: 9 / 168 ح 14723 إلى 14728 - و ح 14725 بزيادة: ثم جاء أبو بكر فرده ثم جاء عمر فرده.

فضائل الصحابة لأحمد: 2 / 560 ح 945، صحيح الترمذي: 5 / 636 ح 3721 و 13 / 170 ط. الصاوي، ومستدرك الصحيحين: 3 / 130.).
الخامس والثلاثون: كتاب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة روى أبو جعفر بن محمد بن أحمد بن روح مولى بني هاشم قال: حدثني العباس بن عبد الله الباكناني عن محمد بن يوسف السري عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو صميم حوشن بن عدي عن أبي ذر (رحمه الله) قال: بينا نحن قعود مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أهدي إليه طائر مشوي فلما وضع بين يديه قال لأنس انطلق به إلى المنزل فانطلق به إلى المنزل وتبعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى إذا دخل المنزل وضع أنس الطائر بين يديه فرفع النبي (صلى الله عليه وآله) يديه نحو السماء وقال: " اللهم آت إلي بأحب الناس إليك تحبه أنت ويحبه من في الأرض ومن في السماوات حتى يأكل معي من هذا الطير " قال: أنس
فقلت:

اللهم اجعله من قومي وقالت عائشة: اللهم أبي وقالت حفصة: اللهم اجعله أبي فما لبثا حتى أتى علي (عليه السلام) فقال: له أنس: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حاجة حتى أتى علي (عليه السلام) ثلاث مرات فجثى النبي (صلى الله عليه وآله) على ركبتيه ورفع يديه إلى السماء حتى بان بياض إبطيه وقال: " حاجتي يا رب الساعة الساعة " فما لبثنا أن قرع الباب فقال أنس: من ذا فقال: أنا علي وسمع النبي صوته فقال: " إفتح " ففتحته فلما دخل وكز أنس بيده حتى ظن أنس أنه قد أنفذ يده من ظهره فلما بصر به النبي (صلى الله عليه وآله) وثب قائما وقبل عينيه وقال: " ما الذي أبطأك عني يا قرة عيني " فقال (عليه السلام): " يا رسول الله قد أقبلت ثلاثا ويردني أنس " فصفق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان عليه السلام لا يصفق حتى يغضب وقال: " يا أنس حجبت عني حبيبي " فقال: يا رسول الله إني أحببت أن يكون رجلا من قومي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا أنس أما علمت أن المرء يحب قومه إن عليا يحبني وإن الله يحبه والملائكة تحبه ويحبه الله يا أنس إني وعليا لم نزل نتقلب إلى مطهرات الأرحام حتى نقلنا إلى عبد المطلب فصار علي في صلب أبي طالب وصرت أنا في صلب عبد الله عم علي فصارت في أنا النبوة وفي علي الولاية والوصية، أما علمت يا أنس ان الله عز وجل اشتق لي اسما من أسمائه ولعلي اسما فسماني أحمد لتحمدني أمتي وأما علي فالله العلي سماه عليا يا أنس كما حجبت عني عليا ضربك الله بالوضح " وكان لا يدخل المسجد بعد الدعوة إلا متبرقع الوجه(نقل صاحب البحار (رحمه الله) مصادر حديث الطائر المشوي عن العامة والخاصة، أنظر البحار: 38 / 352 و 355، وانظر مناقب ابن شهرآشوب: 2 / 115).
السادس والثلاثون: علي بن محمد المالكي في كتاب فصول المهمة عن أنس بن مالك (رحمه الله) قال أهدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) طير مشوي يسمى الحجل وفي رواية ما رواه الأخباري فقال: " ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر " فجاء علي فحجبته وقلت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشغول رجاء أن يكون الدعوة لرجل من قومي ثم جاء علي ثانية فحجبته ثم جاء ثالثة فقرع الباب فقال النبي (صلى الله عليه وآله):
" أدخله فقد عينته " فلما دخل قال النبي (صلى الله عليه وآله): " ما حبسك عنا يرحمك الله " قال: " هذه آخر ثلاث مرات وأنس يقول إنك مشغول " فقال: " يا أنس ما حملك على ذلك " قال: سمعت دعوتك فأحببت أن يكون لرجل من قومي فقال (صلى الله عليه وآله): " لا يلام الرجل على حبه لقومه "( نقل صاحب البحار (رحمه الله) مصادر حديث الطائر المشوي عن العامة والخاصة، أنظر البحار: 38 / 352 و 355، وانظر مناقب ابن شهرآشوب: 2 / 115).
الباب الثاني عشر
في خبر الطائر
من طريق الخاصة وفيه ثمانية أحاديث
الأول: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال: حدثنا يوسف بن عدي قال: حدثنا حماد بن المختار الكوفي قال: حدثنا عبد الملك ابن عمير عن أنس بن مالك قال: أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) طائر ووضع بين يديه فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " فجاء علي (عليه السلام) فدق الباب فقلت: من ذا فقال: أنا علي فقلت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) على حاجة حتى فعل ذلك ثلاثا فجاء الرابعة فضرب الباب برجله فدخل فقال النبي (صلى الله عليه وآله):
" ما حبسك " قال: " قد جئت ثلاث مرات " فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " ما حملك على ذلك " قال: قلت كنت أحب أن يكون رجلا من قومي(أمالي الشيخ الطوسي: 253 / مجلس 9 / ح 146، اختصر المصنف في الرواة).
الثاني: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت قال: أخبرنا أحمد بن محمد ابن سعيد إجازة قال: حدثنا علي بن محمد بن حبيبة الكندي قال: حدثنا حسن بن حسين قال: حدثنا أبو غيلان سعد بن طالب الشيباني عن [ أبي ]( زيادة ليست من المصدر) إسحاق عن أبي الطفيل قال كنت في البيت يوم الشورى وسمعت عليا يقول: " أنشدتكم بالله جميعا فيكم أحد صلى القبلتين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " أنشدكم بالله جميعا هل فيكم أحد وحد الله قبلي "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " فأنشدكم بالله جميعا هل فيكم أحد أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة سيدة نساء أهل الجنة "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين ابني رسول الله سيدا شباب أهل الجنة "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقدم بين يدي نجواه صدقة غيري "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " فأنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " فأنشدكم بالله أفيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنت مني بمنزلة هارون من موسى غيري "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أتي النبي بطير فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إلي يأكل معي من هذا الطير فدخلت عليه فقال اللهم وإلي فلم يأكل معه أحد غيري "؟
قالوا: اللهم لا.
قال: " اللهم أشهد "....(انتهى).
4ـ قال صائب عبد الحميد , في كتابه (منهج في الانتماء المذهبي /
سلسلة الرحلة الى الثقلين (45)/ إعداد: مركز الأبحاث العقائدية)
....7- وأحب الخلق إلى الله(ويعني المؤلف بذلك : مولانا امير المؤمنين(ع)):
ومما يشهد لهذا(استدلال المؤلف): حديث (الطائر المشوي) الشهير، كما يرويه أنس بن مالك، وخلاصته، قال: كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم طير أهدي إليه، فقال:
" اللهم إئتني بأحب الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير ".
فجاء علي فرددته، ثم جاء فرددته، فدخل في الثالثة، أو في الرابعة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ما حبسك عني "؟.
قال: والذي بعثك بالحق نبيا إني لأضرب الباب ثلاث مرات ويردني أنس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لم رددته "؟.
قلت: كنت أحب معه رجلا من الأنصار فتبسم النبي (سنن الترمذي 5: 636 / 3721، الخصاص للنسائي: 5، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2:
560 / 945، المستدرك على الصحيحين 3: 130 - 132، وصححه، وقال رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا، ومصابيح السنة 4: 173 / 4770، أسد الغابة 4: 30، البداية والنهاية 7: 363، جامع الأصول 9: 471، وتاريخ دمشق لابن عساكر كما في ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق 2:
106 - 134 من أربع وأربعين طريقا، الرياض النضرة 3: 114 - 115، ذخائر العقبى: 61، وكفاية الطالب: 144 - 156 وأحصى فيه ستة وثمانين رجلا كلهم رووه عن أنس، وقال الخوارزمي في مقتل الإمام الحسين (ص 46): أخرج ابن مردويه هذا الحديث بمائة وعشرين إسنادا. وسيأتي أن الذهبي ألف جزءا فيما اعتمده من طرق هذا الحديث).(انتهى)
5ـ قال الشيخ عبدالله الحسن , في (مناظرات في الامامة ـ المناظرة التاسعة .../ سلسلة كتب المناظرات (1) / إعداد: مركز الأبحاث العقائدية
18)):ـ
... حديث الطائر المشوي هو اشهر من أن يذكر فقد روته جل مصادر العامة، فقد جاء في المستدرك للحاكم ج3 ص130: عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فَقُدِّم لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرخ مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، قال: فقلت: اللهم اجعله رجلاً من الانصار، فجاء علي ـ عليه السلام ـ‍ فقلت: إن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على حاجة، ثم جاء، فقلت: ان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ على حاجة فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: افتح فدخل فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: ما حسبك يا علي ؟ فقال: إن هذه آخر ثلاث كرّات يردني أنس، يزعم أنك على حاجة، فقال: ما حملك على ما صنعت ؟ فقلت: يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إن الرجل قد يحب قومه.
وقد روي هذا الحديث في مصادر كثيرة منها:
ابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ من تاريخ دمشق ج2 ص105 ـ 134 ح612 ـ 645، المناقب لابن المغازلي ص156 ـ 175 ح189 ـ 212، صحيح الترمذي ج5 ص595 ح3721، المستدرك للحاكم ج3 ص130، مجمع الزوائد ج9 ص125، عيون أخبار الرضا ـ عليه السلام ـ ج2 ص187 ح2، أمالي الصدوق ص521، الخصال ص551 ح30، وممن أفرد هذا الحديث بالتأليف: الحاكم النيسابوري في كتاب سماه (قصة الطير)، وابن جريرالطبري، والحافظ ابن عقدة، والحافظ ابن مردويه، والحافظ ابو نعيم الاصفهاني، والحافظ ابو عبد الله الذهبي.
6ـ وقد افرد السيد علي الحسيني الميلاني كتابا في حديث الطائر (جزاه الله خيرا) / اعداد: مركز الأبحاث العقائدية ـ سلسلة الندوات العقائدية (13) /
سلسلة الكتب العقائدية (76))
ثانيا:ـ رواة حديث الطائر المشوي
*ـ قال الدكتور جواد جعفر الخليلي في كتابه السقيفة ....( تقديم السيد مرتضى الرضوي / الإرشاد للطباعة والنشر بيروت – لندن/ ط1 )
... حديث الطير، وهذه بعض مصادره:
صحيح الترمذي: 5 / 637، المستدرك على الصحيحين للحاكم: 3 / 130، تلخيص المستدرك: 3 / 130، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 1 / 56، أسد الغابة لابن الأثير: 4 / 30، ذخائر العقبى ص 61، الرياض النضرة: 3 / 103، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 1 / 125 - 126، فتح القدير للشوكاني 4 / 357 - 358 رقم الحديث 5597.
*ـ قال السيد علي الحسيني الميلاني في كتابه (حديث الطير )
..رواة حديث الطير وأسانيده
نبدأ بأسماء الصحابة الذين وصلتنا رواياتهم لهذا الحديث الشريف وهم:
أولاً:
علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويوجد حديثه عند ابن عساكر(ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 2/106 رقم 613 ـ مؤسسة المحمودي ـ دار التعارف ـ بيروت) ، وغيره من كبار المحدّثين، وأشار إليه الحاكم النيسابوري في المستدرك(المستدرك 3/130 ـ 131) .
ثانياً: سعد بن أبي وقّاص، وحديثه يوجد في حلية الاولياء(حلية الاولياء 4 / 356.) لابي نعيم الاصفهاني.
ثالثاً: أبو سعيد الخدري، وحديثه يوجد في تاريخ ابن كثير(البداية والنهاية 7 / 354) ، وغيره، وأشار إليه الحاكم في المستدرك(المستدرك 3/131)
رابعاً: أبو رافع، وحديثه يوجد عند ابن كثير(البداية والنهاية 7 / 354.) .
خامساً: أبو الطفيل، وأخرج حديثه ابن عقدة، والحاكم النيسابوري(أنظر: كفاية الطالب للحافظ الكنجي: 368) ، وغيرهما.
سادساً: جابر بن عبدالله الانصاري، ويوجد حديثه عند ابن عساكر، وابن كثير(ترجمة الامام علي (عليه السلام) لابن عساكر 2/105 رقم 612.) .
سابعاً:حبشي بن جنادة، ويوجد حديثه عند ابن كثير(البداية والنهاية 7 / 354) .
ثامناً: يعلى بن مرّة، ويوجد حديثه عند الخطيب البغدادي، وابن كثير(تاريخ بغداد 11/376 ـ دار الكتب العربي ـ بيروت) .
تاسعاً:عبد الله بن عباس ، وحديثه عند الطبراني(المعجم الكبير 10/343 رقم 10667) .
عاشراً: سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويوجد حديثه عند أبي يعلى الموصلي( وفي ترجمة الامام علي (عليه السلام) لابن عساكر 2/133 رقم 643.) ، وأشار إليه الحاكم النيسابوري( وفي ترجمة الامام علي (عليه السلام) لابن عساكر 2/133 رقم 643.) .
الحادي عشر: عمرو بن العاص، ويوجد حديثه في كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان، روى ذلك الكتاب الخطيب الخوارزمي في كتاب المناقب(المناقب: 200 ـ مؤسسة النشر الاسلامي لجماعة المدرسين ـ قم ـ 1411 هـ) .
الثاني عشر: أنس بن مالك، وهو المشهور برواية هذا الحديث، لانّه صاحب القصّة.
وهذا الحديث الشريف وارد من طرق أصحابنا، عن الائمّة الاطهار (عليهم السلام)، وعن بعض الاصحاب، حتّى أنّ أبا الشيخ الحافظ الاصفهاني روى هذا الحديث عن الامامين الباقر والصادق (عليهما السلام) في كتابه، وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة.
فهؤلاء رواة هذا الحديث من الصحابة.
وأمّا رواته من التابعين، فإنّ التابعين الرواة لهذا الحديث عن أنس بن مالك فقط يبلغون حدود التسعين رجلاً.
ورواه من أئمّة المذاهب:
1 ـ أبو حنيفة.2 ـ أحمد بن حنبل.3 ـ مالك بن أنس.
4 ـ الامام الاوزاعي، ذلك الفقيه الكبير الذي كان يعدّ مذهبه مذهباً مستقلاً من بين المذاهب، إلى أن حصروا المذاهب في الاربعة المشهورة.
ومن رواته جماعة كبيرة من مشايخ البخاري ومسلم.
وكثير من رواته من رجال الصحاح الستّة عند أهل السنّة.
ولنذكر أسماء أشهر مشاهير رواة هذا الحديث من أئمّة الحديث وكبار الحفّاظ في القرون المختلفة:
1 ـ شعبة بن الحجّاج، أمير المؤمنين في الحديث، كما يلقّبونه.
2 ـ الاوزاعي، الامام المعروف.3 ـ مالك بن أنس، إمام المذهب.
4 ـ أبو حنيفة، صاحب المذهب.5 ـ أحمد بن حنبل، صاحب المذهب.
6 ـ أبو عاصم النبيل، شيخ البخاري.7 ـ أحمد بن حنبل.
8 ـ عبد الرزاق الصنعاني، شيخ البخاري.
9 ـ البخاري نفسه، يروي هذا الحديث، لكن لا في صحيحه، بل في تاريخه الكبير، وسنذكر نصّ حديثه فيما بعد.
10 ـ البلاذري، صاحب أنساب الاشراف.
11 ـ أبو حاتم الرازي، الذي هو من أقران البخاري ومسلم.
12 ـ الترمذي، صاحب الصحيح.13 ـ أبو بكر البزّار، صاحب المسند.
14 ـ النسائي، صاحب الصحيح.
15 ـ أبو يعلى الموصلي، صاحب المسند.
16 ـ محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير المعروفين.
17 ـ ابن أبي حاتم، صاحب التفسير، والمحدّث الكبير الذي يعدّونه من الابدال.
18 ـ ابن عبد ربّه، في العقد الفريد.
19 ـ أبو الحسين المحاملي، صاحب الامالي.
20 ـ أبو العباس ابن عُقدة، له كتاب في حديث الطير.
21 ـ المسعودي المؤرخ، صاحب مروج الذهب.
22 ـ أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة.
23 ـ أبو الشيخ الاصفهاني، صاحب كتاب طبقات المحدّثين بإصفهان.
24 ـ ابن السقا الواسطي، هذا الحافظ الكبير من علماء القرن الرابع، سنذكر قصّته في حديث الطير.
25 ـ أبو حفص ابن شاهين، له كتاب في حديث الطير.
26 ـ أبو الحسن الدارقطني، صاحب كتاب العلل.
27 ـ أبو عبدالله الحاكم النيشابوري، صاحب المستدرك، وله كتاب بطرق حديث الطير.
28 ـ أبو بكر ابن مردويه، له كتاب في طرق حديث الطير.
29 ـ أبو نعيم الاصفهاني، صاحب حلية الاولياء وغيره من الكتب، له كتاب في طرق حديث الطير.
30 ـ أبو طاهر ابن حمدان الخراساني، المحدّث الكبير، له كتاب في طرق حديث الطير.
31 ـ أبو بكر البيهقي، صاحب السنن الكبرى.
32 ـ ابن عبد البر، صاحب الاستيعاب.
33 ـ الخطيب البغدادي، صاحب تاريخ بغداد.
34 ـ محي السنّة البغوي، صاحب مصابيح السنّة.
35 ـ رزين العبدري، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة.
36 ـ أبو القاسم ابن عساكر، صاحب تاريخ دمشق.
37 ـ ابن الاثير الجزري، صاحب جامع الاُصول.
38 ـ وأيضاً أخوه ابن الاثير الاخر، صاحب أُسد الغابة.
39 ـ الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح.
40 ـ أبو الحجّاج المزّي، صاحب تهذيب الكمال وكتاب تحفة الاشراف.
41 ـ شمس الدين الذهبي، صاحب المؤلفات المعروفة المشهورة.
42 ـ ابن كثير الدمشقي، صاحب التفسير والتاريخ.
43 ـ أبو بكر الهيثمي، صاحب مجمع الزوائد.
44 ـ شمس الدين ابن الجزري، صاحب المؤلفات.
45 ـ ابن حجر العسقلاني، صاحب المؤلفات، شيخ الاسلام، والفقيه المحدث الرجالي المعروف.
46 ـ جلال الدين السيوطي، أيضاً صاحب المؤلفات المشهورة.
47 ـ ابن حجر المكي، صاحب الصواعق.
48 ـ شاه ولي الله الدهلوي، محدّث الهند.
وكما عرفتم في خلال ذكر أسماء الرواة هؤلاء: إنّ جماعة من الاعلام ومن كبار المحدّثين ألّفوا كتباً خاصة تتعلّق بطرق حديث
الطير، وهؤلاء هم:
1 ـ الطبري، صاحب التفسير والتاريخ. 2 ـ ابن عقدة.
3 ـ الحاكم النيسابوري. 4 ـ ابن مردويه.
5 ـ أبو نعيم. 6 ـ أبو طاهر ابن حمدان.
7 ـ الذهبي نفسه يذكر في كتابه تذكرة الحفّاظ بترجمة الحاكم النيسابوري: أنّ له كتاباً ـ أي الذهبي نفسه ـ في طرق حديث الطير(تذكرة الحفّاظ 3/1042 ـ 1043 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت) .
فهؤلاء رواة هذا الحديث بنحو الاجمال من الصحابة، وأشرنا إلى أنّ عدد التابعين الرواة لهذا الحديث من أنس بن مالك وحده يبلغون حدود التسعين رجلاً، وذكرنا أشهر مشاهير علماء الحديث في القرون المختلفة الرواة لحديث الطير، وذكرنا من ألّف في خصوص حديث الطير كتاباً.
وحديث الطير موجود في عدّة من الصحاح، كصحيح الترمذي، وصحيح النسائي، وصحيح ابن حبّان، وأيضاً موجود في المختارة للضياء المقدسي، وفي المستدرك للحاكم، وفي الجمع بين الصحيحين، وفي الجمع بين الصحاح...(انتهى)
ثالثا ـ دلالات حديث الطائر المشوي
في كتاب الفرقة الناجيه للسيد محمد الشيرازي الموسوي(سلطان الواعظين)عن زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عائشة حيث قالت :
ما خلق الله خلقاً كان أحبّ إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من عليّ بن أبي طالب .
وقد علّق الحافظ الگنجي بعد هذا الحديث قال : هذا حديث حسن رواه ابن جرير في مناقبه وأخرجه ابن عساكر في ترجمته (كفاية الطالب باب 91 ، ومطالب السؤول، ج1، ص73، ط: أم القرى 1420 هـ) .
1ـ قال السيد امير محمد الكاظمي القزويني (في كتابه عقيدة المسلم ج1ص59 ):
..قوله (ص) في حديث الطائر المشوي الذي أهدي إليه ( اللهم اتني بأحب خلقك إلي و إليك يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي فأكل معه ) ..
.. أن الحديث أثبت أن علياً أحب الناس إلى الله و رسوله (ص) و الأحب إليهما أتقى الناس و أتقاهم هو إمامهم بدليل قوله تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .
2ـ قال السيد علي الميلاني (في كتابه حديث الطير...)
.. إنّ حديث الطير يدلّ على إمامة أمير المؤمنين بالقطع واليقين، وذلك، لانّ القضيّة التي تتعلّق بحديث الطير، هذه القضية قد أسفرت عن كون علي (عليه السلام) أحبّ الناس إلى الله وإلى الرسول...
يقول الترمذي في صحيحه(صحيح الترمذي 5 / 595 باب مناقب علي بن أبي طالب.) عن أنس بن مالك: كان عند النبي (صلى الله عليه وسلم) طير فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكل معه».
هذا لفظ الحديث بهذا المقدار في صحيح الترمذي، فلا يذكر فيه دور أنس في القضيّة هذه كما سنقرأ، ولا يذكر مجيء غير علي ورجوعه من باب رسول الله.
وجاء في كتاب مناقب علي لاحمد بن حنبل(فضائل الامام علي (عليه السلام) لابن حنبل: 42 رقم 68، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي.)
ما نصّه: عن سفينة خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي هو أحد رواة هذا الحديث يقول: أهدت امرأة من الانصار إلى رسول الله طيرين بين رغيفين، فقدّمت إليه الطيرين، فقال (صلى الله عليه وسلم): «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك»، ورفع صوته، فقال رسول الله: «من هذا ؟» فقال: علي.
لاحظوا نصّ الحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل، وقارنوا بينه وبين رواية الاخرين(والقول للسيد الميلاني).
ولكم أن تقولوا: لعلّ الاخرين تصرّفوا في لفظ الحديث بإسقاط كلمة «ورفع صوته» فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته»، إنّ معنى «رفع صوته» أنّه عندما كان يدعو كان يدعو بصوت عال، لنفرض أنّ هذا معنى الحديث إلى هنا «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته» لكن الحقيقة إنّ لفظ أحمد محرّف، لانّا سنقرأ في بعض الالفاظ: إنّ عليّاً عندما جاء في المرّة الاُولى فأرجعه أنس ولم يأذن له بالدخول، وفي المرّة الثانية كذلك، في المرّة الثالثة لمّا جاء علي رفع صوته فقال رسول الله: من هذا ؟
فمن هنا يظهر معنى «ورفع صوته» ويتبيّن التحريف، وإلاّ فأيّ علاقة بين قوله: «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإلى رسولك ورفع صوته»، وقوله: فقال رسول الله من هذا ؟ فقال: علي، أي: قال سفينة: الذي خلف الباب هو علي، قال: افتح له، ففتحت، فأكل مع رسول الله من الطيرين حتّى فنيا.
فالتصرف في لفظ الحديث عند أحمد أيضاً واضح تماماً، والتلاعب في هذا اللفظ باد بكلّ وضوح.
أمّا الهيثمي صاحب مجمع الزوائد، فيروي هذا الحديث باللفظ التالي(مجمع الزوائد 9/125 ـ دار الكتب العربي ـ بيروت ـ 1402 هـ.) :
عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقُدّم فرخاً مشويّاً أو فَقدّم فرخاً مشويّاً [ يقتضي أنْ يكون: فقُدّم فرخ مشويّ، أو فقدّم رسول الله فرخاً مشويّاً ] فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ» فجاء علي ودقّ الباب، فقال أنس: من هذا ؟ قال: علي، فقلت ـ أي أنس ـ يقول: النبي على حاجة، وفي بعض الالفاظ: النبي مشغول، أي لا مجال للدخول عليه، والحال أنّ النبيّ كان مازال يدعو: «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك»، قال: النبي على حاجة، فانصرف علي. عاد رسول الله مرّة أُخرى يقول: «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ»، فجاء علي فدقّ الباب دقّاً شديداً، فسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: «يا أنس من هذا ؟» قال: علي، قال: «أدخله»، فدخل فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لقد سألت الله ثلاثاً أنْ يأتيني بأحبّ الخلق إليه وإليّ يأكل معي هذا الفرخ»، فقال علي: وأنا يا رسول الله، لقد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس، فقال رسول الله: «يا أنس، ما حملك على ما صنعت ؟» قال: أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي، فقال رسول الله: «لا يلام الرجل على حبّ قومه».
في هذا الحديث جاء علي مرّتين فردّه أنس قائلاً: رسول الله على حاجة، في المرّة الثالثة دقّ علي الباب دقّاً شديداً.
وفي بعض الالفاظ: رفع صوته فسمع رسول الله صوت علي وقال لانس: «إفتح الباب ليدخل علي»، ثمّ اعترض عليه رسول الله، أي على أنس، واعتذر أنس كما في الخبر: أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي.
لكن الحديث في مسند أبي يعلى كما يلي: حدّثنا قطن بن نسير، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي، حدّثنا عبدالله بن مثنّى، حدّثنا عبدالله بن أنس عن أنس قال: أُهدي لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حجل مشويّ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام»، فقالت عائشة: اللهمّ اجعله أبي، وقالت حفصة: اللهمّ اجعله أبي، قال أنس: فقلت أنا: اللهمّ اجعله سعد بن عبادة، قال أنس: سمعت حركة الباب، فإذا علي، فسلّم، فقلت: إنّ رسول الله على حاجة، فانصرف، ثمّ سمعت حركة الباب فسلّم علي، فسمع رسول الله صوته، أي رفع علي صوته [ أُريد أنْ أؤكّد أنّ لفظ أحمد محرّف ]فسمع رسول الله صوته فقال: «أُنظر من هذا ؟» فخرجت، فإذا علي، فجئت إلى رسول الله فأخبرته، فقال: «ائذن له»، فأذنت له، فدخل، فقال رسول الله: «اللهمّ وإليّ اللهمّ وإليّ».
هذا لفظ أبي يعلى.
ولاحظوا الفوارق بين هذا اللفظ ولفظ الهيثمي، ثمّ لفظ الترمذي، ولفظ أحمد بن حنبل.
أمّا في الخصائص للنسائي(الخصائص للنسائي: 29 رقم 10 ـ مكتبة المعلا ـ الكويت ـ 1406 هـ.) [ الذي نصّ الحافظ الذهبي على أنّ كتاب الخصائص داخل في السنن، راجعوا سير أعلام النبلاء(سير أعلام النبلاء 14/133 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1404 هـ.) وكذا راجعوا مقدمة تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ] فيروي النسائي هذا الحديث بسند صحيح، مضافاً إلى أنّ كتابه داخل في السنن الكبرى للنسائي الذي يقولون بأنّ له شرطاً في هذا الكتاب أشدّ من شرط الشيخين:
عن أنس بن مالك: إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) كان عنده طائر، فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر»، فجاء أبو بكر فردّه، ثمّ جاء عمر فردّه، ثمّ جاء علي فأذن له.
وفي مسند أبي يعلى بنفس السند، ترون مجيء الشيخين ومجيء عثمان أيضاً، قال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير»، فجاء أبو بكر فردّه، ثمّ جاء عمر فردّه، ثمّ جاء عثمان فردّه، ثمّ جاء علي فأذن له(مسند أبي يعلى 7/105
رقم 4052 ـ دار المأمون للتراث ـ دمشق ـ 1406 هـ. ) .
لاحظوا الفوارق بين الالفاظ، وقد تعمّدت التدرج في النقل حتّى تلتفتوا إلى أنّهم إذا أرادوا أن ينقلوا القضيّة الواحدة وهي ليست في صالحهم، كيف يتلاعبون باللفظ، وكيف ينقصون من القصة، وكيف يسقطون تلك النقاط الحساسة التي يحتاج إليها الباحث الحر المنصف في تحقيقه عن سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي فحصه عن القول الحق من بين الاقوال.
أقول:
سند النسائي كما أكّدت سند صحيح، وهو نفس السند في مسند أبي يعلى، لكنّ بعضهم يحاول أن يناقش في سند هذا الحديث الاخير الذي نقلته عن النسائي وأبي يعلى، يحاول أنْ يناقش في هذا السند، ونحن نرحّب بالمناقشة، وأيّ مانع لو كانت المناقشة مناقشة علميّة، على كلّ منصف أن يسلّم، وأيّ مانع لو كانت المناقشة واردة، وحينئذ لرفعنا اليد عن هذا الحديث وتمسّكنا بغيره من الالفاظ، أو تمسّكنا بغير هذا الحديث من الاحاديث، وأيّ مانع ؟ لكن كيف لو كانت المناقشة ظاهرة البطلان، واضحة التعصّب !!
يحاول بعضهم أنْ يناقش في وثاقة أحد رجال هذا السند، وهو السُدي، والسُدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن، ربّما يناقش فيه بعض، لكنّه من رجال مسلم، من رجال الترمذي، من رجال النسائي، من رجال أبي داود، ومن رجال ابن ماجة.
ويقول أحمد بترجمته: ثقة.
ويقول غيره من كبار الرجاليين: ثقة.
حتّى أنّ ابن عدي المتشدّد في الرجال يقول: هو مستقيم الحديث صدوق، بل إنّه من مشايخ شعبة.
وقد ذكرنا أنّ شعبة أمير المؤمنين عندهم، وهو لا يروي إلاّ عن ثقة هكذا يقولون، يقولون شعبة بن الحجّاج لا يروي إلاّ عن ثقة، وممّن يعترف بهذا المعنى أو يدّعي هذا المعنى هو ابن تيميّة، وينقل السبكي كلامه في كتابه شفاء الاسقام(شفاء الاسقام في زيارة خير الانام: 10) .
فإذا كان الرجل من رجال خمسة من الصحاح الستّة، ويوثّقه أحمد، ويوثّقه العجلي، ويوثّقه ابن عدي، ويوثّقه الاخرون من كبار الرجاليين(تهذيب التهذيب 1 / 313) ، فأيّ مناقشة تبقى في السُدي ليطعن الطاعن عن هذا الطريق في هذا الحديث الذي هو في نفس الوقت الذي يدلّ على فضيلة لامير المؤمنين، يدلّ على ما يقابل الفضيلة لمن يقابل أمير المؤمنين ؟
وهناك قرائن داخل الحديث وقرائن في خارج الحديث لا نحتاج إلى ذكرها كلّها، بل نكتفي بالاشارة إلى بعض القرائن الداخليّة وبعض القرائن الخارجيّة فقط.
في بعض ألفاظ هذا الحديث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك»، وهذه الاضافة موجودة في بعض الالفاظ.
وفي بعض الالفاظ: «اللهمّ أدخل عَلَيّ أحبّ خلقك إليّ من الاوّلين والاخرين».
وربّما يدلّ هذا الحديث بهذا اللفظ على أفضليّة أمير المؤمنين من الاوّلين والاخرين، أمّا الاخرون فالامر فيهم سهل. أمّا الاوّلون فإنّه يشمل الانبياء أيضاً، يشمل حتّى أُولي العزم منهم، ويكون هذا الحديث بهذا اللفظ من أدلّتنا على أفضليّة أمير المؤمنين من جميع الانبياء إلاّ النبي والرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي بعض ألفاظ الحديث يقول أنس: فإذا علي ـ أي فتحت الباب فإذا علي ـ فلمّا رأيته حسدته.
وفي بعض ألفاظ الحديث: فلمّا نظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قام قائماً فضمّه إليه وقال: «يا ربّ وإليّ يا رب وإليّ، ما أبطأ بك ياعلي ؟».
وفي لفظ آخر بعد تلك العبارات: «ما أبطأ بك يا علي ؟» قال: يا رسول الله قد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس، قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول الله، وقال: «يا أنس ما حملك على ردّه ؟» قلت: يا رسول الله سمعتك تدعو، فأحببت أن تكون الدعوة في الانصار.
وكأنّ بهذا العذر زال غضب رسول الله !! ذلك الغضب الشديد الذي رآه أنس في وجهه، زال بمجرّد اعتذاره بهذا العذر، حتى أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا اعتذر هذا العذر قال: لست بأوّل رجل أحبّ قومه !!
وإنّي أعتقد أنّ هذا الكلام من رسول الله مفتعل عليه في حديث الطير: «لا يلام الرجل على حبّ قومه» أو «لست بأوّل رجل أحبّ قومه»، أعتقد أنّ هذه إضافة من المحدّثين.
لكنْ لو سألتم بأيّ دليل تعتقد ؟
ليس عندي الان دليل، وإنّما أقول: كيف غضب رسول الله ذلك الغضب ثمّ زال غضبه بمجرّد اعتذار أنس بهذا العذر الواهي ؟ بل يعتذر له رسول الله مرّةً أُخرى، ويبدي له عذراً !! ألم يكن يعلم رسول الله بهذا: لا يلام الرجل على حبّ قومه ؟ فلماذا غضب عليه إذن ؟ بل قاله له رسول الله وكأنّه يلاطفه بعد ذاك الغضب الشديد، كما في هذا الحديث: «لست بأوّل رجل أحبّ قومه، أبى الله يا أنس إلاّ أنْ يكون ابن أبي طالب».
وهذه قرائن داخليّة في الالفاظ، ولو أردت أن أُعيد عليكم الالفاظ بكاملها من أوّلها إلى آخرها لطال بنا المجلس، لكن تلك المقاطع التي نحتاج إليها ـ كقرائن داخليّة تؤيّد ما نريد أنْ نستدلّ به من هذا الحديث ـ هذه القرائن انتخبتها واستخرجتها بهذا الشكل.
مضافاً: إلى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) احتجّ بحديث الطير في يوم الشورى.
ولماذا احتجّ ؟ وعلى من احتجّ ؟
احتجّ على كبار الصحابة الذين انتخبهم عمر، لانْ يستشيروا فيما بينهم، فيتعيّن الخليفة في ذلك المجلس، هؤلاء أعلام القوم وأهل الحلّ والعقد.
إذن، احتجّ علي على هؤلاء، ومن المحتج ؟ علي أمير المؤمنين، وهل يحتج علي بما ليس له أصل ؟ وهل يحتج علي بما هو ضعيف سنداً أو كذب أو موضوع ؟ فالمحتج علي، والمحتج عليه أُولئك الاصحاب المنتخبون من قبل عمر لان يعيَّن من بينهم خليفة عمر، واحتجّ علي في ذلك المجلس بحديث الطير.
وأيضاً: سعد بن أبي وقّاص الذي أمره معاوية بن أبي سفيان بسبّ علي، فأبى سعد من أن يسب، وسأله معاوية عن السبب، فاعتذر
بأنّه سمع من رسول الله خلالاً أو خصالاً لعلي، ومادام يذكر تلك الخصال فلن يسب عليّاً، هذا الحديث الذي قرأناه من قبل، وفيه تحريفات كثيرة كما ذكرت لكم في ذلك المجلس.
في بعض ألفاظ هذا الحديث: إنّ سعداً اعتذر من أنْ يسبّ عليّاً بخصال، فذكر الخصال ومنها حديث الطير، الخصال التي اعتذر بها سعد في هذه الرواية هي: حديث الراية، وحديث الطير، وحديث الغدير، وهذه الرواية موجودة في حلية الاولياء لابي نعيم، ومن شاء فليراجع(حلية الاولياء 4 / 356) .
هذا، والشواهد والقرائن الخارجيّة الدالّة على أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى الله وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دون غيره، تلك القرائن كثيرة لا تحصى، والله يشهد على ما أقول، وأنتم أيضاً تعلمون، فلا نطيل المجلس بذكر تلك الشواهد.
بل في الاحاديث التي بحثنا عنها، والايات التي درسناها فيما سبق، والتي سنذكرها فيما سيأتي، كفاية لان تكون شواهد لهذا الحديث.
وما معنى الاحبيّة إلى الله وإلى الرسول ؟ وأيّ علاقة بين الاحبيّة وبين الامامة والولاية ؟ أي إرتباط بين الامرين ؟
أتتصوّرون أنْ تكون الاحبيّة إلى الله وإلى الرسول، أن يكون الشيء أحب الاشياء إلى الله والرسول، أو يكون شخص الاحب إلى الله وإلى الرسول، أن تكون الاحبيّة اعتباطيّة ليس لها معيار، ليس لها ملاك، ليس لها ضابط، أيمكن هذا ؟ أتتصوّرون هذا ؟ أتحتملون هذا ؟ وأنتم بأنفسكم، كلّ واحد منكم إذا أحبّ شيئاً، وجعله أحبّ الاشياء إلى نفسه، أو أحبّ شخصاً واتّخذه أحبّ الناس إلى نفسه، يُسأل لماذا ؟ ولابدّ وأن يكون له ضابط، قطعاً يكون له سبب، فالاحبيّة ليست أمراً اعتباطيّاً، الانسان لا يحب كلّ صوت، لا يحبّ كلّ صورة، لا يحب كلّ شيء، لابدّ وأن يكون هناك ضوابط للحب فكيف الاحبيّة ؟ أن يكون شيء أحبّ الاشياء إلى الانسان من كلّ الاشياء في العالم، أن يكون شخص أحبّ الاشخاص إلى الانسان من كلّ أفراد الانسان وبني آدم، ويكون هذا بلا حساب وبلا سبب من الاسباب ؟ أيمكن هذا ويعقل ؟
نحن لكوننا أفراداً من البشر وذي عقول، ونحاول أن تكون أعمالنا وتروكنا عن حكمة، عن سبب، عن علّة، لا نذر شيئاً ولا نختار شيئاً إلاّ لعلّة، إلاّ لحساب، إلاّ لسبب، أيعقل أن تقول بأنّي أُحبّ الكتاب الفلاني وهو أحبّ إليّ من بين جميع كتب العالم، فإذا سئلت عن السبب لا يكون عندك سبب، لا يكون عندك جواب معقول.
الله سبحانه وتعالى يجعل فرداً من أفراد البشر، وواحداً من خلائقه أحبّ الخلائق إلى نفسه، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتّخذ أحداً ويجعله أحبّ الخلق إليه، أترى يكون هذا بلا حساب وهل يعقل ؟
وجميع التصرّفات التي صدرت من المحدّثين والمؤلّفين في هذا الحديث، وما سنقرأ أيضاً ممّا يحاولونه أمام الاماميّة في استدلالهم بهذا الحديث، كلّ تلك القضايا أدلة أُخرى وشواهد على أنّ هذا الحديث يدلّ على مقام عظيم لامير المؤمنين، يدلّ على شأن كبير، وإلاّ لما فعلوا، ولما تصرّفوا، ولما ضربوا وكسروا المنبر، ولما أهانوا المحدّث الحافظ الشهير الكبير عندهم، كما سنقرأ.
ثمّ إنّ الاحبيّة إلى الله والرسول لمّا لا تكون اعتباطاً، ولابدّ من سبب، والمفروض أنّ تلك الاحبيّة إلى رسول الله لم تكن لميول نفسانيّة ولم تكن لاغراض شخصيّة، لانّ رسول الله أعلى وأجلّ وأسمى من أن يحب شخصاً ويجعله أحبّ الخلق إليه لمجرّد ميل نفساني، فما هي تلك الضوابط التي أشرنا إليها ؟
نحن لا علم لنا بتلك الضوابط على نحو الدقّة، لا نعلم بها، الامر أدقّ من هذا، أدقّ من أن تتوصّل إليه عقولنا وأفهامنا، الامر أدقّ من أن نفهم أنّ النبيّ أيّ معيار كان عنده لانْ يتّخذ أحداً أحبّ الخلق إليه، نحن لسنا في ذلك المستوى لانْ نعرف ذلك المعيار، لانْ نعرف ملكات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى نتمكّن من تعيين من هو أحبّ، اللهمّ إلاّ عن طريق تلك الاحاديث الواردة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن طريق الاحاديث المتواترة القطعيّة، عن طريق الاحاديث المتفق عليها بين الطرفين.
فأحبيّة شخص إلى رسول الله لا يمكن أن تكون لميل نفساني ولشهوة خاصّة، ولغرض شخصي عند رسول الله، فيجعل أحداً أحبّ الخلق إليه ولا يجعل الاخر والاخرين، بل هناك ضوابط، وهي التي تقرّب إليه أبعد الناس وتبعّد عنه أقرب الناس، تلك الضوابط لابدّ وأن تكون هكذا، وإلاّ فليس بنبي مرسل من قبل الله سبحانه وتعالى، يفعل ويترك وما يفعل وما يترك إلاّ عن وحي من الله سبحانه وتعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)( سورة النجم: 3 ـ 4) .
فإذا كانت الاحبيّة بملاك، بسبب، وبحساب، تلك الاحبيّة تنتهي إلى الاقربيّة المعنويّة، تنتهي إلى الافضليّة، تنتهي إلى وجود ما يقتضي أن يكون ذلك الشخص الاحب إلى رسول الله، أن يكون مقدّماً على غيره في جميع شؤون الحياة.
وإليكم عبارة الحافظ النووي في شرح صحيح مسلم، وهذا حافظ كبير من حفّاظهم، وكتابه في شرح صحيح مسلم ومن أشهر كتبهم وأكثرها اعتباراً وشهرة، يقول في معنى محبّة الله تعالى لعبده ـ والمراد من هذه الكلمة في النصوص الاسلاميّة كتاباً وسنّةً ـ
فيشرح قائلاً:
محبّة الله سبحانه وتعالى لعبده تمكينه من طاعته، وعصمته، وتوفيقه، وتيسير ألطافه وهدايته، وإفاضة رحمته عليه، هذه مباديها، وأمّا غايتها فكشف الحجب عن قلبه، حتّى يراه [ أي يرى الله تعالى ] ببصيرته فيكون [ هذا الشخص المحبوب لله سبحانه وتعالى ] كما قال في الحديث الصحيح: فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره(المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 15/151) .
هذه عبارته، وما ألطفها من عبارة.
فهل من شك حينئذ في استلزام الاحبية للامامة ؟ إنّ من كان محبوباً لله تعالى يكون له هذه المنزلة، فكيف من كان أحب الخلق إليه، عبارة النووي كانت في محبّة الله لاحد، أمّا كون هذا الشخص وحده هو الاحبّ من كلّ الخلائق إلى الله سبحانه وتعالى فحدّث ولا حرج، هذا الذي قلت بأنّ أفهامنا تقصر عن درك مثل هذه القضايا، إلاّ أنّنا نتكلّم بقدر ما نفهم.
إذن، لا شكّ ولا ريب في استلزام الاحبيّة للامامة والخلافة والولاية.
هذا على ضوء الحديث الذي قرأناه برواته وأسانيده وألفاظه، وبعض العبارات المتعلّقة بالمطلب ذكرتها لكم.
فتمّ البحث إلى الان عن دلالة حديث الطير على الامامة واستلزام الاحبيّة للافضليّة.
ملاك الاحبية على صعيد الواقع التاريخي
وأمّا على صعيد الواقع التاريخي، أذكر لكم شاهدين فقط على صعيد الواقع التاريخي، حتّى تعرفوا أنّ استدلالنا بحديث الطير على إمامة أمير المؤمنين لا مجال لايّ خدشة فيه من أيّ أحد من الاوّلين والاخرين.
الشاهد الاوّل:
إنّهم يروون عن عمر بن الخطّاب أنّه قيل له لمّا طعن: لو استخلفت، فقال: لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته.
يقول: لو كان أبو عبيدة الجرّاح حيّاً لاستخلفته، لا أُريد أنْ أخرج عن موضوع البحث، وإلاّ فعندي تعليق هنا، يقول: لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته.
فإنْ سأله الله: لماذا وبأيّ ملاك استخلفت أبا عبيدة ؟
يقول: وقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك يقول: أبو عبيدة
أمين هذه الاُمّة.
ولي تعليق على هذا الحديث أتركه إلى وقت آخر.
ويقول عمر أيضاً: ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته.
وعندي تعليق هنا، أتركه لوقته.
يقول: فقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبّ لله.
يقول عمر بن الخطّاب: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لاستخلفته، هذا الشخص المولى، ولاعتذرت إلى الله بأنّي سمعت نبيّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبّ لله.
إذن، أصبح الحب ملاكاً ومعياراً للخلافة، وهو مولى، وقد أجمعوا على أنّ الامام يجب أن يكون من قريش، لكنْ لماذا كان سالم مولى أبي حذيفة بهذه المثابة في نظر عمر بن الخطّاب ؟ نتركه لوقته. هذا هو الشاهد الاوّل.
هذا الشاهد موجود في تاريخ الطبري(تاريخ الطبري 2/580 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1408 هـ) ، وفي تاريخ ابن الاثير الكامل(الكامل في التاريخ 3/65 ـ دار صادر ـ بيروت ـ 1399 هـ) ، فراجعوا.
الشاهد الثاني:
والاهم من هذا هو الشاهد الثاني، تجدونه في صحيح البخاري في قضيّة السقيفة نفسها، في بيعة أبي بكر بالذات، يقول الراوي والعبارة هكذا:
اجتمعت الانصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الاُمراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيّرنا وأحبّنا إلى رسول الله، فبايعه عمر وبايعه الناس(صحيح البخاري 5 / 7 ـ 8) .
فأصبحت الاحبية إلى رسول الله هي الملاك على صعيد الواقع، دعنا عن البحث الصغروي فله مجال آخر، نستدلّ الان بهذا الحديث على ما هو في صحيح البخاري صدقاً أو كذباً، حجة عليهم ونحن نلزمهم بهذه الحجة، عمر بن الخطّاب يدّعي لابي بكر إنّه كان أحبّ الخلق إلى النبي، ولذا ـ أمام الانصار وغيرهم ـ نادى بأنّ أبا بكر هو المتعيَّن للخلافة، بأيّ دليل ؟ لانّه أحبّ الخلق إلى رسول الله.
لكن حديثنا حديث متواتر قطعي الصدور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مقبول بين الطرفين، وقد ذكرت لكم رواة هذا الحديث، وذكرت لكم كيفيّة الاستدلال به، وفقه هذا الحديث.
الحسد لامير المؤمنين (عليه السلام)
ومن فوائد حديث الطير أنّه كان هناك بين أصحاب رسول الله حتّى المقرّبين منهم، من كان في قلبه حسد بالنسبة لامير المؤمنين (عليه السلام)، وأنس بن مالك خادم رسول الله يكذب، لا مرّةً ولا مرّتين، يكذب مرّات لاجل الحسد الذي في قلبه على علي أمير المؤمنين، لكن أنساً كشف عن واقع حاله أكثر فأكثر، عندما ناشده أمير المؤمنين (عليه السلام) بحديث الغدير فأبى أن يشهد، وكتم الشهادة، وكتمان الشهادة ذنب كبير من كبائر المعاصي، حتّى أنّ أمير المؤمنين دعا عليه، وابتلي بالبرص.
إنّه لابدّ أنْ نعرف حقائق الاشخاص من خلال السنّة النبويّة، قبل أن نقرأ تراجمهم وأحوالهم في كتب التراجم، ففي السنّة وفي الاحاديث الواردة في المصادر المعتبرة ما يستكشف به حقائق حالات الاشخاص أكثر بكثير، وهذا ممّا لا يخفى على المتضلّعين بمثل هذه البحوث.
الجهة الثالثة
محاولات القوم في ردّ حديث الطير
فننتقل الان إلى محاولات القوم في ردّ هذا الحديث وإبطاله، وفي المنع عن نقله وانتشاره وما صنعوا.
تتلخّص محاولاتهم في وجوه:
الاول: المناقشة في سند الحديث
فإذا راجعتم كتاب العلل المتناهية في الاحاديث الواهية لابي الفرج ابن الجوزي، تجدونه يذكر هذا الحديث بسند أو ببعض أسانيده ويضعّفه ويسكت عن بعض الاسانيد الاُخرى(العلل المتناهية 1/228 من رقم 360 ـ 377.) .
لكن ابن الجوزي أبا الفرج الحنبلي المتوفى سنة 597 هـ
معروف بالتسرّع بالحكم، لا بالتضعيف فقط بل حتّى الحكم بالوضع، ولربّما ضعّف أو كذّب في كتبه أحاديث موجودة في الصحاح، وهذا ما دعا كبار المحدّثين من المحققين من أهل السنّة إلى التحذير من الاعتماد على حكم ابن الجوزي، في أي حديث من الاحاديث، وأنّه لابدّ من التثبّت.
والعجيب أنّهم ربّما ينسبون إلى ابن الجوزي أنّه أدرج حديث الطير في كتاب الموضوعات، راجعوا كتاب المرقاة في شرح المشكاة للقاري(مرقاة المفاتيح 10/465 رقم 6094 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1414 هـ) وبعض الكتب الاُخرى، ينسب إلى ابن الجوزي أنّه حكم على هذا الحديث بالوضع وأدرجه في كتاب الموضوعات.
والحال أنّه غير موجود في كتاب الموضوعات، نعم، موجود في كتاب العلل المتناهية، لكنّه ببعض أسناده، وإنّما يتكلّم على بعض رجال هذا الحديث في بعض الاسانيد ـ ونحن لا ندّعي أنّ كلّ أسانيده صحيحة ـ ويسكت عن البعض الاخر.
ويأتي من بعده ابن كثير، فيذكر في تاريخه(البداية والنهاية المجلد الرابع الجزء السابع: 350 ـ دارالفكر ـ بيروت) حديث الطير، ويرويه عن عدّة من الائمّة الاعلام، يرويه عن الترمذي، وعن أبي يعلى، وعن الحاكم، وعن الخطيب البغدادي، وعن ابن عساكر، وعن الذهبي، وعن غيرهم، إلى أنْ قال:
وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة منهم: أبو بكر ابن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبدالله الذهبي يقول: ورأيت مجلداً في جمع طرقه وألفاظه لابي جعفر ابن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ، ثمّ وقفت على مجلّد كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلانيّ المتكلّم.
ثمّ يذكر ابن كثير رأيه في هذا الحديث قائلاً: وبالجملة، ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه.
أقول:
فدليل ابن كثير على ضعف هذا الحديث أنّ قلبه لا يساعد، قلب ابن كثير لا يساعد على قبول هذا الحديث، كما أنّ قلب أبي جهل لم يساعد على قبول القرآن والاسلام، فليكنْ، وأيّ مانع ؟ قلبه لا يساعد، لا يقول: إنّه موضوع، لا يقول: إنّه حديث مكذوب، لا يقول: في سنده كذا وكذا، لا يقول: الراوي ضعيف لقول فلان، لنصّ فلان على ضعفه، وأمثال ذلك، فإنّها مناقشات علميّة تسمع، إنّها مناقشات علميّة قابلة للبحث، قابلة للنظر، وأيّ مانع ! يقول: وبالجملة، ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه.
الرجوع إلى القلب من جملة أساليبهم في ردّ بعض الاحاديث، أذكر لكم شاهداً واحداً فقط، وإلاّ لطال بنا المجلس.
عندما يريدون أنْ يردّوا حديثاً وقد أعيتهم السبل، فلم يمكنهم المناقشة في سنده بشكل من الاشكال، يلجأون إلى القَسَم أحياناً، كقولهم: والله إنّه موضوع، وأيّ دليل أقوى من هذا ؟! أوْ يلتجئون إلى قلوبهم: والقلب يشهد بأنّ هذا الحديث موضوع، أذكر لكم شاهداً واحداً فقط.
في مستدرك الحاكم حديث عن علي (عليه السلام): أخبرني رسول الله: «إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين»، قلت: يا رسول الله فمحبّونا ؟ قال: «من ورائكم». يقول الحاكم: صحيح الاسناد ولم يخرجاه(مستدرك الحاكم 3/151 وذيل الصفحة) .
هذا حديث الحاكم، وما ذنبنا إنْ كان الحاكم كاذباً بنقل هذا الحديث وفي حكمه بصحّته، نحن المحبّون لاهل البيت ندخل الجنّة وراء أهل البيت، هم يدخلون ونحن وراءهم، لانّنا نحبّ أهل البيت، وهذا لا يمكن لاحد إنكاره.
فيقول الذهبي في تلخيصه للمستدرك في ذيل هذا الحديث: الحديث منكر من القول يشهد القلب بوضعه(مستدرك الحاكم 3/151 وذيل الصفحة) .
ليته ناقش في سند الحديث، بضعف راو من رواته، يشهد القلب بوضعه !! ولماذا يشهد قلب الذهبي بوضع هذا الحديث ؟ الحديث يقول: إنّ أوّل من يدخل الجنّة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن ومحبّوهم من وراءهم، أيّ مانع من هذا ؟ وأيّ ضير على الذهبي حتّى يشهد قلبه بأنّ هذا الحديث موضوع ؟ ولماذا ؟ هل حبّ أهل البيت مانع من دخول الجنّة فيكون قلبه يشهد بوضع هذا الحديث ؟ أو يشُك في أنّ رسول الله وعليّاً وفاطمة والحسنين أوّل من يدخل الجنّة ؟ أيشُك في هذا ؟ لماذا قلبه يشهد بوضعه ؟ فتأمّلوا في هذا.
إذن، كانت المحاولة الاُولى، المناقشة في سند الحديث والحكم بضعف الحديث، لكن الحديث في الصحاح كما ذكرنا، وله أسانيد صحيحة، وقسم كبير من أسانيده أنا بنفسي صحّحتها على ضوء كلمات كبار علماء الحديث وأئمّة الجرح والتعديل وهي في خارج الصحاح.
الثاني: تحريف اللفظ
وهذا هو الطريق الثاني لردّ هذا الحديث، قد قرأنا بعض الالفاظ، وعرفتم كيف يكون التحريف.
أمّا أحمد بن حنبل، فقد قرأنا لفظ الحديث من كتاب فضائله أو مناقبه، فلنقرأ لفظ الحديث في مسنده فلاحظوا:
قال: سمعت أنس بن مالك وهو يقول: أُهديت لرسول الله ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائراً، فلمّا كان من الغد أتت به ـ كلمة الخادم تطلق على المرأة والرجل ـ فقال لها (صلى الله عليه وسلم): «ألم أنهك أن ترفعي شيئاً، فإنّ الله عزّوجلّ يأتي برزق كلّ غد».
هذا هو الحديث في مسند أحمد(مسند أحمد 4/52 رقم 12631) .
ولك أن تقول: لعلّ هذا الحديث في قضيّة أُخرى لا علاقة لها بحديث الطير.
لكنْ عندما نراجع ألفاظ الحديث نجد بعض ألفاظه بنفس هذا اللفظ وبنفس السند الذي أتى به أحمد، وفيه ما يتعلّق بعليّ (عليه السلام)وكونه أحبّ الخلق إلى الله إلى آخره، نعم، كنت أتصوّر أنّ هذا الحديث وارد في قضيّة لا علاقة لها بحديث الطير الذي نحن نبحث عنه، هذا تبادر إلى ذهني لاوّل وهلة، لكنّني دقّقت النظر في الاحاديث فوجدت الحديث حديث الطير، إلاّ أنّه جاء به بهذا الشكل، وهل الذي جاء في مسند أحمد من أحمد نفسه أو النسّاخ أو الطابعين لكتابه ؟ الله أعلم.
وأبو الشيخ الاصفهاني الذي ذكرناه مراراً، يروي هذا الحديث وفيه ما يتعلّق بأمير المؤمنين (عليه السلام)، إلاّ أنّ ما يتعلّق بأنس، وكذب أنس، وخيانة أنس، هذا محذوف ومحرّف، لاحظوا:
عن أنس بن مالك قال: أُهدي لرسول الله طير فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير»، فجاء علي فأكل معه، ثمّ هو يقول: فذكر الحديث انتهى(طبقات المحدّثين باصبهان 3 / 454) . وكأنّه يريد أنْ يحفظ الامانة فلا يخون يضع كلمة: فذكر الحديث.
ومن العجيب إسقاط بعضهم كلا الفقرتين، ما يتعلّق بعلي وما يتعلّق بأنس، فأسقط كلتا الفقرتين وجاء فقط بذلك العذر الذي ذكر أنس في آخر القضية:
عن أنس عن النبي قال: «لا يلام الرجل على حبّ قومه».
حينئذ يقول ابن حجر العسقلاني: هذا طرف من حديث الطير(لسان الميزان 5 / 58.) .
الثالث: تأويل الحديث وحمل مدلوله على خلاف ما هو ظاهر فيه
فيحملون أوّلاً لفظ الحديث الذي يقول: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك»، يحملونه على أنّ المراد اللهمّ ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك وإلى رسولك، فحينئذ لا اشكال، لانّ مشايخ القوم أحبّ الخلق إليه أيضاً، فيكون علي أيضاً من أحبّ الخلق إليه. «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك»، أي اللهمّ ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك وإلى رسولك.
راجعوا شروح مصابيح السنّة، راجعوا شروح المشكاة(المرقاة في شرح المشكاة: 212) وكتاب التحفة الاثنا عشرية(التحفة الاثنا عشرية: 212) لوجدتم هذا التأويل موجوداً في كتبهم حول هذا الحديث.
وهل توافقون عليه ؟ وهل هناك مجال لقبول هذاالتأويل بلا أيّ دليل ؟
وقال صاحب التحفة الاثني عشرية: إنّ القضيّة إنّما كانت في وقت كان الشيخان في خارج المدينة المنوّرة، فلذا لم يحضرا فحضر علي.
راجعوا كتاب التحفة الاثنا عشرية(التحفة الاثنا عشرية: 212) ، وهذا الكتاب عندهم من أحسن الكتب في باب الامامة، أو في أبواب العقائد كلّها، وطبع مراراً وتكراراً طبعات مختلفة، وطبعوا خلاصته باللغة العربية مع تعاليق ذلك العدو من أعداء الدين، مراراً وتكراراً في البلاد المختلفة.
أقول:
هل كانت هذه القضية في وقت كان أبو بكر وعمر في خارج المدينة المنوّرة ؟ والله لو كانا في خارج المدينة المنوّرة لما كان عندنا أي كلام، فنحن ما عندنا أي غرض في إثبات شيء أو في نفي شيء، لكنْ ماذا نفعل مع حديث النسائي، مع حديث أبي يعلى: إنّه جاء أبو بكر فردّه، جاء عمر فردّه، وأضاف صاحب المسند فقال: بأنّ عثمان أيضاً جاء وردّه ؟! فهؤلاء كانوا في المدينة المنوّرة، وأيّ ذنب لنا لو كان النسائي وغيره ورواة خبر حضورهم في المدينة كاذبين عليهم ؟!
الرابع: المعارضة
المعارضة لها وجه علمي، نحن نوافق على هذا، لانّ المعارضة هي الاتيان بحديث معتبر ليعارض به حديث معتبر آخر في مدلوله، فتلاحظ بينهما قواعد الجرح والتعديل لتقديم البعض على البعض الاخر، تلك القواعد المقررة في كتب السنّة، فهذا أُسلوب علمي للبحث والمناظرة، وأيُّ مانع من هذا، المعارضة وإلقاء التعارض بين الحديثين، ثمّ دراسة الحديثين بالسند والدلالة وإلى آخره عمل جميل وعلى القاعدة، وله وِجهةٌ علمية، ونحن مستعدون لدراسة ما يذكرونه معارضاً لحديث الطير بلا أيّ تعصّب، لكنْ أيّ شيء ذكروا ليعارضوا به حديث الطير ؟
في كتاب التحفة الاثنا عشرية استند إلى حديث: «إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» في مقابلة حديث الطير.
فوالله لو تمّ هذا الحديث سنداً ودلالة، حتّى لو ثبت اعتباره عندهم واتّفقوا على صحّته، فنحن نغضّ النظر عن انفراد القوم به، وقد قلنا منذ الاوّل أنّ الحديث الذي يريد كلّ طرف من الطرفين أن يستند إليه لابدّ وأن يكون مقبولاً عند الجانبين، نحن نغضّ النظر عن هذه الناحية، وندرس الحديث على ضوء كتبهم وأقوال علمائهم هم فقط، ولو تمّ لوافقنا ولرفعنا اليد عن حديث الطير المقبول بين الطرفين بواسطة حديث: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر».
ولكنْ ماذا نفعل وهم لا يقبلون بحديث الاقتداء بالشيخين، وسنقرأ ما يقولونه حول هذا الحديث بالتفصيل في موضعه إن شاء الله تعالى.
الخامس:
بعد أنْ أعيتهم السبل العلمية في الظاهر وهي: المناقشات في السند أو الدلالة، يلجأون إلى طريقة أُخرى، وماذا نسمّي هذه الطريقة ؟ لا أدري الان، لاقرأ لكم ما وجدته تحت هذا العنوان الذي عنونته أنا، فأنتم سمّوا ما فعلوا بأيّ تسمية تريدون !!
أذكر لكم قضيّة الحافظ ابن السقا الواسطي المتوفى سنة 373 هـ:
يقول الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء(سير أعلام النبلاء 16/351 ـ 352 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1404 هـ) بعد أن يصف ابن السقا بما يلي: الحافظ الامام محدّث واسط، بعد أن يلقّبه بهذه الالقاب ينقل عن الحافظ السلفي يقول:
سألت الحافظ خميساً الجوزي عن ابن السقا ؟ فقال: هو من مزينة مضر ولم يكن سقّاءً بل لقب له، من وجوه الواسطيين وذي الثروة والحفظ، رحل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة وأبي يعلى وفلان وفلان وبارك الله في سنّه وعلمه، واتفق أنّه أملى حديث الطائر فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا عليه فأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته لا يحدّث أحداً من الواسطيين، فلهذا قلّ حديثه عندهم.
أقول:
ولم يذكر الراوي كلّ ما وقع على هذا المحدّث من ضرب وشتم وإهانة وغير ذلك، يكتفي بهذه العبارة: وثبوا عليه فأقاموه عن مجلسه وغسلوا موضعه، كأنّ الموضع الذي كان جالساً فيه تنجّس لاملائه طرق حديث الطير، وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته ولم يخرج.
فماذا تسمّون هذه الطريقة ؟ لا أدري.
هذا ما ذكره الذهبي في ترجمة هذا الرجل في سير أعلام النبلاء، وفي كتاب تذكرة الحفّاظ(تذكرة الحفاظ 3/966 ـ دار احياء التراث العربي ـ بيروت) .
أمّا الحاكم النيسابوري، فقد كان مصرّاً على صحّة حديث الطير، وعلى تصحيح حديث الطير.
يقول في كتابه علوم الحديث(معرفة علوم الحديث: 93 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1397) : حديث الطير من مشهورات الاحاديث، وكان على أصحاب الصحاح أن يخرّجوه في الصحاح.
ويقول: ذاكرت به كثيراً من المحدثين.
ويقول: كتبت فيه كتاباً، أي كتب في جمع طرقه كتاباً.
ثمّ إنّه في المستدرك(مستدرك الحاكم 3/131) يروي هذا الحديث ويقول: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً.
وقد قلت لكم أنّ الرواة عن أنس هم أكثر من ثمانين شخصاً لا ثلاثين شخصاً.
يقول: ثمّ صحّت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة.
واضطرب القوم تجاه تصحيح الحاكم، وإخراج الحاكم هذا الحديث في مستدركه، وإصراره على صحّة هذا الحديث، وأصبحت قضيّة حديث الطير والحاكم قضيّة تذكر في أكثر الكتب المتعلّقة بالحاكم وبحديث الطير، أي حدثت هناك ضجّة من فعل الحاكم هذا، وقام القوم عليه وقامت قيامتهم، ولاجل هذا الحديث رماه بعضهم بالرفض فقال: الحاكم رافضي. لكن الذهبي وابن حجر العسقلاني يقولان: الله يحبّ الانصاف، ما الرجل برافضي. فراجعوا لسان الميزان، وراجعوا سير أعلام النبلاء، وغير هذين الكتابين(سير أعلام النبلاء 17/174، وفيه: قلت: كلاّ ليس هو رافضياً، بل يتشيّع. لسان الميزان 6/251 وفيه: قلت: إنّ الله يحبّ الانصاف، ما الرجل برافضي بل شيعي فقط) .
ثمّ جاء بعضهم وجعل يرمي كتاب المستدرك بأنّ هذا الكتاب ليس فيه ولا حديث واحد على شرط الشيخين.
وحينئذ يقول الذهبي: هذه مكابرة وغلو(سير أعلام النبلاء 17/175) .
ثمّ نسبوا إلى الدارقطني أنّه لمّا بلغه أنّ الحاكم قد أخرج حديث الطير في المستدرك انتقد فعل الحاكم هذا.
لكن الذهبي يقول: إنّ الحاكم إنّما ألّف المستدرك بعد وفاة الدارقطني بمدة(نفس المصدر 17/176) .
وحينئذ، إذا راجعتم كتاب طبقات الشافعية للسبكي(طبقات الشافعية 4/168 ـ 169 ـ دار إحياء الكتب العربية ـ القاهرة ـ 1418 هـ) رأيتموه ينقل عن الذهبي إنّ الحاكم سُئل عن حديث الطير فقال: لا يصحّ ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول الله. ثمّ قال شيخنا: وهذه الحكاية سندها صحيح، فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك. يعني: إذا كان الحاكم يعتقد بأنّ الشيخين أفضل من علي، فلماذا أخرج الحديث في المستدرك ؟ ولماذا صحّحه ؟
حينئذ يقول السبكي: قد جوّزت أنْ يكون زيد في كتابه.
يعني: حديث الطير زيد في كتاب المستدرك !! لاحظوا إلى أي حدٍّ يحاولون إسقاط حديث من الاحاديث، قد جوّزتُ أن يكون زيد في كتابه، أنْ لا يكون من روايات الحاكم.
يقول السبكي: وبحثت عن نسخ قديمة من المستدرك فلم أجد ما ينشرح الصدر بعدمه [ أي وجدت الحديث في كلّ النسخ ]وتذكّرت الدارقطني إنّه يستدرك حديث الطير، فغلب على ظنّي إنّه لم يوضع عليه [ أي إنّ الحديث لم يوضع على الحاكم، ولم يزده أحد في المستدرك ] ثمّ تأمّلت قول من قال: إنّه [ أي الحاكم ]أخرجه من الكتاب، فإنْ ثبت هذا صحّت الحكايات، ويكون خرّجه في الكتاب قبل أن يظهر له بطلانه، ثمّ أخرجه منه لاعتقاده عدم صحّته كما في هذه الحكاية التي صحّح الذهبي سندها، ولكنّه بقي [ أي الحديث ] في بعض النسخ، إمّا لانتشار النسخ بالكتاب، أو لادخال بعض الطاعنين في الشيخين إيّاه [ أي الحديث ] فيه [ أي في المستدرك ] فكلّ هذا جائز، والعلم عند الله تعالى.
هذا نصّ عبارة السبكي.
أقول:
هذه نماذج من محاولات القوم لاسقاط الحديث، ولاثبات أنّ الحاكم لم يروه في مستدركه، وذلك يكشف عن اضطراب القوم أمام تصحيح الحاكم وإخراجه هذا الحديث في كتابه.
وهل اكتفوا بهذا ؟ لا، وهل استفادوا من هذه الاساليب شيئاً ؟ لا.
فما كان عليهم إلاّ أنْ يهجموا على الحاكم داره فيضربوه ويكسروا منبره الذي كان يجلس عليه ويحدّث، ويمنعوه من الخروج من داره.
وهلاّ فعلوا هذا من أوّل يوم، وقبل أن يتعبوا أنفسهم في التحقيق عن كتاب المستدرك باحتمال أنْ يكون هذا الحديث قد أدرجه بعض الطاعنين، فما أحسن هذا الطريق لاثبات الخلافة لاسيادهم !!
وهكذا فعلوا مع غير الحاكم، مع كثير من أئمّتهم !! أما فعلوا مع النسائي في دمشق ؟ أما بقروا بطن الحافظ الكنجي في داخل المسجد لانّه كان يملي فضائل علي ؟ ....(انتهى كلام السيد الميلاني)

الى هنا نتوقف بحول الله وقوته واذنه ومشيئته ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير حلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق