السبت، 22 أغسطس 2015

الامامه


الامامه
بسم الله الرحمن الرحيم
(( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ))
(سورة الأنبياء/ الآية 73)
ان الامامه في مدرسة اهل البيت(عليهم السلام) ، هي اصل من اصول الدين ، وينبغي الاعتقاد بها يقينا لشدة اهميتها في مسير التكامل الالهي ، وفي هذا المبحث ، يتم عرض صوره من صور هذا الاصل المهم ومن الله التوفيق والتسديد.
قال الامام علي الرضا بن الامام موسى الكاظم (عليهما السلام) :

ان الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين .
ان الإمامة اس الاسلام النامي وفرعه السامي .
بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات ، وامضاء الحدود والاحكام , ومنع الثغور والاطراف .
الامام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنه والحجه البالغة(الشيخ علي الرباني عن اصول الكافي ج1 كتاب الحجه)

قال العلامة جار الله الزمخشري في الكشاف :
الإمام اسم من يؤتم به على زنة الإله ، كالإزار لما يؤتزر به ، أي يأتمون بك في دينهم ..

قال الماوردي:
اما بعد ، فان الله جلت قدرته ندب للامه زعيما خلف به النبوة وحاط به المله وفوض اليه السياسة ليصدر التدبير عن دين مشروع وتجتمع الكلمة على رأي متبوع فكانت الإمامة
( الاحكام السلطانية ص3 (مقدمة الكتاب ) ـ للماوردي تصحيح محمد حامد الفقي عن الطبعة المصرية مكتب السلالم 1406هج )

قال الشيخ ناصر مكارم شيرازي ( الامثل في تفسير كتاب الله المنزل ج1ص366) :

الإِمامة ـ بعبارة موجزة ـ هي منزلة القيادة الشاملة لجميع المجالات المادية والمعنوية والجسمية والروحية والظاهرية والباطنية .
الإِمام رئيس الدولة وزعيم المجتمع ومعلم الأخلاق وقائد المحتوى الداخلي للأفراد المؤهلين .
فهو بقوّته المعنوية يقود النفوس المؤهلة على طريق التكامل .
وبقدرته العلمية يعلم الجهلة .
وبقوّة حكومته أو أية قوّة تنفيذية اُخرى يطبق مبادي العدالة


الفرق بين النّبوة والإِمامة والرسالة
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي :

يفهم من الآيات الكريمة والمأثور عن المعصومين ، أن حَمَلة المهمات من قبل الله تعالى لهم منازل مختلفة :

1 ـ منزلة النّبوة : أي إستلام الوحي من الله ، فالنبي هو الذي ينزل عليه الوحي، وما يستلمه من الوحي يعطيه للنّاس إن طلبوا منه ذلك .
2 ـ منزلة الرسالة: وهي منزلة إبلاغ الوحي ، ونشر أحكام الله , وتربية الأفراد عن طريق التعليم والتوعية .
فالرّسول إذن هو المكلف بالسعي في دائرة مهمته لدعوة النّاس إلى الله وتبليغ رسالته ، وبذل الجهد لتغيير فكري عقائدي في مجتمعه .
3 ـ منزلة الإِمامة: وهي منزلة قيادة البشرية ، فالإِمام يسعى إلى تطبيق أحكام الله عملياً عن طريق إقامة حكومة إلهية وإستلام مقاليد الأمور اللازمة . وإن لم يستطع إقامة الدولة يسعى قدر طاقته في تنفيذ الأحكام .
بعبارة اُخرى ، مهمة الإِمام تنفيذ الأوامر الإِلهية ، بينما تقتصر مهمة الرّسول على تبليغ هذه الأوامر . وبتعبير آخر أيضاً، مهمة الرّسول ، إراءة الطريق ، ومهمة الإِمام «الإِيصال إلى المطلوب» (إضافة إلى المهام الثقيلة الاُخرى المذكورة).
من نافلة القول أن كثيراً من الأنبياء كنبيّ الإِسلام عليه أفضل الصلاة والسلام حازوا على المنازل الثلاث، كانوا يستلمون الوحي، ويبلغون أوامر الله، ويسعون إلى أقامة الحكومة وتنفيذ الأحكام، وينهضون ـ بما لهم من تأثير روحي ـ بمهمة تربية النفوس(انتهى).

وقال سيد محمد حسين الطباطبائي(تفسير الميزان ج1ص154)

..الإمام هو الذي يقتدي و يأتم به الناس ، و لذلك ذكر عدة من المفسرين أن المراد به النبوة ، لأن النبي يقتدي به أمته في دينهم ، قال تعالى (( و ما أرسلنا من رسول ، إلا ليطاع بإذن الله ))(سورة النساء الآية 63) لكنه في غاية السقوط .

أما : أولا ـ

فلأن قوله: إماما ، مفعول ثان لعامله الذي هو قوله : جاعلك و اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى الماضي ، و إنما يعمل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال فقوله ، إني جاعلك للناس إماما ، وعد له (عليه السلام) بالإمامة في ما سيأتي ، مع أنه وحي لا يكون إلا مع نبوة، فقد كان (عليه السلام) نبيا قبل تقلده الإمامة ، فليست الإمامة في الآية بمعنى النبوة ذكره بعض المفسرين .

و أما : ثانيا ـ

.. أن قصة الإمامة ، إنما كانت في أواخر عهد إبراهيم (عليه السلام) بعد مجيء البشارة له بإسحق و إسماعيل ، و إنما جاءت الملائكة بالبشارة في مسيرهم إلى قوم لوط و إهلاكهم ، و قد كان إبراهيم حينئذ نبيا مرسلا، فقد كان نبيا قبل أن يكون إماما فإمامته غير نبوته .
و منشأ هذا التفسير وما يشابهه الابتذال الطارئ على معاني الألفاظ الواقعة في القرآن الشريف في أنظار الناس من تكرر الاستعمال بمرور الزمن و من جملة تلك الألفاظ لفظ الإمامة ، ففسره قوم: بالنبوة و التقدم و المطاعية مطلقا ، و فسره آخرون بمعنى الخلافة أو الوصاية ، أو الرئاسة في أمور الدين و الدنيا - و كل ذلك لم يكن - فإن النبوة معناها:
تحمل النبإ من جانب الله و الرسالة معناها تحمل التبليغ ، و المطاعية و الإطاعة قبول الإنسان ما يراه أو يأمره غيره و هو من لوازم النبوة و الرسالة ، و الخلافة نحو من النيابة ، و كذلك و الوصاية ، و الرئاسة نحو من المطاعية و هو مصدرية الحكم في الاجتماع و كل هذه المعاني غير معنى الإمامة التي هي كون الإنسان بحيث يقتدي به غيره بأن يطبق أفعاله و أقواله على أفعاله و أقواله بنحو التبعية ، و لا معنى لأن يقال لنبي من الأنبياء مفترض الطاعة إني جاعلك للناس نبيا ، أو مطاعا فيما تبلغه بنبوتك، أو رئيسا تأمر و تنهى في الدين ، أو وصيا ، أو خليفة في الأرض تقضي بين الناس في مرافعاتهم بحكم الله .
و ليست الإمامة تخالف الكلمات السابقة و تختص بموردها بمجرد العناية اللفظية فقط ، إذ لا يصح أن يقال لنبي - من لوازم نبوته كونه مطاعا بعد نبوته - إني جاعلك مطاعا للناس بعد ما جعلتك كذلك ، و لا يصح أن يقال له ما يئول إليه معناه و إن اختلف بمجرد عناية لفظية ، فإن المحذور هو المحذور، و هذه المواهب الإلهية ليست مقصورة على مجرد المفاهيم اللفظية ، بل دونها حقائق من المعارف الحقيقية، فلمعنى الإمامة حقيقة وراء هذه الحقائق .
والذي نجده في كلامه تعالى: أنه كلما تعرض لمعنى الإمامة تعرض معها للهداية تعرض التفسير، قال تعالى في قصص إبراهيم (عليه السلام): (( و وهبنا له إسحاق و يعقوب نافلة و كلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ))(سورة الأنبياء / الآية 73) ، و قال سبحانه: (( و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون ))(سورة السجدة / الآية 24) ، فوصفها بالهداية وصف تعريف ، ثم قيدها بالأمر، فبين أن الإمامة ليست مطلق الهداية ، بل هي الهداية التي تقع بأمر الله ، و هذا الأمر هو الذي بين حقيقته في قوله : (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء))( سورة يس / الآية 83) , و قوله : (( و ما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ))( سورة القمر/ الآية 50 )، و.. في الآيتين أن الأمر الإلهي و هو الذي تسميه الآية المذكورة بالملكوت وجه آخر للخلق ، يواجهون به الله سبحانه ، طاهر مطهر من قيود الزمان و المكان خال من التغير و التبدل و هو المراد بكلمة - كن - الذي ليس إلا وجود الشيء العيني ، و هو قبال الخلق الذي هو وجه آخر من وجهي الأشياء ، فيه التغير و التدريج و الانطباق على قوانين الحركة و الزمان..
و بالجملة فالإمام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه ، فالإمامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم ، و هدايتها إيصالها إياهم إلى المطلوب بأمر الله دون مجرد إراءة الطريق الذي هو شأن النبي و الرسول و كل مؤمن يهدي إلى الله سبحانه بالنصح و الموعظة الحسنة ، قال تعالى: (( و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء" و يهدي من يشاء ))(سورة إبراهيم / الآية 4) ، و قال تعالى: في مؤمن آل فرعون، (( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ))( سورة غافر / الآية 38 ) ، قال تعالى : (( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ))( سورة التوبة / الآية 122 )، و سيتضح لك هذا المعنى مزيد اتضاح .
ثم إنه تعالى بين سبب موهبة الإمامة بقوله: (( لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون)) الآية" فبين أن الملاك في ذلك صبرهم في جنب الله - و قد أطلق الصبر - فهو في كل ما يبتلي و يمتحن به عبد في عبوديته، و كونهم قبل ذلك موقنين ، و قد ذكر في جملة قصص إبراهيم (عليه السلام) قوله: (( و كذلك نري إبراهيم ملكوت السموات و الأرض و ليكون من الموقنين ))( سورة الأنعام / الآية 75 )، و الآية كما ترى تعطي بظاهرها: أن إراءة الملكوت لإبراهيم كانت مقدمة لإفاضة اليقين عليه ، و يتبين به أن اليقين لا ينفك عن مشاهدة الملكوت كما هو ظاهر قوله تعالى: (( كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم))(سورة التكاثر/ الآية 6 )و قوله تعالى(( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))(سورة المطففين/الآية 14 ) , (( كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ))(سورة المطففين/ الآية 15) - إلى أن قال - ((كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ))(سورة المطففين/ الآية 18)، ((َمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ))( الآية 19 )(( كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ))(الآية 20) , ((يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ))(سورة المطففين/ الآية 21) وهذه الآيات تدل على أن المقربين هم الذين لا يحجبون عن ربهم بحجاب قلبي و هو المعصية و الجهل و الريب و الشك، فهم أهل اليقين بالله ، و هم يشهدون عليين كما يشهدون الجحيم .
و بالجملة فالإمام يجب أن يكون إنسانا ذا يقين مكشوفا له عالم الملكوت - متحققا بكلمات من الله سبحانه - و قد مر أن الملكوت هو الأمر الذي هو الوجه الباطن من وجهي هذا العالم، فقوله تعالى: يهدون بأمرنا، يدل دلالة واضحة على أن كل ما يتعلق به أمر الهداية - و هو القلوب و الأعمال - فالإمام باطنه و حقيقته ، و وجهه الأمري حاضر عنده غير غائب عنه ، و من المعلوم أن القلوب و الأعمال كسائر الأشياء في كونها ذات وجهين ، فالإمام يحضر عنده و يلحق به أعمال العباد ، خيرها و شرها ، و هو المهيمن على السبيلين جميعا ، سبيل السعادة و سبيل الشقاوة .
و قال تعالى أيضا: (( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم))(سورة الإسراء / الآية 71 ) و.. تفسيره بالإمام الحق دون كتاب الأعمال ، على ما يظن من ظاهرها ، فالإمام هو الذي يسوق الناس إلى الله سبحانه يوم تبلى السرائر، كما أنه يسوقهم إليه في ظاهر هذه الحياة الدنيا و باطنها، و الآية مع ذلك تفيد أن الإمام لا يخلو عنه زمان من الأزمنة، و عصر من الأعصار، لمكان قوله تعالى: كل أناس...
ثم إن هذا المعنى أعني الإمامة ، على شرافته و عظمته ، لا يقوم إلا بمن كان سعيد الذات بنفسه ، إذ الذي ربما تلبس ذاته بالظلم و الشقاء ، فإنما سعادته بهداية من غيره ، و قد قال الله تعالى: (( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى ))(سورة يونس / الآية 35 ).
و قد قوبل في الآية بين الهادي إلى الحق و بين غير المهتدي إلا بغيره ، أعني المهتدي بغيره ، و هذه المقابلة تقتضي أن يكون الهادي إلى الحق مهتديا بنفسه ، و أن المهتدي بغيره لا يكون هاديا إلى الحق البتة.
و يستنتج من هنا أمران:ـ
أحدهما: أن الإمام يجب أن يكون معصوما عن الضلال و المعصية ، و إلا كان غير مهتد بنفسه ، كما مر كما ، يدل عليه أيضا قوله تعالى: (( و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلوة ، و إيتاء الزكوة و كانوا لنا عابدين))(سورة الأنبياء / الآية 73 ) فأفعال الإمام خيرات يهتدي إليها لا بهداية من غيره بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهي ، و تسديد رباني و الدليل عليه قوله تعالى: ((فعل الخيرات)) بناء على أن المصدر المضاف يدل على الوقوع ، ففرق بين مثل قولنا: و أوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات فلا يدل على التحقق و الوقوع ، بخلاف قوله (( و أوحينا إليهم فعل الخيرات)) فهو يدل على أن ما فعلوه من الخيرات إنما هو بوحي باطني و تأييد سماوي .
الثاني: عكس الأمر الأول و هو أن من ليس بمعصوم فلا يكون إماما هاديا إلى الحق البتة.
و بهذا البيان يظهر: أن المراد بالظالمين في قوله تعالى، (( قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)) مطلق من صدر عنه ظلم ما ، من شرك أو معصية، و إن كان منه في برهة من عمره، ثم تاب و صلح .
و قد سئل بعض أساتيذنا رحمة الله عليه: عن تقريب دلالة على عصمة الإمام .
فأجاب: أن الناس بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام: من كان ظالما في جميع عمره، و من لم يكن ظالما في جميع عمره ، و من هو ظالم في أول عمره دون آخره ، و من هو بالعكس هذا.
و إبراهيم (عليه السلام) أجل شأنا من أن يسأل الإمامة للقسم الأول و الرابع من ذريته، فبقي قسمان و قد نفى الله أحدهما ، و هو الذي يكون ظالما في أول عمره دون آخره ، فبقي الآخر، و هو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره انتهى و قد ظهر مما تقدم من البيان أمور:
الأول: إن الإمامة لمجعولة .
الثاني: أن الإمام يجب أن يكون معصوما بعصمة إلهية .
الثالث: أن الأرض و فيه الناس ، لا تخلو عن إمام حق .
الرابع: أن الإمام يجب أن يكون مؤيدا من عند الله تعالى .
الخامس: أن أعمال العباد غير محجوبة عن علم الإمام .
السادس: أنه يجب أن يكون عالما بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور معاشهم و معادهم .
السابع: أنه يستحيل أن يوجد فيهم من يفوقه في فضائل النفس .

فهذه سبع مسائل هي أمهات مسائل الإمامة: تعطيها الآية الشريفة بما ينضم إليها من الآيات و الله الهادي(انتهى)
وقال السيد محمد حسين الحسيني (معرفة الامام ج1ص217 دار المحجة البيضاء مجلد1 ) في هذه المسائل المستدله من القرآن ما يلي .
 المسألة الاولى : انّ الإمامة ليست قابلة للاختيار و الانتخاب ، بل هي مجعولة بجعلٍ الهيّ يُعلن للناس من قبل النبّي او الإمام السابق ، او باتّضاح الإمام نفسه للناس بواسطة النصوص و المعجزات ، لأنّه
أولاً ـ و كما قلنا ـ فانّ الله سبحانه و تعالى يعرّف هذا المنصب في القرءان الكريم بعنوان (الجعل و التنصيب الالهيّ) ، حيث ورد :
قَالَ إِنّى جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَامًا (سورة البقرة / الآية 124) .
و يقول أيضاً : (( وَ جَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا ...)(سورة السجده / الآية 24) .
و يقول أيضاً (( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ...))(سورة الأنبياء / الآية 73 ) .
و في جميع هذه الآيات التي ذكرت منصب الإمامة ، فإنها أوردت عنوان الجعل الالهيّ .
ثانياً : انّ الإمامة قوّة الهيّة في نفس الإمام يحصل بواسطتها على الاطّلاع على ملكوت و نفوس الأشياء و يسيطر عليها ، كما هو مستفاد من جملة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ، فمن كانت فيه هذه القوّة كان هو الإمام ، و من خلا منها لم يكن إماماً .
و لا دخل للاختيار و الانتخاب في هذا الأمر ، ليس لجهة قولنا انّ الناس باعتبار جهلهم بالملكوت و بمقام العصمة لا يمكنهم معرفة الامام ، ولذا فانّ انتخابهم و اختيارهم ليس صحيحاً ، بل اننا لو فرضنا انّ جميع الناس صار لهم اطّلاع على ملكوت الأشياء و روحها ، و انّ الله قد أعطاهم نوراً يمكنهم به تشخيص مقام العصمة ، فانّ الإمامة ـ مع ذلك ـ لن تكون قابلة للانتخاب ، لأنها ـ و كما قلنا سابقاً ـ ملكة الهيّة و قوّة قدسيّة موجودة في نفس الإمام ، و ليس هناك من معنى للقول بأنّ الانسان ينتخب موجوداً خارجياً ، فالموجود الخارجي موجود و لا يحتاج الى انتخاب الانسان ليوجد . أمن الصحيح أن نقول للعالِم الذي صارت لديه مَلَكة استنباط الأحكام : انّنا ننتخب اجتهادك ؟ أو نقول للبطل الفائز في المسابقات والذي وصلت القدرة في بدنه الى الفعليّة : انّنا ننتخب قوّتك ؟ أو نقول لحافظ القرءان الكريم : انّنا ننتخب حفظك ؟! كلّا بالطبع ، فهذا الكلام ليس صحيحاً أبداً .
انّ الانتخاب يحصل في الأمور الاعتباريّة التي دورانها بيد الاعتبار والانتخاب ، و التي توجد بواسطة الانتخاب و تفنى بعدمه . امّا في الأمور التكوينيّة و الواقعيّة التي وجدت قبل مرحلة الانتخاب و امتلكت وجودها ، فانّ الانتخاب ليس له مجال فيها أبداً .
المسألة الثانية : انّ الإمام يجب حتماً ان يكون معصوماً بعصمة الباري جلّ و عزّ ، و قد استنتجنا بعض الاستنتاجات في هذا الباب من ءايات : لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظّلِمِينَ . و جملة : يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا و جملة : وَأَوْحَيْنَا إلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيرَاتِ ؛ و أصبح معلوماً أنّ الإمام حينما عبر جميع مراحل النفس و تحقّق بوجود حضرة الحقّ ، و تحكّمت في وجوده إرادة و مشيئة الحقّ دون تدخّل النفس الأمّارة ، و صار فعله نفس وحي الله ، لذا فانّ ذلك الإمام معصوم و منزّه عن كلّ دنس نفسي ، و هذا هو معنى العصمة .
كما اننا استفدنا المصونيّة و العصمة من ءاية : (( ... فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ))(سورة الجن / الآية 27 ) .
بحيث أوضحت الآيات القرآنية هذه الحقيقة بشكل كامل .
المسألة الثالثة: ان الامام يجب ان يكون مؤيّداً من عند الله ، أي انّ علومه و إدراكاته تحصل في نفسه بواسطة اليقين و الإلهامات الغيبيّة ، ويكون الله هو المتكفّل بأموره ، و قد أستفيد هذا الأمر من جملة : وَ أَوْحَيْنَا إلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ (الانبياء 73) ، و جملة : لَمّا صَبَرُوا وَ كَانُوا بآيتنا يُوقِنُونَ (السجده/ 24) ، و جملة : يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا (السجده/24) ، لإنّ الإمامة تستلزم امتلاك مقام اليقين ، و مقام اليقين كما ذُكر ليس ميسوراً دون انكشاف الملكوت و حقيقة الأشياء و بناءً على هذا فانّ الله سبحانه و تعالى يؤيّده كلّ لحظة بانكشاف الملكوت و الهداية بأمر الله .
المسألة الرابعة : انّ الأرض و جميع الأفراد الذين يعيشون عليها لهم إمام في كلّ زمان ، و لا يمكن أن تخلو الأرض عن حجّة الله أبداً ، و قد استفيد هذا الأمر أيضاً من ءاية (( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ...))(سورة الإسراء / الآية 71 ) ، لأن الله سبحانه و تعالى يدعو جميع أفراد بني ءادم الى الحشر يوم القيامة بإمامهم ، فلا يوجد فردٌ من البشر إلّا و له إمام ، و لا يوجد فردٌ على الأرض بدون إمام ، كما انّه ورد في روايات كثيرة انّه لو لم يبقَ على الأرض الّا نفرين ، لكان أحدهما إماماً للأخر ، و لو لم يوجد الّا شخص واحد لوجب أن يكون الإمام نفسه .
المسألة الخامسة: انّ الامام يعلم بجميع أعمال و أقوال و سيرة وملكات عباد الله ، و ليس هناك علمٌ غائب أو مخفٍ عن نظر الإمام ،...، لأنّ الامام له سيطرة على نفوس و ملكوت الموجودات ، و مع هذه الملكة فانّ جميع الأرواح و النفوس و روح الأعمال ستكون في مشهد الإمام و في حضور الولاية ، كما انّ موجودات عالم الطبيعة مشهودة عند الشخص البصير و غائبة عند الأعمى .
و بالرغم من أنّ ملكوت كثير من الأعمال و الأقوال و النفوس سينكشف لدى الأفراد الذين لم يصلوا بعدُ الى مرحلة الإمامة ، و بالرغم من انّ هذا المعنى سيتّضح لديهم اثر التقوى و العبادة و مخالفة النفس الأمّارة وجاهدتها ، الّا انّهم لن يمتلكوا السيطرة الكليّة على جميع الأرواح والنفوس أو هداية كلّ منهما الى كماله ، كلّاً حسب دوره و بقدر ظرفيّته ، لكنّ هذه الدرجة من البصيرة هي بصيرة القلب التي لا توجد لدى الأخرين ، الّا ان هذه البصيرة و الرؤية قويّة و نافذة لدى الإمام بحيث لا يخفى عنه شي ء من الملكوت في كلّ ءان و في أيّ مكان .
المسألة السادسة : انّ الإمام يعلم جميع الأمور التي يحتاجها العباد في معاشهم أو معادهم ، لأنّه ـ و حسب الفرض ـ فانّ الإمام يهدي النفوس الى الحقّ من ملكوتها ، و يوصلها الى كمالها ، فكيف يمكن أن يكون نفسه جاهلاً بما يحتاجه العباد في أمور تكاملهم ؟ و هذه الخاصيّة تتّضح أيضاً من الآية القرآنية : يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ، و من أفضليّة مقام الإمامة على النبوّة حسب مفاد خطاب حضرة الحقّ لإبراهيم الخليل . و علاوةً على ذلك ، فلأن فعل الإمام و قوله منطبق على الحقّ بتمام معنى الكلمة ، و لأنّ الإمام قد خطا في مقام العبوديّة و التقرّب الى مرحلةٍ بعيدة بحيث انّ الله نفسه سيكون هو الأمر و الناهي في وجوده ، و سيكون فعل الإمام هو عين وحي الله ، فكما انّ ما يحتاجه العباد ليس خافياً على الله ، فانّه لن يكون خافياً على الإمام الذي هو المجلى الأتمّ و المجرى الكامل لإفاضات الحضرة الأحديّة الى الموجودات ، و هذا الأمر ليس خافياً على الامام ، بل انّ علم الامام هو عين علم الله تعالى ، و ليس هناك أي تفاوت في أصل المعنى .
المسألة السابعة : انّ الامام هو أعلى من جميع أفراد البشر من حيث الفضائل النفسانيّة و الملكات الالهيّة ، و من المستحيل أن يكون هناك شخص أفضل من الإمام في محاسن الاخلاق و الملكات الانسانيّة ، لأنّه ـ و كما فرضنا ـ فانّ الطريق الى الله عن طريق ملكات و صفات النفس . ولأنّ الامام أعلى و أرفع من سائر الأفراد في هذه المرحلة ، لذا فانّه يهديهم عن طريق الملكوت الى الحقّ ، و اذا ما وجد في هذه الحالة شخصان أحدهما يفوق الأخر في هذا المعنى ، فانّ الشخص المتفوّق سيكون حتماً إماماً للآخر ، لإنّ الذي أفق ملكوته و نفسه أنور و أكثر مضاءً و بصيرة سيستطيع أن يدعو الى منزله و محلّه الشخص الأخر الذي ليس في مستوى أفقه ، و في هذه الحالة فانّه سيكون هو الإمام ، خلافاً للشخص الضعيف الذي لن يستطع تحريك القوي أو تحمّل ثقله .
و هذه المسائل السبع هي من أصول مسائل الإمامة ، و سائر المسائل الأخرى متفرّعة عنها (انتهى).(معرفة الامام ج1ص217 لمحمد حسين الحسيني دار المحجة البيضاء مجلد1).
وقال السيد محمد حسين الطباطبائي(تفسير الميزان ج1 ص154 )
فإن قلت: لو كانت الإمامة هي الهداية بأمر الله تعالى: و هي الهداية إلى الحق الملازم مع الاهتداء بالذات كما استفيد من قوله تعالى: ((أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع)) الآية , كان جميع الأنبياء أئمة قطعا ، لوضوح أن نبوة النبي لا يتم إلا باهتداء من جانب الله تعالى بالوحي ، من غير أن يكون مكتسبا من الغير، بتعليم أو إرشاد و نحوهما ، و حينئذ فموهبة النبوة تستلزم موهبة الإمامة ، و عاد الإشكال إلى أنفسكم . قلت: الذي يتحصل من البيان السابق المستفاد من الآية أن الهداية بالحق وهي الإمامة تستلزم الاهتداء بالحق ، و أما العكس وهو أن يكون كل من اهتدى بالحق هاديا لغيره بالحق ، حتى يكون كل نبي لاهتدائه بالذات إماما ، فلم يتبين بعد ، و قد ذكر سبحانه هذا الاهتداء بالحق ، من غير أن يقرنه بهداية الغير بالحق في قوله تعالى (( وهبنا له إسحاق و يعقوب كلا هدينا و نوحا هدينا من قبل، و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هرون و كذلك نجزي المحسنين. و زكريا و يحيى و عيسى و إلياس كل من الصالحين، و إسمعيل و اليسع و يونس و لوطا و كلا فضلنا على العالمين. و من آبائهم و ذرياتهم و إخوانهم و اجتبيناهم و هديناهم إلى صراط مستقيم. ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده، و لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم و النبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين. أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ))(سورة الأنعام / الآية 90) ، و سياق الآيات كما ترى يعطي أن هذه الهداية أمر ليس من شأنه أن يتغير و يتخلف ، و أن هذه الهداية لن ترتفع بعد رسول الله عن أمته ، بل عن ذرية إبراهيم منهم خاصة ، كما يدل عليه قوله تعالى: (( و إذ قال إبراهيم لأبيه و قومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين . و جعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون))(سورة الزخرف /الآية 28) ، فأعلم قومه ببراءته في الحال و أخبرهم بهدايته في المستقبل ، و هي الهداية بأمر الله حقا ، لا الهداية التي يعطيها النظر والاعتبار، فإنها كانت حاصلة مدلولا عليها بقوله (( إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني)) ، ثم أخبر الله: أنه جعل هذه الهداية كلمة باقية في عقب إبراهيم ، و هذا أحد الموارد التي أطلق القرآن الكلمة فيها على الأمر الخارجي دون القول ، كقوله تعالى: (( و ألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها))(سورة الفتح / الآية 26) .
و قد تبين بما ذكر: أن الإمامة في ولد إبراهيم بعده ، و في قوله تعالى: (( قال و من ذريتي . قال لا ينال عهدي الظالمين)) إشارة إلى ذلك ، فإن إبراهيم (عليه السلام) إنما كان سأل الإمامة لبعض ذريته لا لجميعهم ، فأجيب: بنفيها عن الظالمين من ولده ، و ليس جميع ولده ظالمين بالضرورة حتى يكون نفيها عن الظالمين نفيا لها عن الجميع ، ففيه إجابة لما سأله مع بيان أنها عهد ، و عهده تعالى لا ينال الظالمين(انتهى).
قال العلامه جار الله الزمخشري (الكشاف باب124 ج1ص124):
(( وَمِن ذُرّيَتِى )) عطف على الكاف ، كأنه قال : وجاعل بعض ذريتي ، كما يقال لك : سأكرمك ، فتقول : وزيداً (( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين )) وقرئ : «الظالمون» ، أي من كان ظالماً من ذرّيتك ... لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة ، وإنما ينال من كان عادلاً بريئاً من الظلم وقالوا : في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة .
وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته . ولا تجب طاعته ؛ ولا يقبل خبره ، ولا يقدّم للصلاة . وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن عليّ رضوان الله عليهما ، وحمل المال إليه ، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام والخليفة ، كالدوانيقي وأشباهه . وقالت له امرأة : أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل . فقال : ليتني مكان ابنك . وكان يقول في المنصور وأشياعه : لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ آجره لما فعلت . وعن ابن عيينة : لا يكون الظالم إماماً قط . وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة ، والإمام إنما هو لكف الظلمة . فإذا نصب من كان ظالماً في نفسه فقد جاء المثل السائر : من استرعى الذئب ظلم (انتهى).
وقال الشيخ علي الرباني (حينما تطرق الى الحديث النبوي المعروف (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهليه)) :
استدل متكلموا اهل السنه بهذا الحديث على وجوب الإمامة , ذلك ان وجوب معرفة الامام دون وجوده امر متعذر . طالع في هذا الصدد : شرح المقاصد ج5 ص239 , شرح العقائد النسفيه ص110 ت (انتهى)
قال القرطبي :
وقوله: (( قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ))الآية , لما جعل الله إبراهيم إمامًا ، سأل الله أن تكون الأئمةُ من بعده من ذريته ، فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون ، وأنه لا ينالهم عهد الله ، ولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم ، والدليل على أنه أجيب إلى طَلِبَتِهِ قول الله تعالى في سورة العنكبوت: (( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ))(سورة العنكبوت / الآية 27 ), فكل نبي أرسله الله وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم ففي ذريته صلوات الله وسلامه وعليهم أجمعين .
قال البيضاوي
ولمّا جعله الله(ابراهيم) إماماً طلب ذلك لأولاده فقال : (( ومن ذريتي )) فاجعل أئمة ، قال الحق تعالى : (( لا ينال عهدي )) أي : لا يلحق عهدي بالإمامة (( الظالمين )) منهم ، إذ لا يصلح للإمامة إلا البررة الأتقياء ، لأنها أمانة من الله وعهد ، والظالم لا يصلح لها ، وفيه تنبيه على أنه قد يكون من ذريته ظلمة لا يستحقون الإمامة ، وفيه دليل على عصمة الأنبياء قبل البعثة ، وأن الفاسق لا يصلح للإمامة . (قاله البيضاوي ).
وقال الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان :
واستدل اصحابنا بهذه الآية على ان الامام لا يكون إلا معصوما من القبائح ، لان الله تعالى نفى ان ينال عهده - الذي هو الامامة – ظالم ، ومن ليس بمعصوم فهو ظالم: إما لنفسه ، أو لغيره .
فان قيل: انما نفى ان يناله ظالم - في حال كونه كذلك - فاما اذا تاب وأناب ، فلا يسمى ظالما ، فلا يمتنع أن ينال .
قلنا: اذا تاب لا يخرج من أن تكون الآية تناولته - في حال كونه ظالما - فاذا نفي ان يناله ، فقد حكم عليه بانه لا ينالها ، ولم يفد انه لا ينالها في هذه الحال دون غيرها ، فيجب ان تحمل الآية على عموم الاوقات في ذلك ، ولا ينالها وإن تاب فيما بعد .
واستدلوا بها ايضا على أن منزلة الامامة منفصلة من النبوة ، لان الله خاطب ابراهيم (ع) وهو نبي ، فقال له: انه سيجعله إماما جزاء له على اتمامه ما ابتلاه الله به من الكلمات ، ولو كان إماما في الحال ، لما كان للكلام معنى ، فدل ذلك على ان منزلة الامامة منفصلة من النبوة .
(التبيان في تفسير القرآن / للشيخ محمد بن الحسن الطوسي
385 - 460 هـ / تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي / ج1ص444)
وقال أحمد بن محمد بن عجيبة الحَسَنِي :
إذا أراد الله تعالى أن يجعل وليّاً من أوليائه إماماً يُقتدى به ، وداعياً يدعو إليه ، ابتلاه ، فإن صبر ورضي اصطفاه ، ولحضرته اجتباه ، فيكون إماماً يُقتدى به ، وداعياً يُهتدى به ، وهذه سنة الله تعالى في أصفيائه يبتليهم الله تعالى بتسليط الخلق عليهم وأنواع من البلايا ، فإذا نقوا من البقايا ، وتكلمت فيهم المزايا ، أظهرهم للخلق داعين إلى الله ومرشدين إلى طريق الله ، وقد تبقى الإمامة ذريتهم إن ساروا على هديهم ، ومَن لم يسلك به هذا المسلك فلا يصلح للإمامة ، وإن توجه إليها كان ناقصّا في الدعوة ، ولذلك قال بعضهم : ( من ادّعى شهود الجمال قبل تأدبه بالجلال ، فارفضه فإنه دجال ) . وكل من اتصف بشيء من ظلم العباد لا ينال عهد الإمام في طريق الإرشاد ، وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق (انتهى).( البحر المديد في تفسير القرآن المجيد باب 124 ج1ص100 ـ معتمد فيه على : تفسير البيضاوي وأبي السعود ، وحاشية سيدي عبد الرحمن الفاسي ، وشيء من تفسير ابن جزي والثعلبي والقشيري . الاحد 6/ ربيع / 1221 هج ، لأحمد بن محمد بن عجيبة الحَسَنِي )
نقل عبدالله بن عجلان عن ابي جعفر ( ع ) في هذه الآية : هم الائمة ومن تبعهم ، قال ابراهيم : ومن ذريتي ، ومن للتبعيض ليعلم ان فيهم من يستحقها ومن لا يستحقها ومستحيل أن يدعو إلا من هو مثله في الطهارة لقوله ( لا ينال عهدي الظالمين ) وقال ومن تبعني فانه منى ، فيجب أن
يكونوا معصومين ، ولما سأل الرزق قال (( وارزق أهله من الثمرات )) سال عاما ولما سأل الامامة سأل خاصا قال (( ومن ذريتي )) قال الصادق ( ع ) في قوله ( : وجعلها كلمة باقية في عقبه ) أي الامامة إلى يوم القيامة . قال السدي : عقبه آل محمد .
جهة الخبر بالتمسك بهم على الاطلاق فاقتضى ذلك عصمتهم ..(مناقب آل ابي طالب ج1ص254)
حَدَّثَنَا أَبِي ،حدثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حدثنا مَرْوَانُ، حدثنا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ (( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) ، يَقُولُ: لا يَنَالُ طَاعَتِي عَدُوٌّ لِي وَلا أُنْحِلُهَا إِلا وَلِيًّا لِي يُطِيعُنِي ، وَرُوِيَ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ نَحْوُ ذَلِكَ
وقال ابن كثير ( تفسير بن كثير ج1ص 405 , للشيخ إسْماعيلَ بْنِ عُمَرَ بْنِ ضَوْءِ بْنِ كَثيرٍ القُرَشِيِّ الشَّافِعِيِّ الدّمَشْقِيِّ ):
سأل الله أن تكون الأئمةُ من بعده من ذريته (رسول الله ابراهيم الخليل(ع)) ، فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون ، وأنه لا ينالهم عهد الله ، ولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم ، والدليل على أنه أجيب إلى طَلِبَتِهِ قول الله تعالى في سورة العنكبوت: (( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ))(سورة العنكبوت / الآية 27 ), فكل نبي أرسله الله وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم ففي ذريته صلوات الله وسلامه عليه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثني أبي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا شريك ، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي )) قال: أما من كان منهم صالحًا فسأجعله إمامًا يقتدى به ، وأما من كان ظالما فلا ولا نُعْمَةَ عَيْنٍ .
وقال سعيد بن جبير: (( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) المراد به المشرك ، لا يكون إمام ظالم . يقول : لا يكون إمام مشرك .
وقال ابن جُرَيج ، عن عطاء ، قال: (( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي )) فأبى أن يجعل من ذريته إمامًا ظالمًا . قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال: أمره .
وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا عمرو بن ثور القيساري فيما كتب إلي، حدثنا الفريابي، حدثنا إسرائيل، حدثنا سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال الله لإبراهيم: (( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي )) فأبى أن يفعل، ثم قال: (( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ))
وقال العوفي ، عن ابن عباس: (( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) قال: يعني لا عهدَ لظالم عليك في ظلمه ، أن تطيعه فيه.
وقال ابن جرير: حدثنا المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، عن إسرائيل ، عن مسلم الأعور، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال: (( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) قال: ليس للظالمين عهد ، وإن عاهدته فانتقضه .
وروي عن مجاهد ، وعطاء ، ومقاتل بن حيان ، نحو ذلك .
وقال الثوري ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، قال: ليس لظالم عهد .
وقال جويبر، عن الضحاك: لا ينال طاعتي عدو لي يعصيني ، ولا أنحلها إلا وليًّا لي يطيعني .
وقال الحافظ أبو بكر بن مَرْدويه: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن سعيد الأسدي ، حدثنا سليم بن سعيد الدامغاني ، حدثنا وَكِيع ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: (( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) قال: "لا طاعة إلا في المعروف" (البخاري في صحيحه برقم (7257)) .
وفي ختام هذا البحث , استغفر الله عن كل قصور وتقصير فيه , وأسأله ببركة اوليائه الطاهرين المعصومين (عليهم السلام) ان يرزق اخوتي ويرزقني معهم حسن الخاتمه والمنقلب , انه على كل شيء قدير ونعم المولى ونعم النصير , وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير الخلق محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق