منزل المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم.
اليكم اخوتي مبحث موجز عن منزل مولانا ومقتدانا ابو القاسم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم):ـ
ذكرت بعض المصادر التاريخية ان سيدنا عبد المطلب عليه السلام ، قد قسم حقه بين أولاده ودفع إليهم ذلك في حياته حين ذهب بصره، وكانت حصة سيدنا عبد الله هذا البيت وما حوله
قال ابو الوليد الأزرقي المتوفي 250هـ :
.. ثمّ صار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حق أبيه عبد الله بن عبد المطلب
(التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، جـ1 ـ ص 170)
وفي هذه الدار المقدسة ولدته(صلى الله عليه وآله وسلم) مولاتنا آمنة عليها السلام في عام الفيل الذي يوافق عام 570م
وموقع هذه الدار الطاهرة في فم شعب بني هاشم قديماً ولاحقا سميت بشعب مولانا علي(عليه السلام) وهو الشعب الذي كان يسكنه بنو هاشم وفيه حاصرتهم قريش ، والواقع على قدم سفح الجبل الأمين ـ جبل أبي قبيس ـ بقرب المسجد الحرام الى الشرق منه حيث يستطيع الخارج من المسجد الحرام من جهة باب السلام أن يرى البناء في شارع "الغزة" واضحاً من بعد للعيان.
وموقعه اليوم مشرف على طريق شارع القشاشية، أمام مخرج نفق الطريق الدائري الأول أسفل جبل أبي قبيس ، وقد تم تغيير اسم شعب مولانا امير المؤمنين علي(عليه السلام) الى سوق الليل ، وهو شرق المسعى (جبلي الصفا والمروة) ، ويعتبر نقطة على رأس مثلث متساوي الأضلاع رأسية الآخرين جبل الصفا وجبل المروة.
قال تقي الدين الفاسي (775-832هـ)، في كتابه شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (جـ 1، ص 270) في ذكر صفة العمارة التي أدركها فقال:
(إنه بيت مربع وفيه اسطوانه عليها عقدان، وفي ركنه الغربي مما يلي الجنوب زاوية كبيرة قبالة بابه الذي يلي الجبل وله باب آخر في جانبه الشرقي أيضاً، وفيه عشرة شبابيك، أربعة في حائطه الشرقي، وهو الذي فيه باباه المتقدم ذكرهما، وفي حائطه الشمالي ثلاثة وفي الغربي واحد. وفي الزاوية إثنان، واحد في جانبها الشمالي وواحد في جانبها اليماني، وفيه محراب. وبقرب المحراب حفرة عليها درابزين من خشب، وذرع تربيع الحفرة من كل ناحية ذراع وسدس، الجميع بذراع الحديد، وفي وسط الحفرة رخامة خضراء وكانت هذه الرخامة مطوقة بالفضة على ما ذكره ابن جبير وذكر أن سعتها مع الفضة ثلثا شبر. وهذا الموضع جعل علامة للموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه(وآله) وسلم من هذا المكان.
وذرع هذا المكان طولاً اربعة وعشرون ذراعاً وربع ذراع؛ وذلك من الجدار الشمالي الى الجدار المقابل له وهو الجنوبي الذي يلي الجبل، وذرعه عرضاً أحد عشر ذراعاً وثُمن ذراع. وذلك من الشرقي الذي فيه بابه الى جداره الغربي المقابل له؛ وطولا الزاوية المشار إليها ثلاثة عشر ذراعاً ونصف ذراع وعرضها ثمانية ونصف، الجميع بذراع الحديد. وكان تحرير ذلك بحضوري ولم يذكر الأزرقي صفة هذا المكان ولا ذرعه وقد خفي علينا كثير من خبر عمارته.
والذي علمته من ذلك أن الناصر العباسي عمّره في سنة ست وسبعين وخمسمائة. ثم الملك المظفر صاحب اليمن في سنة ست وستين وستمائة؛ ثم حفيده المجاهد في سنة أربعين وسبعمائة، وفي سنة ثمان وخمسين وسبعمائة تم تعميره من قبل الأمير شيخون، أحد كبار الدولة بمصر؛ وفي دولة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر بإشارة مدير دولته يلبغا الخاصكي سنة ست وستين وسبعمائة؛ وفي آخر سنة إحدى وثمانمائة أو في التي بعدها عمّر من المال الذي أنفذه المالك الظاهر برقوق صاحب مصرة لعمارة المسجد الحرام وغيره بمكة. وكانت عمارة هذا المولد بعد موته). انتهى.
وقال محمد لبيب البتانوني عام 1327هـ في كتابه الرحلة الحجازية (ص 52) في وصف موضع المولد الشريف قال:
(وهو مكان قد ارتفع الطريق عنه بنحو متر ونصف، وينزل إليه بواسطة درجات من الحجر توصل الى باب يفتح الى الشمال يدخل منه الى فناء يبلغ طوله نحو اثني عشر متراً في عرض ستة أمتار وفي جداره الأيمن الغربي باب يدخل منه الى قبة في وسطها ـ يميل الى الحائط الغربي ـ مقصورة من الخشب، داخلها رخامة قد تقعر جوفها لتعيين مولد السيد الرسول عليه الصلاة والسلام. وهذه القبة والفناء الذي خارجها لا يزيد مسطحهما عن ثمانين متراً مربعاً وهما يكونان الدار التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم. وكان السيد الرسول وهب هذه الدار لعقيل بن أبي طالب، فباعها ولده لمحمد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج، فلما بنى داره المشهورة بدار ابن يوسف وكانت بجوارها أدخلها فيها، حتى اشترتها الخيزران أم الرشيد وفصلتها وبنتها على ما كانت عليه وجعلتها مسجداً، وهي باقية كذلك الى يومنا هذا).
وقال محمد طاهر الكردي المكي في كتابه التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم عام (1385هـ ـ جـ 1 ص 170):
(إن موضع ولادة النبي صلى الله عليه(وآله) وسلم بمكة بسوق الليل، وهو شعب(الامام)علي(عليه السلام) قد بنيت فيه الآن عمارة لطيفة بناها أمين العاصمة الأسبق الشيخ عباس بن يوسف القطان...)
كان الشيخ عباس قطان يتمنى أن يقيم في هذا المكان مكتبة عامة، و اتفق مع أصهاره آل الكردي، أن يشتري منهم مكتبة المرحوم الشيخ ماجد الكردي، الشهيرة بالمكتبة الماجدية، و ينقل محتوياتها إلى هذه الدار، وحصل على موافقة عبد العزيز آل سعود بإقامة المبنى الذي يريد.
وقد نشرت صحيفة البلاد السعودية في عددها رقم 998 للسنة الخامسة عشرة الصادر يوم الأحد 25 جمادى الأول 1370هـ، الموافق 4 مارس 1951، خبراً تحت عنوان:
(مدرسة ومكتبة في الأماكن التاريخية). يقول الخبر: (تفضل ...الملك عبد العزيز فمنح سعادة الشيخ عباس قطان الأرض البيضاء المعروفة بدار السيدة خديجة زوجة النبي الكريم صلى الله عليه(وآله) وسلم ورضي الله عنها، لإقامة مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم على أنقاض هذه الدار، كما تفضل فمنحه أيضاً المكان الي ولد فيه الرسول الأعظم صلى الله عليه(وآله) وسلم لبناء مكتبة ضخمة..)
( أعلام الحجاز، لمحمد علي مغربي، ص 80).
باشر الشيخ عباس القطان بالعمل عام 1370هـ، وبعد شهرين من بدأ العمل وفي يوم 15 / رجب/1370م ، واثناء وقوفه للاشراف على العمل شعر بألم وفاجأته نوبة قلبية حادة فنقل إلى بيته و في اليوم التالي فارق الحياة ، وقام أبناؤه من بعده وخصوصا شيخ امين بإكمال العمل وسميت الدار بمكتبة مكة المكرمة ونقلوا اليها المكتبة الماجدية، ومن الجدير بالذكر انه وعلى عمق ثلاثة أمتار، ظهر بوضوح أثناء الحفر والتنقيب بإشراف الدكتور سامي عنقاوي المتخصص في العمارة والآثار، بأن الطبقات التاريخية واضحة ابتداءً من الفترة العثمانية الى العباسية، وهو من الآثار النادرة التي نجت من ايدي التخريب والآن هو بيد وزارة الحج و الأوقاف السعودية.
آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن عدوهم.
من مصادر ومراجع المبحث:ـ
1ـ الإستيعاب في أسماء الأصحاب/ ابن عبد البر (ت 463هـ/ 1070م)
2ـ الروض الآنف في تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة النبوية لابن هشام/ أبي القاسم عبدالرحمن بن عبدالله السهيلي (ت 581هـ/ 1185م)
3ـ امتاع الاسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع/ تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت 845هـ/ 1441م)
4ـ سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد/ محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 942هـ/ 1535م)
5ـ أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار/ أبي الوليد محمد الأزرقي (ت 223هـ/ 837م)
6ـ أخبار مكة في قديم الدهر وحديثة/ محمد بن اسحاق الفاكهي (ت 245هـ/ 859م
7ـ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام/ ابي الطيب تقي الدين محمد بن احمد بن علي الفاسي المكي المالكي (ت 832هـ/ 1428م
8ـ الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف/ جمال الدين ابن ظهيرة القرشي المخزومي (ت 986هـ ـ 1578م).
9ـ الإعلام بأعلام بيت الله الحرام في تاريخ مكة المشرفة/ محمد قطب الدين النهروالي المكي الشهير بالقطبي (ت 990هـ/ 1582م)
10ـ الإرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء/ علي بن عبد القادر الطبري (ت 1070هـ/ 1695م)
11ـ مثير الغرام الساكن على أشرف الأماكن/ أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي (ت 597هـ/ 1200م)
12ـ البحر العميق في مناسك العمرة والحج الى البيت العتيق/ محمد بن أحمد بن محمد بن الضياء القرشي (ت 854هـ/ 1450م)
13ـ هداية السالك الى المذاهب الأربعة في المناسك/ عز الدين بن جماعة الكناني (ت 767هـ/ 1365م
14ـ الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة/ الدكتور عبدالوهاب ابراهيم ابو سليمان/ مؤسسة الفرقات للتراث الاسلامي 1431هـ ـ 2010م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق