آية التطهير
بسم الله الرحمن الرحيم
((.....إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))(سورة الأحزاب/ الآية 33)
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
*: ـ كلمة «إنّما» تستعمل للحصر في اللغة العربية ويتّضح من هذه الكلمة أن المضمون الوارد في هذه الآية الشريفة لا يتعلق بجميع المسلمين وإلاّ لا معنى لاستخدام هذه الكلمة.
«الرجس» الذي تحدّثت عنه هذه الآية لم يرفع من الجميع بل أراد الله رفعه من بعض الأفراد بخصوصهم، مضافاً إلى أن «الرجس» يراد به رجس خاصّ، وقد أراد الله إزالته عن أفراد معينين وتطهيرهم منه.
وبما أن التقوى العادية تستوعب جميع المسلمين والواجب على جميع المسلمين تطهير أنفسهم من الرذائل والذنوب، فإنّ المراد من هذه الآية وما يختصّ بهؤلاء الأفراد المعينين يجب أن يكون أعلى ممّا يراد من الأشخاص العاديين في تقواهم وحركتهم في خط الطاعة والإيمان.
*: ـ (يُريدُ اللهُ).
فما هو المراد من إرادة الله ؟ هل هي الإرادة التشريعية أو الإرادة التكوينية ؟
الجواب : للإجابة على هذا السؤال يلزمنا بعض التوضيح حول مفهوم الإرادة التكوينية والتشريعية :
الإرادة التشريعية : هي الإرادة التي تعني أوامر الله تعالى ودستوراته من الواجبات والمحرمات الواردة في الشريعة المقدّسة، والآية 185 من سورة البقرة هي أحد الآيات التي وردت فيها الإرادة الإلهية بمعناها التشريعي حيث ذكر الله تعالى في هذه الآية الشريفة بعد بيان وجوب صوم شهر رمضان المبارك واستثناء هذا الحكم بالنسبة إلى المسافر والمريض يقول :
(يُريدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
فالمقصود من الإرادة الإلهية هنا هي الإرادة التشريعية، أي أن أحكام الله تعالى في شهر رمضان سهلة ويسيرة للإنسان المؤمن بل إن جميع أحكام الإسلام هي كذلك، ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
«بُعِثْتُ إلَيْكُمْ بِالْحَنَفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ».(. بحار الأنوار : ج 65، ص 346)
«الإرادة التكوينية» هي الإرادة التي تستخدم في مقام الخلق والتكوين فقد أراد الله تعالى خلق العالم وخلق سائر الكائنات والمخلوقات.
وكمثال على هذه الإرادة الإلهية ما ورد في( الآية 82 ـ من سورة يس )حيث يقول تبارك وتعالى في هذه الآية :
(إنَّما أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
فالمقصود من هذه الإرادة في الآية الشريفة هي الإرادة التكوينية، وفي الحقيقة أن قدرة الله تعالى على هذا الكون وسلطته على الكائنات إلى درجة من الشدّة والإستحكام بحيث إنه إذا أراد أن يخلق مثل هذا العالم الذي نعيش فيه فيكفي أن يصدر أمره بذلك، وطبقاً للأقوال العلماء أن الشمس أكبر من الأرض بمليون ومائتين ألف مرّة ويحتوي على مائة ميليارد نجم في المنظومة الشمسية في مجرتنا لوحدها وحجم كلُّ واحد منهما بحجم الشمس بالمقدار المتوسط ، فلو أراد الله أن يخلق مثل هذا العالم لكفى أن يأمر ويقول : كن فيكون «اَلْعَظَمَةُ للهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ».
وبعد أن تعرّفنا على هذين المعنيين للإرادة الإلهية نتساءل : هل أن المراد بالإرادة الإلهية في آية التطهير هي الإرادة التشريعية أو التكوينية ؟ أي أن الله تعالى هل أراد من أهل البيت أن يعيشوا الطهارة والإبتعاد عن الرجس والرذائل، أو أن الله تعالى هو الذي سيقوم بتطهير هؤلاء الأشخاص من الرجس والرذيلة ؟
الجواب : بلا شكّ أن المراد هنا الإرادة التكوينية ، لأن الأمر بالطهارة والتقوى لا يختص بأهل البيت بل هو دستور عام وتشريع شامل لجميع المسلمين، في حين أننا قرأنا سابقاً أن مقتضى كلمة «إنّما» هو الحصر بدائرة معيّنة، وهم أهل البيت (عليهم السلام)ولا يشمل جميع المسلمين.
والنتيجة هي أن الله تعالى بإرادته التكوينية أراد أن يسجّل فضيلة وموهبة اُخرى لأهل البيت (عليهم السلام) ويمنحهم «العصمة» في واقعهم الروحي وملكاتهم الأخلاقية بحيث يبتعدون عن كلّ رجس ورذيلة ويعيشون الطهارة من الذنوب والخطايا.
سؤال : هل أن العصمة في هؤلاء المعصومين تتمتع بحالة من الجبر ؟
وبعبارة اُخرى : هل أن هؤلاء العظماء يجتنبون المعاصي والذنوب من دون اختيار منهم ؟ فلو كان كذلك فإنّ العصمة لا تعني شيئاً في دائرة الإمتياز الأخلاقي والإيماني.
الجواب : إنّ الشيء إذا كان محالاً في دائرة أعمال الإنسان فهو على قسمين : 1 ـ المحال العقلي، 2 ـ المحال العادي.
«المحال العقلي» هو أن يكون وقوع الشيء محالاً كأن تكون هذه اللحظة من الزمان ليلاً ونهاراً في آن واحد(في مكان واحد ومن جهه واحده)، فهذا عقلاً محال، أو تقرأ كتاباً عدد صفحاته 400 و 500 صفحة في نفس الوقت، فهذا من المحال عقلاً لأنه جمع بين النقيضين والجمع بين النقيضين محال عقلاً(. للتعرف أكثر على هذا الإصطلاح المنطقي يراجع كتاب «التعرف على العلوم الإسلامية، المنطق والفلسفة» للشهيد العلاّمة المطهري : ص 65 فما بعد).
ولكن تارة يكون وقوع العمل ممكن عقلاً ولكنه عادة ممتنع، ومثاله أن كلُّ إنسان عاقل لا يظهر في الشارع وأمام الناس عارياً، فهذه المسألة ممكنة عقلاً ولكنها محالٌ عادةً، وعليه فالناس بالنسبة إلى هذه الحالة معصومين لأن عقلهم لا يبيح لهم ارتكاب مثل هذا العمل الذي قبحه واضح وجلي، إذن فجميع أفراد البشر يمكن أن تكون لهم عصمة جزئية بالنسبة إلى بعض الذنوب والأفعال.
ولو تقدّمنا خطوة إلى الامام رأينا أن بعض الناس قد تكون لهم عصمة جزئية بالنسبة إلى بعض الأفعال التي هي محال عادةً، من قبيل أن من المحال أن يقوم رجل دين معروف في اليوم الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك وفي محراب المسجد وهو جالس على سجادة الصلاة بشرب الخمر أمام الناس، فهذا من المحال، ولكنه ليس من المحال العقلي بل إن صدوره من مثل هذا الشخص محال عادةً لأن عقله لا يسمح له بارتكاب مثل هذا العمل في هذا المكان وهذه الموقعيّة.
وأمّا المعصومون (عليهم السلام) فيتمتعون بمقام العصمة في مقابل جميع الذنوب والخطايا، أي أنه رغم كونهم من الناحية العقلية يمكن صدور الذنب والمعصية منهم، ولكنّه غير ممكن عادةً لأن عقلهم وتقواهم ومعرفتهم بالنسبة إلى جميع الذنوب والمعاصي كعلم الشخص العادي بالنسبة إلى الخروج عارياً إلى الشارع، فكما أن الإنسان العادي معصوم من مثل هذا الذنب، فالأئمّة المعصومون (عليهم السلام)أيضاً يتمتعون بمقام العصمة في مقابل جميع الذنوب، فمن المحال عادةً أن يقوموا بارتكاب المعصية حتّى لو كان صدورها منهم ممكن عقلاً.
إذن فالعصمة هنا ليست أمراً جبرياً وليست بحيث تكون خارجة عن اختيار المعصومين (عليهم السلام) وإلاّ فلا قيمة لمثل هذه الأعمال.
والنتيجة هي أن الإرادة الإلهية في هذه الآية الشريفة هي إرادة تكوينية، والعصمة هنا لا تسلب الإختيار والإرادة من الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ولا تجبرهم على ترك المعصية والذنوب بل إنّ هؤلاء الرجال لا يتوجهون نحو الذنوب بكمال حريتهم واختيارهم.
*:ـ المراد من «الرِّجس»
الرجس بمعنى القبيح، فتارةً يطلق على الاُمور المادية القبيحة، واُخرى على الاُمور المعنوية القبيحة، وثالثة قد يطلق ويستعمل على كلا الأمرين كما ذكر ذلك الراغب في مفرداته.
ولكلِّ مورد من هذه الموارد الثلاثة في استعمال كلمة «الرجس» هناك شاهد من القرآن الكريم :
ألف ـ الرجس المعنوي : وهو ما ورد في الآية 125 من سورة التوبة.
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كافِروُن).
فإنّ عبارة «في قلوبهم مرض» تطلق غالباً على المنافقين ومن كانوا يعيشون المرض القلبي حقيقةً في نفاقهم، وإلاّ فإنّ الإنسان السليم إمّا أن يقبل الأوامر الإلهية ويكون مسلماً أو يردّها ويكون كافراً، ولكن أن يقبلها في الظاهر وفي عالم العمل والممارسة ولكنه لا يعتقد بها في قلبه، فهذا هو النفاق وهو نوع من المرض القلبي.
وعلى أيّة حال فإنّ كلمة «الرجس» في هذه الآية الشريفة وردت بمعنى القبح المعنوي فإنّ النفاق نوع من القبح المعنوي لا القبح المادي الظاهري.
ب ـ الرجس الظاهري والمادي : وهو ما ورد في الآية 145 من سورة الأنعام :
(قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَآ اُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزير فَاِنَّهُ رِجْسٌ...).
ومن الواضح أن الرجس استخدم في هذه الآية الشريفة بمعنى القبح المادي والظاهري.
ج ـ الرجس المعنوي والمادي : ونقرأ في الآية 90 من سورة المائدة أن «الرجس» استخدم بكلا المعنيين :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالاَْنْصابُ وَالاَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وهنا نجد أن «الرجس» في هذه الآية الشريفة استخدم في كلا المعنيين المادي والمعنوي لأن الخمر له حكم النجاسة المادية، ولكن القمار والأزلام ليست كذلك بل هي من الرجس المعنوي.
والنتيجة هي أن كلمة «الرجس» في الآيات الشريفة لها معنى عام وتشمل جميع القبائح الظاهرية والمعنوية والأخلاقية والعقائدية والجسمية والروحية، وعليه فإنّ الله تعالى في آية التطهير وبإرادته التكوينية قد طهّر أهل البيت (عليهم السلام) من جميع أنواع الرجس بمعناه الواسع.
والدليل على أن الرجس استخدم في هذه الآية الشريفة في جميع أنواع الرجس المادي والمعنوي هو إطلاق هذه الكلمة، أي أن هذه الكلمة لم ترد بالآية الشريفة مقيّدة بقيد أو مشروطة بشرط بل وردت بصورة مطلقة وبدون قيد أو شرط ، فلذلك تستوعب في مضمونها جميع أنواع الرجس.
عن الشوكاني - فتح القدير - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 278 ) : ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ، والمراد بالرجس الإثم والذنب المدنسان للأعراض الحاصل ، أن بسبب ترك ما أمر الله به وفعل ما نهى عنه فيدخل تحت ذلك كل ما ليس فيه لله رضا.
(وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) هذه الجملة في الواقع تأكيد وتفسير للجملة السابقة (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) فطبقاً لهذه الآية فإن «أهل البيت» طاهرون من الرجس وكلُّ عمل قبيح بالإرادة الإلهية التكوينية، فهم يتمتعون بمقام العصمة المطلقة. ويستفاد من الآية الشريفة أن «أهل البيت» يتمتعون بخصوصية تميّزهم عن سائر المسلمين وهي مقام الطهارة والعصمة المطلقة ، وقد تم في الجزئين(2, 3 ) من هذا البحث بيان مصداق اهل البيت(ع) وذلك من خلال السنة النبويه الشريفه
فالروايات صريحة وواضحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خصص وحدد مفهوم أهل البيت في أصحاب الكساء فقط دون غيرهم ، فلقد كان صلىالله عليه وآله وسلم يؤكد هذا الحصر بهؤلاء عند خروجه للصلاة فيأتي باب الزهراء البتول فاطمة عليها السلام وينادي السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته أهل البيت
بسم الله الرحمن الرحيم
((.....إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))(سورة الأحزاب/ الآية 33)
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
آية التطهير من الايات العظيمه الداله كالشمس في رابعة النهار ، على عصمة اهل البيت(عليهم السلام)
واعتذر مقدما , فمهما حاولت ان انقل لكم مافيه مراعاة للايجاز والاختصار الا انني اصطدم بخشية بخس المطالب حقها , فكما تعلمون هي مطالب دقيه اخذت مساحات كثيره من البحث والنقاش العلمي والى اليوم , كما ان الحق والحقيقه تستحق الجهد والجهاد
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }آل عمران142
واستغفر الله الغفور الرحيم عن كل قصور وتقصير حصل في نقلي لبعض ماذكره العلماء والمحققين في بيان صوره من صور مطالب هذه الآيه العظيمه , واسألكم الدعاء يااهلي الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم
((.....إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))(سورة الأحزاب/ الآية 33)
صدق الله العلي العظيم
واعتذر مقدما , فمهما حاولت ان انقل لكم مافيه مراعاة للايجاز والاختصار الا انني اصطدم بخشية بخس المطالب حقها , فكما تعلمون هي مطالب دقيه اخذت مساحات كثيره من البحث والنقاش العلمي والى اليوم , كما ان الحق والحقيقه تستحق الجهد والجهاد
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }آل عمران142
واستغفر الله الغفور الرحيم عن كل قصور وتقصير حصل في نقلي لبعض ماذكره العلماء والمحققين في بيان صوره من صور مطالب هذه الآيه العظيمه , واسألكم الدعاء يااهلي الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم
((.....إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))(سورة الأحزاب/ الآية 33)
صدق الله العلي العظيم
*: ـ كلمة «إنّما» تستعمل للحصر في اللغة العربية ويتّضح من هذه الكلمة أن المضمون الوارد في هذه الآية الشريفة لا يتعلق بجميع المسلمين وإلاّ لا معنى لاستخدام هذه الكلمة.
«الرجس» الذي تحدّثت عنه هذه الآية لم يرفع من الجميع بل أراد الله رفعه من بعض الأفراد بخصوصهم، مضافاً إلى أن «الرجس» يراد به رجس خاصّ، وقد أراد الله إزالته عن أفراد معينين وتطهيرهم منه.
وبما أن التقوى العادية تستوعب جميع المسلمين والواجب على جميع المسلمين تطهير أنفسهم من الرذائل والذنوب، فإنّ المراد من هذه الآية وما يختصّ بهؤلاء الأفراد المعينين يجب أن يكون أعلى ممّا يراد من الأشخاص العاديين في تقواهم وحركتهم في خط الطاعة والإيمان.
*: ـ (يُريدُ اللهُ).
فما هو المراد من إرادة الله ؟ هل هي الإرادة التشريعية أو الإرادة التكوينية ؟
الجواب : للإجابة على هذا السؤال يلزمنا بعض التوضيح حول مفهوم الإرادة التكوينية والتشريعية :
الإرادة التشريعية : هي الإرادة التي تعني أوامر الله تعالى ودستوراته من الواجبات والمحرمات الواردة في الشريعة المقدّسة، والآية 185 من سورة البقرة هي أحد الآيات التي وردت فيها الإرادة الإلهية بمعناها التشريعي حيث ذكر الله تعالى في هذه الآية الشريفة بعد بيان وجوب صوم شهر رمضان المبارك واستثناء هذا الحكم بالنسبة إلى المسافر والمريض يقول :
(يُريدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
فالمقصود من الإرادة الإلهية هنا هي الإرادة التشريعية، أي أن أحكام الله تعالى في شهر رمضان سهلة ويسيرة للإنسان المؤمن بل إن جميع أحكام الإسلام هي كذلك، ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
«بُعِثْتُ إلَيْكُمْ بِالْحَنَفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ».(. بحار الأنوار : ج 65، ص 346)
«الإرادة التكوينية» هي الإرادة التي تستخدم في مقام الخلق والتكوين فقد أراد الله تعالى خلق العالم وخلق سائر الكائنات والمخلوقات.
وكمثال على هذه الإرادة الإلهية ما ورد في( الآية 82 ـ من سورة يس )حيث يقول تبارك وتعالى في هذه الآية :
(إنَّما أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
فالمقصود من هذه الإرادة في الآية الشريفة هي الإرادة التكوينية، وفي الحقيقة أن قدرة الله تعالى على هذا الكون وسلطته على الكائنات إلى درجة من الشدّة والإستحكام بحيث إنه إذا أراد أن يخلق مثل هذا العالم الذي نعيش فيه فيكفي أن يصدر أمره بذلك، وطبقاً للأقوال العلماء أن الشمس أكبر من الأرض بمليون ومائتين ألف مرّة ويحتوي على مائة ميليارد نجم في المنظومة الشمسية في مجرتنا لوحدها وحجم كلُّ واحد منهما بحجم الشمس بالمقدار المتوسط ، فلو أراد الله أن يخلق مثل هذا العالم لكفى أن يأمر ويقول : كن فيكون «اَلْعَظَمَةُ للهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ».
وبعد أن تعرّفنا على هذين المعنيين للإرادة الإلهية نتساءل : هل أن المراد بالإرادة الإلهية في آية التطهير هي الإرادة التشريعية أو التكوينية ؟ أي أن الله تعالى هل أراد من أهل البيت أن يعيشوا الطهارة والإبتعاد عن الرجس والرذائل، أو أن الله تعالى هو الذي سيقوم بتطهير هؤلاء الأشخاص من الرجس والرذيلة ؟
الجواب : بلا شكّ أن المراد هنا الإرادة التكوينية ، لأن الأمر بالطهارة والتقوى لا يختص بأهل البيت بل هو دستور عام وتشريع شامل لجميع المسلمين، في حين أننا قرأنا سابقاً أن مقتضى كلمة «إنّما» هو الحصر بدائرة معيّنة، وهم أهل البيت (عليهم السلام)ولا يشمل جميع المسلمين.
والنتيجة هي أن الله تعالى بإرادته التكوينية أراد أن يسجّل فضيلة وموهبة اُخرى لأهل البيت (عليهم السلام) ويمنحهم «العصمة» في واقعهم الروحي وملكاتهم الأخلاقية بحيث يبتعدون عن كلّ رجس ورذيلة ويعيشون الطهارة من الذنوب والخطايا.
سؤال : هل أن العصمة في هؤلاء المعصومين تتمتع بحالة من الجبر ؟
وبعبارة اُخرى : هل أن هؤلاء العظماء يجتنبون المعاصي والذنوب من دون اختيار منهم ؟ فلو كان كذلك فإنّ العصمة لا تعني شيئاً في دائرة الإمتياز الأخلاقي والإيماني.
الجواب : إنّ الشيء إذا كان محالاً في دائرة أعمال الإنسان فهو على قسمين : 1 ـ المحال العقلي، 2 ـ المحال العادي.
«المحال العقلي» هو أن يكون وقوع الشيء محالاً كأن تكون هذه اللحظة من الزمان ليلاً ونهاراً في آن واحد(في مكان واحد ومن جهه واحده)، فهذا عقلاً محال، أو تقرأ كتاباً عدد صفحاته 400 و 500 صفحة في نفس الوقت، فهذا من المحال عقلاً لأنه جمع بين النقيضين والجمع بين النقيضين محال عقلاً(. للتعرف أكثر على هذا الإصطلاح المنطقي يراجع كتاب «التعرف على العلوم الإسلامية، المنطق والفلسفة» للشهيد العلاّمة المطهري : ص 65 فما بعد).
ولكن تارة يكون وقوع العمل ممكن عقلاً ولكنه عادة ممتنع، ومثاله أن كلُّ إنسان عاقل لا يظهر في الشارع وأمام الناس عارياً، فهذه المسألة ممكنة عقلاً ولكنها محالٌ عادةً، وعليه فالناس بالنسبة إلى هذه الحالة معصومين لأن عقلهم لا يبيح لهم ارتكاب مثل هذا العمل الذي قبحه واضح وجلي، إذن فجميع أفراد البشر يمكن أن تكون لهم عصمة جزئية بالنسبة إلى بعض الذنوب والأفعال.
ولو تقدّمنا خطوة إلى الامام رأينا أن بعض الناس قد تكون لهم عصمة جزئية بالنسبة إلى بعض الأفعال التي هي محال عادةً، من قبيل أن من المحال أن يقوم رجل دين معروف في اليوم الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك وفي محراب المسجد وهو جالس على سجادة الصلاة بشرب الخمر أمام الناس، فهذا من المحال، ولكنه ليس من المحال العقلي بل إن صدوره من مثل هذا الشخص محال عادةً لأن عقله لا يسمح له بارتكاب مثل هذا العمل في هذا المكان وهذه الموقعيّة.
وأمّا المعصومون (عليهم السلام) فيتمتعون بمقام العصمة في مقابل جميع الذنوب والخطايا، أي أنه رغم كونهم من الناحية العقلية يمكن صدور الذنب والمعصية منهم، ولكنّه غير ممكن عادةً لأن عقلهم وتقواهم ومعرفتهم بالنسبة إلى جميع الذنوب والمعاصي كعلم الشخص العادي بالنسبة إلى الخروج عارياً إلى الشارع، فكما أن الإنسان العادي معصوم من مثل هذا الذنب، فالأئمّة المعصومون (عليهم السلام)أيضاً يتمتعون بمقام العصمة في مقابل جميع الذنوب، فمن المحال عادةً أن يقوموا بارتكاب المعصية حتّى لو كان صدورها منهم ممكن عقلاً.
إذن فالعصمة هنا ليست أمراً جبرياً وليست بحيث تكون خارجة عن اختيار المعصومين (عليهم السلام) وإلاّ فلا قيمة لمثل هذه الأعمال.
والنتيجة هي أن الإرادة الإلهية في هذه الآية الشريفة هي إرادة تكوينية، والعصمة هنا لا تسلب الإختيار والإرادة من الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ولا تجبرهم على ترك المعصية والذنوب بل إنّ هؤلاء الرجال لا يتوجهون نحو الذنوب بكمال حريتهم واختيارهم.
*:ـ المراد من «الرِّجس»
الرجس بمعنى القبيح، فتارةً يطلق على الاُمور المادية القبيحة، واُخرى على الاُمور المعنوية القبيحة، وثالثة قد يطلق ويستعمل على كلا الأمرين كما ذكر ذلك الراغب في مفرداته.
ولكلِّ مورد من هذه الموارد الثلاثة في استعمال كلمة «الرجس» هناك شاهد من القرآن الكريم :
ألف ـ الرجس المعنوي : وهو ما ورد في الآية 125 من سورة التوبة.
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كافِروُن).
فإنّ عبارة «في قلوبهم مرض» تطلق غالباً على المنافقين ومن كانوا يعيشون المرض القلبي حقيقةً في نفاقهم، وإلاّ فإنّ الإنسان السليم إمّا أن يقبل الأوامر الإلهية ويكون مسلماً أو يردّها ويكون كافراً، ولكن أن يقبلها في الظاهر وفي عالم العمل والممارسة ولكنه لا يعتقد بها في قلبه، فهذا هو النفاق وهو نوع من المرض القلبي.
وعلى أيّة حال فإنّ كلمة «الرجس» في هذه الآية الشريفة وردت بمعنى القبح المعنوي فإنّ النفاق نوع من القبح المعنوي لا القبح المادي الظاهري.
ب ـ الرجس الظاهري والمادي : وهو ما ورد في الآية 145 من سورة الأنعام :
(قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَآ اُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزير فَاِنَّهُ رِجْسٌ...).
ومن الواضح أن الرجس استخدم في هذه الآية الشريفة بمعنى القبح المادي والظاهري.
ج ـ الرجس المعنوي والمادي : ونقرأ في الآية 90 من سورة المائدة أن «الرجس» استخدم بكلا المعنيين :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالاَْنْصابُ وَالاَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وهنا نجد أن «الرجس» في هذه الآية الشريفة استخدم في كلا المعنيين المادي والمعنوي لأن الخمر له حكم النجاسة المادية، ولكن القمار والأزلام ليست كذلك بل هي من الرجس المعنوي.
والنتيجة هي أن كلمة «الرجس» في الآيات الشريفة لها معنى عام وتشمل جميع القبائح الظاهرية والمعنوية والأخلاقية والعقائدية والجسمية والروحية، وعليه فإنّ الله تعالى في آية التطهير وبإرادته التكوينية قد طهّر أهل البيت (عليهم السلام) من جميع أنواع الرجس بمعناه الواسع.
والدليل على أن الرجس استخدم في هذه الآية الشريفة في جميع أنواع الرجس المادي والمعنوي هو إطلاق هذه الكلمة، أي أن هذه الكلمة لم ترد بالآية الشريفة مقيّدة بقيد أو مشروطة بشرط بل وردت بصورة مطلقة وبدون قيد أو شرط ، فلذلك تستوعب في مضمونها جميع أنواع الرجس.
عن الشوكاني - فتح القدير - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 278 ) : ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ، والمراد بالرجس الإثم والذنب المدنسان للأعراض الحاصل ، أن بسبب ترك ما أمر الله به وفعل ما نهى عنه فيدخل تحت ذلك كل ما ليس فيه لله رضا.
(وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) هذه الجملة في الواقع تأكيد وتفسير للجملة السابقة (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) فطبقاً لهذه الآية فإن «أهل البيت» طاهرون من الرجس وكلُّ عمل قبيح بالإرادة الإلهية التكوينية، فهم يتمتعون بمقام العصمة المطلقة. ويستفاد من الآية الشريفة أن «أهل البيت» يتمتعون بخصوصية تميّزهم عن سائر المسلمين وهي مقام الطهارة والعصمة المطلقة ، وقد تم في الجزئين(2, 3 ) من هذا البحث بيان مصداق اهل البيت(ع) وذلك من خلال السنة النبويه الشريفه
فالروايات صريحة وواضحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خصص وحدد مفهوم أهل البيت في أصحاب الكساء فقط دون غيرهم ، فلقد كان صلىالله عليه وآله وسلم يؤكد هذا الحصر بهؤلاء عند خروجه للصلاة فيأتي باب الزهراء البتول فاطمة عليها السلام وينادي السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته أهل البيت
« إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » كل
يوم خمس مرات لمدة تسعة أشهر أو سبعة أشهر أو ستة أشهر على اختلاف الروايات
(مسند أبي داود 8 : 274. وأسد الغابة 5 : 521. وطبقات ابن سعد 7 : 306.
والبداية والنهاية / ابن كثير 8 : 205. والمنتخب / الطريحي : 186 ط النجف)
راجع بذلك كل من الطبري وابن كثير والسيوطي في تفاسيرهم.
وقد قال ابن حجر (وإنّ أكثر المفسرين على انّها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين) (الصواعق المحرقة : 143.).
وتواتر النص بذلك من جماعة من الصحابة والتابعين ، وانهاه ابن جرير الطبري في تفسيره ـ جامع البيان ـ إلى خمسة عشر طريقا ، والسيوطي في تفسيره ـ الدر المنثور ـ عند تفسير هذه الآية من سورة الاحزاب إلى عشرين طريقا. يفهم ذلك من له أدنى مسكة إلمام باللغة العربية فالمصطفى(ص) يقول : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ) وفي رواية الترمذي ( وخاصتي ) ومعنى هذا أن هؤلاء هم أهل بيته فقط دون غيرهم ولو كان المفهوم يشمل هؤلاء وغيرهم " من الموجودين في عصره " من نسائه أو عشيرته لكان الأصح والأنسب أن يقول : ( اللهم هؤلاء من أهل البيت ) لا أن يقول : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ) الذي يفيد حصر المفهوم كله فيهم . وبعد هذا فنقول أن دلالة الآية الكريمة على عصمة هؤلاء في غاية الوضوح فالله سبحانه وتعالى " كما هو ظاهر الآية " أذهب عنهم بإرادته ( التكوينية ) التي لا يتخلف المراد فيها عن الإرادة أذهب عنهم الرجس الذي هو كل قذارة مادية ومعنوية وطهرهم من كل رجس ودنس تطهيرا وهذا عين العصمة وحقيقتها .
وللمزيد من التوضيح نورد القرائن الاتيه :ـ
القرينة الاولى : إنّ الآل والأهل تدلاّن على النسب دون السبب (راجع لسان العرب 11 : 38. والنهاية / ابن الاثير 1 : 81.) ، بل جاء بالاثر عن زيد بن أرقم عندما سُئل من أهل بيته ، نساؤه؟!
قال : لا ، وايم اللّه ، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها ، فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حُرموا الصدقة بعده (الجامع الصحيح / مسلم بن الحجاج 7 : 123.).
القرينة الثانيه : قال تعالى : « فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين » (سورة آل عمران : 3 / 61.) ، وقد أطبق المفسرون ، واتفقت الرواية ، وأيّده التاريخ : إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حضر للمباهلة ، ولم يحضر معه إلاّ علي وفاطمة والحسنان عليهمالسلام ) (الميزان في تفسير القرآن للسيد محمد حسين الطباطبائي 3 : 223.).
وقد خصّهم اللّه تعالى قبل رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم باسم الأنفس والنساء والأبناء لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم. وليس المراد في الآية بلفظ نسائنا فاطمة ، وبلفظ أنفسنا علي ، بل المراد انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ لم يأتِ في مقام الامتثال إلاّ به وبها ، كشف ذلك انها هي المصداق الفرد لنسائنا ، وإنّه هو المصداق الوحيد لأنفسنا ، وإنّهما مصداق أبنائنا.
وكان المراد بالأبناء والنساء والأنفس في الآية هو الأهل ، فهم أهل بيت رسول اللّه وخاصته ، كما ورد في بعض الروايات بعد ذكر اتيانه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي ( رويت هذه الجملة في صحيح مسلم 7 : 119 في باب مناقب علي عليهالسلام) ، فإنّ معنى الجملة : إنّي لم أجد من أدعوه غير هؤلاء (الميزان / الطباطبائي 3 : 338 ط مؤسسة آل البيت عليهمالسلام.).
فإذا كان كذلك عُلِمَ دخولهم في أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله وسلم بلا ريب ولاشك ، وقد استقصى صاحب كتاب خصائص الوحي المبين المصادر والطرق لرواية انّها نزلت في الخمسة من مسند أحمد لغيره ، وأضاف المحقق الشيخ محمد باقر المحمودي مصادر كثيرة اخرى في تعليقته على هذا الكتاب (راجع : خصائص الوحي المبين / يحيى بن الحسن الحلي المعروف بابن البطريق : 67 ـ 78.) فيسقط بهذا القول الأول ، كما سيأتي وجه
* وان جمع من المفسرين عندما يصلون إلى هذه الآية المباركة يأخذون بالحديث حول مقام أهل البيت عليهمالسلام ، ويذكرون الخمسة بالخصوص ويثنون عليهم ، بما أثنى اللّه تعالى ورسوله عليهم
راجع : التفسير الكبير / الفخر الرازي. والكشاف / الزمخشري. وتفسير ابن كثير وغيرها.
القرينة الثالثه : كثرة الروايات في ذلك (ومن أحب ان يلاحظ اختصاص ـ أهل البيت ـ بالخمسة المباركة فعليه بكتاب اللؤلؤة البيضاء في فضائل الزهراء ، للسيد طالب الخرسان : 33 ـ 45 ذكر في تلك الصفحات روايات جمّة في ذلك مع ذكر لمصادرها ، فليراجع. وذكر مثله السيد الطباطبائي في ميزانه 16 : 316 ـ 319 روايات عدة في ذلك.).
القرينة الرابعه : ونزيد ذلك بيانا بتساؤل مؤدّاه : ما للخطاب عندما يبدأ بالارشاد والامر يبدأ بالنون ، وبه يختم؟! فإذا وصل إلى هذا المقطع من الآية المباركة انقلبت النون منكفئة ، وظهر بدلها ميم للجمع تصرخ بمل ء فيها انني غير تلك فلاحظوا.
ثم إذا تمّت النعمة واكتمل الامر لكل ذي لب ، رجعت النون تزهو في محلّها بخطابٍ لطيفٍ لنساء كان قدرهنَّ ان يكنَّ أمهاتٍ للمؤمنين ، بأن يذكرن ما يُتلى في بيوتهنَّ من آيات اللّه والحكمة.
ففي الواقع ان الخطاب لهنّ بالاوامر الالهية قد انتهى بقوله تعالى : « وأطعنَ اللّه ورسوله » ثم ابتدأ بعد ذلك المقطع ثانيا بتذكيرهنَّ بان يذكرن ما يُتلى في بيوتهنّ من آيات اللّه والحكمة ، ومن جملة ذلك ، ذلك المقطع بعينه بالخصوص.
فيتردد ذو اللب بين أمرين :
فإمّا أن يكون خطابا لهنَّ مع غيرهنَّ من رجالٍ لم يُذكروا أصلاً ، وإمّا أن يكون خطابا لغيرهنَّ.
ونقول : هل يصلح الأمر اذا كان الخطاب لمجموعة من النساء أولاً : « من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبيِّنة يُضاعفُ لها العذاب ضعفين » ، ثم يقول المخاطب الحكيم : « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » فأي اذهاب للرجس هذا ، وأي تطهير؟! فلاحظ.
ثم ألم يلاحظ من يدّعي انّ هذا المقطع لنساء النبي خاصة أو بالاضافة لمجموعة اُخرى ، سينقلب الامرُ عليه وهو مصرٌّ على ذلك ولا يدري ، وذلك لانّه قال تعالى : « وقرنَ في بيوتكنَّ ولا تبرجنَ تبرج الجاهلية الاُولى .. ».
فالاستقرار في البيت أولاً وعدم التبرّج ثانيا يكون على مبناه من حيث يدري أو لا يدري شرطا في اذهاب الرجس والتطهير ، واذا باحداهنّ قد خرجت ولم تستقر في بيتها وهي ـ عائشة ـ فعلى هذا ما ذهب الرجس عنها ولم تطهر أصلا ، فإذا وافق بالمقدّم فليوافق في النتيجة واذا رفض النتيجة فالمقدّم مثله باطل فتكون بهذا خارجة من خطاب التطهير واذهاب الرجس ، وهو الامر الذي يصرُّ عليه الحكيم.
وقرينة اُخرى : تبقى قضية السياق ـ وهو مع الأسف ـ غير قابل للدلالة لملاحظات عدّة : وذلك لاتفاق الكلّ حتّى القائل باختصاصها بالنساء وهو القول الشاذ جدّا ، لا يقول بانّها نزلت سويّة ، بل الكل يعلم بانّ هذا المقطع من الآية المباركة نزل لوحده ، وهذه الأحاديث الكثيرة تنصّ على ذلك ، ولم ترد ولا رواية واحدة وان كانت ضعيفة جدّا تذكر انها نزلت بالاضافة إلى بقية الآيات.
القرينة الخامسه : بل هذا السياق سيكون مشكلة للذي يتمسّك به ، فاننا إذا اردنا استيعاب الأمر بصورة جيّدة ، علينا ان نجعل الآيات المباركات نصب أعيننا للنظر فنرى ..
قال تعالى : « يا أيُّها النبي قل لأزواجك ان كنتنّ تُردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأُسرحكن سراحا جميلاً * وان كنتنّ تُردنَ اللّه ورسوله والدار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرا عظيما * يا نساء النبي من يأتِ منكنّ بفاحشةٍ مُبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرا * ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما * يا نساء النبي لستنّ كأحدٍ من النساء إن اتقيتنَّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا * وقرنَ في بيوتِكُنَّ ولا تبرجنَ تبرج الجاهلية الاُولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة واطعن اللّه ورسوله إنّما يريدُ اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * واذكرن ما يُتلى في بيوتكنَّ من آيات اللّه والحكمة إنّ اللّه كان لطيفا خبيرا » (سورة الأحزاب : 33 / 28 ـ 34.) ، ثم بعد ذلك يذكر المسلمين والمسلمات .. ويبيّن ما أعدّ لهم من مغفرة وأجر عظيم فلاحظ ، واللّه قد وصف نفسه باللّطف وبكونه خبيرا .. فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وهو يعلم الغيب واسراره ودقائقه ... فلاحظ وركّز على شيء مهم وهو قوله تعالى : « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » ، فجعلَ الأهل مضافا للبيت ، الذي هو مفرد وهو معرفة ، ولاحظ بعد ذلك قوله جلَّ ذكره : « واذكرن ما يُتلى في بيوتكُنّ من آيات اللّه والحكمة » ، فهل تشاهد الفرق البيّن ، والكلام اللطيف .. فقد عبّر في «بيوتكنَّ» وهو جمع ولم يكن مفردا كما كان في آية التطهير ولم تكن لهذه معرفة إلاّ بالاضافة لهنّ بالخصوص ، وما اضفن إلى البيت الطاهر فأين ذهب التعريف والتشخيص؟!!
فهل أصبح البيت بيوتا أم يريد أن يبيّن ان تلك البيوت ليست بذلك البيت؟
وإن كان ذاك إشارة إلى بيت النبوة وهذه إلى البيوت الطينية إلاّ أنّ في الفرق لعبرة.
لذا قال السيد عبدالحسين شرف الدين رحمهالله : (وقد أجمعت كلمة أهل القبلة ، من أهل المذاهب الإسلامية كلّها على انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا نزل الوحي بها « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » عليه ضمَّ سبطيه وأباهما وأمهما إليه ، ثمّ غشّاهم ونفسه بذلك الكساء ، تمييزا لهم على سائر الأبناء والانفس والنساء.
فلمّا انفردوا تحته عن كافّة اسرته ، واحتجبوا به عن بقيّة أُمّته بلّغهم الآية ، وهم على تلك الحال ، حرصا على ان لا يطمع بمشاركتهم فيها أحد من الصحابة والآل ، فقال مخاطبا لهم ، وهم في معزل عن كافة الناس : « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » فازاح صلىاللهعليهوآلهوسلم بحجبهم في كسائه حينئذٍ حُجُبَ الريب ، وهتك سرف الشبهات ، فبرح الخفاء بحكمته البالغة ، وسطعت أشعة الظهور ببلاغه
المبين ، والحمد للّه رب العالمين) (الكلمه الغراء / السيد عبدالحسين شرف الدين : 204 ـ 205.).
قال الشيخ المظفر في «دلائل الصدق» : (إنّ هذا التمييز انما هو للاتصال بالنبي وآله عليهمالسلام ، لا لذواتهنّ فهنّ في محل ، وأهل البيت في محل آخر ، فليست الآية الكريمة إلاّ كقول القائل : يا زوجة فلان لست كأزواج سائر الناس فتعففي ، وتستري ، وأطيعي اللّه تعالى ، إنّما زوجك من بيت أطهار يريد اللّه حفظهم من الادناس ، وصونهم من النقائص) (دلائل الصدق / الشيخ محمد حسن المظفر 2 : 72.) .
ومن النافع هنا ذكر بعض مما نقله الالوسي في تفسيره عند مروره بـ (آية التطهير المباركه) وكمايلي:ـ
أخرج الحكيم الترمذي . والطبراني . وابن مردويه . وأبو نعيم . والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً " فذلك قوله تعالى : { وأصحاب اليمين } [ الواقعة : 27 ] { وأصحاب الشمال } [ الواقعة : 41 ] فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثاً فذلك قوله تعالى : { وأصحاب المشئمة مَا أصحاب المشئمة * والسابقون السابقون } [ الواقعة : 9 ، 0 1 ] فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل إلا ثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله تعالى : { وجعلناكم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لتعارفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم } [ الحجرات : 3 1 ] وأنا أتقي ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً فذلك قوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً } أنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب» فإن المتبادر من البيت الذي هو قسم من القبيلة البيت النسبي ، واختلف في المراد بأهله فذهب الثعلبي إلى أن المراد بهم جميع بني هاشم ذكورهم وإناثهم ، والظاهر أنه أراد مؤمني بني هاشم وهذا هو المراد بالآل عند الحنفية ، وقال بعض الشافعية : المراد بهم آله صلى الله عليه وسلم الذين هم مؤمنو بني هاشم . والمطلب ، وذكر الراغب أن أهل البيت تعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً وأسرة الرجل على ما في «القاموس» رهطه أي قومه وقبيلته الأدنون ، وقال في موضع آخر : صار أهل البيت متعارفاً في ءاله عليه الصلاة والسلام ، وصح عن زيد ابن أرقم في حديث أخرجه مسلم أنه قيل له : من أهل بيته نساؤه صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده صلى الله عليه وسلم ، وفي آخر أخرجه هو أيضاً مبين هؤلاء الذي حرموا الصدقة أنه قال : هم آل علي . وآل عقيل . وآل جعفر . وآل عباس ، وقال بعض الشيعة : أهل البيت سواء أريد به البيت المدر والخشب أم بيت القرابة والنسب عام ، أما عمومه على الثاني فظاهر ، وأما على الأول فلأنه يشمل الإماء والخدم فإن البيت المدري يسكنه هؤلاء أيضاً وقد صح ما يدل على أن العموم غير مراد .
أخرج الترمذي . والحاكم وصححاه . وابن جرير . وابن المنذر . وابن مردويه . والبيهقي . في سننه من طرق عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت وفي البيت فاطمة وعلى . والحسن . والحسين فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ثلاث مرات .
وفي بعض آخر أنه عليه الصلاة والسلام ألقى عليهم كساء فدكياً ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وفي لفظ آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
وجاء في رواية أخرجها الطبراني عن أم سلمة أنها قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه صلى الله عليه وسلم من يدي وقال : إنك على خير ، وفي أخرى رواها ابن مردويه عنها أنها قالت ألست من أهل البيت؟ فقال صلى الله عليه وسلم إنك إلى خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخرها رواها الترمذي . وجماعة عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي عليه الصلاة والسلام قال : قالت أم سلمة وأنا معهم : يا نبي الله قال : أنت على مكانك وإنك على خير ، وأخبار إدخاله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وابنيهما رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء ، وقوله عليه الصلاة والسلام اللهم هؤلاء أهل بيتي ودعائه لهم وعدم إدخال أم سلمة أكثر من أن تحصى ، وهي مخصصة لعموم أهل البيت بأي معنى كان البيت فالمراد بهم من شملهم الكساء ولا يدخل فيهم أزواجه صلى الله عليه وسلم ، وقد صرح بعدم دخولهن من الشيعة عبد الله المشهدي وقال المراد من البيت بيت النبوة ولا شك أن أهل البيت لغة شامل للأزواج بل للخدام من الإماء اللائي يسكن في البيت أيضاً : وليس المراد هذا المعنى اللغوي بهذه السعة بالاتفاق فالمراد به آل العباء الذين خصصهم حديث الكساء وقال أيضاً : إن كون البيوت جمعاً في { بُيُوتِكُنَّ } وإفراد البيت في { أَهْلَ البيت } يدل على أن بيوتهن غير بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه ما ستعلمه إن شاء الله تعالى .
.... وما روي عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه من نفي كون أزواجه صلى الله عليه وسلم أهل بيته وكون أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده عليه الصلاة والسلام فالمراد بأهل البيت فيه أهل البيت الذين جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني الثقلين لا أهل البيت بالمعنى الأعم المراد في الآية ، ويشهد لهذا ما في «صحيح مسلم» عن يزيد بن حبان قال : انطلقت أنا . وحصين بن سبرة . وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً حدثنا يا زيد بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا لا تكلفونيه ثم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : " أما بعد ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من من أهل بيته؟ قال : نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال : ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل . وآل جعفر . وآل عباس "
الحديث فإن الاستدراك بعد جعله النساء من أهل بيته صلى الله عليه وسلم ظاهر في أن الغرض بيان المراد بأهل البيت في الحديث الذي حدث به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم فيه ثاني الثقلين فلأهل البيت إطلاقان يدخل في أحدهما النساء ولا يدخلن في الآخر وبهذا يحصل الجمع بين هذا الخبر والخبر السابق المتضمن نفيه رضي الله تعالى عنه كون النساء من أهل البيت .
وقال بعضهم : إن ظاهر تعليله نفي كون النساء أهل البيت بقوله : وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها يقتضي أن لا يكن من أهل البيت مطلقاً فلعله أراد بقوله في الخبر السابق نساؤه من أهل بيته أنساؤه الخ بهمزة الاستفهام الإنكاري فيكون بمعنى ليس نساؤه من أهل بيته كما في معظم الروايات في غير «صحيح مسلم» ويكون رضي الله تعالى عنه ممن يرى أن نساءه عليه الصلاة والسلام لسن من أهل البيت أصلاً ولا يلزمنا أن ندين الله تعالى برأيه لا سيما وظاهر الآية معنا وكذا العرف وحينئذٍ يجوز أن يكون أهل البيت الذين هم أحد الثقلين بالمعنى الشامل للأزواج وغيرهن من أصله وعصبته صلى الله عليه وسلم الذين حرموا الصدقة بعده ولا يضر في ذلك عدم استمرار بقاء الأزواج كما استمر بقاء الآخرين مع الكتاب كما لا يخفى ، وأنت تعلم أن ظاهر ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم : " إني تارك فيكم خليفتين وفي رواية ثقلين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " يقتضي أن النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين لأن عترة الرجل كما في «الصحاح» نسله ورهطه الأدنون ، وأهل بيتي في الحديث الظاهر أنه بيان له أو بدل منه بدل كل من كل وعلى التقديرين يكون متحداً معه فحيث لم تدخل النساء في الأول لم تدخل في الثاني . وفي النهاية أن عترة النبي صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب .
وقد قال ابن حجر (وإنّ أكثر المفسرين على انّها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين) (الصواعق المحرقة : 143.).
وتواتر النص بذلك من جماعة من الصحابة والتابعين ، وانهاه ابن جرير الطبري في تفسيره ـ جامع البيان ـ إلى خمسة عشر طريقا ، والسيوطي في تفسيره ـ الدر المنثور ـ عند تفسير هذه الآية من سورة الاحزاب إلى عشرين طريقا. يفهم ذلك من له أدنى مسكة إلمام باللغة العربية فالمصطفى(ص) يقول : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ) وفي رواية الترمذي ( وخاصتي ) ومعنى هذا أن هؤلاء هم أهل بيته فقط دون غيرهم ولو كان المفهوم يشمل هؤلاء وغيرهم " من الموجودين في عصره " من نسائه أو عشيرته لكان الأصح والأنسب أن يقول : ( اللهم هؤلاء من أهل البيت ) لا أن يقول : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ) الذي يفيد حصر المفهوم كله فيهم . وبعد هذا فنقول أن دلالة الآية الكريمة على عصمة هؤلاء في غاية الوضوح فالله سبحانه وتعالى " كما هو ظاهر الآية " أذهب عنهم بإرادته ( التكوينية ) التي لا يتخلف المراد فيها عن الإرادة أذهب عنهم الرجس الذي هو كل قذارة مادية ومعنوية وطهرهم من كل رجس ودنس تطهيرا وهذا عين العصمة وحقيقتها .
وللمزيد من التوضيح نورد القرائن الاتيه :ـ
القرينة الاولى : إنّ الآل والأهل تدلاّن على النسب دون السبب (راجع لسان العرب 11 : 38. والنهاية / ابن الاثير 1 : 81.) ، بل جاء بالاثر عن زيد بن أرقم عندما سُئل من أهل بيته ، نساؤه؟!
قال : لا ، وايم اللّه ، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها ، فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حُرموا الصدقة بعده (الجامع الصحيح / مسلم بن الحجاج 7 : 123.).
القرينة الثانيه : قال تعالى : « فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين » (سورة آل عمران : 3 / 61.) ، وقد أطبق المفسرون ، واتفقت الرواية ، وأيّده التاريخ : إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم حضر للمباهلة ، ولم يحضر معه إلاّ علي وفاطمة والحسنان عليهمالسلام ) (الميزان في تفسير القرآن للسيد محمد حسين الطباطبائي 3 : 223.).
وقد خصّهم اللّه تعالى قبل رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم باسم الأنفس والنساء والأبناء لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم. وليس المراد في الآية بلفظ نسائنا فاطمة ، وبلفظ أنفسنا علي ، بل المراد انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ لم يأتِ في مقام الامتثال إلاّ به وبها ، كشف ذلك انها هي المصداق الفرد لنسائنا ، وإنّه هو المصداق الوحيد لأنفسنا ، وإنّهما مصداق أبنائنا.
وكان المراد بالأبناء والنساء والأنفس في الآية هو الأهل ، فهم أهل بيت رسول اللّه وخاصته ، كما ورد في بعض الروايات بعد ذكر اتيانه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي ( رويت هذه الجملة في صحيح مسلم 7 : 119 في باب مناقب علي عليهالسلام) ، فإنّ معنى الجملة : إنّي لم أجد من أدعوه غير هؤلاء (الميزان / الطباطبائي 3 : 338 ط مؤسسة آل البيت عليهمالسلام.).
فإذا كان كذلك عُلِمَ دخولهم في أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله وسلم بلا ريب ولاشك ، وقد استقصى صاحب كتاب خصائص الوحي المبين المصادر والطرق لرواية انّها نزلت في الخمسة من مسند أحمد لغيره ، وأضاف المحقق الشيخ محمد باقر المحمودي مصادر كثيرة اخرى في تعليقته على هذا الكتاب (راجع : خصائص الوحي المبين / يحيى بن الحسن الحلي المعروف بابن البطريق : 67 ـ 78.) فيسقط بهذا القول الأول ، كما سيأتي وجه
* وان جمع من المفسرين عندما يصلون إلى هذه الآية المباركة يأخذون بالحديث حول مقام أهل البيت عليهمالسلام ، ويذكرون الخمسة بالخصوص ويثنون عليهم ، بما أثنى اللّه تعالى ورسوله عليهم
راجع : التفسير الكبير / الفخر الرازي. والكشاف / الزمخشري. وتفسير ابن كثير وغيرها.
القرينة الثالثه : كثرة الروايات في ذلك (ومن أحب ان يلاحظ اختصاص ـ أهل البيت ـ بالخمسة المباركة فعليه بكتاب اللؤلؤة البيضاء في فضائل الزهراء ، للسيد طالب الخرسان : 33 ـ 45 ذكر في تلك الصفحات روايات جمّة في ذلك مع ذكر لمصادرها ، فليراجع. وذكر مثله السيد الطباطبائي في ميزانه 16 : 316 ـ 319 روايات عدة في ذلك.).
القرينة الرابعه : ونزيد ذلك بيانا بتساؤل مؤدّاه : ما للخطاب عندما يبدأ بالارشاد والامر يبدأ بالنون ، وبه يختم؟! فإذا وصل إلى هذا المقطع من الآية المباركة انقلبت النون منكفئة ، وظهر بدلها ميم للجمع تصرخ بمل ء فيها انني غير تلك فلاحظوا.
ثم إذا تمّت النعمة واكتمل الامر لكل ذي لب ، رجعت النون تزهو في محلّها بخطابٍ لطيفٍ لنساء كان قدرهنَّ ان يكنَّ أمهاتٍ للمؤمنين ، بأن يذكرن ما يُتلى في بيوتهنَّ من آيات اللّه والحكمة.
ففي الواقع ان الخطاب لهنّ بالاوامر الالهية قد انتهى بقوله تعالى : « وأطعنَ اللّه ورسوله » ثم ابتدأ بعد ذلك المقطع ثانيا بتذكيرهنَّ بان يذكرن ما يُتلى في بيوتهنّ من آيات اللّه والحكمة ، ومن جملة ذلك ، ذلك المقطع بعينه بالخصوص.
فيتردد ذو اللب بين أمرين :
فإمّا أن يكون خطابا لهنَّ مع غيرهنَّ من رجالٍ لم يُذكروا أصلاً ، وإمّا أن يكون خطابا لغيرهنَّ.
ونقول : هل يصلح الأمر اذا كان الخطاب لمجموعة من النساء أولاً : « من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبيِّنة يُضاعفُ لها العذاب ضعفين » ، ثم يقول المخاطب الحكيم : « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » فأي اذهاب للرجس هذا ، وأي تطهير؟! فلاحظ.
ثم ألم يلاحظ من يدّعي انّ هذا المقطع لنساء النبي خاصة أو بالاضافة لمجموعة اُخرى ، سينقلب الامرُ عليه وهو مصرٌّ على ذلك ولا يدري ، وذلك لانّه قال تعالى : « وقرنَ في بيوتكنَّ ولا تبرجنَ تبرج الجاهلية الاُولى .. ».
فالاستقرار في البيت أولاً وعدم التبرّج ثانيا يكون على مبناه من حيث يدري أو لا يدري شرطا في اذهاب الرجس والتطهير ، واذا باحداهنّ قد خرجت ولم تستقر في بيتها وهي ـ عائشة ـ فعلى هذا ما ذهب الرجس عنها ولم تطهر أصلا ، فإذا وافق بالمقدّم فليوافق في النتيجة واذا رفض النتيجة فالمقدّم مثله باطل فتكون بهذا خارجة من خطاب التطهير واذهاب الرجس ، وهو الامر الذي يصرُّ عليه الحكيم.
وقرينة اُخرى : تبقى قضية السياق ـ وهو مع الأسف ـ غير قابل للدلالة لملاحظات عدّة : وذلك لاتفاق الكلّ حتّى القائل باختصاصها بالنساء وهو القول الشاذ جدّا ، لا يقول بانّها نزلت سويّة ، بل الكل يعلم بانّ هذا المقطع من الآية المباركة نزل لوحده ، وهذه الأحاديث الكثيرة تنصّ على ذلك ، ولم ترد ولا رواية واحدة وان كانت ضعيفة جدّا تذكر انها نزلت بالاضافة إلى بقية الآيات.
القرينة الخامسه : بل هذا السياق سيكون مشكلة للذي يتمسّك به ، فاننا إذا اردنا استيعاب الأمر بصورة جيّدة ، علينا ان نجعل الآيات المباركات نصب أعيننا للنظر فنرى ..
قال تعالى : « يا أيُّها النبي قل لأزواجك ان كنتنّ تُردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأُسرحكن سراحا جميلاً * وان كنتنّ تُردنَ اللّه ورسوله والدار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرا عظيما * يا نساء النبي من يأتِ منكنّ بفاحشةٍ مُبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرا * ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما * يا نساء النبي لستنّ كأحدٍ من النساء إن اتقيتنَّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا * وقرنَ في بيوتِكُنَّ ولا تبرجنَ تبرج الجاهلية الاُولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة واطعن اللّه ورسوله إنّما يريدُ اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * واذكرن ما يُتلى في بيوتكنَّ من آيات اللّه والحكمة إنّ اللّه كان لطيفا خبيرا » (سورة الأحزاب : 33 / 28 ـ 34.) ، ثم بعد ذلك يذكر المسلمين والمسلمات .. ويبيّن ما أعدّ لهم من مغفرة وأجر عظيم فلاحظ ، واللّه قد وصف نفسه باللّطف وبكونه خبيرا .. فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وهو يعلم الغيب واسراره ودقائقه ... فلاحظ وركّز على شيء مهم وهو قوله تعالى : « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » ، فجعلَ الأهل مضافا للبيت ، الذي هو مفرد وهو معرفة ، ولاحظ بعد ذلك قوله جلَّ ذكره : « واذكرن ما يُتلى في بيوتكُنّ من آيات اللّه والحكمة » ، فهل تشاهد الفرق البيّن ، والكلام اللطيف .. فقد عبّر في «بيوتكنَّ» وهو جمع ولم يكن مفردا كما كان في آية التطهير ولم تكن لهذه معرفة إلاّ بالاضافة لهنّ بالخصوص ، وما اضفن إلى البيت الطاهر فأين ذهب التعريف والتشخيص؟!!
فهل أصبح البيت بيوتا أم يريد أن يبيّن ان تلك البيوت ليست بذلك البيت؟
وإن كان ذاك إشارة إلى بيت النبوة وهذه إلى البيوت الطينية إلاّ أنّ في الفرق لعبرة.
لذا قال السيد عبدالحسين شرف الدين رحمهالله : (وقد أجمعت كلمة أهل القبلة ، من أهل المذاهب الإسلامية كلّها على انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا نزل الوحي بها « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » عليه ضمَّ سبطيه وأباهما وأمهما إليه ، ثمّ غشّاهم ونفسه بذلك الكساء ، تمييزا لهم على سائر الأبناء والانفس والنساء.
فلمّا انفردوا تحته عن كافّة اسرته ، واحتجبوا به عن بقيّة أُمّته بلّغهم الآية ، وهم على تلك الحال ، حرصا على ان لا يطمع بمشاركتهم فيها أحد من الصحابة والآل ، فقال مخاطبا لهم ، وهم في معزل عن كافة الناس : « إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » فازاح صلىاللهعليهوآلهوسلم بحجبهم في كسائه حينئذٍ حُجُبَ الريب ، وهتك سرف الشبهات ، فبرح الخفاء بحكمته البالغة ، وسطعت أشعة الظهور ببلاغه
المبين ، والحمد للّه رب العالمين) (الكلمه الغراء / السيد عبدالحسين شرف الدين : 204 ـ 205.).
قال الشيخ المظفر في «دلائل الصدق» : (إنّ هذا التمييز انما هو للاتصال بالنبي وآله عليهمالسلام ، لا لذواتهنّ فهنّ في محل ، وأهل البيت في محل آخر ، فليست الآية الكريمة إلاّ كقول القائل : يا زوجة فلان لست كأزواج سائر الناس فتعففي ، وتستري ، وأطيعي اللّه تعالى ، إنّما زوجك من بيت أطهار يريد اللّه حفظهم من الادناس ، وصونهم من النقائص) (دلائل الصدق / الشيخ محمد حسن المظفر 2 : 72.) .
ومن النافع هنا ذكر بعض مما نقله الالوسي في تفسيره عند مروره بـ (آية التطهير المباركه) وكمايلي:ـ
أخرج الحكيم الترمذي . والطبراني . وابن مردويه . وأبو نعيم . والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً " فذلك قوله تعالى : { وأصحاب اليمين } [ الواقعة : 27 ] { وأصحاب الشمال } [ الواقعة : 41 ] فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثاً فذلك قوله تعالى : { وأصحاب المشئمة مَا أصحاب المشئمة * والسابقون السابقون } [ الواقعة : 9 ، 0 1 ] فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل إلا ثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله تعالى : { وجعلناكم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لتعارفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم } [ الحجرات : 3 1 ] وأنا أتقي ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً فذلك قوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً } أنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب» فإن المتبادر من البيت الذي هو قسم من القبيلة البيت النسبي ، واختلف في المراد بأهله فذهب الثعلبي إلى أن المراد بهم جميع بني هاشم ذكورهم وإناثهم ، والظاهر أنه أراد مؤمني بني هاشم وهذا هو المراد بالآل عند الحنفية ، وقال بعض الشافعية : المراد بهم آله صلى الله عليه وسلم الذين هم مؤمنو بني هاشم . والمطلب ، وذكر الراغب أن أهل البيت تعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً وأسرة الرجل على ما في «القاموس» رهطه أي قومه وقبيلته الأدنون ، وقال في موضع آخر : صار أهل البيت متعارفاً في ءاله عليه الصلاة والسلام ، وصح عن زيد ابن أرقم في حديث أخرجه مسلم أنه قيل له : من أهل بيته نساؤه صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده صلى الله عليه وسلم ، وفي آخر أخرجه هو أيضاً مبين هؤلاء الذي حرموا الصدقة أنه قال : هم آل علي . وآل عقيل . وآل جعفر . وآل عباس ، وقال بعض الشيعة : أهل البيت سواء أريد به البيت المدر والخشب أم بيت القرابة والنسب عام ، أما عمومه على الثاني فظاهر ، وأما على الأول فلأنه يشمل الإماء والخدم فإن البيت المدري يسكنه هؤلاء أيضاً وقد صح ما يدل على أن العموم غير مراد .
أخرج الترمذي . والحاكم وصححاه . وابن جرير . وابن المنذر . وابن مردويه . والبيهقي . في سننه من طرق عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت وفي البيت فاطمة وعلى . والحسن . والحسين فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ثلاث مرات .
وفي بعض آخر أنه عليه الصلاة والسلام ألقى عليهم كساء فدكياً ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وفي لفظ آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
وجاء في رواية أخرجها الطبراني عن أم سلمة أنها قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه صلى الله عليه وسلم من يدي وقال : إنك على خير ، وفي أخرى رواها ابن مردويه عنها أنها قالت ألست من أهل البيت؟ فقال صلى الله عليه وسلم إنك إلى خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخرها رواها الترمذي . وجماعة عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي عليه الصلاة والسلام قال : قالت أم سلمة وأنا معهم : يا نبي الله قال : أنت على مكانك وإنك على خير ، وأخبار إدخاله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وابنيهما رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء ، وقوله عليه الصلاة والسلام اللهم هؤلاء أهل بيتي ودعائه لهم وعدم إدخال أم سلمة أكثر من أن تحصى ، وهي مخصصة لعموم أهل البيت بأي معنى كان البيت فالمراد بهم من شملهم الكساء ولا يدخل فيهم أزواجه صلى الله عليه وسلم ، وقد صرح بعدم دخولهن من الشيعة عبد الله المشهدي وقال المراد من البيت بيت النبوة ولا شك أن أهل البيت لغة شامل للأزواج بل للخدام من الإماء اللائي يسكن في البيت أيضاً : وليس المراد هذا المعنى اللغوي بهذه السعة بالاتفاق فالمراد به آل العباء الذين خصصهم حديث الكساء وقال أيضاً : إن كون البيوت جمعاً في { بُيُوتِكُنَّ } وإفراد البيت في { أَهْلَ البيت } يدل على أن بيوتهن غير بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه ما ستعلمه إن شاء الله تعالى .
.... وما روي عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه من نفي كون أزواجه صلى الله عليه وسلم أهل بيته وكون أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده عليه الصلاة والسلام فالمراد بأهل البيت فيه أهل البيت الذين جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني الثقلين لا أهل البيت بالمعنى الأعم المراد في الآية ، ويشهد لهذا ما في «صحيح مسلم» عن يزيد بن حبان قال : انطلقت أنا . وحصين بن سبرة . وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً حدثنا يا زيد بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا لا تكلفونيه ثم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : " أما بعد ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من من أهل بيته؟ قال : نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال : ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل . وآل جعفر . وآل عباس "
الحديث فإن الاستدراك بعد جعله النساء من أهل بيته صلى الله عليه وسلم ظاهر في أن الغرض بيان المراد بأهل البيت في الحديث الذي حدث به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم فيه ثاني الثقلين فلأهل البيت إطلاقان يدخل في أحدهما النساء ولا يدخلن في الآخر وبهذا يحصل الجمع بين هذا الخبر والخبر السابق المتضمن نفيه رضي الله تعالى عنه كون النساء من أهل البيت .
وقال بعضهم : إن ظاهر تعليله نفي كون النساء أهل البيت بقوله : وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها يقتضي أن لا يكن من أهل البيت مطلقاً فلعله أراد بقوله في الخبر السابق نساؤه من أهل بيته أنساؤه الخ بهمزة الاستفهام الإنكاري فيكون بمعنى ليس نساؤه من أهل بيته كما في معظم الروايات في غير «صحيح مسلم» ويكون رضي الله تعالى عنه ممن يرى أن نساءه عليه الصلاة والسلام لسن من أهل البيت أصلاً ولا يلزمنا أن ندين الله تعالى برأيه لا سيما وظاهر الآية معنا وكذا العرف وحينئذٍ يجوز أن يكون أهل البيت الذين هم أحد الثقلين بالمعنى الشامل للأزواج وغيرهن من أصله وعصبته صلى الله عليه وسلم الذين حرموا الصدقة بعده ولا يضر في ذلك عدم استمرار بقاء الأزواج كما استمر بقاء الآخرين مع الكتاب كما لا يخفى ، وأنت تعلم أن ظاهر ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم : " إني تارك فيكم خليفتين وفي رواية ثقلين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " يقتضي أن النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين لأن عترة الرجل كما في «الصحاح» نسله ورهطه الأدنون ، وأهل بيتي في الحديث الظاهر أنه بيان له أو بدل منه بدل كل من كل وعلى التقديرين يكون متحداً معه فحيث لم تدخل النساء في الأول لم تدخل في الثاني . وفي النهاية أن عترة النبي صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب .
وقيل أهل بيته الأقربون وهم
أولاده وعلي وأولاده رضي الله تعالى عنهم ، وقيل : عترته الأقربون
والأبعدون منهم . والذي رجحه القرطبي أنهم من حرمت عليهم الزكاة ، وفي كون
الأزواج المطهرات كذلك خلاف قال ابن حجر : والقول بتحريم الزكاة عليهن ضعيف
وإن حكى ابن عبد البر الإجماع عليه فتأمل ، ولا يرد على حمل أهل البيت في
الآية على المعنى الأعم ما أخرج ابن جرير . وابن أبي حاتم . والطبراني .
وعلى هذا : فـ (قد ثبتت عصمة أهل البيت عليهمالسلام بالوحي العزيز المُتّفق على روايته من الخاص والعام ، وما كان كذلك صحّ التمسك به ، والاستدلال يوضّح ذلك ، ويزيده إيضاحا وبيانا ما ذكره أحمد بن فارس اللغوي في كتاب ـ المجمل في اللغة ـ قال : الطهر خلاف الدنس ، والتطهير هو التنزّه عن الإثم وعن كلّ قبيح.
وهذا معنى العصمة ، لأنّ المعصوم هو الذي لا يواقع اثما ولا قبيحا ، وليس ذلك إلاّ مع تطهير اللّه عزَّ وجلّ له ، واذهاب الرجس عنه بارادته تعالى ، لا بارادة غيره جلّ وعلا.
ومن ثبت تطهيره بالوحي العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد ، وبالصحاح من قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على إجماع الشيعة والسُنّة ، ثبتت عصمته) (خصائص الوحي المبين / ابن البطريق : 79 ـ 80.)].
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير الخلق محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين المعصومين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم.
وعلى هذا : فـ (قد ثبتت عصمة أهل البيت عليهمالسلام بالوحي العزيز المُتّفق على روايته من الخاص والعام ، وما كان كذلك صحّ التمسك به ، والاستدلال يوضّح ذلك ، ويزيده إيضاحا وبيانا ما ذكره أحمد بن فارس اللغوي في كتاب ـ المجمل في اللغة ـ قال : الطهر خلاف الدنس ، والتطهير هو التنزّه عن الإثم وعن كلّ قبيح.
وهذا معنى العصمة ، لأنّ المعصوم هو الذي لا يواقع اثما ولا قبيحا ، وليس ذلك إلاّ مع تطهير اللّه عزَّ وجلّ له ، واذهاب الرجس عنه بارادته تعالى ، لا بارادة غيره جلّ وعلا.
ومن ثبت تطهيره بالوحي العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد ، وبالصحاح من قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على إجماع الشيعة والسُنّة ، ثبتت عصمته) (خصائص الوحي المبين / ابن البطريق : 79 ـ 80.)].
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير الخلق محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين المعصومين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق