الاثنين، 13 يوليو 2015

نسمة عطر من الرحيق المختوم


نسمة عطر من الرحيق المختوم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم.
شكرا لله الذي شرفنا وطهرنا بولاية أسماؤه الحسنى وكلماته التامات الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فهم الروح والريحان والجنة
ومن هذه الأسماء الحسنى والكلمات التامات مولانا ومقتدانا سمي الخاتم ووصيه وحفيد المرتضى ووريثه وفرع الزهراء من شبليها حجة الله في السماوات والارضين وباقر علوم الأولين والآخرين المولى ابوجعفر محمد الباقر(عليه السلام).
وبمناسبة الذكرى المباركة للمولد المقدس أتشرف بذكر هذه الأسطر المتواضعة واستغفر الله انه هو الغفور الرحيم
أولا ـ
إن مولانا الباقر (عليه السلام) هو أول مولود ولده مولانا المصطفى الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)مرتين ، فأبيه مولانا زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين(عليهما السلام )وأمه الطاهرة المطهرة فاطمة بنت الحسن(عليهما السلام) ،(الصديقة التي لم تدرك في آل الحسن مثلها) كما وصفها حفيدها مولانا الصادق(عليه السلام) .
ولد(عليه السلام) في غرة رجب سنة (57هـ) يوم الجمعة وقيل سنة (56هـ) ،فعلى الرواية الأولى :
كانت ولادته(عليه السلام) قبل أربع سنوات من واقعة الطف الخالدة ، وأقام (عليه السلام) طيلة حياته في مدينة جده المنورة دار الهجرة ، ولم يبرحها إلى بلد آخر كما يذكر المؤرخون , وقد توسعت الحوزة العلمية الناطقة بعهده(عليه السلام) توسعا كبيرا ، كان (عليه السلام)فيها الرائد الأكبر للحركات العلمية والفكرية والعقائدية والمعلم الأول، وقد اتخذ(عليه السلام) المسجد النبوي الشريف مقرا للحوزة الناطقة يلقي فيه محاضراته ودروسه العظيمة على طلابه ومحبيه حتى بقر العلم بقراً وأظهره إظهاراً فملأ الدنيا بعلمه وحديثه ومحاوراته.
وكانت مدة إمامته (عليه السلام) تسعة عشر عاماً ، عاصر خلالها:خمسة من طواغيت بني أميه(عليهم اللعنة)وهم:ـ
الوليد وسليمان ويزيد وهشام أبناء عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز.
واستشهد (عليه السلام) يوم الاثنين، السابع من ذي الحجة سنة 114هـ بعد أن دُسَ إليه السم من قبل طواغيت أميه(عليهم اللعنة)، فانتقل(عليه السلام) إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر وله من العمر 58 سنة ، وقد نص الإمام الباقر(عليه السلام) على إمامة ولده الإمام الصادق(عليه السلام) من بعده، وأوصى شيعته بلزوم أتباعه وطاعته .
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .
ثانيا ـ
إننا وبالرغم من أوهام نفوسنا الاماره بالسوء وما يزينه لنا الخبيث إبليس بوساوسه اللعينة ، والذي أدى بنا إلى التقصير وسوء الأدب في محضر الله (جلت قدرته) بسبب إسرافنا على أنفسنا ، إلا إن المولى القدوس (جل جلاله ) برحمته الواسعة وكرمه العظيم لم يتركنا لضعفنا بل أمدنا بكل سبل الهدايه والنجاة ودعانا وهو الرؤوف العطوف للولوج في أبواب توبته ليس لحاجة له منا فهو الغني المطلق عن الخلائق جميعا وعن طاعتهم وهو العزيز الحكيم الذي لاتضره ذنوب الخلائق جميعا لأنه الآمن من معصيتهم ، لكنه(جل جلاله )كنز لامتناهي العظمة خلق الخلائق ليُعرف وهو الذي كتب على نفسه الرحمة ، وسبقت رحمته غضبه ، ومن رحمة الله تشريفنا بمعرفة أبواب رحمته الواسعة ومنهم سفينة النجاة مولانا ابوجعفر محمد الباقر(عليه السلام) الذي أفاض على خلق الله الكثير من فاضل علومه وبركاته وأنفاسه الطاهرة ، ليهلك من هلك عن بينه ويحى من حيي عن بينه , فحري بنا ونحن ندعي الانقياد إلى هذه الشجرة الطيبة والانتماء إلى خير امة أخرجت للناس وقد أقبلت علينا الأشهر الثلاثة ألمقدسه
(رجب وشعبان ورمضان) أن نقوم بمحاولة إدخال السعادة على قلب العتره الطاهرة وذلك بحسن الأدب في محضر الله بعد أن نتعطر بعطر من الرحيق المختوم بالمسك والمهدى إلينا من مولانا الباقر(عليه السلام) من خلال بوابه وتلميذه شيخنا التقي الجليل والبطل النحرير جابر بن يزيد الجعفي .
لنداوي به داء قلوبنا وليكون بلسم لجراحنا ومنهاجا لأخيارنا...
ولن يتم ذلك إلا بعد أن نتوجه بنيات صادقه وقلوب خاشعة وعيون باكيه إلى الله الحنان المنان ونستشفع ونتوسل بنوره الجلي محمد وآل محمد(صلوات الله عليهم) عسى أن نفوز بشفاعتهم عند الله ، لأنهم هم الوجهاء عند الله فبحبهم وبطاعتهم وبقربهم فقط نفوز بالنجاة عند الله(جل جلاله).
فهنيئا لمن سمع ووعى وأطاع وصبر وعبد الله مخلصا له الدين ليكون من الذين صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ، فبسم الله وعلى بركة رسول الله وآل بيته الأطهار ، ينقل نسمه من هذا العطر ، قال (عليه السلام):ـ
[(أوصيك بخمس: إن ظُلمت فلا تظلم، وإن خانوك فلا تخن، وإن كُذْبت فلا تغضب، وإن مُدحت فلا تفرح، وإن ذممت فلا تجزع. وفكر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله عز وجل عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك: فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك. واعلم بأنك لن تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك، وقالوا: إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنك رجل صالح لم يسرك ذلك، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله فإن كنت سالكاً سبيله زاهداً في تزهيده راغباً في ترغيبه، خائفاً من تخويفه فاثبت وابشر، فإنه لا يضرك ما قيل فيك، وإن كنت مبايتاً للقرآن، فماذا الذي يغرك من نفسك. إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله، فينتعش، ويقبل الله عترته فيتذكر، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بأن الله يقول(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)(الاعراف210) يا جابر استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصاً إلى الشكر واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله ازراء على النفس وتعرضاً للعوف، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل، وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف، واحذر خفي التزين بحاضر الحياة، وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل، وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم. واستبق خالص الأعمال ليوم الجزاء، وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص، وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة، واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل، واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس، وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض، واطلب راحة البدن بإجمام القلب وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ، وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات، واستجلب نور القلب بدوام الحزن. وتحرز من إبليس بالخوف الصادق، وإياك والرجاء الكاذب فإنه يوقعك في الخوف الصادق، وتزين لله عز وجل بالصدق في الأعمال، وتحبب إليه بتعجيل الانتقال وإياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكى، وإياك والغفلة ففيها تتكون قساوة القلب، وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه فإليه يلجأ النادمون. واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم، وكثرة الاستغفار، وتعرض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء، والمناجاة في الظلم، وتخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق، واستقلال كثير الطاعة، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر، والتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم. واطلب بقاء العز بأمانة الطمع، وادفع ذل الطمع بعز اليأس، واستجلب عز اليأس ببعد الهمة، وتزود من الدنيا بقصر الأمل، وبادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة، ولا إمكان كالأيام الخالية مع صحة الأبدان، وإياك والثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء. واعلم أنه لا علم كطلب السلامة، ولا سلامة كسلامة القلب، ولا عقل كمخالفة الهوى، ولا خوف كخوف حاجز، ولا رجاء كرجاء معين، ولا فقر كفقر القلب، ولا غنى كغنى النفس، ولا قوة كغلبة الهوى، ولا نور كنور اليقين، ولا يقين كاستصغارك للدنيا، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك، ولا نعمة كالعافية، ولا عافية كمساعدة التوفيق، ولا شرف كبعد الهمة، ولا زهد كقصر الأمل، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات، ولا عدل كالإنصاف، ولا تعدي كالجور، ولا جور كموافقة الهوى، ولا طاعة كأداء الفرائض، ولا خوف كالحزن، ولا مصيبة كعدم العقل، ولا عدم عقل كقلة اليقين، ولا قلة يقين كفقد الخوف، ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف، ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب، ولا رضاك بالحالة التي أنت عليها، ولا فضيلة كالجهاد ولا جهاد كمجاهدة الهوى، ولا قوة كرد الغضب، ولا مصيبة كحب البقاء، ولا ذل كذل الطمع، وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة فإنه ميدان يجري لأهله بالخسران).
وتابع وصيته(عليه السلام) لجابر:
يا جابر إنه من دخل قلبه صافي دين الله أشغله عما سواه، يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون، هل هي إلا ثوب لبسته، أو لقمة أكلتها، أو مركب ركبته، أو امرأة أصبتها.
يا جابر:
إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها، ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم، ولم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، ولم يعمهم من نور الله ما رؤوا بأعينهم من الزينة، ففازوا بثواب الأحرار، إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة، إن نسيت ذكروك، وإن ذكرت أعانوك، قوالين بحق الله، قوامين بأمر الله
 )].
وفي ختام هذه الاسطر،اسأل العطوف بحق المقتول ظلما بين الركن والمقام وبحق دعوات مولانا ولي العصر(عليه السلام)ودموع قائدنا مقتدى الصدر(اعزه الله)أن يمن على إخوتي وعلىَ معهم بحسن العاقبة وان يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين انه على كل شيء قدير ونعم المولى ونعم النصير
آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم .
أهم المصادر :ـ
1ـ معالم مشعة من حياة الباقر عليه السلام للـ د. حسين إبراهيم الحاج حسن
2 ـ بحار الأنوار ج46 للشيخ محمد باقر المجلسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق