الأحد، 5 يوليو 2015

مقتل أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)(قسم 1)



مقتل أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)(قسم 1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم .
بمناسبة ذكرى استشهاد اميرنا علي المرتضى ، مولى الموحدين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين اتشرف بتقديم التعازي لأشرف خلق الله محمد المصطفى وآله المعصومين بهذا المصاب الجلل ، سائلا المولى القدوس بحق حبيبه المصطفى وآله النجباء أن يثبت أقدامنا على صراطه المستقيم ومن السائرين على منهج الشهيدين الصدرين المقدسين تحت لواء سيدنا القائد مقتدى الصدر، لكي نفوز بموالاة بقية الله الأعظم ، ووريث المعصومين والآخذ بثأرهم , وكهف المظلومين والناصر لهم على أعدائهم ، وقاصم شوكة المعتدين ومهدم مخططاتهم ، مولانا محمد القائم المهدي(عليه السلام).
وهذه الأسطر القليله تناولت فيها بعض جوانب هذه الحادثة العظيمة ، مستغفرا الله عن كل قصور وتقصير فيها ، وكما علمنا أستاذنا الهمام انه :
علينا أن نسعى ونتخذ من العصفور الذي جلب بمنقاره قطرة ماء ساعيا لإطفاء نار النمرود العظيمة عسى أن يكون من المناصرين والمواسين لمولانا إبراهيم الخليل(صلى الله عليه وآله وسلم)، لذا أسال المولى القدوس بحق الشيب المخضب من دماء الرأس المقدس في محراب مسجد الكوفة المعظم أن يمن على إخوتي وعليَ معهم ويجعلنا من الناصرين والمواسين لمولانا ومقتدانا علي المرتضى عسى أن نساهم في تخفيف الم رأسه الشريف حيث ان سيئاتنا تزيد في ألمه (عليه السلام) وحسناتنا تخفف من ألمه (عليه السلام) ، والله المستعان وعليه التوكل في كل شأن .
المقدمه (لمحة موجزة عن مولانا علي المرتضى عليه السلام )
سأل جابر بن عبد الله الأنصاري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ميلاد أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) :
( الله الله قد سألتني عن خير مولود بعدي إن الله تبارك وتعالى خلقني وخلق عليا من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة عام ، وكنا نسبح الله ونقدسه فلما خلق الله آدم قذفنا في صلبه فاستقررت أنا في جنبه الأيمن ، وعلي في جنبه الأيسر ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطيبة فلم يزل كذلك حتى أطلعني الله من طهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة بنت وهب ، ثم اطلع عليا من طهر طاهر وهو أبو طالب بن عبد المطلب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد).(انتهى)
في هذا الحديث الشريف (وهنالك أحاديث كثيرة واردة عن المعصومين(عليهم السلام) تحمل نفس المضمون مع تفاصيل أخرى) أسرار معارف كثيره بينها لنا حبيب الله المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها:ـ
1ـ إن العلي العظيم (جلت قدرته) خلق من نوره نور واحد وهو نور محمد وعلي ، ثم خلق من نور محمد وعلي كل شيء
قال مرجعنا السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس) :
.. فبالضرورة يخلق الله تعالى واحدا في المرتبة الأولى التي تتنزل عن ذاته سبحانه ثم هذا المخلوق الواحد يخلق الكثرة أي يوجد المتعدد، فهو بسيط ولكنه بالتحليل يكون أمرين :ـ محمد وعلي ، لأنهما نفس واحدة ، بدليل قوله تعالى (وأنفسنا وأنفسكم ) فهو((على )(عليه السلام)) نفسه (محمد(
صلى الله عليه وآله وسلم)) ولكنه غيره ، والكثرة عين الوحدة ، كما قيل في الحكمة المتعالية .
وليس هذا غريبا ، فنفس الإنسان واحدة ، ولكنها ـ في نفس الوقت ـ كثيرة . ففيها القوة الغضبية والشهوة والرغبات والحاجات ولكنها مع ذلك نفس واحدة . والكثرة عين الوحدة .
ونستنتج من ذلك :
إن هذه الحقيقة النورية العليا ، هي أول الموجودات , وأشرفها وأقدرها وأعلاها وأعلمها ، وهي مسيطرة على جميع الموجودات بأقدار من الله سبحانه وتعالى
.(انتهى)
2ـ انتقال هذا النور العظيم من صلب طاهر إلى رحم مطهر لم تنجسه الجاهلية بانجاسها ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها إلى أن آن أوان ظهورهما فافترقا مؤقتا في صلب الشقيقين الطاهرين عبد الله وابوطالب , ومن ثم انتقلا إلى الرحمين المطهرين آمنه بنت وهب وفاطمة بنت اسد , لينطلق في الوجود عهد جديد من الرسالة الإلهية والتكامل في العبودية على يدي هذا النور العظيم
.
3ـ يدل هذا الحديث الشريف على علوا مقام آباء وأمهات هذا النور العظيم (محمد وعلي) وكما قال تعالى: (وتقلبك في الساجدين) .

4 ـ يبين هذا الحديث الشريف عصمة هذا النور العظيم من بداية خلقه من قبل الباري حيث كانوا يسبحون الله ويقدسونه وقبل خلق الخلق بخمسمائة عام , لذا فان تكامل هذا النور العظيم في عالم الدنيا هو تكامل مابعد العصمة , وهيهات أن تعرف أو تدرك العقول كنه هذا النور العظيم مهما بلغت من همة , وكيف يحيط الداني بالعالي أم كيف تحيط العقول القاصرة بالعقل الأول , فمن هذا النور العظيم ينحدر السيل ولا يرقى إليه الطير , فأسأل الباري العظيم أن يجعلنا من أتباع ومحبي هذا النور العظيم .

ولدته في حرم الإله وأمنــــه والبيت حيث فناؤه والمسجـد
بيضاء طاهرة الثياب كريمـة طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها وبدت مع القمر المنير الأسعد
مالف في خرق القوابل مثلــه إلا ابن آمنــة النبي محمـــــد

في رواية عن يزيد بن قعنب ، قال :
كنت أنا والعباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين وكانت حامله به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق ، فقالت :
ربي إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب واني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وانه بنى البيت العتيق فبحق هذا المولود الذي يكلمني في بطني ويؤنسني في وحشتي الذي اعلم انه آية من آيات جلالك وعظمتك إلا مايسرت علي ولادته .
قال يزيد بن قعنب : فرأينا البيت قد انشق من ظهره ، ودخلت فاطمة فغابت عن أبصارنا والتزق الحائط فرمنا أن يفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح فعلمنا إن ذلك أمر من الله .
ثم خرجت في اليوم الرابع وبيدها أمير المؤمنين (عليه السلام) كأنه فلقة قمر وهي تقول :
إني فضلت على من تقدمني من النساء لأن آسية بنت مزاحم عبدت الله سرا في موضع لايجب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا ، وان مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا ،واني دخلت بيت الله الحرام وأكلت من ماء الجنة وأرزاقها فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف :
يافاطمة سميه عليا فهو علي ، والله الأعلى يقول :
شققت اسمه من اسمي ، وأدبته من أدبي ،وأوقفته على غامض علمي وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي ، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني فطوبى لمن أحبه وتابعه ، وويل لمن عصاه وابغضه
(انتهى) .
فشكرا لله على هذه النعمة العظيمة ، ويمكن ان نستشف من هذه الروايه عدة أمور منها :ـ
1ـ ولادة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في جوف الكعبة ، وقد أكدت الكثير من المصادر بأنه لم يولد في جوف الكعبة مولود غير أمير المؤمنين(عليه السلام) لاقبله ولا بعده

(ذكر سيد جعفر العاملي معظم هذه المصادر في كتابه ـ الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام))
وهذه المنقبه من مختصات مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)، فان سادتنا أصحاب الكساء(عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم ) وأن خلقوا من نور واحد ، وتجمعهم خصائص واحدة إلا إن كل فرد منهم ميزه الله بخصائص خاصة به، فكانت هذه الولادة بهذا الموضع الشريف من مختصات مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) إضافة إلى باقي مختصاته والتي منها مقام أمير المؤمنين ومقام أبي تراب ، وميزة إن ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وانه زوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين ......
2ـ علو مقام والدي أمير المؤمنين من خلال علوا درجات الإيمان والعبودية والمعرفة ....
التي أفاضها الله عليهم ويمكن ملاحظة ذلك جليا من خلال دعاء السيدة فاطمة بنت اسد (عليها السلام)، وما فيه من أسرار كثيرة تدل على درجات عالية من الإيمان والعبودية والمعرفة والولاية لمولانا أمير المؤمنين , وحديثها عن من سبقها من سيدات النساء ، ومدى التكريم والحفاوة التي أحيطت بها وهي في ضيافة الله الخاصة ، وسماعها الهاتف
.
أما من جهة أبو طالب(عليه السلام) فالحديث عنه يطول ويخرجنا من مركزية هذا البحث ولكن من حيث الإشارة نذكر هذه الرواية الشريفة التي نقلها، سيد صالح عن النيسابوري في كتابه روضة الواعظين (ج1 ص81) عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال :
لما ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام فجاءت فاطمة بنت أسد إلى أبي طالب مستبشرة وأعلمته بما رأته آمنة، فقال أبو طالب:
أتعجبين من هذا اصبري سبتا فستحملين بمثله إلا النبوة ،ويكون وصيه ووزيره(والسبت ثلاثون سنة)
3 ـ بعض مقامات ولي الله وحجته مولانا علي المرتضى(عليه السلام) فطوبى لمن أحبه وتابعه والويل لمن عصاه وابغض
ه.

ثم بعد ذلك سلمت السيدة ام طالب(عليها السلام) وليدها المبارك إلى مولانا حبيب الله المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) ،
وهنا يحدثنا مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)عن مجمل هذه الفترة ، قال(عليه السلام):
(.....وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة .
وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره , ويكنفني إلى فراشه , ويمسني جسده ويشمني عرفه , وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه .
وما وجد لي كذبه في قول , ولا خطله في فعل . ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم , ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره .
ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به .
ولقد كان يجاور في كل سنه بحراء فأراه ولا يراه غيري .
ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما .
أرى نور الوحي والرسالة , وأشم ريح النبوة . ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله , فقلت يارسول الله ماهذه الرنة ؟ فقال هذا الشيطان أيس من عبادته , انك تسمع ماأسمع وترى ماأرى إلا انك لست بنبي , ولكنك وزير وانك لعلى خير .
ولقد كنت معه صلى الله عليه وآله لما أتاه الملأ من قريش , فقالوا له : يامحمد انك قد ادعيت عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك , ونحن نسألك أمرا إن أجبتنا إليه وأريتناه علمنا انك نبي ورسول , وان لم تفعل علمنا انك ساحر كذاب .
فقال صلى الله عليه وآله : وما تسألون ؟ قالوا تدعوا لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك ، فقال صلى الله عليه وآله :
إن الله على كل شيء قدير ، فان فعل الله لكم ذلك أتؤمنون وتشهدون بالحق ؟ قالوا نعم ، قال فاني سأريكم ماتطلبون ، واني لأعلم أنكم لاتفيئون الى خير ، وأن فيكم من يطرح في القليب ، ومن يحزب الأحزاب . ثم قال صلى الله عليه وآله :
يأيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين إني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله .
فوالذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي شديد وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، مرفرفة ، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله صلى الله عليه وآله , وببعض أغصانها على منكبي ، وكنت عن يمينه صلى الله عليه وآله ، فلما نظر القوم الى ذالك قالواـ علوا واستكباراـ فمرها فليأتك نصفها وليبق نصفها فأمرها بذلك ، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشده دويا ، فكادت تلتف برسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالوا ـ كفرا وعتوا ـ : فمر هذا النصف فليرجع الى نصفه كما كان فأمره صلى الله عليه وآله فرجع .
فقلت أنا : لا اله إلا الله فاني أول مؤمن بك يارسول الله ، وأول من أقر بان الشجرة فعلت مافعلت بأمر الله تعالى تصديقا بنبوتك وإجلالا لكلمتك .
فقال القوم كلهم : بل ساحر كذاب , عجيب السحر خفيف فيه ، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا (يعنوني) واني لمن قوم لاتأخذهم في الله لومة لائم سيماهم سيما الصديقين , وكلامهم كلام الأبرار , عمار الليل ومنار النهار . متمسكون بحبل القرآن . يحيون سنن الله وسنن رسوله . لايستكبرون ولا يعلون , ولا يغلون ولا يفسدون . قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل
(انتهى).
وهكذا انطلق النور العظيم ممزقا حجب الجهل والظلام عن القلوب والنفوس بعد إن كنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله منها بنوره العظيم فأشهد أن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم(ومن هنا الحديث لمولاتنا البتول(عليها السلام)):
.. بلغ الرسالة صادعا بالنذارة مائلا عن مدرجة المشركين ضاربا ثبجهم آخذا بكظمهم (بأكظامهم) داعيا الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة يكسر(يجف) الأصنام وينكث الهام ، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، وتعزى(حتى تفر) الليل من(عن) صبحه وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقائق(شقاشق) الشياطين وطاح وشيظ النفاق وانحلت عقدة (عقد)الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص(في نفر من البيض الخماص) وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة للشارب ونهزة الطامع وقيسة(قبسة) العجلان ، وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد ، أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله(تبارك وتعالى) بأبي محمد صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي وبعد أن مني بهم(ببهم) الرجال وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن للشيطان (الشيطان) و(أو) فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ خماصها(جناحها) بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه ، مكدودا في ذات الله ، مجتهدا في أمر الله ، قريبا من رسول الله ، سيد(في) أولياء الله ، مشمرا ناجحا (ناصحا) ،(مجدا) ، كادحا ، (لاتأخذه في الله لومة لائم) ، وأنتم في رفاهية من العيش ، وادعون فاكهون (آمنون) تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزال ، وتفرون عند (من) القتال , .فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه , ومأوى أصفيائه , ظهرت (ظهر) فيكم حسكة النفاق , وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين , ونبغ خامل الافكين (الاقلين) وهدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم , وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم , فألفاكم بدعوته (لدعوته) مستجيبين , وللغرة (وللعزة) فيه ملاحظين , ثم استنهضكم فوجدكم خفافا وأهشكم (وأحشمكم) فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم وأورتم (ووردتم)غير مشربكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين (انتهى)
وهكذا فشل الكثيرين في امتحان الولاية وانقلبوا على أعقابهم بعد استشهاد المصطفى الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ، قال امامنا علي المرتضى(عليه السلام):
.. والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وانه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى .ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير ، فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا .
وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير . ويشيب فيها الصغير . ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى . وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها الى فلان بعده (ثم تمثل(عليه السلام) بقول الأعشى)
شتان مايو مي على كورها ويوم حيان أخي جابر
فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ماتشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها . ويكثر العثار فيها . والاعتذار منها ،فصاحبها كراكب الصعبة إن اشنق لها خرم . وان أسلس لها تقحم فمنى الناس لعمر الله بخبط
وشماس وتلون واعتراض . فصبرت على طول المدة وشدة المحنة . حتى إذا مضى لسبيله . جعلها في جماعة زعم إني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن الى هذه النظائر لكني أسفت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا. فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن الى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه . وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع الى أن أنتكث فتله . وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينهالون علي من كل جانب . حتى لقد وطيء الحسنان . وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) بلى والله لقد سمعوها ووعوها . ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها . أما والذي فلق الحبة . وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر . وما أخذ الله على العلماء أن لايقاروا على كظة ظالم ولاسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها . ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز..
(انتهى )
وهكذا ترى مدى الظلم الذي وقع فيه مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) من أناس يقابلون نعم الله العظيمة بعد أن استيقنتها أنفسهم بالكفر والجحود ، حتى وصل الامر الى ان معظم الدول تعاني من ظلم رعاتها وان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يعاني من ظلم رعيته .
نقل سيد صالح القزويني عن بحار الانوار( ج42 ص190 ) , قال امير المؤمنين (عليه السلام) : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم (آخر جمعة من شعبان) وساق الحديث في فضل شهر رمضان الى ان قال امير المؤمنين (عليه السلام): فقمت وقلت: يارسول الله ، ما أفضل الاعمال في هذا الشهر ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :
الورع عن محارم الله ، ثم بكى (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت مايبكيك يارسول :
قال ابكي لما يستحل منك في هذا الشهر كأني بك وأنت تصلي , وقد انبعث اليك اشقى الاولين والآخرين شقيق عاقر ناقة صالح فيضربك ضربة على قرنك يخضب بها لحيتك .
قال امير المؤمنين : فقلت يارسول الله وذلك في سلامة من ديني ، قال: في سلامة من دينك .
ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
ياعلي من قتلك فقد قتلني ومن ابغضك فقد ابغضني ، ومن سبك فقد سبني لأنك كنفسي ، روحك من روحي وطينتك من طينتي ، ان الله خلقني واياك واصطفاني واياك ، واختارني للنبوة ، واختارك للوصية والامامة فمن انكر امامتك فقد انكر نبوتي ، ياعلي انت وصيي وابو ولدي ، وزوج ابنتي وخليفتي على امتي في حياتي وبعد موتي .
امرك امري ونهيك نهيي، اقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره ، وخليفته على عباده (انتهى).
ونقل سيد صالح القزويني عن العسقلاني في الاصابه (ج4ص271 )، والبخاري (ج5ص24 )، ومسلم (ج4ص1870) ، والاستيعاب (ج3ص34 )، و....، قال امير المؤمنين :
كنت امشي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض طرق المدينه فاتينا على حديقة فقلت : يارسول الله مأحسنها من حديقة . قال (صلى الله عليه وآله ) : ماأحسنها ولك في الجنة أحسن منها .
ثم اتينا على حديقة أخرى فقلت يارسول الله: ماأحسنها من حديقة فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ماأحسنها ولك في الجنة أحسن منها , ثم أتينا على سبع حدائق اقول يارسول الله ماأحسنها ويقول لك في الجنة أحسن منها .
فلما خلت له الطريق اعتنقني ثم أجهش باكيا وقال : بأبي الوحيد الشهيد .
فقلت يارسول الله ما يبكيك ، قال:
ضغائن في صدور أقوام لايبدونها لك الا من بعدي أحقاد بدر وترات أحد ، فقلت في سلامة من ديني فقال في سلامة من دينك . فأبشر ياعلي فأن حياتك معي ، وموتك معي ، وأنت وصيي وصفيي ووزيري ووارثي والمؤدي عني وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي وأنت تبرء ذمتي وتؤدي أمانتي ، وتقاتل على سنتي الناكثين من أمتي والقاسطين والمارقين وأنت مني بمنزلة هارون من موسى (انتهى).
روى ابن عباس قال : ان رسول الله كان جالسا ذات يوم اذ أقبل الحسن فلما رآه (صلى الله عليه وآله وسلم) بكى ثم قال : الي يابني فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه الايمن ثم أقبل الحسين (عليه السلام) فلما رآه بكى ثم قال : الي الي فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى .
ثم أقبلت فاطمة فلما رآها بكى وقال : الي الي يابنية ، فأجلسها بين يديه .
ثم أقبل أمير المؤمنين فلما رآه بكى فما زال يدنيه حتى أجلسه على جنبه الايمن .
فقال له أصحابه : يارسول الله ماترى واحدا من هؤلاء الا بكيت , أومافيهم من تسر برؤيته . فقال صلى الله عليه وآله :
فو الذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية اني واياهم لأكرم الخلق على الله ، ولا على وجه الارض نسمة أحب الي منهم .اما علي فانه أخي وشقيقي وصاحب الامر من بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي وهو مولى كل مسلم وامام كل مؤمن ، وقائد كل تقي ، وهو وصيي وخليفتي على أهلي في حياتي وبعد موتي ، محبه محبي ، ومبغضه مبغضي ...
الى ان قال (صلى الله عليه وآله وسلم): لايزال الامر به حتى يضرب على قرنه تخضب منها لحيته في أفضل الشهور ...
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ياعلي اتق الضغائن التي في صدور من لايظهرها الا بعد موتي اولئك يلعنهم الله . ثم بكى . فقيل له مم بكاؤك يارسول الله . قال(صلى الله عليه وآله وسلم) : أخبرني جبرئيل انهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم من بعده.
وعن ابي الاسود الدؤلي انه عاد عليا(عليه السلام) في شكوى اشتكاها قال فقلت له تخوفنا عليك ياأمير المؤمنين في شكواك هذه .
فقال (عليه السلام) لكني والله ماتخوفت على نفسي لأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :
انك ستضرب ها هنا ـ وأشار الى رأسه ـ فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك ، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود .
وسئل علي(عليه السلام) وهو على منبر الكوفة عن قوله تعالى (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )فقال (عليه السلام) اللهم غفرا هذه الاية نزلت في وفي عمي الحمزة ، وفي ابن عمي عبيدة . فأما عبيدة فانه قضى نحبه يوم بدر ، وأما عمي الحمزة فأنه مضى شهيدا يوم أحد ، وأما انا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذا .
وأشار الى لحيته ورأسه , عهد عهده الي حبيبي ابو القاسم .
وروى الاصبغ بن نباته قال : لما دعى أمير المؤمنين الى بيعته اتى ابن ملجم فبايعه فيمن بايعه ثم أدبر عنه ، فدعاه (عليه السلام) الثانية فتوثق منه وتوكد عليه ان لايغدر ولاينكث ففعل ثم أدبر , فدعاه الثالثة فتوثق منه وتوكد عليه ان لايغدر ولاينكث .
فقال بن ملجم : والله ياأمير المؤمنين مارأيتك فعلت هذا بأحد غيري .
فقال امير المؤمنين(عليه السلام):
اريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد
أمضي يابن ملجم فوالله مأرى ان تفي بما قلت ، ثم قال (عليه السلام) فو الذي نفسي بيده ليخظبن هذه من هذا ـ ووضع يده على لحيته ورأسه .
وفي رواية قال له أجلس فنظر في وجهه طويلا .
ثم قال له أرأيتك ان سألتك عن شيء وعندك منه علم هل انت تخبرني عنه .
قال نعم ، وحلفه عليه فقال (عليه السلام): كنت تلاعب الغلمان وتقوم عنهم فكنت اذا جئت ورأوك من بعيد قالوا جائنا بن دعية الكلاب . قال اللهم نعم فقال (عليه السلام): فمررت براهب فنظر اليك وأحد النظر .
فقال لك انت أشقى من عاقر ناقة صالح .
فقال له نعم .
فقال أخبرتك أمك انها حملت بك في بعض حيضها . فسكت هنيئة ثم قال :ـ نعم حدثتني .
وهكذا تم ذكر روايات عديدة بهذا المضمون وللاختصار نكتفي بهذا القدر ، ومن أراد المزيد فليراجع قلائد الخرائد لمهدي القزويني ص110 وكشف الغمة للاربلي ج1 ص279 والمناقب لابن شهر ج3ص310 وروضة الواعظين ج1 ص132 .
ولم استطع الدخول الى بحث حادثة الاستشهاد من دون هذه المقدمة الموجزة عن مولانا ولي الله الاكبر علي المرتضى(عليه السلام) فبالرغم من الجهد الكبير والمخلص الذي بذله الكثير العلماء من محققين وفلاسفة وعارفين وفقهاء وأصوليين وأدباء......
حول حياة مولانا الامام المرتضى(عليه السلام)وجزاهم الله خير جزاء المحسنين الا انه لايمثل سوى قطرة من هذا البحر العظيم ، (الجامع لكل علوم الكون غير علم الله سبحانه وقد فاق علمه علم الاولين والآخرين وجميع المعصومين سلام الله عليهم أجمعين عدا الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله الذي هو مدينة العلم وعلي بابها) (الصدر المقدس)، والذي ضربته لعمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين ، والذي بحبه يعرف المؤمن من المنافق والذي بولايته اكمل الله الدين وأتم النعمة ....
فان شاء تكون هذه المقدمه نافعة للدخول في أصل البحث .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض مصادر هذه المقدمة:
1 ـ القرآن الكريم 2 ـ نهج البلاغة
3 ـ منة المنان في الدفاع عن القرآن للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس الله نفسه الزكية)
4 ـ مقتل أمير المؤمنين(عليه السلام)... للسيد صالح مهدي الحسيني القزويني
5 ـ شجرة طوبى للشيخ محمد مهدي الحائري
6 ـ سيرة الائمة الاثنا عشر للسيد هاشم معروف الحسني
7 ـ الصحيح من سيرة الامام علي (عليه السلام) للسيد جعفر العاملي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق