الخميس، 2 يوليو 2015

اشرف العلوم


اشرف العلوم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم.
اثير نقاش من قبل البعض حول اشرف العلوم وحينما تم اخبارهم بان العلوم الالهية ، كـ الفقه هي اشرف العلوم وان العالم العامل بها قربة الى الله مخلصا له الدين افضل من العالم العامل بالعلوم المادية والطبيعية كالطب والهندسة حتى ان كانت نيته لله ، وذلك لأشرفية العلوم الالهية واهميتها ، قال الامام الصادق (ع) :
«عليكم بالتفقه في دين الله و لا تكونوا اعرابا، فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر اليه يوم القيامة و لم يزك له عملا»
و قال(ع):

«ليت السياط على رؤس اصحابي حتى يتفقهوا في الحلال و الحرام‏»
و قال (ع):
«ان آية الكذاب ان يخبرك خبر السماء و الارض و المشرق و المغرب، فاذا سالته عن حرام الله و حلاله لم يكن عنده شي‏ء» .

وللسيد القائد مقتدى الصدر (اعزه الله)، درر في بيان هذا المطلب تم ذكرها في كتابه (حديث في فضل العلم) وكما يلي:
قال السيد القائد مقتدى الصدر اعزه الله:
..تعددت العلوم بتعدد أغراضها، كالطب والفلك والهندسة والأصول والفقه والنحو والعقائد والفلسفة والرياضيات والاقتصاد والباريسكولوجي والعلوم الحديثة الأخرى التي لا نريد إحصائها في هذا المختصر بل لا يمكننا إحصاؤها البته. حتى ورد: أن العلم أكثر من أن يحصى....
لكن لكل منها درجة فضل وحسن ، ألا أنه يبقى أن من أشرف العلوم وأعظمها هو: (الفقه) وأشرف العلماء هم علماء (الفقه)، بل وإن التفقه بالدين واجب، فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}،، وهناك أحاديث وروايات عديدة في التأكيد على التفقه في الدين، منها:

1ـ عن رسول الله (ص)، أنه قال: أفضل العبادة الفقه، وقال: ما عبد الله بشيء أفضل من الفقه في الدين)).

2ـ عن أمير المؤمنين علي (ع): من تفقّه في الدين كثر، وفي وصية لابنه الحسين (سلام الله عليهما): (....وتفقّه في الدين).

إلا انه قد يقال: من أين لك بالدليل على أشرفية الفقه على غيره من العلوم؟ أقول: لنا على ذلك عدة أدلة منها:

الدليل الأول: التأكيد على التفقه في الروايات، كما ذكرنا قبل قليل، وقد أوردنا أحاديث وروايات، مضافاً إلى ما قد ورد عن الإمام الكاظم (ع): تفقّهوا في الدين فإن الفقه مفتاح البصيرة.

الدليل الثاني: ما ورد في مدح (الفقه)، فعن رسول الله(ص)، قال: خير العبادة الفقه، وعنه أيضا: قليل الفقه خير من كثير العبادة.

ومن مجموع هذين الدليلين يمكن استخلاص أشرفية الفقه على باقي العلوم، ولا خير في علم بلا تفقه، خصوصاً بعد أن نعلم أن تعريف الفقه لغة: هو الفهم، والفقه بالاصطلاح الخاص، هو: العلم بالإحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
فيكون المطلوب هو التفقّه بكل معارف الدين التي تضع الانسان المؤمن على الصراط المستقيم وتسلك به السبيل القويم ، لأن الآية الكريمة قالت: ((ليتفقهوا في الدين )) والدين ليس هو الحلال والحرام فقط كما لا يخفى.

إلا أن بعض العلماء فسّروا الفقه الوارد في القرآن والسنة سواء في ما أوردناه أم لم نورده في هذا المختصر، فسّروه بـ (علوم الآخرة) أو يمكن القول: بعلم الأخلاق والباطن والكمال في درجات الآخرة، وهو كأطروحة لا ما نع منها على الإطلاق. إلاّ أن الدخول في مثل هذا الأمر صعب جداً، ألمْ تسمع قولهم (عليهم السلام): (أمرنا صعب مستصعب) ولذا يخاف على الكثيرين من الزلل والخلط والتكبر والعظمة والرياء وكشف الأسرار وغيرها من آفات الباطن، حتى أنهم يكونون في حجب ظلمة أو نور لا مخرج منها، مع شديد الأسف.

ولا يمكننا في هذا المختصر الدخول في تفاصيل هذا الحديث وآلامه وشجونه وما يتعلق به، وخصوصاً ان كل ما قد يقال فهو من الأسرار التي لا يمكن التدخل بها من قبلنا نحن المذنبون... فلهذا العلم أربابه وأسياده وأبوابه التي يدخل منها، لمن يستحقها فقط.

ولا بأس بأن نعود إلى الآية السابقة أعني: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ ْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) لنوضح بعض المفردات والمعاني ـ لكي لا نكون قد مررنا عليها مرورًا سريعاً وبلا تدقيق.

فأقول: في هذه الآية عدة جهات حري بنا شرحها:

الجهة الأولى: قوله: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ)، وهنا يقول المفسرون بل والفقهاء ويستنبطون أن وجوب طلب العلم كفائي، حيث أن المحققين يقسمون الوجوب إلى قسمين:

الأول: الواجب الكفائي: هو الواجب الذي إذا قام به المكلف سقط عن الباقين، كتكفين الموتى وإنقاذ الغرقى وغيرها... وكذا ما نحن بصدده، وهو طلب العلم، فإنه واجب كفائي إذا قام به شخص سقط عن الآخرين.

الثاني: الواجب العيني، وهو عكس الأول، أي لا يسقط الواجب عن الآخرين في حال القيام به كالصلاة والصوم وسائر العبادات الشخصية.

لكن ما ينبغي ذكره هنا، هو أن الوجوب الكفائي هو طلب زيادة العلم، بحيث يكون معه الإنسان مبلّغاً ومنذراً، وهو لا يحصل إلاّ بدرجة معتد بها من العلم. وإلا فان تعلّم العلوم الضرورية المتعلقة بالأمور الحياتية والعبادات وغيرها ليست كفائية، وإلا تسقطت الروايات القائلة بالوجوب.

مضافا إلى إننا يجب أن نلتفت إلى أن الآية عامة والروايات مخصصة لها، منها: طلب العلم واجب على كل مؤمن... وقيل ومؤمنة!. فتأمل.

وما يؤيد ذلك، أن وجوب العلم على البعض دون البعض الآخر يقتضي عدم وجوب إنذارهم بل غاية الأمر أن الوجوب الكفائي هو لإعطاء العلم وليس لأخذه، ولذا قال تعالى: لينذروا قومهم إذا رجعوا لعلهم يحذرون، واللام هنا بمعنى (لأجل) فيكون المعنى: إنهم ينفرون للتفقه لأجل أن ينذروا قومهم.

الجهة الثانية: إن علة النفر هي:
أولا: التفقه في الدين.
ثانيا: إنذار الآخرين... وهي حسب الظاهر متسلسلة أي لا يمكن تقدم الثانية وهي الإنذار على الأولى، فتكون الواو هنا بمعنى (ثم) أي ليتفقهوا في الدين ثم لينذروا قومهم أذا رجعوا....

الجهة الثالثة: إن الذهاب أو (النفر) لأحد سببين أو قصدين: الأول: قصد الرجوع لإنذار القوم، الثاني: عدم الرجوع والبقاء في المكان الذي طلب فيه العلم. للتكامل العلمي أو لأسباب أخرى أو لعدم إرادة الرجوع للإنذار والتبليغ، وهذا أيضا يدل على إمكان الفرق بين التفقه والإنذار وان الواجب بالوجوب الكفائي هو الإنذار لا نفس التفقه.... وهذا التقسيم مستوحى من قوله: (إذا رجعوا) ففيه إمكان عدم الرجوع الاختياري والاضطراري والإجباري وما إلى ذلك من تعابير.

ومما دأب عليه بعض المؤلفين والمحققين تقسيم الناس من حيث العلم، إلى عدة أقسام، إلا أن الرئيسي منها: قسمان: عالم وجاهل، كما قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، وهم يوردون في هذا الباب الكثير من الروايات في مدح العلم، ونحن قد أوردنا منها آنفاً، وسنورد لكمبعض مما يذكروه باختصار: (رأس الفضائل العلم) و (العلم مصباح العقل) و (العلم أفضل هداية) و (العلم قائد الحلم) و (العلم حجاب من الآفات)و (لا كنز أنفع من العلم) و (لا شرف كالعلم)، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يوردون الأحاديث والروايات في ذمّ الجاهل والمحروم من العلم، منها: ( إذا أرذل الله عبدا حظر عليه العلم) و (ما استرذل الله تعالى عبداً إلا حُرِم العلم).

ويمكننا هنا أن نقسّم العالم الذي يعطي علمه إلى قسمين أيضا، كما نوّهنا إليه سابقاً في طيّات هذا المختصر، وهما عالم لله وعالم للدنيا، وكما ورد عن رسول الله(ص): (منْ اخذ العلم من أهله وعمل به نجا، ومن أراد به الدنيا فهي حظه) ، أو ما ورد عنه أيضا: من ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح الجنة)).
(انتهى)
آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن عدوهم.
المصدر:
كتاب حديث في فضل العلم/ السيد مقتدى الصدر(اعزه الله)/ دار المحبين للطباعة والنشر/ط1 1429هـ مطبعة ياسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق