لقد اسرف المتوكل العباسي في ارتكاب الذنوب والموبقات التي يندى لها جبين التاريخ وتخجل من ذكرها ادنى مراتب البهيمية ، والا ما هو التفسير المنطقي لهدم قبر ابي عبد الله الحسين عليه السلام لأربع مرات ثم حرث الارض المحيطة بالقبر والقيام بفتح الماء عليها لتضييع معالم القبر ، ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون فيحار الماء حول الضريح المقدس ، رغما على انوف الطواغيت ، ومن موبقات المتوكل العباسي قيامه بزج الامام ابو الحسن علي الهادي عليه السلام في غياهب السجن الانفرادي الخاص مع اجراء فعل قبيح فريد من نوعه وهو حفر قبر في زنزانة السجن وتهديد الامام بالبقاء في السجن الى الممات ومن ثم يدفن في قبر السجن ولكن الله جل جلاله خيب ظنه ورد كيده الى نحره ((...أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18))
وفي هذا المبحث يتم التطرق الى ذكر هذه الحادثة الاليمة وذكر بعض مصادرها والتشرف بذكر نزر يسير من فيض كلمات مرجعنا الناطق السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره في هذا الشأن:
اولا.
في تاريخ الغيبة الصغرى لآية الله العظمى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره الشريف) ص 151 ـ 155:
قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره الشريف) في :
النقطة الرابعة :
إلقاء القبض على الإمام علي عليه السلام حين ضاق المتوكل ذرعاً بحقده على الإمام وبنشاط الإمام الذي لم يكن بمستطاعه التعرفعليه بسعة ووضوح ، وقد بذل كل ما بوسعه ولا زال إلى الجانب المهم من ذلك النشاط غامضاً عنه يظن به الظنون ولا يمكنه أن يحيط بمحتواه . وقد حمل المتوكل توجسه وحقده على أن يزج الإمام في السجن ، وذلك في الأيام الأخيرة من خلافته.
ولا يخفى ما في ذلك من التحدي للقواعد الشعبية والجماهير الواسعة المؤمنة بالإمام قائداً ورائداً وموجهاً وإماماً . فإن سجن القائد بمنزلة سجن كل قواعده الشعبية ،ويكون تحدياً لها وللمبدأ الذي يتخذه والهدف الذي يهدفه ،وهذا ما لم يكن للمتوكل منه مانع ، وهو الذي خرب قبر الحسين عليه السلام ومنع الزوار عنه ، على ما سمعنا.
وقد وردت في سجن الإمام روايتان تتفقان على وقوع ذلك في وقت واحد قبل ثلاثة أيام من موت المتوكل ، ولكنها تختلف في جملة من التفاصيل .
الرواية الأولى :
أنه حين قبض المتوكل على الإمام (عليه السلام) سلمه إلى علي بن كركر ليزج به في السجن ويراقبه فيه، فصادف ان سمعه بغا او وصيف - الشك من الراوي- ، وهما القائدان التركيان المتنفذان في الدولة يومئذ، على ما عرفنا في التاريخ العام ، سمع الإمام وهو في السجن يزمزم قائلاً :
أنا أكرم على الله من ناقة صالح " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب" لا يفصح بالآية ولا بالكلام .
ولم يفهم هذا القائد التركي مراد الإمام .فسأل عنه ، وكان المسؤول هو راوي هذه الرواية . قال الراوي : قلت :أعزك الله ،، توعد . انظر ما يكون بعد ثلاثة أيام .فلما كان من الغد أطلقه واعتذر إليه .
فلما كان في اليوم الثالث : ثار عليه الأتراك ،ومنهم باغر ويغلون واوتامش ، وقتلوه وأقعدوا ولده المنتصر مكانه (اعلام الورى ص346).
ويطيب(السيد الشهيد) لي ان أعلق على هذه الرواية بأمرين :
أحدهما:
أن وعيد الإمام كان رمزياً إلى حد كبير ، إلى حد لم يفهمه القائد التركي .. وكان من الأهمية في الدولة ، بحيث أن الراوي حين فسره خاف أن يصرح بما فهمه بوضوح وإنما اختصر كلامه اختصاراً خشية أن يناله ضرر، ولا زال المتوكل في الحياة والحكم .
ثانيهما:
أننا نستطيع أن نعرف بالدقة تاريخ هذا التوعد الذي ذكره الإمام حال سجنه ، وهو اليوم الثاني لعيد الفطر من شهر ايلول عام 247 للهجرة .
وقد قتل المتوكل والفتح بن خاقان بيد باغر ويغلون وجماعة من الأتراك ، في مجلس شرابه ليلة الرابع من شوال في نفس العام (الكامل ج5 ص303) ولم يكن بغا ولا وصيف ممن شارك في قتله ، وسلموا على ابنه المنتصر بالخلافة.
الرواية الثانية:
أن المتوكل دفع الإمام أبا لحسن الهادي عليه السلام إلى سعيد الحاجب – الذي عرفناه – ليقتله. فوضعه سعيد في السجن حتى يتم قتله ،وحين قدم الراوي إلى سامراء في ذلك الحين دخل على سعيد. وكان سعيد يعلم بكونه موالياً للإمام علي (عليه السلام) . فقال له :أتحب أن تنظر إلى إلهك . يقصد بذلك الإمام استهزاء واستصغاراً . ولكن الراوي كان غافلا فلم يفهم وأجاب : سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار .
فأوضح سعيد مراده قائلاً :هذا الذي تزعمون أنه إمامكم . فصادف ذلك رغبة في نفس الراوي ، إلا أنه أجاب بحذر قائلاً ك ما أكره ذلك ، فأفهمه سعيد القصد من سجن الإمام (عليه السلام) وقال : وقد أمرني المتوكل بقتله وأنا فاعله ، وعنده صاحب البريد فقال : إذا خرج فادخل إليه .
وحين يخرج صاحب البريد من الإمام (عليه السلام) يدخل الراوي في الدار
- يعني الغرفة – التي حبس فيها الإمام ، فيرى قبراً يحفر ، قال: فدخلت وسلمت وبكيت بكاء شديداً ،فقال : ما يبكيك؟ قلت : لما أرى قال: لا تبك فإنه لا يتم لهم في ذلك .فسكن ما بي .فقال ك إنه لا يلبث من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رايته .قال : والله ما مضى يومان حتى قتل.( انظر الخرايج والجرايج ص59)
وهذه الرواية لا تنافي الرواية الأولى ، في التوقيت ، فإن المراد من قتله في يومين : قتله بعد يومين :
قتله بعد يومين ويكون سفك دمه في اليوم الثالث ، وهو نفس الموعد في الرواية الأولى .كما لا تنافي بينهما في تعيين من دفع المتوكل الإمام إليه ، إذ من الممكن أن نفترض أن المسؤول عن قتله هو سعيد الحاجب والمشرف عليه في سجنه هو علي بن كرر الذي تذكره الرواية الأولى كما أن خلو الأول من ذكر كون الغرض هو قتل الإمام ليس تنافياً صريحاً ، إذ من الممكن أن نفترض أن الغرض هو ذلك .
ولكنه لم يرد في تلك الرواية لنسيان الراوي لتفاصيل الحادثة ، أو خوفه من بعض سامعيه في ذكر محاولة المتوكل لقتل الإمام أو غير ذلك من الأسباب.
إلا أن الرواية الأولى ارجح من الثانية على أي حال .فإن الثانية تتضمن مضعفاً لاحتمال صحتها غير موجود في الأولى وذلك أنها نسبت للإمام (عليه السلام) قوله:
أنه لا يلبث من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته. فيقع السؤال عن صاحبه الذي قصده
وظاهر الكلام أن المراد به سعيد الحاجب ، لأنه هو الذي كان الراوي قد رآه .
مع أن سعيد لم يقتل مع المتوكل ، بل بقي حياً حتى سنة 257 حين أرسله المعتمد لحرب الزنج * وإنما قتل معه الفتح بن خاقان .فلا بد أن نفترض فرضاً مخالفاً لظاهر الكلام :أن الراوي كان قد رأى الفتح بن خاقان أيضاً ، وأنه فهم من كلام الإمام ذلك ،والله العالم.
كما أن الرواية الأولى تتضمن مرجحاً لاحتمال صحتها ،وهو تسمية من باشر قتل المتكل من الأتراك ، وهو مطابق للتاريخ العام بشكل عام، وقد ذكرنا في المقدمة أن هذا يصلح قرينة على صحة الرواية ، كما يصلح مرجحاً للأخذ بها عند التعارض ، ولكننا بعد إسقاط الأضعف في مقدار التعارض يمكن أن نأخذ بها في مداليلها وتواريخها الأخرى .
(انتهى كلام السيد الشهيد الصدر المقدس)
ثانيا.
نقل الشيخ محمد جواد الطبسي في كتابه (حياة الامام الهادي عليه السلام)ص352
عن الشيخ الصدوق في الخصال بسنده عن ابن المتوكل عن علي بن ابراهيم عن عبد الله بن احمد الموصلي عن الصقر بن أبي دلف الكرخي ، قال : لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (عليه السلام) جئت أسأل عن خبره ، قال : فنظر إلى الزرافي وكان حاجباً للمتوكل ، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه ، فقال : يا صقر ما شأنك ؟ فقلت : خير أيها الأستاذ ، فقال : أقعد فاخذني ما تقدم وما تأخر ، وقلت : أخطئت في المجيء .
قال : فوحى الناس عنه ثم قال لي : ما شانك وفيم جئت ؟ قلت : لخبر ما فقال : لعلك تسأل عن خبر مولاك ؟ فقلت له : ومن مولاي ؟ مولاي أمير المؤمنين ، فقال : أسكت ! مولاك هو الحق ، فلا تحتشمني فإني على مذهبك ، فقلت : الحمد لله .
قال : أتحب أن تراه ؟ قلت : نعم ، قال : أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده .
قـال : فجلست فلما خرج قال الغلام له : خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس ، وخل بينه وبينه ، قال : فأدخلني إلى الحجرة وأومأ إلى بيت فدخلت فإذا هو جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور ، قال : فسلمت عليه فرد عليّ ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي : يا صقر ما أتى بك ؟ قلت : سيدي جئت أتعرف خبرك ؟ قال : ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إليّ فقال : يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن ، فقلت : الحمد لله
(راجع الخصال ص 394، معاني الاخبار ص123، إعلام الورى ص411 ) .
وفي الخرائج : ١ / ٤١٢ : ( حدثنا ابن أرومة قال : خرجت أيام المتوكل إلى سر من رأى فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله ، فلما دخلت عليه ، قال : تحب أن تنظر إلى إلهك؟ قلت : سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار. قال : هذا الذي تزعمون أنه إمامكم! قلت : ما أكره ذلك. قال : قد أمرت بقتله وأنا فاعله غداً وعنده صاحب البريد فإذا خرج فادخل إليه.
فلم ألبث أن خرج قال : أدخل ، فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً فإذا هو ذا بحياله قبر يحفر ، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءً شديداً ، قال : ما يبكيك؟ قلت : لما أرى. قال : لا تبك لذلك فإنه لا يتم لهم ذلك. فسكن ما كان بي فقال : إنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته. قال : فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل وقتل صاحبه ).
وفي هذا المبحث يتم التطرق الى ذكر هذه الحادثة الاليمة وذكر بعض مصادرها والتشرف بذكر نزر يسير من فيض كلمات مرجعنا الناطق السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره في هذا الشأن:
اولا.
في تاريخ الغيبة الصغرى لآية الله العظمى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره الشريف) ص 151 ـ 155:
قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره الشريف) في :
النقطة الرابعة :
إلقاء القبض على الإمام علي عليه السلام حين ضاق المتوكل ذرعاً بحقده على الإمام وبنشاط الإمام الذي لم يكن بمستطاعه التعرفعليه بسعة ووضوح ، وقد بذل كل ما بوسعه ولا زال إلى الجانب المهم من ذلك النشاط غامضاً عنه يظن به الظنون ولا يمكنه أن يحيط بمحتواه . وقد حمل المتوكل توجسه وحقده على أن يزج الإمام في السجن ، وذلك في الأيام الأخيرة من خلافته.
ولا يخفى ما في ذلك من التحدي للقواعد الشعبية والجماهير الواسعة المؤمنة بالإمام قائداً ورائداً وموجهاً وإماماً . فإن سجن القائد بمنزلة سجن كل قواعده الشعبية ،ويكون تحدياً لها وللمبدأ الذي يتخذه والهدف الذي يهدفه ،وهذا ما لم يكن للمتوكل منه مانع ، وهو الذي خرب قبر الحسين عليه السلام ومنع الزوار عنه ، على ما سمعنا.
وقد وردت في سجن الإمام روايتان تتفقان على وقوع ذلك في وقت واحد قبل ثلاثة أيام من موت المتوكل ، ولكنها تختلف في جملة من التفاصيل .
الرواية الأولى :
أنه حين قبض المتوكل على الإمام (عليه السلام) سلمه إلى علي بن كركر ليزج به في السجن ويراقبه فيه، فصادف ان سمعه بغا او وصيف - الشك من الراوي- ، وهما القائدان التركيان المتنفذان في الدولة يومئذ، على ما عرفنا في التاريخ العام ، سمع الإمام وهو في السجن يزمزم قائلاً :
أنا أكرم على الله من ناقة صالح " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب" لا يفصح بالآية ولا بالكلام .
ولم يفهم هذا القائد التركي مراد الإمام .فسأل عنه ، وكان المسؤول هو راوي هذه الرواية . قال الراوي : قلت :أعزك الله ،، توعد . انظر ما يكون بعد ثلاثة أيام .فلما كان من الغد أطلقه واعتذر إليه .
فلما كان في اليوم الثالث : ثار عليه الأتراك ،ومنهم باغر ويغلون واوتامش ، وقتلوه وأقعدوا ولده المنتصر مكانه (اعلام الورى ص346).
ويطيب(السيد الشهيد) لي ان أعلق على هذه الرواية بأمرين :
أحدهما:
أن وعيد الإمام كان رمزياً إلى حد كبير ، إلى حد لم يفهمه القائد التركي .. وكان من الأهمية في الدولة ، بحيث أن الراوي حين فسره خاف أن يصرح بما فهمه بوضوح وإنما اختصر كلامه اختصاراً خشية أن يناله ضرر، ولا زال المتوكل في الحياة والحكم .
ثانيهما:
أننا نستطيع أن نعرف بالدقة تاريخ هذا التوعد الذي ذكره الإمام حال سجنه ، وهو اليوم الثاني لعيد الفطر من شهر ايلول عام 247 للهجرة .
وقد قتل المتوكل والفتح بن خاقان بيد باغر ويغلون وجماعة من الأتراك ، في مجلس شرابه ليلة الرابع من شوال في نفس العام (الكامل ج5 ص303) ولم يكن بغا ولا وصيف ممن شارك في قتله ، وسلموا على ابنه المنتصر بالخلافة.
الرواية الثانية:
أن المتوكل دفع الإمام أبا لحسن الهادي عليه السلام إلى سعيد الحاجب – الذي عرفناه – ليقتله. فوضعه سعيد في السجن حتى يتم قتله ،وحين قدم الراوي إلى سامراء في ذلك الحين دخل على سعيد. وكان سعيد يعلم بكونه موالياً للإمام علي (عليه السلام) . فقال له :أتحب أن تنظر إلى إلهك . يقصد بذلك الإمام استهزاء واستصغاراً . ولكن الراوي كان غافلا فلم يفهم وأجاب : سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار .
فأوضح سعيد مراده قائلاً :هذا الذي تزعمون أنه إمامكم . فصادف ذلك رغبة في نفس الراوي ، إلا أنه أجاب بحذر قائلاً ك ما أكره ذلك ، فأفهمه سعيد القصد من سجن الإمام (عليه السلام) وقال : وقد أمرني المتوكل بقتله وأنا فاعله ، وعنده صاحب البريد فقال : إذا خرج فادخل إليه .
وحين يخرج صاحب البريد من الإمام (عليه السلام) يدخل الراوي في الدار
- يعني الغرفة – التي حبس فيها الإمام ، فيرى قبراً يحفر ، قال: فدخلت وسلمت وبكيت بكاء شديداً ،فقال : ما يبكيك؟ قلت : لما أرى قال: لا تبك فإنه لا يتم لهم في ذلك .فسكن ما بي .فقال ك إنه لا يلبث من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رايته .قال : والله ما مضى يومان حتى قتل.( انظر الخرايج والجرايج ص59)
وهذه الرواية لا تنافي الرواية الأولى ، في التوقيت ، فإن المراد من قتله في يومين : قتله بعد يومين :
قتله بعد يومين ويكون سفك دمه في اليوم الثالث ، وهو نفس الموعد في الرواية الأولى .كما لا تنافي بينهما في تعيين من دفع المتوكل الإمام إليه ، إذ من الممكن أن نفترض أن المسؤول عن قتله هو سعيد الحاجب والمشرف عليه في سجنه هو علي بن كرر الذي تذكره الرواية الأولى كما أن خلو الأول من ذكر كون الغرض هو قتل الإمام ليس تنافياً صريحاً ، إذ من الممكن أن نفترض أن الغرض هو ذلك .
ولكنه لم يرد في تلك الرواية لنسيان الراوي لتفاصيل الحادثة ، أو خوفه من بعض سامعيه في ذكر محاولة المتوكل لقتل الإمام أو غير ذلك من الأسباب.
إلا أن الرواية الأولى ارجح من الثانية على أي حال .فإن الثانية تتضمن مضعفاً لاحتمال صحتها غير موجود في الأولى وذلك أنها نسبت للإمام (عليه السلام) قوله:
أنه لا يلبث من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته. فيقع السؤال عن صاحبه الذي قصده
وظاهر الكلام أن المراد به سعيد الحاجب ، لأنه هو الذي كان الراوي قد رآه .
مع أن سعيد لم يقتل مع المتوكل ، بل بقي حياً حتى سنة 257 حين أرسله المعتمد لحرب الزنج * وإنما قتل معه الفتح بن خاقان .فلا بد أن نفترض فرضاً مخالفاً لظاهر الكلام :أن الراوي كان قد رأى الفتح بن خاقان أيضاً ، وأنه فهم من كلام الإمام ذلك ،والله العالم.
كما أن الرواية الأولى تتضمن مرجحاً لاحتمال صحتها ،وهو تسمية من باشر قتل المتكل من الأتراك ، وهو مطابق للتاريخ العام بشكل عام، وقد ذكرنا في المقدمة أن هذا يصلح قرينة على صحة الرواية ، كما يصلح مرجحاً للأخذ بها عند التعارض ، ولكننا بعد إسقاط الأضعف في مقدار التعارض يمكن أن نأخذ بها في مداليلها وتواريخها الأخرى .
(انتهى كلام السيد الشهيد الصدر المقدس)
ثانيا.
نقل الشيخ محمد جواد الطبسي في كتابه (حياة الامام الهادي عليه السلام)ص352
عن الشيخ الصدوق في الخصال بسنده عن ابن المتوكل عن علي بن ابراهيم عن عبد الله بن احمد الموصلي عن الصقر بن أبي دلف الكرخي ، قال : لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (عليه السلام) جئت أسأل عن خبره ، قال : فنظر إلى الزرافي وكان حاجباً للمتوكل ، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه ، فقال : يا صقر ما شأنك ؟ فقلت : خير أيها الأستاذ ، فقال : أقعد فاخذني ما تقدم وما تأخر ، وقلت : أخطئت في المجيء .
قال : فوحى الناس عنه ثم قال لي : ما شانك وفيم جئت ؟ قلت : لخبر ما فقال : لعلك تسأل عن خبر مولاك ؟ فقلت له : ومن مولاي ؟ مولاي أمير المؤمنين ، فقال : أسكت ! مولاك هو الحق ، فلا تحتشمني فإني على مذهبك ، فقلت : الحمد لله .
قال : أتحب أن تراه ؟ قلت : نعم ، قال : أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده .
قـال : فجلست فلما خرج قال الغلام له : خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس ، وخل بينه وبينه ، قال : فأدخلني إلى الحجرة وأومأ إلى بيت فدخلت فإذا هو جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور ، قال : فسلمت عليه فرد عليّ ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي : يا صقر ما أتى بك ؟ قلت : سيدي جئت أتعرف خبرك ؟ قال : ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إليّ فقال : يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن ، فقلت : الحمد لله
(راجع الخصال ص 394، معاني الاخبار ص123، إعلام الورى ص411 ) .
وفي الخرائج : ١ / ٤١٢ : ( حدثنا ابن أرومة قال : خرجت أيام المتوكل إلى سر من رأى فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله ، فلما دخلت عليه ، قال : تحب أن تنظر إلى إلهك؟ قلت : سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار. قال : هذا الذي تزعمون أنه إمامكم! قلت : ما أكره ذلك. قال : قد أمرت بقتله وأنا فاعله غداً وعنده صاحب البريد فإذا خرج فادخل إليه.
فلم ألبث أن خرج قال : أدخل ، فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً فإذا هو ذا بحياله قبر يحفر ، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءً شديداً ، قال : ما يبكيك؟ قلت : لما أرى. قال : لا تبك لذلك فإنه لا يتم لهم ذلك. فسكن ما كان بي فقال : إنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته. قال : فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل وقتل صاحبه ).
الى هنا يختم المبحث والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق