السبت، 30 مارس 2019

الخضوع امام هيبة الامام الكاظم (عليه السلام)



نقل الشيخ باقر شريف القرشي عن البحار للشيخ المجلسي ج11 ص270ـ272
هذا الخبر ، ان (المأمون قال يوما لندمائه :
أتدرون من علمني التشيع؟ فانبروا جميعا قائلين: لا والله ما نعلم !
قال: علمني ذلك الرشيد ، فقالوا كيف ذلك ؟ والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت !
قال كان يقتلهم على الملك لأن الملك عقيم ، ثم أخذ يحدثهم عن ذلك قائلا : لقد حججت معه سنة فلما انتهى إلى المدينة ، قال :
لا يدخل على رجل من أهلها أو من المكيين سواء كانوا من أبناء المهاجرين والأنصار أو من بني هاشم حتى يعرفني بنسبه وأسرته ، فأقبلت إليه الوفود تترى وهي تعرف الحاجب بأنسابها ، فيأذن لها ، وكان يمنحها العطاء حسب مكانتها ومنزلتها ، وفي ذات يوم اقبل الفضل بن الربيع حاجبه وهو يقول له: رجل على الباب ، زعم انه موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، فلما سمع ذلك هارون أمر جلسائه بالوقار والهدوء ، ثم قال لرئيس تشريفاته ائذن له ، ولا ينزل إلا على بساطي ، وأقبل الإمام(عليه السلام) وقد وصفه المأمون فقال:
انه شيخ قد أنهكته العبادة كأنه شن بال قد كلم السجود وجهه .
فلما رآه هارون قام إليه وأراد الإمام أن ينزل عن دابته ، فصاح الرشيد : لا والله إلا على بساطي .
فمنعه الحجاب من الترجل ، ونظرنا إليه بالإجلال والإعظام ، وسار راكبا إلى البساط ، والحجاب وكبار القوم محدقون به ، واستقبله هارون ، فقبل وجهه وعينيه ، وأخذ بيده حتى صيره في صدر مجلسه وأقبل يسأله عن أحواله ويحدثه)
ويسترسل المأمون الى ان قال:
(ثم انصرف الإمام(ع) فقام هارون تكريما له فقبل ما بين عينيه ووجهه ثم التفت إلى أولاده فقال لهم : قوموا بين يدي عمكم وسيدكم ، وخذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله ، فانطلقوا مع الإمام بخدمته وأسر إلى المأمون فبشره بالخلافة وأوصاه بالإحسان إلى ولده ، ولما فرغوا من القيام بخدمته وإيصاله إلى داره ، قال المأمون : كنت أجرأ ولد أبي عليه ، فلما خلا المجلس قلت له : يا أمير المؤمنين ، من هذا الرجل الذي عظمته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له، قال هارون : هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده .
قال المأمون : يا أمير المؤمنين او ليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ قال هارون : انا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر وموسى بن جعفر إمام حق ، والله يابني : انه لأحق بمقام رسول الله(ص) مني ومن الخلق جميعا ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عينيك فأن الملك عقيم.
وبقي هارون في يثرب مدة من الأيام ، فلما أزمع على الرحيل منها أمر للإمام بصلة ضئيلة قدرها مائتا دينار ، وأوصى الفضل بن الربيع أن يعتذر له عند الإمام ، فانبرى إليه المأمون وهو مستغرب من قلة صلته مع كثرة تعظيمه وتقديره له قائلا : ياامير المؤمنين : تعطي أبناء الهاجرين والأنصار وسائر قريش وبني هاشم ومن لا يعرف نسبه خمسة آلاف دينار ، وتعطي موسى بن جعفر وقد عظمته وأجللته مائتي دينار أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس ، فثار هارون وصاح في وجهه قائلا: اسكت لا ام لك فأني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت آمنه أن يضرب وجهي بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته اسلم لي ولكم من بسط أيديهم .
والذي يُستشف من هذه الرواية عدة أمور منها:

1ـ إن لله تعالى الحجة البالغة على الخلق جميعا سيما الطواغيت المتسلطين على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، فان الله تعالى يثبت عليهم الحجة من خلال عدة جوانب والتي من اهمها الحجة الظاهرة والذين هم الانبياء والاوصياء والاولياء ، الذين لا يألون جهدا في بيان الحقائق والمبالغة في تقديم النصح .

2 ـ من اوراق الضغط التي استخدمت ضد المصلحين واتباعهم هي ورقة الضغط الاقتصادي من اجل ابقائهم في دائرة الضعف وانشغالهم بتوفير لقمة العيش ، لتكون ادوات المصلحين في مواجهة الفاسدين محدودة وشبه مشلولة .

3ـ ممارسة غالبية الطواغيت لخصلة النفاق مع القادة المصلحين حين لا يجدون أي ثغرة عليهم او مبرر ضدهم ، فيظهرون الود والاحترام بالعلن من اجل ايهام الناس بانهم لم يقصروا من جانب المصلح ، وفي نفس الوقت يبطنون البغض وحياكة المؤامرات بالخفاء .

4 ـ تصريح هارون العباسي بعدم توانيه عن ارتكاب جريمة القتل بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، او بحق الامام الكاظم في خبر ثاني او بحق ولده المأمون في خبر ثالث ، ان تم منازعته على كرسي الحكم ، او وجد في القتل مصلحة في بقاء سلطته ، وهذا مؤشر عالي على مدى عشقه للسلطة والحكم ، واستعداده العالي لبذل الغالي والنفيس من اجل بقاء هذه السلطة ، حتى وان سفكت من اجلها الدماء الشريفة وازهقت الارواح الطاهرة .

5ـ هيبة الإمام وولايته اثرت على هارون العباسي مما جعله يخضع في حضرته ويضمن له مبلغ كبير من المال ، ولكن سرعان ما نقضه هارون بسبب رغبته الشديدة ببقاء الامام واسرته ضمن وضع اقتصادي صعب لأنه يجد في ذلك احد الضمانات في استمرار بقاء ملكه الجائر .

6ـ الإمام الكاظم (عليه السلام)، يستثمر مثل هذه اللقاءات بإلقاء بعض التوجيهات وبيان بعض الواجبات المتعلقة برقاب المتسلطين على زمام مقادير الامور في البلاد ، من اجل هدايتهم وايقافهم على نقاط علاجهم واسباب تكاملهم واخيرا اثبات الحجة عليهم.

7-أعطى هارون درسا لأبنائه في كيفية التعامل مع أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بطريقة المكر والخداع والقسوة ، وقد نبه الإمام الكاظم (عليه السلام)، المأمون بالإحسان إلى أولاده (أي لا تتخذ معهم نفس سلوك ومنهج أبيك الظالم ) بعد أن أخبره بأنه سيتولى الحكم ، ولكن الأخير اخلف الوعد وسار على نهج ابيه الظالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق