قد يستغرب البعض حينما يسمع بان جهة الشر منتظرة للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، بل قد تكون في بعض مراتب انتظارها واستعدادها ببعد حركي وهمة اكثر من همة وبعد حركة بعض المؤمنين الساعين للالتحاق بدرجة من درجات جيش الامام عليه السلام ، كيف ذلك؟
لان جهة الشر المواجهة والمتصدية لجهة الخير والاصلاح ، مستيقنة من وجود رجل مصلح معهودة اليه مهمة بناء دولة العدل والانسانية وقد جمعوا حوله الكثير من المعلومات والحقائق وافردوا لها ملفا كاملا، يتعاملون معه بكل حرص وجدية ، ومن النافع التطرق الى هذا المطلب وبإيجاز من خلال المحورين الآتيين :
المحور الاول :
ان العدو يصب جُلَّ اهتمامه على موضوع المصلح المعهود اليه مواجهة الظلم والفساد والطغيان ، وانقاذ المظلومين والمحرومين والمستضعفين ، ولا يألون جهدا في التصدي له او لمن يمثله من اجل قتله او تحجيم حركته وعرقلتها ، ولتنفيذ هذه المهمة يستخدمون عدة اساليب والتي منها ما يلي:
1.مراقبة أي حركة اصلاحية في العالم للتصدي لها واجهاضها في مهدها ، خصوصا في ساحة الحدث المستيقنين من موقعها ولم يغفلوا عنها للحظة واحدة وعلى طول خط مراقبتهم لها ، ومن الجدير بالذكر انهم يتعاملون مع اي مصلح وحركته الاصلاحية، وفي اي بقعة من الارض بهمة عالية وجهد كبير ، وكأنها حركة الامام الواقعية .
2. ايجاد شواخص دينية تسير في فلكهم ويتم طرحها كبديل للمصلح ، مع قيامها بتذليل العقبات الحائلة دون تسنمهم لمواقع دينية مهمة ، من اجل تخدير القواعد الشعبية وابعادها عن الارتباط بمسيرة التكامل الايجابية الواعية.
3. محاولة تشويه برنامج الامام المهدي الاصلاحي واطروحته العادلة ، وذلك من خلال تمكين عدد من المنتحلين لصفة الاصلاح والمرتبطين شكليا ببعده الايدلوجي ، من الوصول الى سدة الحكم والسعي في الارض فسادا لكي ينفروا الناس من كل مصلح ومرتبط ببعده الايدلوجي باعتبار ان الناس قد اكتوت من ظلم هؤلاء المتصدين للحكم والمتزعمين الانتساب للإمام (عجل الله فرجه الشريف)
4.تشتيت القواعد الشعبية من خلال عدة امور والتي منها بث الفرقة بينهم والهائهم بأمور شكلية ومعيشية واجتماعية ونفسية ...، لابعادهم عن اسباب تكاملهم الواقعية
5.شن الحرب الفكرية ، من خلال عدة موجات والتي منها: الالحادية والاباحية والنفسية والاجتماعية ...، بل وحتى المتعلقة بشروط وعلامات الامام المهدي(عليه السلام)؟
نعم حتى هذا الموضوع لم يغفلوا او يتغافلوا عنه كيف؟
وذلك من خلال (على سبيل المثال لا الحصر)، القيام باللعب على ورقه العلامات المتعلقة بخروج الامام المهدي من خلال استعمال عدة حيل والتي منها:
ا. تثقيف القواعد الشعبية بشكل او آخر على عدم بذل قصارى جهدهم في مسيرة التكامل، مادام شواخص العلامات لازالت غير ظاهرة ولم يحن اوانها بعد ، وبالتالي لم العجلة بالتكامل مادام الامام لم يحن موعد ظهوره
ب. السعي في دائرة تحديد التشخيص بخصوص العلامات ، وذلك من خلال اضفاء عنوان العلامات على شخوص معينة باعتبارها هي المقصودة ، وهنا سيقع الكثير في حفرة الاحباط حينما يتبين بعد مدة من الزمن انها ليست هي المقصودة الحقيقية والواقعية من العلامات
ج. محاولة ابعاد دائرة التشخيص بخصوص بعض العلامات ، ورميها على جهات معينة حصرا باعتبار ان العلامة واقعة في دوائرهم ، وعلى سبيل المثال:
السفياني ، والذي قبل الخوض فيه لنستمع وبدقة الى مضمون ما قاله المفكر الباحث الاستاذ علي الزيدي بخصوصه، وذلك في حوارية (كيفية الظفر للالتحاق بالامام المهدي(ع)) :
قال المفكر الاستاذ علي الزيدي(النقل بتصرف):
(كأنما في الثقافة السابقة ان السفياني يجب أن يكون مخالف لمذهب أهل البيت مثلا
لا ، قد نصل إلى مرحلة من الفساد ، بحيث يوجد أفراد ينتمون إلى التشيع ظاهرا لكنهم اعدى أعداء التشيع باطنا ، وفي أفعالهم هم عكس ما يقولون ، ينتمون لأهل البيت ظاهرا ولكنهم يخالفونهم في الباطن وفي أعمالهم.
السفياني يمثل جهة فساد ، اذن من الممكن ان يُطبق قانون الفساد حتى على من يكون منتميا بالظاهر إلى أهل البيت ، وهذا الذي لم يُلتفت اليه ، يعني ثُقف كأنما السفياني فقط هو من المخالف لأهل البيت ظاهرا وباطناً
لا نعترض على ذلك نقول هو مصداق من مصاديق السفياني ، وهذا الذي اذهب إليه في منظوري الفكري وحتى في كتاباتي ان السفياني ليس شخص واحد وإنما هو مصاديق متتالية ومتتابعة ، نعم سفياني المرحلة الذي يواجه الإمام المهدي هو السفياني ذو المصداق الكامل ، أما الأشخاص الفاسدين الذين يسبقون حركة الظهور المبارك هم نعم مصاديق للسفياني لكن ضمن مستويات متباينة)(انتهى)
من هذا الطرح الدقي الذي بينه الاستاذ الفاضل علي الزيدي ، نستشف جملة من المعاني والتي منها ما يلي:
1. ان السفياني ما هو الى حركة منحرفة متلبسة بلباس الاسلام ، بالتالي فانه سيكون منطبق على أي فرد او جماعة منحرفة متلبس بلباس الاسلام ، بغض النظر عن ظاهر مذهبها ، وان كانت ممن تزعم الانتماء لمدرسة اهل البيت عليهم السلام
2. السفياني هو الحركة او الجهة التي ستواجه المصلح والحركة الاصلاحية بشتى الوسائل ، وان مواجهة الحركة الاصلاحية والمصلح ومن أي جهة اسلامية كانت كفيل بجعلها ضمن دائرة مصاديق السفياني
3.اثبت الواقع بما لا يقبل الشك ان للكثير من العلامات والشواخص والاحداث لها مصاديق متعددة في اغلب الازمنة والأمكنة ، غاية ما في الموضوع ، ان مصاديقها العالية الانطباقية ستكون لحظة اجتماعها كلها وقت الذروة لإعلان الحدث الكلي وعليه فان للسفياني مصداق في كل جيل وللمصلح مصداق في كل جيل وكذلك اتباعهم لهم مصاديق في كل جيل وهكذا
المحور الثاني.
بالرغم من بشاعة الحرب العسكرية الكلاسيكية وبشاعة مخلفاتها وافرازاتها الا ان الحرب الفكرية اشد وطأة منها وابشع اثارا ونتائجاً ، سيما وان جهة الشر تتعمد ابقاء اكثر عدد ممكن من الناس محصورين في دائرة الجهل وقلة الوعي ، لأنه وبهذه الطريقة يتمكنون من السيطرة عليهم واستغلالهم ابشع الاستغلال من جهة وجعلهم فاقدين لأي قيمة انسانية حقيقية من جهة ثانية ، في قبال المصلحين الذين يبذلون قصارى جهدهم من اجل اخراج الناس من دائرة الجهل وقلة الوعي ولذا تجد الصراع قائم ومرير بين جهتي الخير والشر ، ومما يفرح العدو ويدخل الحزن على قلب المصلحين هو انطلاء خداع العدو ومكرهم على الكثير من الناس ومن هذه الخدع المتعلقة بمطلب المبحث هو ما يلي:
ايهام الكثير من الافراد المنتظرين للإمام المهدي، بعدم بذل طاقاتهم وقصارى جهدهم في مسيرة التكامل والرقي الانساني والتي يمنح الله فرصها مرارا في ساحة وجودهم من خلال ارساله لجملة من المصلحين لتحقيق ذلك الهدف النبيل
وهنالك عدة شبهات انطلت على هؤلاء فاتخذوها مبررا لهم والتي منها ما يلي:
ادخار هذه الطاقات والجهود حتى يحين اوان ظهور الامام واعلانه عن نفسه لكي يتم تقديم هذه الطاقات وبذل هذه الجهود بين يديه ، وهي شبهة انطلت على الكثيرين مع الاسف وساعد العدو على تركيزها في اذهان البعض بمختلف الحيل والالاعيب
ولنناقش هذه الشبهة من هذه الزاوية والتي هي:
ان جل المنتظرين للإمام المهدي ان لم يكن كلهم موقنين بدرجة من درجات اليقين بان المهمة الموكلة للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، هي انقاذ المظلومين والمحرومين والمستضعفين من قبضة الفساد والجهل والتخلف وارساء قواعد دولة العدل للوصول الى السعادة والرقي الانساني
والان لو نظرنا الى هذه المهمة ، هل يمكن لعاقل منصف ان يقول انها مهمة يسيرة وهينة؟
بالتأكيد لا ، بل انها مهمة شاقة وعسيرة ولذلك فان تحقيقها يمثل حلماً بالنسبة للأنبياء والاوصياء وعموم المصلحين...، بل وللناس اجمعين ، الا من شذ منهم وخرج عن فطرة الله التي فطر الناس عليها
عليه ، او ليست هذه المهمة النفيسة النبيلة تحتاج لأدوات وظروف عديدة وتظافر جهود الجميع من اجل تحقيقها ومن ضمن هذه الادوات الثلة الطيبة من خيرة الناس والتي بذلت كل طاقاتها واقصى جهودها ، من اجل التشرف بخدمة الامام لمواجهة الظلم والفساد وازالة قواعده واركانه ليتم بذلك ارساء قواعد دولة العدل والسلام ، ولو كانت هذه الثلة مدخرة طاقاتها وجهدها ومنعزلة عن حلقات التكامل المتحقق جلها عن طريق خدمة الانسانية وحب الوطن واتباع المصلحين واقتفاء اثرهم والسير على نهجهم ، ومواجهة الفاسدين والظالمين والمتكبرين ...
اذن كيف سيتمكنون من الوصول الى مرتبة من مراتب التأهل للالتحاق بجيش الامام للمشاركة في تنفيذ مهمته العظيمة والمشاركة في تأسيس دولته العادلة؟
ثم للنظر للذين هم واقعين في دائرة بذل اقصى الطاقات وقصارى الجهد في ساحة التكامل والرقي ، من السابقين الذين جاءهم الاجل ، قبل ان يأذن الله بالفرج لولية القائم عجل الله فرجه الشريف ، لننظر هل ربح هؤلاء الصفقة ام خسروا نتيجة مداهمة الاجل لهم قبل ان يأذن الله لوليه بالفرج؟
الحقيقة تقول انهم لم يخسروا أي شيء اطلاقا ، وعلى العكس تماما فلقد ربحوا خير الدين والدنيا والاخرة، وفازوا فوزا عظيما ، كيف؟
1.لقد ربحوا درجات ايمانية عالية بالغيب لان الغيب لم يكن حائلا لهم امام مواصلة مسيرهم التكاملي ، بل كانوا على مرتبة من الايمان بالغيب وكأن الامام ماثلا بشخصه الكريم وذاته المقدسة امامهم غير غائب عنهم.
2. ربحوا مراتب عالية من الكمال والرقي الذي وصلوا اليه نتيجة بذل قصارى جهدهم ولم يبخلوا بشيء من طاقاتهم في مجال خدمة الدين والانسانية والوطن
3.لقد فازوا حتما ويقينا بمرتبة من مراتب جيش الامام عجل الله فرجه الشريف ، وسوف يكون لهم اجر ورقي وتكامل اخوانهم المتزامنين مع الظهور الشريف
4. لهم مشاركة فعالة في مهمة زيادة الوعي التكاملي الجمعي للبشرية ، فالتكامل الموجود لدينا اليوم جله تكامل جميع الاجيال السابقة ومنذ بدأ مسيرة البشرية والى اليوم ، بما فيهم الانبياء والمرسلين والاوصياء والصالحين والصالحات ...
فالخبرة الجمعية عند البشرية اليوم ما هي الا خبرة تراكمية شارك فيها جميع اجيال البشرية وعلى طول خط مراحل مسيرها الانساني
اذن هم قد ساهموا مساهمة فعالة بإيصال الثلة الطيبة الطاهرة التي سوف تلتحق بالمعصوم ساعة الفرج بالإذن الالهي ، لان هؤلاء الطيبين وما يحملونه من تكامل هو في حقيقته التكامل الجمعي الذي شارك فيه الجميع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق