هنالك أيام شرفها الله(تعالى شأنه)، وأكرمها على الأيام ومنها يوم المباهلة الذي انتصر فيه الحق وتجلت فيه العناية الخاصة من الحضرة الاحدية ، فقد جُمِعَتْ فيه انوار الله المقدسة وواسطة الفيض الالهي ، وظهرت فيه عظمة الباري وعنايته ، فبعد أن قويت شوكة المسلمين واخترق نور الإسلام اغلب مناطق جزيرة العرب وبعض البلدان المجاورة ، أرسل المصطفى الخاتم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، المبعوثين حاملين رسائل المحبة والسلام ، المفعمة بالحكمة والموعظة الحسنه ، والمؤطرة بِنَفَسْ المقتدر بقدرة الله اللامحدودة ، إلى مختلف المناطق والبلدان من اجل هداية سكانها واثبات الحجة عليهم ، وهذا مالم يستوعبه البعض من الحكام المتجبرين , الذين تغلب عليهم طابع العنجهية ، فاعرضوا عن سماع صوت الحق ، ورفضوا الاستجابة الى نداء السلام والاسلام ، بل عمد البعض منهم كـ حاكم بيزنطة ، إلى قتل حامل الرسالة ، ضاربا بهذا الفعل المشين ، عرض الجدار ، جميع الاعراف الدبلوماسية المتعارفة في كيفية التعامل مع المبعوثين، على عكس البعض الآخر من الحكام ، الذين تعاملوا بعقلانية وحكمة مع هذه الرسائل كنجاشي الحبشة ومقوقس مصر .
وبالنسبة لجزيرة العرب وخصوصا بعد فتح مكة ، والانتصار على هوازن في معركة حنين ، فقد هبت موجه من وفود العشائر والقبائل نحو النبي معلنةً إسلامها ، داخلين في دين الله أفواجا ، وكان اشد الناس عداوة للإسلام اليهود ، الذين لم يتشرف بالالتحاق منهم بمنهج الحق الا القلة القليلة ، أما بقيتهم فقد ناصبوا العداء للإسلام ، معلنين الحرب عليه ، حتى قتل من قتل منهم ، واجلي الباقين.
المهم إن الناس بمختلف مناطقهم أصبحوا يحسبون للإسلام ألف حساب ومن هؤلاء الناس نصارى نجران ، الذين كانوا يمثلون رأس الفكر عند النصارى وقد أولتهم الدولة الرومانية عناية كبيرة (ماديا ومعنويا)، فقد جاءوا بوفد كبير في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة ، يتقدمهم اثنان من زعمائهم البارزين وهما السيد والأهتم ، وفي روايات أخرى إن العاقب واسمه عبد المسيح هو كان ذا رأيهم ، وجلبوا معهم الصلبان وناقوس كبير ، وعندما وصلوا المدينة دخلوا مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودقوا الناقوس وأقاموا طقوسهم على أتم حريتهم .
وبعد ذلك جرت المناقشة معهم ، فأعيتهم الحجة ، وتغلب عليهم منطق الحق ، حينئذ طلبوا من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، المباهلة.
قال السيد عبد الأعلى السبزواري:
المباهلة نوع من الدعاء والابتهال والتضرع والتبتل إلى الله تعالى لإثبات حق علم به وهي عادة جارية بين الناس في جميع الملل والأقوام ممن يعتقد بوجود عالم الغيب وراء هذا العالم المادي فتكون نظير صلاة الاستسقاء أو الاستخارة ونحوهما(انتهى).
وقد وافق النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، على طلبهم , واتفق وفد النصارى فيما بينهم على الآتي :
إن أقدم محمد بصحبه فباهلوه ، فانه ليس بنبي ، وأن باهلكم بأهل بيته وأقرب الناس عنده فلا تباهلوه ، فهو نبي آخر الزمان , وتم الاتفاق بين الطرفين على وقت المباهلة , وهو ضحى الرابع العشرين من ذي الحجة وعلى رأي بعض العلماء في الـ 25 من ذي الحجة الحرام.
وقال العاقب(عبد المسيح)، لجماعته :
والله لقد عرفتم يا معشر النصارى إن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم , والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن فان أبيتم إلا ألف دينكم والإقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
وفي يوم المباهلة ، اكتسى المصطفى الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بعباءة وأدخل معه تحت الكساء عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام )، وقال:
( اللهم انه قد كان لكل نبي من الأنبياء أهل بيت هم أخص الخلق إليه اللهم وهؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ).
فهبط جبرئيل(عليه السلام)، بآية التطهير في شأنهم ، ثم خرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، باهل بيته (عليهم السلام) للمباهلة ، فغدا محتضنا بالحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفهما وهو يقول :
إذا أنا دعوت فأمنوا.
فقال أسقف نجران ، عندما رآهم(صلوات الله عليهم) :
يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة .
فقالوا : يا ابا القاسم رأينا أن لا نباهلك وان نقرك على دينك ونثبت على ديننا , فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
فإذا أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم , فأبوا , قال(صلى الله عليه وآله وسلم):
فاني أناجزكم ، فقالوا : مالنا بحرب العرب من طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة ، ألف في صفر وألف في رجب وثلاثين درعا من حديد. فصالحهم على ذلك وكتب أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وثيقة ذلك العهد، ويمكن لنا ان نستشف من هذه الحادثة العظيمة بعض الامور والتي منها ما يلي:
1 . انك ترى وتسمع الكثير من الدول وخصوصا الغربية منها كفرنسا والدنمارك ...، تعلن بأنها دول ديمقراطية وانها تحترم حرية الإنسان وحقوقه في المأكل والملبس وممارسة طقوسه التي يعتقد بها , ولكن في نفس الوقت يقومون بحملات ضد الحجاب , من خلال سن القوانين والمضايقة في المدارس ، وأماكن العمل...، ويثيرون ضجة حول المآذن بحجة ان صوتها في الاذان ، يشكل إزعاج للآخرين ، ويبررون لمن يسيء الى القرآن الكريم , ومقام المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بحجة أنهم لا يستطيعون منع حرية التعبير، وحينما تتعلق حرية التعبير عن الرأي والفكر عند المسلمين فان الدنيا تقوم ولا تقعد لديهم ، إلى غيرها من التصرفات التي تتناقض كليا مع ما يدعون ؟
بينما ترى نبينا المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو محاط بالأبطال الذين اذاقوا المشركين وأذنابهم مرارة الهزيمة ، يترك النصارى يمارسون طقوسهم بكامل حريتهم في مسجده المبارك مع انهم وفد جاء لطلب الأمان والموادعة , فأين هذا الفعل من أفعال من يدعي حقوق الإنسان ؟ ، وحرية ممارسة المعتقدات ؟ .
2 . ان اغلب الطواغيت والحكومات الجائرة ومن سار على نهجهم وانقاد لأوامرهم ، يرفضون الجلوس في نقاش علمي هادف وعادل ، مع الآخرين ، خصوصا من يرونهم خصما او ندا لهم ، إنما جُلَّ ما يصدر منهم ويترشح عنهم هو التهديد والوعيد وكيل التهم وتلفيق الأباطيل ، ليعقبها الاستخدام المفرط للقوة ، حتى وان هلك الحرث والنسل ، كما حدث خلال السنوات المنصرمة ومازال يحدث في الكثير من البلدان التي يبتغي المستعمر نهب خيراتها وتركيع شعوبها لأهوائه، سواء كان ذلك بالمباشر كما حدث في فلسطين ، وفيتنام ، وسوريا ، واليمن ، والعراق، او بصورة غير مباشرة عن طريق عبيدها الذين تسَلِطُهم على رقاب الشعوب كـ صدام والقذافي ...
فأين هذا من منهج الأنبياء الذين يزعمون الانتماء اليهم ، فهل كان هذا منهج موسى بن عمران (عليهما السلام)، ام كان هذا منهج عيسى بن مريم (عليهما السلام) ، ام كان هذا منهج النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لكي ينسب اولئك الادعياء افعالهم القبيحة وسلوكهم المشين ، الى شرائع الله وسلوك ومنهج انبيائه المصلحين ؟
فلقد رفضت اغلب دول العالم وبالإجماع قرار احتلال العراق ، ومع ذلك ضربت أمريكا إرادة العالم عرض الجدار واحتلت العراق من دون موافقة أممية ، مدعيه وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق، لتعيث في ارضه فسادا وتخريبا ، فمن يا ترى حاسبها على ويلات ما الحقته من دمار شامل بالإضافة الى شنائعها التي ارتكبتها في المدن والسجون ، والتي وبسبب كثرتها وشهرتها ، فقد وصلت الى أسماع القاصي والداني ، ثم إن كان أسامة بن لادن ، هو من اعتدى عليهم كما يزعمون، اذن ما هو ذنب أفغانستان لتحتل أراضيها وتنتهك مقدساتها على مثل هذه التهمة !
وهل أسامة بن لادن ، افغانستاني ، ام انه سعودي وشريك لأسرة بوش في شركات النفط !
فان قالوا ، انه مختفي في أفغانستان , كما يزعمون ، فهل يقبلون بان تحتل بلدانهم إذا اختفى عندهم هارب من بلاد المسلمين ؟
الم يثيروا ضجة كبيرة عندما اصدر السيد الخميني فتواه بهدر دم المرتد الهندي سليمان رشدي المسيء وبشكل سافر الى مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم يكتفوا بذلك بل طبعوا كتابه (آيات شيطانيه)، في ارقى مطابعهم موفرين له كامل الدعم والحماية ، فهل هذا من الإنصاف والعدالة في شيء وهم ينتهكون وبشكل صارخ وخبيث حرية ومعتقدات أكثر من مليار مسلم؟
أين هذا من منهج المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وطريقة تعامله مع نصارى نجران الذين كانوا في قبضته وقادرا على فعل ما يشاء بهم ومع ذلك أطمعهم يقينهم بعدله ورحمته بأن يتدللون في حضرته الشريفة ، فمع اقرارهم له بالدين ، يطلبون منه تركهم على دينهم , ومع اقرارهم له بأن لا طاقة لهم بحربه ومع ذلك يطلبون منه عدم محاربتهم واخافتهم ...، ويتفضل عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بما يريدون.
فهل جزاء النبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كل هذه الإساءات من الغرب وأعوانهم الأراذل .
3 . تشير حادثة يوم المباهلة ، على إن النصارى الحقيقيين سواءً كانوا من عامتهم أو من علماؤهم , اقرب مودة للذين آمنوا ، وبذلك يكون طريق وصولهم للهداية اقصر وأسهل ، على عكس اليهود والذين أشركوا فهاتين الفئتين وبسبب كثرة جرائمهم وموبقاتهم، فقد جعلوا طريق الوصول للهداية بالنسبة لهم طويل ومعقد , فان قيل وكيف يتلاءم ذلك مع الدول الغربية واغلب سكانها من النصارى , فيمكن أن يكون بعض الجواب على ذلك بما يلي:
ا . إن الأعم الأغلب من الحكومات على هذه البسيطة سواء كانت شرقيه أم غربيه لا تمثل رغبات وتوجهات شعوبها , فلا يمكن على هذا الأساس أخذ الشعوب بجريرة حكامها , اضافة الى ان حقيقة الديمقراطية في الكثير من الدول والتي منها الغربية ، عبارة عن ديمقراطية شكليه وغير حقيقية ، لذا فإننا نسمع ونرى بين الحين والآخر كيف يتم قمع المظاهرات عندهم .
ب . إن الكثير من ابناء الشعوب ، ومنها الغربية لم يطلعوا على منهج الدين الإسلامي الحقيقي بل تتعمد الماكنة الاعلامية لحكوماتهم بأن تصور لهم الإسلام على انه دين ارهاب وقتل وتخلف ، بالإضافة الى اظهار نماذج من الفكر الوهابي المقيت كالقاعدة وداعش ، على انه الإسلام.
ج . نحن ونتيجة قلة التزامنا بمنهج أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، نتحمل تبعات كثيرة من هذا الظلم الذي وقع على الإسلام وجعل الآخرين يبتعدون عن منهجه القويم , لذا فانك ترى حينما يبرز رجل متمسك بمنهج أهل البيت ويراه الناس ويسمعون كلامه ويراقبون تصرفاته وسلوكه وأخلاقه ، حينئذ يرون فيه تجسد لقيم الإنسانية النبيلة ومبادئها السامية ، فيأتون إليه بأرواحهم قبل أجسادهم ، معلنين إسلامهم بين يديه ، كما حدث مع السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس)، ومع السيد المغيب موسى الصدر(قدس).
عليه ، كيف نطلب من الناس التمسك بمنهج نحن متخاذلين عنه ومتكاسلين معه ، قال تعالى:
((۞ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)) (البقرة).
4 . قام النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، بإبراز أعز ما عنده من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل ، وفي هذا درس بليغ ، يدل على انه ومن اجل إقامة الحق ودحض الباطل ، فان ذلك يستحق التضحية بكل غال ونفيس , وبما انه لنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أسوة حسنة.
اذن: علينا التأسي به والسير على منهجه(صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي سار عليه جميع الأنبياء والأوصياء والمخلصين .
انظر الى الامام الحسين (عليه السلام)، الم يضحى بكل غال ونفيس من اجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل.
انظر الى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)، الم يضحي بكل غال ونفيس من أجل احقاق الحق وازهاق الباطل.
انظر الى حقيقة من الذي مات من الناس ، ومن الذي بقي خالدا؟
هل مات المضحين بكل غال ونفيس من أجل احقاق الحق وازهاق الباطل؟
كلا ، بل خلد ذكرهم في الأرض والسماء .
وان الذي مات حقيقة هم المتكبرين والذين رضوا بعيشة الذل من الجبناء والمتخاذلين؟
اذن: علينا الجد والاجتهاد ، علما وعملا ، عسى ان يزداد وعينا ويشتد يقيننا، فـ(الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )، لنتمكن من التأسي بنبينا والسير على منهجه(صلى الله عليه وآله وسلم).
وبالنسبة لجزيرة العرب وخصوصا بعد فتح مكة ، والانتصار على هوازن في معركة حنين ، فقد هبت موجه من وفود العشائر والقبائل نحو النبي معلنةً إسلامها ، داخلين في دين الله أفواجا ، وكان اشد الناس عداوة للإسلام اليهود ، الذين لم يتشرف بالالتحاق منهم بمنهج الحق الا القلة القليلة ، أما بقيتهم فقد ناصبوا العداء للإسلام ، معلنين الحرب عليه ، حتى قتل من قتل منهم ، واجلي الباقين.
المهم إن الناس بمختلف مناطقهم أصبحوا يحسبون للإسلام ألف حساب ومن هؤلاء الناس نصارى نجران ، الذين كانوا يمثلون رأس الفكر عند النصارى وقد أولتهم الدولة الرومانية عناية كبيرة (ماديا ومعنويا)، فقد جاءوا بوفد كبير في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة ، يتقدمهم اثنان من زعمائهم البارزين وهما السيد والأهتم ، وفي روايات أخرى إن العاقب واسمه عبد المسيح هو كان ذا رأيهم ، وجلبوا معهم الصلبان وناقوس كبير ، وعندما وصلوا المدينة دخلوا مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودقوا الناقوس وأقاموا طقوسهم على أتم حريتهم .
وبعد ذلك جرت المناقشة معهم ، فأعيتهم الحجة ، وتغلب عليهم منطق الحق ، حينئذ طلبوا من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، المباهلة.
قال السيد عبد الأعلى السبزواري:
المباهلة نوع من الدعاء والابتهال والتضرع والتبتل إلى الله تعالى لإثبات حق علم به وهي عادة جارية بين الناس في جميع الملل والأقوام ممن يعتقد بوجود عالم الغيب وراء هذا العالم المادي فتكون نظير صلاة الاستسقاء أو الاستخارة ونحوهما(انتهى).
وقد وافق النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، على طلبهم , واتفق وفد النصارى فيما بينهم على الآتي :
إن أقدم محمد بصحبه فباهلوه ، فانه ليس بنبي ، وأن باهلكم بأهل بيته وأقرب الناس عنده فلا تباهلوه ، فهو نبي آخر الزمان , وتم الاتفاق بين الطرفين على وقت المباهلة , وهو ضحى الرابع العشرين من ذي الحجة وعلى رأي بعض العلماء في الـ 25 من ذي الحجة الحرام.
وقال العاقب(عبد المسيح)، لجماعته :
والله لقد عرفتم يا معشر النصارى إن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم , والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن فان أبيتم إلا ألف دينكم والإقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
وفي يوم المباهلة ، اكتسى المصطفى الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بعباءة وأدخل معه تحت الكساء عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام )، وقال:
( اللهم انه قد كان لكل نبي من الأنبياء أهل بيت هم أخص الخلق إليه اللهم وهؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ).
فهبط جبرئيل(عليه السلام)، بآية التطهير في شأنهم ، ثم خرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، باهل بيته (عليهم السلام) للمباهلة ، فغدا محتضنا بالحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفهما وهو يقول :
إذا أنا دعوت فأمنوا.
فقال أسقف نجران ، عندما رآهم(صلوات الله عليهم) :
يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة .
فقالوا : يا ابا القاسم رأينا أن لا نباهلك وان نقرك على دينك ونثبت على ديننا , فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
فإذا أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم , فأبوا , قال(صلى الله عليه وآله وسلم):
فاني أناجزكم ، فقالوا : مالنا بحرب العرب من طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة ، ألف في صفر وألف في رجب وثلاثين درعا من حديد. فصالحهم على ذلك وكتب أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وثيقة ذلك العهد، ويمكن لنا ان نستشف من هذه الحادثة العظيمة بعض الامور والتي منها ما يلي:
1 . انك ترى وتسمع الكثير من الدول وخصوصا الغربية منها كفرنسا والدنمارك ...، تعلن بأنها دول ديمقراطية وانها تحترم حرية الإنسان وحقوقه في المأكل والملبس وممارسة طقوسه التي يعتقد بها , ولكن في نفس الوقت يقومون بحملات ضد الحجاب , من خلال سن القوانين والمضايقة في المدارس ، وأماكن العمل...، ويثيرون ضجة حول المآذن بحجة ان صوتها في الاذان ، يشكل إزعاج للآخرين ، ويبررون لمن يسيء الى القرآن الكريم , ومقام المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بحجة أنهم لا يستطيعون منع حرية التعبير، وحينما تتعلق حرية التعبير عن الرأي والفكر عند المسلمين فان الدنيا تقوم ولا تقعد لديهم ، إلى غيرها من التصرفات التي تتناقض كليا مع ما يدعون ؟
بينما ترى نبينا المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو محاط بالأبطال الذين اذاقوا المشركين وأذنابهم مرارة الهزيمة ، يترك النصارى يمارسون طقوسهم بكامل حريتهم في مسجده المبارك مع انهم وفد جاء لطلب الأمان والموادعة , فأين هذا الفعل من أفعال من يدعي حقوق الإنسان ؟ ، وحرية ممارسة المعتقدات ؟ .
2 . ان اغلب الطواغيت والحكومات الجائرة ومن سار على نهجهم وانقاد لأوامرهم ، يرفضون الجلوس في نقاش علمي هادف وعادل ، مع الآخرين ، خصوصا من يرونهم خصما او ندا لهم ، إنما جُلَّ ما يصدر منهم ويترشح عنهم هو التهديد والوعيد وكيل التهم وتلفيق الأباطيل ، ليعقبها الاستخدام المفرط للقوة ، حتى وان هلك الحرث والنسل ، كما حدث خلال السنوات المنصرمة ومازال يحدث في الكثير من البلدان التي يبتغي المستعمر نهب خيراتها وتركيع شعوبها لأهوائه، سواء كان ذلك بالمباشر كما حدث في فلسطين ، وفيتنام ، وسوريا ، واليمن ، والعراق، او بصورة غير مباشرة عن طريق عبيدها الذين تسَلِطُهم على رقاب الشعوب كـ صدام والقذافي ...
فأين هذا من منهج الأنبياء الذين يزعمون الانتماء اليهم ، فهل كان هذا منهج موسى بن عمران (عليهما السلام)، ام كان هذا منهج عيسى بن مريم (عليهما السلام) ، ام كان هذا منهج النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لكي ينسب اولئك الادعياء افعالهم القبيحة وسلوكهم المشين ، الى شرائع الله وسلوك ومنهج انبيائه المصلحين ؟
فلقد رفضت اغلب دول العالم وبالإجماع قرار احتلال العراق ، ومع ذلك ضربت أمريكا إرادة العالم عرض الجدار واحتلت العراق من دون موافقة أممية ، مدعيه وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق، لتعيث في ارضه فسادا وتخريبا ، فمن يا ترى حاسبها على ويلات ما الحقته من دمار شامل بالإضافة الى شنائعها التي ارتكبتها في المدن والسجون ، والتي وبسبب كثرتها وشهرتها ، فقد وصلت الى أسماع القاصي والداني ، ثم إن كان أسامة بن لادن ، هو من اعتدى عليهم كما يزعمون، اذن ما هو ذنب أفغانستان لتحتل أراضيها وتنتهك مقدساتها على مثل هذه التهمة !
وهل أسامة بن لادن ، افغانستاني ، ام انه سعودي وشريك لأسرة بوش في شركات النفط !
فان قالوا ، انه مختفي في أفغانستان , كما يزعمون ، فهل يقبلون بان تحتل بلدانهم إذا اختفى عندهم هارب من بلاد المسلمين ؟
الم يثيروا ضجة كبيرة عندما اصدر السيد الخميني فتواه بهدر دم المرتد الهندي سليمان رشدي المسيء وبشكل سافر الى مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم يكتفوا بذلك بل طبعوا كتابه (آيات شيطانيه)، في ارقى مطابعهم موفرين له كامل الدعم والحماية ، فهل هذا من الإنصاف والعدالة في شيء وهم ينتهكون وبشكل صارخ وخبيث حرية ومعتقدات أكثر من مليار مسلم؟
أين هذا من منهج المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وطريقة تعامله مع نصارى نجران الذين كانوا في قبضته وقادرا على فعل ما يشاء بهم ومع ذلك أطمعهم يقينهم بعدله ورحمته بأن يتدللون في حضرته الشريفة ، فمع اقرارهم له بالدين ، يطلبون منه تركهم على دينهم , ومع اقرارهم له بأن لا طاقة لهم بحربه ومع ذلك يطلبون منه عدم محاربتهم واخافتهم ...، ويتفضل عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بما يريدون.
فهل جزاء النبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كل هذه الإساءات من الغرب وأعوانهم الأراذل .
3 . تشير حادثة يوم المباهلة ، على إن النصارى الحقيقيين سواءً كانوا من عامتهم أو من علماؤهم , اقرب مودة للذين آمنوا ، وبذلك يكون طريق وصولهم للهداية اقصر وأسهل ، على عكس اليهود والذين أشركوا فهاتين الفئتين وبسبب كثرة جرائمهم وموبقاتهم، فقد جعلوا طريق الوصول للهداية بالنسبة لهم طويل ومعقد , فان قيل وكيف يتلاءم ذلك مع الدول الغربية واغلب سكانها من النصارى , فيمكن أن يكون بعض الجواب على ذلك بما يلي:
ا . إن الأعم الأغلب من الحكومات على هذه البسيطة سواء كانت شرقيه أم غربيه لا تمثل رغبات وتوجهات شعوبها , فلا يمكن على هذا الأساس أخذ الشعوب بجريرة حكامها , اضافة الى ان حقيقة الديمقراطية في الكثير من الدول والتي منها الغربية ، عبارة عن ديمقراطية شكليه وغير حقيقية ، لذا فإننا نسمع ونرى بين الحين والآخر كيف يتم قمع المظاهرات عندهم .
ب . إن الكثير من ابناء الشعوب ، ومنها الغربية لم يطلعوا على منهج الدين الإسلامي الحقيقي بل تتعمد الماكنة الاعلامية لحكوماتهم بأن تصور لهم الإسلام على انه دين ارهاب وقتل وتخلف ، بالإضافة الى اظهار نماذج من الفكر الوهابي المقيت كالقاعدة وداعش ، على انه الإسلام.
ج . نحن ونتيجة قلة التزامنا بمنهج أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، نتحمل تبعات كثيرة من هذا الظلم الذي وقع على الإسلام وجعل الآخرين يبتعدون عن منهجه القويم , لذا فانك ترى حينما يبرز رجل متمسك بمنهج أهل البيت ويراه الناس ويسمعون كلامه ويراقبون تصرفاته وسلوكه وأخلاقه ، حينئذ يرون فيه تجسد لقيم الإنسانية النبيلة ومبادئها السامية ، فيأتون إليه بأرواحهم قبل أجسادهم ، معلنين إسلامهم بين يديه ، كما حدث مع السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس)، ومع السيد المغيب موسى الصدر(قدس).
عليه ، كيف نطلب من الناس التمسك بمنهج نحن متخاذلين عنه ومتكاسلين معه ، قال تعالى:
((۞ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)) (البقرة).
4 . قام النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، بإبراز أعز ما عنده من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل ، وفي هذا درس بليغ ، يدل على انه ومن اجل إقامة الحق ودحض الباطل ، فان ذلك يستحق التضحية بكل غال ونفيس , وبما انه لنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أسوة حسنة.
اذن: علينا التأسي به والسير على منهجه(صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي سار عليه جميع الأنبياء والأوصياء والمخلصين .
انظر الى الامام الحسين (عليه السلام)، الم يضحى بكل غال ونفيس من اجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل.
انظر الى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)، الم يضحي بكل غال ونفيس من أجل احقاق الحق وازهاق الباطل.
انظر الى حقيقة من الذي مات من الناس ، ومن الذي بقي خالدا؟
هل مات المضحين بكل غال ونفيس من أجل احقاق الحق وازهاق الباطل؟
كلا ، بل خلد ذكرهم في الأرض والسماء .
وان الذي مات حقيقة هم المتكبرين والذين رضوا بعيشة الذل من الجبناء والمتخاذلين؟
اذن: علينا الجد والاجتهاد ، علما وعملا ، عسى ان يزداد وعينا ويشتد يقيننا، فـ(الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )، لنتمكن من التأسي بنبينا والسير على منهجه(صلى الله عليه وآله وسلم).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق