الجمعة، 27 مارس 2015

من علل يوم الغدير

 
من علل يوم الغدير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم .
أولاـ
خلق الباري الإنسان في أحسن تقويم ، ومن حسن هذا التقويم إن الله تعالى أودع في الإنسان جوهرة العقل وهي القوة الإلهية التي يستطيع بها إدارة مدركاته الحسية والخيالية والوهمية....
ومن خلال هذه القوة يستطيع تمييز الحسن من القبيح واختيار الأفضل عند تزاحم مختلف الاختيارات وكذلك يتمكن بهذه القوه من الاستقراء والتشبيه والقياس......
وانك تجد إن هذه القوة الهائلة قد أنتجت ملايين المجلدات من الإرث المعرفي المخطوط والمطبوع في كافة العلوم والفنون وكذلك أبدعت في البناء والصناعات في الأرض ثم انتقلت إلى الفضاء....
وكل ذلك إنما ينطق بلسان الحال والمقال عن بديع خلقة الله تعالى شأنه ، ومن رحمة الله الواسعة أن جعل كل ما في الشريعة الإلهية السمحاء من ما يعشقه العقل الواعي وتذوب له الفطرة السليمة ، نعم وان غاب عن العقول الكثير من الصور الواقعية للأحكام إلا انه يخضع لها بالجملة لانتمائه إليها فكلاهما ينبعان من نور واحد وكما قيل في الحكمة (شبيه الشيء منجذب إليه ) و ( الطيور على أشكالها تقع ) ، ومع ذلك فخضوعه (العقل ) أيضا نابع من إدراكه إن الحقائق يصل إليها بالتكامل التدريجي أي إن كل ما غاب عنه من حقائق ولم يصل إليها سوف يصل إلى الكثير منها بإذن الله على مدى المسير التكاملي حتى يصل إلى الكمال الذي هيئته الحكمة الإلهية اللامتناهية إليه ، وكذلك هو يدرك كيف ينحدر المرء إلى مرحلة البهيمية عندما يغيب عقله لأي سبب كان اختياري كـ السكر ،وغيره
أو اضطراري كـ الجنون...
وكذلك هو يدرك إن لكل جماعة إنسانية كانت أو حيوانية لابد لها من موجه وقائد يديرها فهذه الشعوب بمختلف اعتقاداتها وميولها الفكرية مجتمعة على هذه البديهة انه لابد من قائد للأسرة والمعمل والشركة والمؤسسة والحزب والجمعية والوزارة والبلد والقبيلة والجامعة والمدرسة والمجلة والجريدة والمحطة الإذاعية اوالتلفزيونية وللطيارة والسيارة والباخرة والقطار....
وهل يوجد عاقل يقول بغير ذلك ؟
هذا محال ، ثم في كل هذه العناوين وغيرها ألا يوجد نائب أو وكيل أو مساعد ...
يقوم مقام الأصيل في حالة المرض أو السفر أو الإجازة أو أي سبب كان ، وهذا الوكيل أو... اوليس هو الذي يمسك زمام الأمور في حالة موت الأصيل أو استقالته أو...،هذا على المستوى المادي الدنيوي أما على المستوى الديني الإلهي ، فعندما قام قابيل بقتل ولي الله هابيل(عليه السلام) ،هل انتقل نبي الله آدم إلى جوار ربه من دون وجود الخلف الإلهي من بعده أم انتقل بعد مجيء الخلف الإلهي وهو هبة الله شيث (عليه السلام) ليتم بذلك إكمال المسير الإلهي التكاملي وللحفاظ على الشريعة المقدسة ... وهكذا...
اوليس جرت سنة الله تعالى إن لكل نبي وصي وعلى سبيل المثال لا الحصر اوليس يوشع بن نون وصي رسول الله الكليم موسى(عليه السلام) وهو الذي قاد بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة بعد انتهاء فترة التيه التي توفي فيها النبيين: موسى وهارون (عليهما السلام)كما تذكر المصادر التاريخية ، اوليس آصف بن برخيا وصي نبي الله سليمان (عليه السلام) وكذلك شمعون الصفا وصي نبي الله عيسى(عليه السلام)...وهل يعقل غير ذلك ؟
أي إن الأمور تترك فوضى بدون قائد رباني يحافظ على الشريعة ويبين أحكامها الدقيقة ويكون هادي للأمة لإكمال مسيرة التكامل الذي سار عليه الأنبياء والأوصياء والصالحين ومن اهتدى بهديهم وسار على نهجهم؟
تصور إن باخرة تسير في عرض البحر بدون ربان فماذا يكون مصيرها غير الغرق وإتلافها ومن فيها..
أو إن الباخرة لها ربان ولكن من دون مساعد ومات هذا الربان والباخرة في عرض البحر ، اوليس مصيرها الهلاك الحتمي..
وبعد كل هذا أيعقل أن المصطفى الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم) كان غير ملتفت لهذه البديهة ؟ وكذلك أهل بيته وأصحابه غير ملتفتين ؟
اوليس هذا بهتان عظيم على المصطفى الخاتم وأهل بيته وصحبه(صلوات الله عليهم).
ثم أليس هذا بهتان عظيم على الله (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) وسبحان الله عما يقولون.
ثم هذا المنكر لهذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، ماذا يقول : هل إن الله تعالى عالم بهذه البديهة أم لا ؟
فان قال : إن الله تعالى عالم بها وهو الذي أوجدها في الخلائق ..
أقول له : عندما (على قول المنكرين ) ترك المصطفى (وحاشا لمقامه المقدس )هذه البديهة ، فهل إن الله تعالى أمره بتبليغها أم لا (مادامت بهذه الأهمية العظيمة )؟
فان زعم المنكر إن الله تعالى شأنه لم يأمره(صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغها
فبماذا يجيب عن قوله تعالى(ياأيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(المائدة 67) ؟
وان قال : إن الله قد أمر بالتبليغ ، فهل إن الرسول بلغ أم لا ؟
وهل يجرؤ كذاب اشر ويزعم إن الرسول لم يبلغ وحاشا لمقامه العالي(صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الافك العظيم ، قال سيدنا القائد مقتدى الصدر:
[ذاك المشهد العظيم والموقف الجليل والنسك الكريم الذي من الله به علينا وأتم فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)رسالته ، فكان خير مطيع ومطاع ، مطيع لربه مطاع من أتباعه ، فقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) فأمر بالتبليغ فبلغ وأمر بالإتمام فأتم فهو خير خلق الله على الإطلاق جعله الله سيد الكونين واصطفاه على العالمين ليخرجنا من الظلمات إلى النور وينتشلنا من الظلامة إلى العدل والإحسان ويستنقذنا من الهلكة والضلالة إلى نور الإسلام والولاية فالحمد لله حمدا دائما لا ينقطع ، وذلك المشهد هو الذي طبع في قلوب المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وخط في عقولهم وتجذر في نفوسهم فما كانوا لينسوه أبدا ما بقي الليل والنهار ، ذلك المشهد الذي علا فيه صوت رسول الله صلى الله عليه وآله قائلا (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه أينما دار )فهو سلام الله عليه محله من الحق محل القطب من الرحى ،وليس لأحد أن يتقمص هذا الدور على مر الدهور ،ولذا قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عادي من عاداه أي عادي من عادى الحق ، والإنسان المطلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)هو أمير المؤمنين بطبيعة الحال وهو أمين الله في أرضه وحجته على عباده ، فالحق مع علي وعلي مع الحق لا يفترقان أبدا
ذلك المشهد هو يوم الغدير الذي صيرنا وإياكم من موالي ومحبي علي أمير المؤمنين(عليه السلام)حبا وطاعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)...].
وان قيل : إن الله تعالى أمر والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بلغ وهذا هو الحق وماذا بعد الحق غير الضلال المبين ، فلماذا هذا الإنكار ولماذا هذا الجحود ولماذا هذا الخذلان ولم ينقل رواة الحديث ، والمؤرخين حادثة بمثل ما نقل عن هذه الحادثة لأنه الذي سمعها ورآها وعمل بمقتضى حكمها(المبايعة) ما يقارب الـ120 ألف من الرجال والنساء ، شيوخا وشبابا من العرب والعجم ولمدة ثلاثة أيام في منطقة غدير خم (ذكر النووي : (غدير خم) بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم مع التنوين، اسم لغيطه على ثلاثة أميال من الجحفة عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيطة)
وقد صنفت في هذه الحادثة العظيمة المصنفات الكبيرة ، قال ابن كثير في بدايته : إن الطبري قد أُلَف في حديث الغدير مجلدين جمع فيها أسانيده والفاضة ، وبعد أن وصف بعضها بالضعف لم يجد بدا من الاعتراف بان الحديث متواتر ولا سبيل لإنكاره ،ولكنه لا يفيد الشيعة على حد قوله؟
وكذلك صنفت في هذه الحادثة العظيمة موسوعة قيمة هي موسوعة الغدير للاميني ...
وهنالك البحوث الكثيرة المكتوبة والصوتية لمحققين كبار حول هذه الحادثة العظيمة وأهميتها وتواترها وكثرة رواتها (كسلمان الفارسي ، وأبو أيوب الأنصاري ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، وعمر بن الخطاب ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد ألخدري ، وعمران بن حصين ، وابن أبي أوفى ، وانس بن مالك ، وسعدانه ، وامرأة زيد بن أرقم.... )
ومنقول من طرق أهل السنة بما يزيد على مائة طريق(السيوطي في الدر المنثور ، الفصول المهمة للمالكي ، فرائد السمطين للحمويني ، كتاب نزول القرآن للحافظ أبي نعيم ، تفسير الثعلبي ، الذهبي ، النسائي ، احمد بن حنبل ....) فضلا عن رواية الشيعة المتعددة)
إضافة إلى كثرة الأحاديث الباقية التي تتحد مع هذه الحادثة العظيمة كحديث المنزلة وحديث الثقلين وحديث الكساء وحديث معرفة المؤمن من المنافق وحديث (علي مع الحق..) وحديث (ضربة علي لعمرو..)وحديث السفينة...
وكذلك الآيات العظيمة المتحدة مع هذه الحادثة كآية المباهلة وآية التطهير وآية الولاية وآية الأذن الواعية وآية سقاية الحاج وآية ويطعمون و...
ولكن هنالك نفوس شريرة أبت إلا مخالفة الله ومعصيته ومؤالفة الشيطان وإطاعته، ففي كتاب نزهة المجالس عن القرطبي في تفسير سورة(سأل سائل بعذاب واقع ) لما قال النبي(صلى الله عليه وآله ([من كنت مولاه فهذا علي مولاه...] قال النضر بن الحرث لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أمرتنا بالشهادتين عن الله فقبلنا منك وأمرتنا بالصلاة والزكاة ، ثم لم ترض عنا حتى فضلت علينا ابن عمك ؟ الله أمرك بهذا أم من عندك ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
والله الذي لا اله إلا هو انه من عند الله تعالى.
فولى وهو يقول : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء . فوقع عليه حجر من السماء فقتله فنزل (سأل سائل بعذاب واقع)
وعن ابن الجوزي في تذكرته ، وبعد ذكر قصة الغدير ، قال : ان أبا إسحاق الثعلبي في تفسيره ذكر ...(رواية شبيهة لهذا المضمون )
فان كان هناك من لا يريد إتباع الحق بل يريد من الحق أن يتبع هواه لتفسد السموات والأرض ومن فيهن والأدهى والأمر من ذلك المنافقين ، فعندما مكث المصطفى الطاهر (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة أيام شديدة الحر من اجل إتمام البيعة الإلهية وكان جبرئيل(عليه السلام) يدور ويفتر بينهم على هيئة شاب حسن الصورة جميل الوجه رقيق الثياب ويقول:
والله ما رأيت كاليوم قط ما أشد وما أكد لابن عمه انه يعقد له عقدا لا يحله إلا كافر بالله العظيم ورسوله الكريم ويل طويل لمن حل عقده
فسمع تلك المقالة عمر فأقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحكى له ، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) :
هل عرفت قائل هذه المقالة ؟ قال :ـ ما عرفته ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : هو جبرئيل احذر يا فلان أن تكون أنت تحل عقده وان كنت كذلك فالله ورسوله عنك بريئان ، فقال : معاذ الله أن أكون كذلك ، وبعد إتمام المبايعة وسلام الناس على الإمام بإمرة المؤمنين نزل قوله تعالى [اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا] فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) :
الحمد لله على كمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب من بعدي ، فاستأذن حسان بن ثابت أن يقول أبياتا في ذلك فأذن (صلى الله عليه وآله وسلم) له فأنشأ يقول:ـ
يناديهم يوم الغدير نبيهـــم بخم واسـمع بالرسول مناديا

وقال فمن مولاكم ووليكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا

إلهك مولانا وأنت ولينـا ولـم تجد منا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فأنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فخص بها دون البرية كلها عليا وســـماه الغدير أخائيا

فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أتباع صدق مواليا

هنالك دعا اللهم وال وليه وكن للذي عادا عليا معاديا
ولكن ما إن استشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتحق بالرفيق الأعلى حتى لاحت رؤوس المنافقين وطفحت الاضغان الكامنة في صدورهم وانقلب الكثير من المسلمين على أعقابهم ولن يضروا الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين وما حصد الناس من مخالفتهم الله ورسوله وتركهم لأمير المؤمنين إلا البؤس والشقاء وسوء العاقبة بعد أن ارتدوا على أدبارهم ، وهكذا أميتت السنة وأحييت البدعة وظهر الهرج والمرج بعد أن انتهكت المحرمات واستبيحت المقدسات وترعرع الناكثين والقاسطين والمارقين في حكومات الظالمين ، كيف لا وقد عبدوا عجل السامري وكادوا يقتلون اخو النبي بعد أن قتلوا بضعته وروحه التي بين جنبيه التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، فأسأل الباري جل جلاله أن تنجوا الأمة من تيه الضلالة وتسعد بطاعة الهه وذلك بالتمسك بحبله المتين الذي تركه فينا حبيب الله ألا وهو كتاب الله وعترة نبيه الطاهرة اللذان لن يفترقا حتى يردا على رسول الله الحوض.
ثانيا ـ
ـ لا يستطيع عاقل منصف أن ينكر ثقل امتحان الولاية ،هذا الامتحان المستمر من العوالم التي سبقت عالم الدنيا إلى ماشاء الله ، من دون توقف .
ولو نظرنا إلى امتنا المرحومة وابتداءا من استشهاد المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذا اليوم نرى إن شدة امتحان الولاية يزداد جيلا بعد جيل وسوف يستمر بالازدياد حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، قال سيدنا عبد الأعلى السبزواري في كتابه مواهب الرحمن ص12ـ13ج12[(مقام الولاية من اجل المقامات وأعظمها فهي قطب رحى التكوين والتشريع وهي الحبل الممدود بين الله تعالى وجميع مخلوقاته والعروة الوثقى التي من اعتصم بها نجي من مهالك النفس وتمكن من تكميلها وهي التي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ولأجل أهميتها لم يذكرها عز وجل في هذه الآية الشريفة(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون (55 )سورة المائدة)إلا بعد تقديم أمور وتمهيد مقدمات لها مدخليه في تحقيق هذا المقام ، فأنه
أولا ـ نهى عن اتخاذ الكافرين الذين يصدون عن دين الله أولياء وشدد الأمر فيه واعتبر إن من يتخذهم أولياء يكون من الكافرين الظالمين ثم بين إن من يخالف أحكام الله ومنها تشريع الولاية يكون من المرتدين الراجعين عن دينه ثم ذكر إن هؤلاء المرتدين لم يكونوا موضع أمانته ومؤهلين لحفظ دين الله وأحكام طاعته في الأرض فسوف يأتي الله بقوم متصفين بأوصاف حقيقية كمالية تنبئ عن صفاء باطنهم وشدة انقطاعهم إلى الله وإنهم في جهاد مرير مستمر في سبيل الله فهم الذين اختارهم لأن يكونوا أولياءه ثم بعد ذلك بين إن أمر الولاية من صميم التشريع وعلته المبقية ويجب إبلاغها إلى الناس وإلا فلا يكون تبليغ للرسالة ، ثم بعد التبليغ يبين عز وجل انه بها أكمل الدين وأتم النعمة التي أرادها للناس ، فكان التبليغ في مراحل لتثبيت هذا الأمر العظيم ...وفي الولاية تظهر حقيقة الدين ويتبين واقع الطاعة ويتجلى العرفان والانقطاع إلى الواحد الأحد وعندها تنتهي مقام الاصطفاء والخلة وجميع المقامات فهي العلة الفاعلة وهي العلة الغائية وقلما تجتمع في أمر العلتان وبالجملة هي آخر قوس الصعود (لا فرق بينك وبينهم إلا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها إليك )
وهي سر الله في العالمين وفوق ما يتعقله الممكن في حدوده الإمكانية ولذا لم يبين سبحانه وتعالى من حدود هذه الجوهرة الفريدة والسر المستتر إلا ما يتقبله افهام المستعدين ، وهي الانقطاع إليه عز وجل وكمال الخضوع له تعالى لفناء ذواتهم المقدسة والتجرد عن العلائق وتزكية النفوس وترقيتها من حال إلى حال أفضل مع مالهم من الكمال فهم(عليه السلام) في حال الركوع والخضوع دائما ولعل إعطاء الزكاة في حال الركوع (آية التصدق بالخاتم)للإشارة إلى استمرار اتصالهم بهذه الدار لأنهم سبل الهداية وأبواب الله في أرضه وإلا فلمحض فناؤهم خرجوا عن طور البشرية ، وهي والنبوة من منبع واحد ولذا قال سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله ) (خلقت أنا وعلي من نور واحد ) .
وقد ظهر هذا النور في مر الدهور وكان له تجليات حتى تجلى في مظهر سيد الأنبياء فكانت النبوة وفي مظهر سيد الأوصياء فكانت الإمامة فهي امتداد للنبوة ولكنهما حقيقة من الحقائق الإلهية لا يمكن دركها إلا بفيض رباني إلا أن يكون المانع التحديدات الإمكانية فالعاجز عن الوصول يتشبث بالقشور ويترك النور ويوسم نفسه بالقصور إلا من أدركته بارقة إلهية ومنحة ربانية فانكشف له الظلام واستعد للدخول في الحمى فعرف حق الولاية واعترف بالإمامة وجعل لنفسه إماما يقتدي به لينجيه من المهالك ويرتقي في سلم الكمال هذه هي الإمامة فلا يمكن إنكارها إلا ممن ينكرها بإنكار الجحود ويوصد على نفسه أبواب الصعود ويفتح أبواب الهبوط أعاذنا الله منها)]
ولهذا تجد إن أربعة فقط نجحوا بامتحان الولاية بعد استشهاد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)،ويمكن تشبيه بقية الطيبين بأنهم نجحوا بالأدوار التالية بعد توفيق الله وبركة أهل البيت (عليه السلام) ، وهذا برهان جلي على عظم الولاية وأن النجاح فيها يحتاج إلى الصبر الجميل والإخلاص العالي والحظ العظيم و...
فكم من ناجح في زمن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في امتحان الولاية إلا إن نجاحه لم يستمر في زمن مولانا الإمام الحسن (عليه السلام) ، وهكذا الحال في زمن مولانا الإمام الحسين(عليه السلام) وبقية العترة الطاهرة المنتهية بأمامنا المهدي (عجل الله فرجه الشريف):
ويمكن ملاحظة مجموعة نقاط في هذا المسير التكاملي إلى زمن مولانا بقية الله الأعظم (عليه السلام)،منها ما يلي:ـ
1 ـ إن التمسك الصادق المخلص بقيادة مولانا الإمام الحسن (عليه السلام) في زمانه وعدم البغض والاعتراض على أي أمر من أوامره ، أو إي نهي من نواهيه(عليه السلام)هو مقياس النجاح في امتحان الولاية لتلك الفترة ، وبعد استشهاد إمامنا الحسن(عليه السلام) فأن التمسك الصادق المخلص بقيادة مولانا الإمام الحسين(عليه السلام)في زمانه وعدم البغض والاعتراض على أي أمر من أوامره ،أو أي نهي من نواهيه (عليه السلام) هو مقياس النجاح في امتحان الولاية لتلك الفترة ، وهكذا إلى زمن مولانا بقية الله الأعظم(عليه السلام) مع الملاحظة المهمة إن الامتحان الإلهي في الولاية يزداد صعوبة كلما زاد المسير التكاملي لأهل الحق ،أي إن الامتحان في زمن مولانا وزعيمنا الإمام المهدي(عليه السلام) أصعب من الامتحان في زمن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) بالرغم من إن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)هو مولى إمامنا المهدي(عليه السلام).
2 ـ إن امتحان الولاية في فترة الغيبة الصغرى ازداد صعوبة عن فترة ماقبل الغيبة ،ومقياس النجاح في هذه الفترة (الغيبة الصغرى) يتمثل بالتمسك الصادق المخلص بنواب الإمام(عليه السلام) وعدم البغض والاعتراض على أي أمر من أوامرهم أو أي نهي من نواهيهم ، فالمؤمنين الذين كانوا يتشرفون بلقاء المعصومين(عليه السلام) مباشرة وسماع حديثهم (عليه السلام) والتزود منهم(عليه السلام) قد أصبح ألان بينهم وبين المعصوم (عليه السلام) حاجب وهو النائب(قدس سره).
3 ـ بعد مرحلة الغيبة الصغرى والانتقال إلى مرحلة الغيبة الكبرى ازداد امتحان الولاية صعوبة حيث كان الإمام(عليه السلام)فيما سبق(الغيبة الصغرى) يكفي المؤمنين مئونة تحديد النائب من خلال تعيين الإمام(عليه السلام) له والنص عليه ، أما الآن فعلى المؤمنين بأنفسهم تقع مسؤولية معرفة النائب الحق من خلال القواعد التي وضعها الإمام (عليه السلام) لمعرفة من هو النائب الحقيقي للإمام(عليه السلام) ،هذا من جهة عامة المؤمنين أما من جهة علماء المؤمنين ، ففي هذا الامتحان يتبين مدى نزاهتهم وإخلاصهم لله ونكرانهم لذاتهم وذلك بخضوعهم لمن هو أعدلهم واتقاهم وأعلمهم بالشريعة وانصحهم للدين وارحمهم بالناس وأشجعهم على الظالمين وأقربهم لله ...كائنا من كان، ونفسها (مرحلة الغيبة الكبرى) فان الامتحان الإلهي فيها يزداد صعوبة كلما طال زمانها وذلك لازدياد البلائات وشدة الفتن المتراكمة ، فقد تفرق الكثير من الذين أوتوا الكتاب من بعد ما جائهم العلم بغيا بينهم ، وكتم البعض ما أنزل الله من الكتاب واشتروا به ثمنا قليلا ، واشترى البعض بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا والبعض الآخر قاموا بصد الناس عن سبيل الله من آمن يبغونها عوجا وهم شهداء ،........
ولذا يكون القابض على دينه كالماسك بيده جمرة ،ولن يثبت على الولاية الالهيه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان ،ولله الحمد والمنة ولله الشكر على سبوغ نعمه الفضيلة وتشريفنا بالشهيدين الصدرين المقدسين وهدايتنا لمنهجهم المبارك الصادر من منهج جدهم المصطفى وآله الأطهار .
4 ـ إن من مميزات امتحان الولاية إن في كل جيل وزمان هنالك تسابق بين المؤمنين على درجات النجاح في امتحان الولاية فكم من سابق يتأخر بسبب ارتكابه بعض الأخطاء وذلك لغفلته أو النسيان أو...وكم من متأخر يرتقي بسبب همته وشدة إخلاصه والأخطر في هذا المسير هو ارتداد بعض المؤمنين عن دينه واستبداله من قبل الله تعالى شأنه بمؤمنين آخرين يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، أجارنا الله من سوء العاقبة وسوء الخاتمة بحق محمد وعترته الطاهرة .
ثالثا ـ
وفي ختام هذا البحث السؤال المهم هو كيف يمكن أن ننجح في امتحان الولاية في زماننا هذا ؟والحمد لله الذي لاتعد نعمه ولا تحصى فقد أجابنا ولي الله سيدنا مقتدى الصدر عن كيفية النجاح فقال (اعزه الله)[اللهم فنسألك أن تجعلنا من المتمسكين بولاية علي بن أبي طالب ومن عشاقه ومحبيه والسائرين على نهجه وعقيدته مهما زادت الصعوبات والعقبات ...فولايته عزة وشرف وإيمان وسلام وإسلام وكمال ورفعة وتقوى فاشهد ياربنا وأنت خير الشاهدين واسمع يارسول الله وأنت خير المرسلين واسمعينا ياشفيعتنا في الدنيا والآخرة يافاطمة الزهراء وأنت خير الشافعين :ـ بأننا نشهد أن لااله إلا الله وان محمدا رسول الله وان عليا ولي الله وإننا نوالي من والى عليا ونعادي من عادى عليا ..اللهم فاجعلنا من جند ولاية علي فنُنصر به وننتصر له اللهم وسنكون لرسول الله ولأهل بيته جندا مجندة ندحر الاحتلال ونكون لقائمهم ناصرا وجندا ،انك ياربنا ولي كل نعمة ومنتهى كل غاية ،ولن نخاف تقلب الكافرين في البلاد فمتاعهم قليل ثم مأواهم جهنم وبأس المهاد وكما قال تعالى (كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)وسنبقى آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر مؤمنين بالله ورسوله وأهل بيته ما حيينا ولن تثنينا مخططات الغرب واتفاقياته ولن تمحو عقيدتنا ولا ديننا ولا جهادنا الثقافي ولا مقاومتنا للاحتلال ولا حبنا للعراق ولا طاعتنا لمراجعنا وقادتنا ولا حبنا لحوزتنا العلمية الناطقة الشريفة
فلذا من شاء منكم أيها الأخوة الأحبة أن يكون في هذا اليوم العظيم وما بعده من الأيام خير ناصر لرسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ،فليتمسك بدين الله ـ وان الدين عند الله الإسلام ـ وليتمسك بعقيدته وحبه للمعصومين والأولياء والصالحين وليتحلى بأخلاقهم السامية الرفيعة التي ستكون لنا نهجا وطريقا فنكون من المضحين الزاهدين القائمين المسبحين الصائمين القائمين الصادقين المتعلمين المتنورين بنور القرآن وعلوم أهل البيت سلام الله عليهم المحبين لإخواننا الطالبين لهداية نفوسنا وإخواننا ،المطالبين بخروج الكافرين من بلدنا والرافضين لمجالسة المحتل ومهادنته والرافضين لاتفاقياته المهينة المذلة والمتظاهرين لإلغائها والمثقفين لأنفسنا ولغيرنا ضد هذه الاتفاقية لنكون بحق من السائرين على طريق الحق والهداية ومن شيعة وصي رسول رب العالمين قالع باب خيبر تحت لواء رسول الله (صلى الله عليه وآله)وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وجزاكم الله خير جزاء المحسنين على حضوركم ولتجعلوا من هذا اليوم يوم محبة وإخاء ولتتصافحوا ولتتعاهدوا على التمسك بالولاية والاخوة فيها ومنها إن شاء الله تعالى ،وأسأل الله أن يمن علينا بعيد الله الأكبر ألا وهو يوم الظهور لمليء العالم بالعدل كما مليء بالظلم والجور انه على ذلك من القادرين]
وفي الختام اسأل الله جل جلاله أن يوفقنا في السير على خطى السيد مقتدى حتى الإعلان المبارك ببركة المصطفى الخاتم وآله الأطهار( اللهم صلَ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق