الى سماحة السيد كمال الحيدري والعلاقة بالموضوع الخارجي
ولكن عندما يصل الأمر الى سماحة السيد كمال الحيدري دام ظله ، ذلك العَلَم في العِلم والأخلاق والبحث عن الحقيقة ، والذي اعتقدنا بانه قد ظُلِم من رجال الحوزة ، عندما شنت عليه هجمة شرسة، حاولوا من خلالها التسقيط، فعاش تجربة مرارة هذه المظلومية وهو يحاول الدفاع عن نفسه، وبيان مبانيه بشكل تفصيلي، من اجل توضيح الصورة، ورفع أي أشتباه يُثار حول آرائه واستدلالاته.
والشيء الغريب أن يتحول سماحته من مظلوم الى ظالم، يتّهم الآخرين بما ليس فيهم، ومن ثم يسيء الظن بهم ، وهو لم يكن معهم ، ولم يشاركهم آثار محنة البلاء الذي جثم على صدورهم من تلك الحكومة الفاسدة، بحيث عاش الشعب اقسى وامرّ معاني الألم والحزن والحرمان والقسوة، فيصفهم بالفوضويين، بالرغم من أن العالم كلّه قد سمع بمطالبهم واقرّها لهم ، بعد أن رأوا انضباطهم العالي، الذي قلّ نظيره في العالم المتمدن فضلاً عن غيره من الدول .
فحركة التظاهر والإعتصام والإنتفاضة والثورة التي حدثت مؤخراً في العراق ما هي إلّا نتيجة طبيعية أفرزتها الطرق الملتوية من قبل الحكومة، والضغط غير المنصف على الشعب، مضافاً الى الفساد المستشري الذي اوصل العراق الى هاوية لا يعرف نتائجها المستقبلية إلّا الله تعالى .
ثم أن أمر التظاهر والإنتفاضة والثورة، قد اجتمعت فيه الجهتان الموضوعية والطريقية، فأما موضوعيته فإن تغيير النفس برفضها للظلم والفساد، هو شرف يسعى من خلاله الفرد لتزكية نفسه أمام الله عزّ وجلّ فهو أمر محبوب لذاته، وأما طريقيته فلأنه ينهي الفساد والظلم ويُثبت العدالة في المجتمع، فيكون التظاهر والإنتفاضة والثورة ( علّة معدّة ) و ( مقتضى ) لتغيير الحال، كما قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد : 11].
مضافاً الى ان ما حدث من حِراك داخل المجتمع العراقي هو أحد المواضيع الخارجية التي ليس للفقيه حصة منها، لتكون تحت يديه، وهو بعيد عنها، نائياً منها، لم يرها ولم يعش احداثها، فقط سماع لا غير، ويا ليته سماع يحمل جنبة الصدق والامانة، ليكون متمماً للحجة الشرعية، التي يتم من خلالها أصدار الأحكام والقرارات .
واما الرجوع الى رواة الاحاديث ( الفقهاء ) انما يرتبط بمجال تخصصهم وهو الاستنباط من الروايات، وما يُستنبط من الروايات هو الأحكام الشرعية، وأما تشخيص الموضوع الخارجي، فلا يرتبط بإطارها، حتى يتم ارجاعه الى راوي الحديث. ولذا فأن الفقهاء هم حجة شرعية فيما يرتبط بنقل الروايات والاستنباط منها، وأما في تشخيص المواضيع الخارجية، فلا يجب الرجوع اليهم .
اما اذا تم الاعتراض بما جاء في التوقيع الشريف للإمام المهدي عليه السلام وهو يجيب عن بعض المسائل : ( وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها الى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم )، فإننا اذا لم نعتبر الحوادث المتعلقة بأحكام الشريعة المستنبطة من الروايات هي المقصودة من هذا الجواب فقط بل
عممناها الى جميع ما يحفظ الامور الاجتماعية والسياسية وغيرها، والتي يحتاج المؤمنون فيها الى مَن يرجعون اليه ليُبين لهم كيفية التعامل معها فضلاً عن بيان حكمها، فهذا يستلزم من الفقيه أن يكون قد احاط بكل جوانب الحادثة التي تقع، ويكون ادرى من غيره بخفاياها ومسبباتها .
وحينئذ يكون من المعيب ان ينحصر الفقيه في التقنين والتشريع من غير ان يكون ملتفتاً الى القوة المنفذة لإمضاء قراراتها، ولتتحرك بجناحي التقنين والتنفيذ، لانه من الضروري في أي مجتمع كان، هو وجود النظام الاجتماعي العادل ، لحفظ الكيان المدني الذي يميل اليه المجتمع الانساني .
هذه النقطة بالذات قد غابت عن الفقيه، فلم يتحرك عملياً لإرساء ثوابت العدالة الاجتماعية داخل المجتمع العراقي، واكتفى فقط بالرضا على الحكومة، واطبق فمه تجاه فسادها وموبقاتها، كونها تمثل طيفاً إسلامياً يشترك معه في المسمى فقط، ولم يتكلف بشيء من وقته ليلتفت الى نواحي الفساد والطائفية، التي استشرت في المجتمع فقطعت اوصاله ومزقت أشلاءه .
فالإسلام ليس منحصراً بالعبادة فقط، ولا ينحصر بالتقنين والتشريع، بل القرآن الكريم يقرر حقيقة أخروية وهي ( وقفوهم انهم مسؤولون ) ويسند هذه الحقيقة قول الرسول الاعظم صلى الله عليه واله : ( ليس منّا من اصبح ولا يهمه أمر المسلمين ).
اذن المسألة، لا تتعلق فقط ان اكون عابداً او لا أكون، او مقنناً في حيز التنفيذ، بل هناك بعداً ثالثاً، ألا وهو اني مسؤول ومفروض عليّ ، ان اعمل باستفراغ الجهد والوسع في تحريك جانب الحكومة العادلة في المجتمع العراقي المظلوم، وذلك على اعتبار ان الفرد الانساني من بدوّ تكونه والى آخر مراحل حياته قد تكفل الشارع المقدس بمصالحه الفردية والاجتماعية، فعلى الفقيه السعي الجاد بهذا الاتجاه متى ما توفرت له الفرص المعينة لتحقيق هذا الشيء.
ولكن مع شديد الاسف وبالغ الحزن والأسى، لازال العراق في هذه المرحلة – منذ سقوط الطاغية والى الوقت الراهن – فاقداً لذلك الفقيه الذي يعيش ظروفه الصعبة، والمرحلة الحرجة التي يمرّ بها الآن، فقد عانى الشعب العراقي المظلوم من نموذجين رئيسيين لفقهاء هذا العصر :
الاول : ( فقيه الخارج ) وهو الفقيه البعيد عن أرض العراق وشعبه، وقد فضّل الجلوس والبقاء في الديار البعيدة، لأنها الأكثر حظاً من ناحية الامان والراحة، وعدم وجع الرأس بالأمور والمستحدثات الطارئة التي تصيب البلد كل لحظة .
الثاني : ( فقيه الداخل ) وهو الفقيه الذي يعيش في داخل العراق وفي منطقة
محددة، لا يعرف ما يجري حولها، فضلاً عما يجري في المناطق البعيدة عنها، فقد ألزم نفسه بأن يعيش وراء جُدُر تعزله عن الناس، ولن يرى بسببها الحقيقة.
اذن إذا كان الفقيه بعيداً عن الشعب، والذي هو في الداخل لا يعنيه من أمرهم شيء، وإن سالت دماؤهم بزناد الحكومة الفاسدة، فحينئذ لابد من وجود قيادة صالحة لا تمثل التقليد، تقود هذا الشعب الى بر الامان وتسد ذلك النقص والخلل الذي تركه الفقيه.
هذه القيادة تنبع من أرض العراق، فتعيش معاناته وتكابد ما يعانيه من بلاءات ليواجهوا سوياً المخططات والمؤامرات الخبيثة التي تحاك ضد هذا الشعب المظلوم.
وهذا الامر ليس بغريب، ولا هو بالبدعة، وإنما القيادة ضرورة من ضرورات الحياة التي لا يستقيم المجتمع إلّا بها وبتواجدها في ساحة الحدث .
وهذا هو لطف الله عزّ وجلّ بأن لا يترك العراق بلا أمل ولا نور يخرجه من هذا الظلام الذي اتى به الإحتلال وما أكمله أذنابهم من الذين تَسموا بالشيعة وغيرهم .
وعندما خرج المصلح ولم يكن يحمل عنوان الفقيه، ولكن كان يحمل معه الإخلاص ومحبة الوطن وعشق الحرية ومحبة المستضعفين، وكره الظلم والظالمين ، فأخذ نجمه يعلو، وخطواته الإصلاحية تظهر، ومحبة العراقيين له تزداد يوماً بعد يوم. أثار هذا حفيظتكم، وحَرَك فيكم الشعور بعدم القدرة لقيادة هذا المجتمع من الداخل، وذلك لعدم محبة الشعب لكم، لانكم قد ابتعدتم عنه، وهكذا هي النفوس تنفر ممن لم يشاركها آلامها وأحزانها، بل وأفراحها. اللهّم إلّا القليل الذي تربطه بكم بعض المصالح، سواء كانت مادية او معنوية، وبالتالي اعتمدتم عليهم في نقل المعلومة من الداخل، التي تخبركم ما وصل اليه الشأن
الداخلي لهذا البلد، ويا ليتهم صدقوا في قولهم ولم يحرّفوا بما نقلوا. ولكن تحريفهم هذا ليس بعجيب، لانهم ايضاً لا يرضون ولا يقتدون بالمصلح القائد الذي لا ينضوي تحت راية فقيههم، وهذه هي الطامة الكبرى والمحنة العظمى عندما يكون صاحب العمّة محرّفاً للحقائق وبحسب ما تشتهيه وتميل اليه نفسه.
وعندما وصل الأمر بنا الى التظاهر والإعتصام والانتفاضة والثورة، تحت قيادة المصلح الذي مثّل الشعب خير تمثيل لتحريرهم من قيود الفساد، الذي بقيت الحكومة حامية وراعية له.
فكان نِعم الشعب، الشعب العراقي في طاعته وعدم انفلاته، وكان نِعم القائد الذي حرّك أدواته في هذا الوقت من التأريخ، بمنتهى الانضباط والدقة، فلم يوجد اي خرق يُذكر، ولا أي تجاوز سُجّل، ولا أي شيء قد دُمّر، فهي ( سلمية .. سلمية .. سلمية ) كما قال السيد القائد مقتدى الصدر .
والآن أريد أن أسأل سماحة السيد كمال الحيدري دام ظله أين رأيت الفوضى؟
1 . هل رأيتها بعدم وضوح مطالب المتظاهرين، التي هي ضد الفساد والمفسدين، والمطالبة بكابينة وزارية تكنوقراط، على ان تكون مستقلة، وبدون أي توجهات حزبية او طائفية ؟!.
2 . هل رأيتها منفلتة وغير منضبطة، وانت ترى وتسمع انضباطها العالي بالحفاظ على جميع الممتلكات الحكومية والمدنية، وعدم التعرض لأي أمر خارج عن حدود التظاهر السلمي ؟!.
3 . ام هل رأيت المتظاهرين والثائرين يحملون السلاح بأيديهم، لتحكم بحكمك، والكل يرى كيف انهم لا يحملون سوى أعلام العراق، وتقديم الورود الى القوات الامنية ؟!.
4 . وهل رأيت كيف ان جلاوزة الحكومة يرمون المتظاهرين العُزل بالرصاص الحي وكيف انهم قتلوا الابرياء ؟!.
5 . وهل رأيت وتابعت تصرفات الحكومة وهي تماطل وتسوّف في النظر الى طلبات شعبها المشروعة ؟!.
6 . وهل سمعت الحكومة كيف تكذب، وتصف شعبها بالبعثيين والمندسين وهو الذي أوصلها الى كراسي الحكم بفتوى الفقيه للتوجه للانتخاب ؟!.
وهل ... وهل ... وهل ...
وأخيراً أسال الله تعالى أن يحفظ امة الإسلام، وخصوصاً شعب العراق المظلوم، وأن يوضح الرؤيا الصحيحة عند الفقيه وهو ينظر الى المواضيع الخارجية .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن عدوهم
بقلم الاستاذ علي الزيدي
كثيرٌ هم من نعتوا تظاهر وإعتصام وإنتفاضة الشعب العراقي بانها خارجة عن القانون، ووصفوهم بالمندسين والبعثيين ، والذي تكلم بهذا الكلام انما تكلم بدافع الحقد والكراهية وخوفاً على مصالحه ، فلم نردّ عليهم كونهم لا يستحقون الرد .ولكن عندما يصل الأمر الى سماحة السيد كمال الحيدري دام ظله ، ذلك العَلَم في العِلم والأخلاق والبحث عن الحقيقة ، والذي اعتقدنا بانه قد ظُلِم من رجال الحوزة ، عندما شنت عليه هجمة شرسة، حاولوا من خلالها التسقيط، فعاش تجربة مرارة هذه المظلومية وهو يحاول الدفاع عن نفسه، وبيان مبانيه بشكل تفصيلي، من اجل توضيح الصورة، ورفع أي أشتباه يُثار حول آرائه واستدلالاته.
والشيء الغريب أن يتحول سماحته من مظلوم الى ظالم، يتّهم الآخرين بما ليس فيهم، ومن ثم يسيء الظن بهم ، وهو لم يكن معهم ، ولم يشاركهم آثار محنة البلاء الذي جثم على صدورهم من تلك الحكومة الفاسدة، بحيث عاش الشعب اقسى وامرّ معاني الألم والحزن والحرمان والقسوة، فيصفهم بالفوضويين، بالرغم من أن العالم كلّه قد سمع بمطالبهم واقرّها لهم ، بعد أن رأوا انضباطهم العالي، الذي قلّ نظيره في العالم المتمدن فضلاً عن غيره من الدول .
فحركة التظاهر والإعتصام والإنتفاضة والثورة التي حدثت مؤخراً في العراق ما هي إلّا نتيجة طبيعية أفرزتها الطرق الملتوية من قبل الحكومة، والضغط غير المنصف على الشعب، مضافاً الى الفساد المستشري الذي اوصل العراق الى هاوية لا يعرف نتائجها المستقبلية إلّا الله تعالى .
ثم أن أمر التظاهر والإنتفاضة والثورة، قد اجتمعت فيه الجهتان الموضوعية والطريقية، فأما موضوعيته فإن تغيير النفس برفضها للظلم والفساد، هو شرف يسعى من خلاله الفرد لتزكية نفسه أمام الله عزّ وجلّ فهو أمر محبوب لذاته، وأما طريقيته فلأنه ينهي الفساد والظلم ويُثبت العدالة في المجتمع، فيكون التظاهر والإنتفاضة والثورة ( علّة معدّة ) و ( مقتضى ) لتغيير الحال، كما قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد : 11].
مضافاً الى ان ما حدث من حِراك داخل المجتمع العراقي هو أحد المواضيع الخارجية التي ليس للفقيه حصة منها، لتكون تحت يديه، وهو بعيد عنها، نائياً منها، لم يرها ولم يعش احداثها، فقط سماع لا غير، ويا ليته سماع يحمل جنبة الصدق والامانة، ليكون متمماً للحجة الشرعية، التي يتم من خلالها أصدار الأحكام والقرارات .
واما الرجوع الى رواة الاحاديث ( الفقهاء ) انما يرتبط بمجال تخصصهم وهو الاستنباط من الروايات، وما يُستنبط من الروايات هو الأحكام الشرعية، وأما تشخيص الموضوع الخارجي، فلا يرتبط بإطارها، حتى يتم ارجاعه الى راوي الحديث. ولذا فأن الفقهاء هم حجة شرعية فيما يرتبط بنقل الروايات والاستنباط منها، وأما في تشخيص المواضيع الخارجية، فلا يجب الرجوع اليهم .
اما اذا تم الاعتراض بما جاء في التوقيع الشريف للإمام المهدي عليه السلام وهو يجيب عن بعض المسائل : ( وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها الى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم )، فإننا اذا لم نعتبر الحوادث المتعلقة بأحكام الشريعة المستنبطة من الروايات هي المقصودة من هذا الجواب فقط بل
عممناها الى جميع ما يحفظ الامور الاجتماعية والسياسية وغيرها، والتي يحتاج المؤمنون فيها الى مَن يرجعون اليه ليُبين لهم كيفية التعامل معها فضلاً عن بيان حكمها، فهذا يستلزم من الفقيه أن يكون قد احاط بكل جوانب الحادثة التي تقع، ويكون ادرى من غيره بخفاياها ومسبباتها .
وحينئذ يكون من المعيب ان ينحصر الفقيه في التقنين والتشريع من غير ان يكون ملتفتاً الى القوة المنفذة لإمضاء قراراتها، ولتتحرك بجناحي التقنين والتنفيذ، لانه من الضروري في أي مجتمع كان، هو وجود النظام الاجتماعي العادل ، لحفظ الكيان المدني الذي يميل اليه المجتمع الانساني .
هذه النقطة بالذات قد غابت عن الفقيه، فلم يتحرك عملياً لإرساء ثوابت العدالة الاجتماعية داخل المجتمع العراقي، واكتفى فقط بالرضا على الحكومة، واطبق فمه تجاه فسادها وموبقاتها، كونها تمثل طيفاً إسلامياً يشترك معه في المسمى فقط، ولم يتكلف بشيء من وقته ليلتفت الى نواحي الفساد والطائفية، التي استشرت في المجتمع فقطعت اوصاله ومزقت أشلاءه .
فالإسلام ليس منحصراً بالعبادة فقط، ولا ينحصر بالتقنين والتشريع، بل القرآن الكريم يقرر حقيقة أخروية وهي ( وقفوهم انهم مسؤولون ) ويسند هذه الحقيقة قول الرسول الاعظم صلى الله عليه واله : ( ليس منّا من اصبح ولا يهمه أمر المسلمين ).
اذن المسألة، لا تتعلق فقط ان اكون عابداً او لا أكون، او مقنناً في حيز التنفيذ، بل هناك بعداً ثالثاً، ألا وهو اني مسؤول ومفروض عليّ ، ان اعمل باستفراغ الجهد والوسع في تحريك جانب الحكومة العادلة في المجتمع العراقي المظلوم، وذلك على اعتبار ان الفرد الانساني من بدوّ تكونه والى آخر مراحل حياته قد تكفل الشارع المقدس بمصالحه الفردية والاجتماعية، فعلى الفقيه السعي الجاد بهذا الاتجاه متى ما توفرت له الفرص المعينة لتحقيق هذا الشيء.
ولكن مع شديد الاسف وبالغ الحزن والأسى، لازال العراق في هذه المرحلة – منذ سقوط الطاغية والى الوقت الراهن – فاقداً لذلك الفقيه الذي يعيش ظروفه الصعبة، والمرحلة الحرجة التي يمرّ بها الآن، فقد عانى الشعب العراقي المظلوم من نموذجين رئيسيين لفقهاء هذا العصر :
الاول : ( فقيه الخارج ) وهو الفقيه البعيد عن أرض العراق وشعبه، وقد فضّل الجلوس والبقاء في الديار البعيدة، لأنها الأكثر حظاً من ناحية الامان والراحة، وعدم وجع الرأس بالأمور والمستحدثات الطارئة التي تصيب البلد كل لحظة .
الثاني : ( فقيه الداخل ) وهو الفقيه الذي يعيش في داخل العراق وفي منطقة
محددة، لا يعرف ما يجري حولها، فضلاً عما يجري في المناطق البعيدة عنها، فقد ألزم نفسه بأن يعيش وراء جُدُر تعزله عن الناس، ولن يرى بسببها الحقيقة.
اذن إذا كان الفقيه بعيداً عن الشعب، والذي هو في الداخل لا يعنيه من أمرهم شيء، وإن سالت دماؤهم بزناد الحكومة الفاسدة، فحينئذ لابد من وجود قيادة صالحة لا تمثل التقليد، تقود هذا الشعب الى بر الامان وتسد ذلك النقص والخلل الذي تركه الفقيه.
هذه القيادة تنبع من أرض العراق، فتعيش معاناته وتكابد ما يعانيه من بلاءات ليواجهوا سوياً المخططات والمؤامرات الخبيثة التي تحاك ضد هذا الشعب المظلوم.
وهذا الامر ليس بغريب، ولا هو بالبدعة، وإنما القيادة ضرورة من ضرورات الحياة التي لا يستقيم المجتمع إلّا بها وبتواجدها في ساحة الحدث .
وهذا هو لطف الله عزّ وجلّ بأن لا يترك العراق بلا أمل ولا نور يخرجه من هذا الظلام الذي اتى به الإحتلال وما أكمله أذنابهم من الذين تَسموا بالشيعة وغيرهم .
وعندما خرج المصلح ولم يكن يحمل عنوان الفقيه، ولكن كان يحمل معه الإخلاص ومحبة الوطن وعشق الحرية ومحبة المستضعفين، وكره الظلم والظالمين ، فأخذ نجمه يعلو، وخطواته الإصلاحية تظهر، ومحبة العراقيين له تزداد يوماً بعد يوم. أثار هذا حفيظتكم، وحَرَك فيكم الشعور بعدم القدرة لقيادة هذا المجتمع من الداخل، وذلك لعدم محبة الشعب لكم، لانكم قد ابتعدتم عنه، وهكذا هي النفوس تنفر ممن لم يشاركها آلامها وأحزانها، بل وأفراحها. اللهّم إلّا القليل الذي تربطه بكم بعض المصالح، سواء كانت مادية او معنوية، وبالتالي اعتمدتم عليهم في نقل المعلومة من الداخل، التي تخبركم ما وصل اليه الشأن
الداخلي لهذا البلد، ويا ليتهم صدقوا في قولهم ولم يحرّفوا بما نقلوا. ولكن تحريفهم هذا ليس بعجيب، لانهم ايضاً لا يرضون ولا يقتدون بالمصلح القائد الذي لا ينضوي تحت راية فقيههم، وهذه هي الطامة الكبرى والمحنة العظمى عندما يكون صاحب العمّة محرّفاً للحقائق وبحسب ما تشتهيه وتميل اليه نفسه.
وعندما وصل الأمر بنا الى التظاهر والإعتصام والانتفاضة والثورة، تحت قيادة المصلح الذي مثّل الشعب خير تمثيل لتحريرهم من قيود الفساد، الذي بقيت الحكومة حامية وراعية له.
فكان نِعم الشعب، الشعب العراقي في طاعته وعدم انفلاته، وكان نِعم القائد الذي حرّك أدواته في هذا الوقت من التأريخ، بمنتهى الانضباط والدقة، فلم يوجد اي خرق يُذكر، ولا أي تجاوز سُجّل، ولا أي شيء قد دُمّر، فهي ( سلمية .. سلمية .. سلمية ) كما قال السيد القائد مقتدى الصدر .
والآن أريد أن أسأل سماحة السيد كمال الحيدري دام ظله أين رأيت الفوضى؟
1 . هل رأيتها بعدم وضوح مطالب المتظاهرين، التي هي ضد الفساد والمفسدين، والمطالبة بكابينة وزارية تكنوقراط، على ان تكون مستقلة، وبدون أي توجهات حزبية او طائفية ؟!.
2 . هل رأيتها منفلتة وغير منضبطة، وانت ترى وتسمع انضباطها العالي بالحفاظ على جميع الممتلكات الحكومية والمدنية، وعدم التعرض لأي أمر خارج عن حدود التظاهر السلمي ؟!.
3 . ام هل رأيت المتظاهرين والثائرين يحملون السلاح بأيديهم، لتحكم بحكمك، والكل يرى كيف انهم لا يحملون سوى أعلام العراق، وتقديم الورود الى القوات الامنية ؟!.
4 . وهل رأيت كيف ان جلاوزة الحكومة يرمون المتظاهرين العُزل بالرصاص الحي وكيف انهم قتلوا الابرياء ؟!.
5 . وهل رأيت وتابعت تصرفات الحكومة وهي تماطل وتسوّف في النظر الى طلبات شعبها المشروعة ؟!.
6 . وهل سمعت الحكومة كيف تكذب، وتصف شعبها بالبعثيين والمندسين وهو الذي أوصلها الى كراسي الحكم بفتوى الفقيه للتوجه للانتخاب ؟!.
وهل ... وهل ... وهل ...
وأخيراً أسال الله تعالى أن يحفظ امة الإسلام، وخصوصاً شعب العراق المظلوم، وأن يوضح الرؤيا الصحيحة عند الفقيه وهو ينظر الى المواضيع الخارجية .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن عدوهم
علي الزيدي
22 شعبان 1437
31 / 5 / 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق