الاثنين، 9 يوليو 2018

الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، رائد التغيير في الحركة العلمية



خلق الله الانسان واودع فيه الاستعداد والمؤهلات لكي يتمكن من اجراء التغيير سواء كان ذلك التغيير:

*.ايجابيا من حال الى حال افضل ، او تبديل الاشياء بأشياء اخرى افضل ، او الانتقال من محل الى محل آخر افضل...
*.او سلبيا من حال الى حال اسوء ، او تبديل الاشياء الجيدة بأشياء رديئة ، او الانتقال من محل جيد الى محل سيء...

اذن الإنسان فطريا يسعى إلى تحقيق التغيير بشكل دائم ومستمر ، وبدءاً من ابسط الامور الحياتية سواءً كان ذلك التغيير في ملابسهِ، أو أثاث منزله، أو طعامه...
الى اعقد الامور سواء كان ذلك في الاكتشافات او الاختراعات او الابداعات وفي كافة المجالات العلمية والادبية والفنون... ، فتجد المختبرات والورش والمصانع والمراكز العلمية والبحثية والمكتبات ...، تعج بالعلماء والباحثين والمصممين واصحاب الحرف والطلبة... ، بحيث لا يكاد يمر يوم من غير حصول تغيير فيه
ومن اهم التغييرات ، تلك الواقعة في نمو وتكامل وبناء الانسان والتي بها ينتقل من مرتبة الى مرتبة اعلى اخلاقيا ومعرفيا فيزداد وعيه وتسمو وترتقي روحه، من كل ذلك نستنتج ان التغيير ضروري في حياة الإنسان، للارتقاء نحو الأفضل هذا من جهة ومن جهة اخرى ان التغيير عادة ما يكون تدريجي وقد يستغرق زمن طويل سيما لو كان الهدف منه الوصول إلى النتائج بشكل دقيق، وأكثر كفاءة، وهنا من المهم الالتفات الى هذه القاعدة القرآنية والتي تعتبر ضابطة كلية في التغيير وهي قوله تعالى:
((إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ)) (الرعد من الآية 11).
وهذه القاعدة او الضابطة القرآنية الكلية تشمل التغيير بشقيه:

*.الايجابي أي حينما يقتنع الافراد او الجماعات بأهمية التغيير نحو الخير والصلاح والاصلاح ، ويسعون لذلك التغيير بكل جهدهم ، حينئذ سوف يكونون مشمولين بالعناية والتوفيق الالهي للوصول الى حالة التغيير التي سعوا اليها ، لان نفوسهم استعدت لاستقبال نعمة الله ، وفيض بركاته.
قال تعالى: ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ))( البقرة من الآية 257).

*.والعكس صحيح فحينما يسعى الافراد او الجماعة بسبل الشر والفساد والرذيلة ، منغمسين بالموبقات وبكل جهدهم ، حينها سوف يكونون مشمولين بالعقوبة الالهية فترفع عنهم الكثير من البركات او تسحب منهم الكثير من النعم وتحل عليهم النقم ، قال تعالى:
((ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)) (الانفال).
أي ان نفوسهم تلوثت وتشوهت نتيجة الموبقات لذا يتم رفع النعم عنها.
وكذلك ومن خلال هذه الضابطة القرآنية الكلية: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ)) (الرعد من الآية 11).يمكن ان نستشف ما يلي:

1. ان التغيير يجب ان يكون من الداخل أي داخل الفرد او داخل الجماعة او داخل المجتمع لكي يحصل التغيير الخارجي
2. لكي يتحقق التغيير الايجابي للجماعة او الشعب يجب ان يتعاون الجميع من اجل الحصول على ذلك
3. ينبغي ان لا يكون التغيير بالجبر والاكراه خصوصا فيما يتعلق بالعقيدة، لأنه سيكون تغييرا هشا وغالبا ما يكون محكوما بالفشل الذريع.

ثانيا.
العلم من مظاهر حياة الانسان الحقيقية فبه تحيا العقول ويرتقي الانسان بإنسانيته ، لذا تجد طلاب العلم لا يفارقون اثنين الكتاب والعالم ، ولا يفارقهم اثنين القرطاس والقلم ، فشكرا لله الذي انزل على رسوله الكتاب ذلك المنحة التي تضم كنوز المعارف والعلوم والتي مفاتيحها بأيدي تراجمته وعدله، وهم العلماء الذين فتحوا ابواب العلم للناس كافة ، عسى ان يتزودوا منها وينتفعوا بها ، فتقل عثراتهم ويستصعب خداعهم من الطواغيت الذين طالما حالوا ما بينهم وبين والعلماء ، مما ادى الى ضياع الكثير من الناس في وديان التيه ، فجعلهم يصابون بقلة الوعي ويرهقون بكثرة الهموم ، الى ان سنحت من الزمن فسحة قصيرة جدا ، تمكن بعض الناس فيها من الوصول الى ساحل بحر احد العلماء وهو الامام جعفر الصادق(عليه السلام)، لينهلوا من فيض علمه طرحا فكريا متجددا عقلائيا متكاملا ، فانشقت لهم بذلك افاقا واسعة من المعارف وابوابا متعددة من العلوم، كـ الطب والهندسة والكيمياء والرياضيات والفلك والفقه والاصول والتفسير والفلسفة والمنطق...، فكانت ثورة ادت الى تغيير في الحركة العلمية ، حيث :

1. فتحت ووسعت افاق علمية جديدة بمختلف العلوم والفنون ، والتي لم تكن بهذا الشكل والاتساع والتعدد من قبل
2. هيئت المجتمع الى مرحلة استقبال ثقافات ومعارف وفنون الشعوب الاخرى والتي تحمل بين طياتها الغث والسمين ، الضار والنافع ...، وبذلك يتشكل عنصر حماية فكرية امام العقائد المنحرفة والافكار الهدامة الناجمة عن الاختلاط مع الشعوب الاخرى والانفتاح على ثقافاتهم ومعارفهم فالمجتمع بدون مناعة فكرية يكون فريسة سهلة اما الافكار المنحرفة ، والتي هي اشد خطرا من الامراض الجسدية واشد فتكا بالناس من الاوبئة ...
3. بين الامام الصادق عليه السلام هذه الحقيقة والتي شوهها الاشرار :
ان الاسلام دين انساني بكل معاني الانسانية ، من عدالة وحضارة ورقي معرفي وبناء وتكامل تربوي انساني...، وانه يستوعب كل الأزمنة مهما كانت الظروف فيها ، وما موضوع تعدد الشعوب وتنوعهم الا عنصر قوة في الاسلام، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)) (الحجرات).

وهذا الفكر المنفتح وكثرة المعارف وعمق الطرح ادى الى تغيير في الحركة العلمية كان الامام الصادق عليه السلام، هو رائد التغيير فيها

*. قال ابن خلكان(2)، في وصفه الامام الصادق :
(...وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطر طوسي قد الّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة...)
*.الطبيب ابن ماسويه(3)،حينما سمع قول الإمام الصادق في شرحه وتوضيحه للطباع وهو: (الطبائع أربع: الدم وهو عبد وربما قتل العبد سيده، والريح وهو عدو إذا سددت له باباً أتاك من آخر، والبلغم وهو ملك يدارى، والمرّة وهي الأرض إذا رجفت بمن عليها)
قال للراوي: (أعد عليّ فو الله ما يحسن جالينوس أن يصف هذا الوصف) .
*.قال الشهرستاني(4) في المِلل والنِّحل(يصف الامام الصادق عليه السلام):
«وهو ذو علم غزير في الدين والأدب، كامل في الحكمة، وزهد بالغ وورع تامّ في الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين اليه، ويفيض على الموالين أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدّة ما تعرَّض للإمامة قط ولا نازع أحداً في الخلافة، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إِلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط، وقيل من آنس باللّه توحّش عن الناس، ومن استأنس بغير اللّه نهبه الوسواس».
فشكرا لله الذي اكرمنا بعلماء من خيرة اوليائه لقيادة البشرية في مسيرة رقيها وتكاملها الانساني.
الهامش:
(1) الكافي للكليني، ج1، ص32.
(2) أحمد بن محمّد بن خلكان ، المتوفي بدمشق عام 681
(3) المناقب لابن شهر اشوب 4/259.
(4)أبو الفتح محمّد بن أبي القاسم ، المتوفي عام 548، ترجم له في الوفيّات ومعجم الاُدباء ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق