طلب المأمون العباسي من الامام الرضا عليه السلام ان يستلم مسند الخلافة ، وعندما رفض الامام الرضا هذا العرض هدده المأمون بانه لابد ان يستلم ولاية العهد ، فقبل الامام بذلك وعلى عدة شروط شرطها الامام فوافق المأمون على تلك الشروط عليه ماهي الاسباب التي ادت بالإمام ان يرفض استلام مسند الخلافة؟
بالتأكيد لا يمكننا معرفة الاسباب الواقعية ، انما من الممكن التفكير في معرفة بعض الاسباب المحتملة، وكما يلي :
اولا:
من حيث المبدأ ،من النافع الالتفات الى ان المصلحين في كل زمان ومكان اصيبوا بعدة بلاءات من المحسوبين عليهم ومن اعدائهم
فالطواغيت واتباعهم يرون في المصلح تهديد خطير لمصالحهم ومكاسبهم المبنية على الظلم والفساد والجور ، فيقومون بسلسلة من الخطوات العملية والنظرية في محاربة المصلح ابتداءً باستصغاره والاستهانة بتعاليمه ودعوة الناس الى التعامل معه باللامبالاة ، وتلفيق التهم ضده...، والتي من بينها ان المصلحين طلاب سلطة، وكان المأمون العباسي شديد التألم من حالة ميل الناس لأهل البيت (عليهم السلام)، وزعيمهم آنذاك الامام الرضا (عليه السلام)، وانهم احق الناس بالخلافة، فقام بحياكة هذه المكيدة ظنا منه انها ستخرم عقيدة الناس وحسن ظنهم باهل البيت(عليهم السلام).
والا كيف يعقل ان يتنازل المأمون العباسي عن السلطة التي سفك دماء الالاف من اجلها ومن ضمنهم اخيه الامين ، اضافة الى ما دفعه من اموال طائلة لذلك ، ولعمري فهذه ليست المكيدة الاولى التي حاكها المأمون ضد غريب طوس ، بل كانت هنالك سلسلة مكائد والتي من بينها حادثة مناضرة العلماء التي كان يبغي منها عدة اهداف والتي من بينها:
1.احراج الامام بمسالة من المسائل العلمية والشرعية ، فيحصل بذلك على نقطة ضعف يستغلها لصالحه.
2.الوقوف عمليا من قبله وزبانيته على حقيقة من حقائق المصلح ومدى امكانياته العلمية والنفسية الهائلة.
3.اثبات ما يراه من خطورة يشكلها المصلح للمجموعة المنتفعة التي تحيط بالطاغية وان هذا المصلح خطر عليهم ايضا فينبغي تأييد الطاغية بكل ما يقوم به ضد المصلح.
وكان الامام يعلم بكل ذلك ولكنه ومن اجل خدمة الانسانية يستثمر حتى المكائد التي يخططها خصمه ضده ، فكانت المناظرة نصرا عظيما للإسلام وحقانيته ومدى بالغ حجته ، فاستشاط المأمون غيضا وحقدا وحسدا ، فعمد الى حادثة صلاة الاستسقاء حيث انقطع غيث السماء عن تلك البقاع واعلن العلماء باستحالة هبوط المطر ذلك الوقت فوجد المأمون هذه الفرصة المناسبة لإحراج الامام ، ولكن حصل مالم يكن في حسبان المأمون وزبانيته وهطل المطر ببركة دعاء الامام ، وحاق المكر السيء باهله.
ثانيا:
كيف سيدير الامام الرضا(عليه السلام)، مسند الخلافة الظاهرية واغلب مقاليد السلطة بيد المأمون العباسي وزبانيته والالاف من النفعيين ، هذا من جانب ومن جانب آخر ، كان اغلب الناس في تلك الحقبة الزمنية وحتى الخيرين منهم بمستوى متدني من الوعي والاخلاص ...، وقد اعترض قسم منهم على قرار رفض الامام استلامه مسند الخلافة ، بل انه وجد في قرار الرفض سماح من الامام باستمرار الطواغيت على دست الحكم، مع ان هؤلاء المعترضين كانوا غير مستعدين لأدنى درجات التضحية من اجل دفع الظلم ونصرة الاصلاح والمصلح ؟!
وعلى العكس من ذلك كان الطواغيت يحظون ، بخدمة وولاء الكثير من طلاب الدنيا والمنافقين والجهلة ، وكان المأمون ملتفت الى هذه النقطة الجوهرية ، ولذا فان هذا الرفض من قبل الامام(عليه السلام) ، وجه
1.صفعة للطواغيت واذنابهم ، من خلال اثبات ان المصلحين ليسوا طلاب سلطة ، انما يهمهم خدمة الناس والالتفات الى حاجاتهم ورعاية شؤونهم...، وذلك لشعورهم العالي والحقيقي بأبوة المجتمع .
2. تنبيه للقواعد الشعبية بانها ليست على مستوى معتد به من الشعور بالمسؤولية ، لذا يجب عليها السير الحثيث نحو زيادة الوعي ، والشعور بالمسؤولية.
ثالثا:
في هذا الرفض كشف لزيف كل من ادعى انه يمثل الدين والمذهب ويهدف في استلامه للسلطة ، اقامة العدل وخدمة الناس ، ولكن حينما يستلم السلطة ، يـ (( سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ))(سورة البقرة/ الآية 205)((وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ))(سورة البقرة/ الآية 206 )
مع ان الله تعالى كشف عن حقيقة المصلحين حينما يستلموا السلطة ، حيث قال: ((الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ))(سورة الحج/ الآية 41)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق