خطبة السيدة فاطمة (الصغرى)بنت الامام الحسين عليهما السلام في الكوفة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
روى زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، المتوفى سنة (250 هـ)، قال: حدثني أبي، عن جدي (عليه السلام)، قال: خطبت فاطمة الصغرى بعد أن ردت من كربلاء، فقالت:بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً (صلى الله عليه واله وسلم) عبده ورسوله، وأن ذريته ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات.
اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، المسلوب حقه، المقتول من غير ذنب كما قتل والده بالأمس في بيت من بيوت الله، فيه معشر مسلمة ألسنتهم، تعساً لرؤوسهم، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته، حتى قبضته إليك محمود النقيبة، طيب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه اللهم فيك لومة لائم، ولا عذل عاذل، هديته يا رب بالإسلام صغيراً، وحمدت مناقبه كبيراً، لم يزل ناصحاً لك ولرسولك (صلى الله عليه واله وسلم) حتى قبضته إليك، زاهداً في الدنيا، غير حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رضيته فهديته إلى صراط مستقيم.
أما بعد:
يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، إنا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا، وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجته على الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضلنا بنبيه محمد (صلى الله عليه واله وسلم) على كثير ممن خلق تفضيلاً بيناً.
فكذبتمونا وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً وأموالنا نهباً، كأنا أولاد ترك وكابل، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم، قرت بذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراء على الله ومكراً مكرتم، والله خير الماكرين.
فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزء العظيم في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما أتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور، تباً لكم فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأن قد حل بكم، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم، ويذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين.
ويلكم، أتدرون أي أيد طاعنتنا منكم؟ وأي نفس نزعت إلى قتالنا؟ أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟ قست والله قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطبع على أفئدتكم، ختم على سمعكم وبصركم، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.
تباً لكم يا أهل الكوفة، أي ترات لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قبلكم، وذحول له لديكم بما عنتم بأخيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) جدي وبنيه عترة النبي الطاهرين الأخيار.
وافتخر بذلك مفتخركم، فقال: نحن قتلنا علياً وبني علي بسيوف هندية ورماح، وسبينا نساءهم سبي ترك ونطحناهم فأي نطاح، بفيك أيها القائل الأثلب والكثكث (الأثلب والكثكث - بكسر الهمزة في الأول والكافين في الثاني -: لفظان مترادفان يعني دقاق التراب والحجر يستعملان في الحقارة والذم)، افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم تطهيراً، وأذهب عنهم الرجس، فاكظم واقع كما أقعى أبوك، وإنما لكل امرئ ما اكتسب وما قدمت أوائله، حسدتمونا - ويلاً لكم - على ما فضلنا الله به.
فما ذنبنا إن جاش دهراً بحورنا وبحرك ساج ما يواري الدعامصا(الدعموص: دويبة تغوص في الماء. الصحاح.).
(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)( سورة الحديد/الآية 21) (ومن لم يجعل الله نوراً فما له من نور)(سورة النور/الآية 40).
قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء، وقالوا: حسبك يا ابنة الطيبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا، فسكتت.
من المصادر والمراجع:
الإحتجاج/ للشيخ الطبرسي(2/27) ، مقتل الحسين / للسيد عبد الرزاق المقرم / ص 329-332، البحار/ للشيخ المجلسي،الملهوف على قتلى الطفوف/السيد علي بن موسى بن جعفر بن طاووس
وللمزيد عن السيدة فاطمة بنت الحسين عليهما السلام ،راجع:
الغارات: 2/638؛ الأخبار الطوال: 213.، إسعاف الراغبين : 21، أسنى المطالب : 45 و95، إعلام الورى : 251، الإرشاد : 197 و 253، الأغاني 18 : 204، الإقبال : 427، تأريخ الإسلام 134، تأريخ بغداد 11 : 285، تأريخ الطبري 6 : 265، تأريخ اليعقوبي 2 : 312 و370، تذكرة الخواص : 249، تنقيح المقال 3 : 28، تهذيب التهذيب 12 : 469 رقم 2862، الجرح والتعديل 1 : 585، الدر المنثور : 361، ذخائر العقبى : 121، سِير أعلام النبلاء 3 : 204، سنن ابن ماجة 1 : 484، شذرات الذهب 1 : 139، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 287 و 15 : 267 و 279، صحيح البخاري 1 : 230، الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 273، كنز العمال 6 : 220، الكنى والألقاب 2 : 241، اللهوف : 180، مستدرك الصحيحين 3 : 164، معاني الأخبار : 354، معجم رجال الحديث 23 : 197، مقاتل الطالبيين : 180 و 202، مجمع الزوائد 9 : 272،الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري 1/374، منتهى الآمال للشيخ عباس القمي ص 651 الفصل 12 في بيان أولاد الحسين، الأصيلي 65 – 66، أنساب الأشراف 4/ 607، جمهرة أنساب العرب 41 – 83، ونسب قريش ص 51، 1.مقاتل الطالبيين/ لأبي الفرج الأصفهاني، عقد فريد في تاريخ الشرفاء التليد/ لـ الدكتور أمل بن إدريس بن الحسن العلمي – فاس، الأعلام/ للزركلي 5 / 326، أعلام النساء 4 / 94، الجامع في الأنساب أو المعروف بـ " مشجرة الشرفي "/ لأحمد بن محمد الشرفي : مع ذيله للشهاري .، البدر الطالع /لمحمد بن علي الشوكاني ، عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب/ للسيد جمال الدين احمد ابن عنبة الحسني، كشف النقاب عن نبذة حجاب /لأحمد بن حسن الحازمي ، الاختصاص/ للشيخ المفيد : 233
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق