الخميس، 5 نوفمبر 2015

سيدنا برير بن خضير كوكب ايماني غزير المعاني


سيدنا برير بن خضير كوكب ايماني غزير المعاني
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم.
عظم الله اجر نبينا المصطفى وعترته النجباء وشيعته الاوفياء بذكرى فاجعة كربلاء ، وخير عزاء في هذه المناسبة الاليمة التطرق الى ذكر صفحة من صفحات نور اولائك الافذاذ الذين ذابوا بعشق باريهم فجادوا بكل غال ونفيس طلبا لرضاه، ومنهم ذلك الفتى النبيل الباسم الثغر الصادق اللهجة ، الثابت العقيدة، العالي الهمة، القوي الشكيمة المحمود الخصال الكثير المناقب....
والذي ان ذكر الشيعة المخلصين عد من اعلامهم وان ذكر القراء الطيبين عد من شيوخهم وان ذكر العباد الناسكين عد من طليعتهم وان ذكر مغاوير همدان عد من اشرافهم انه البطل الحسيني برير الهمداني الكوكب الايماني الغزير المعاني.
وبطبيعة الحال لا يمكن ايفاء جزء من حقوق هذا الشيخ الجليل بهذه الكلمات القليلة المذكورة في هذا البحث ولكن مالا يدرك كله لا يترك جله، وحسبي ما في ذكر هذا الشيخ الجليل من خير وبركة ان شاء الله .
هذا البحث ينقسم الى ثلاثة ابواب بالإظافة الى نتائج البحث والمصادر.

الباب الاول. 
من هو سيدنا برير(عليه السلام)
سيدنا برير هو بن خضير المشرقي الهمداني من شهب كهلان القحطاني، اليمني الاصل الكوفي المسكن
( أعيان الشيعة/ محسن الامين/ 3/561)
*. قال عنه السيد ابن نما الحلي:
كان اقرأ اهل زمانه, وكان يقال له سيد القراء وهو من اصحاب امير المؤمنين وكان من اشراف الكوفة من الهمدانيين, وانه لما بلغه خبر الحسين (عليه السلام ) سار من الكوفة الى مكة ليجتمع بالحسين (عليه السلام ) فجاء معه حتى استشهد.
(ابصار العين/ محمد طاهر السماوي /134).
*. وقال عنه ابو الحجاج يوسف المزي:
كان برير شيخا تابعيّا ناسكا ، قارئا للقرآن ، من شيوخ القرّاء ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه‌ السلام ، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين ، وهو خال أبي إسحاق الهمداني السبعي
( تهذيب الكمال/ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن الكلبي المزي (ت: 742هـ): ٢٢ / ١٠٢ ، الرقم : ٤٤٠٠)
* . وقال عنه الشيخ الصدوق:
«وكان أقرأ أهل زمانه»
( الأمالي للصدوق: 224).
*. وقال عنه الشيخ المجلسي:
«وكان من عباد الله الصالحين»
( بحار الأنوار 45/15).
* .وقال السيّد محسن الأمين
: «كان بُرير زاهداً عابداً»
( أعيان الشيعة 3/561).
وشهادات العلماء والمؤرخين بكثرة مناقب هذا الشيخ الجليل واجماعهم عليها انما يدل على عظيم وندرة مثل هذه الشخصية الاسلامية الفذة. 

الباب الثاني. 
سيدنا برير(عليه السلام) وملحمة الطف.

الموقف الاول. التحاق سيدنا برير بالامام الحسين عليه السلام 
حينما اعلن الامام الحسين عليه السلام الخروج لطلب الاصلاح في امة جده المصطفى( صلى الله عليه وآله وسلم) وتوجه بعد مدة من الزمن الى مكة المكرمة بلغ هذا الخبر الى مسامع سيدنا برير عليه السلام فانطلق مسرعا نحو مكة ليلحق بالامام الحسين عليه السلام ويعلن مبايعته ويبقى معه حتى استشهد . 
قال ملا خليل القزويني في شرحه على الأصول, والعلامة في كتاب إيضاح الاشتباه , وحميد بن أحمد في كتاب الحدائق:
إنه لما بلغه خبر الإمام الحسين بن علي ( عليهما السلام ) سار من الكوفة إلى مكة ليلحق بالإمام الحسين ( عليه السلام), فجاء معه إلى كربلاء حتى استشهد بين يديه.
وهذا الموقف يدل على عدة معان منها :
*. اهتمام سيدنا برير الشديد بتتبع اخبار القائد الالهي الدال على شدة تعلقه به(ع) 
*. همته العالية وارادته الصلبة .. فمسير سريع من الكوفة الى مكة في ذلك الزمان ولشيخ بعمر 89 سنة ،ليس بالامر الهين وهذا من دلالات اعتصام هذا الشيخ الجليل بحبل الله المتين 
*. تهيئه العالي واستعداده التام ، لنصرة القائد الالهي . 

الموقف الثاني . كلمة سيدنا برير بعد جعجعة الحر 
قال السروي : لما ضيق الحر على الإمام الحسين (عليه السلام) جمع أصحابه فخطبهم بخطبته التي يقول فيها : أما بعد ، فإن الدنيا قد تنكرت وتغيرت ...إلخ (تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٧.). 
فقام إليه مسلم ونافع فقالا ما قالا في ترجمتهما ، ثم قام برير فقال:
والله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، تقطع فيك أعضاؤنا حتى يكون جدك يوم القيامة بين أيدينا شفيعاً لنا فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم، وويل لهم ماذا يلقون به الله وأفّ لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنم .
فمن دلالات هذا القول ما يلي:
*. شدة ايمان سيدنا برير بالله تعالى واخلاصه للنبي وعترته ، ويقينه بسوء عاقبة من ضيع حقهم(صلوات الله عليهم).
*. شجاعته وشعوره العالي بالمسؤولية.

الموقف الثالث : وعظه لقائد الجيش السفياني عمر بن سعد(لع)
في مقتل الحسين عليه ‌السلام للخوارزمي: (ثُمّ تكلّم بُرير بن خضير الهمداني، وكان من الزهّاد الذين يصومون النهار ويقومون الليل، فقال: يا بن رسول الله، إئذن لي أن آتي هذا الفاسق عمر بن سعد فأعظه لعلّه يتّعظ ويرتدع عمّا هو عليه .
فقال الحسين(ع): ذاك إليك يا بُرير.
فذهب إليه حتّى دخل على خيمته، فجلس ولم يسلّم، فغضب عمر وقال: يا أخا همدان ما منع من السلام عليَّ؟! ألستُ مسلماً أعرف الله ورسوله، وأشهد بشهادة الحقّ؟
فقال له برير: لو كنتَ عرفت الله ورسوله كما تقول؛ لمَا خرجت إلى عترة رسول الله تريد قتلهم، وبعدُ فهذا الفرات يلوح بصفاته، ويلج كأنّه بطون الحيّات، تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها، وهذا الحسين بن عليّ وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشاً، وقد حِلْتَ بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه، وتزعم أنّك تعرف الله ورسوله؟!
فأطرقَ عمر بن سعد ساعة إلى الأرض، ثمّ رفع رأسه وقال: والله، يا بُرير إنّي لأعلم يقيناً أنَّ كُلَّ مَن قاتلهم وغصبهم حقّهم هو في النار لا محالة، ولكن يا بُرير، أفتشير عليَّ أن أترك ولاية الريّ فتكون لغيري؟ فو الله ما أجد نفسي تجيبني لذلك، ثمّ قال:

دعـاني عـبيد الله من دون قومه *** إلـى خـطّة فـيها خرجتُ لِحَيني
فـو الله مـا أدري وإنّـي لـحائر *** أُفـكّر فـي أمـري على خطَرَينِ
أأتـركُ مُـلك الريّ والريّ مُنيتي *** أم أرجـع مـأثوماً بـقتْل حـسينِ
وفـي قـتله النّار التي ليس دونها *** حجابٌ، ومُلك الريّ قرّة عينِي


فرجع برير إلى الحسين(ع) وقال:
يا بن رسول الله، إنّ عمر بن سعد قد رضي لقتلك بمُلك الريّ) .
( مقتل الخوارزمي 1/248 ـ ١: ٣٥١ – ٣٥٢ )
وهذا الموقف يدل على عدة اشياء وفي جهتين:

الجهة الاولى . ما تخص سيدنا برير، ومنها: 
*. مكانة سيدنا برير العالية في نفوس مختلف طبقات الناس.
*. سعة علوم سيدنا برير وقوة حجته في النقاش وخبرته العالية في محاورة الخصم. 
*. لا تأخذه في الله لومة لائم.
* .عدم يأسه في نصح وارشاد الآخرين مهما كانوا فاسقين.

الجهة الثانية . ما تخص عمر بن سعد ، ومنها:
خطورة اتباع هوى النفس الامارة الذي يورد الضلالة والنار.

الموقف الرابع :
قال أبو مخنف : .. فجعل برير يهازل عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري ويضاحكه ، فقال عبد الرحمن : دعنا ، فو الله ما هذه بساعة باطل! فقال برير :
والله لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّا ولا كهلا ، ولكنّي والله لمستبشر بما نحن لا قون ، والله إنّ بيننا وبين الحور العين إلاّ أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم ، ولوددت أن مالوا بها الساعة 
(تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٨ بتفاوت ،الكامل : ٤ / ٦٠، مقتل الحسين لأبي مخنف: 115)
وهذا الموقف يدل على عدة اشياء منها:
*. باسم الثغر عند الشدائد فرحا بمحبة الحق واهله 
*. فرح بلقاء الله مستيقن بحسن الخاتمة والجزاء 
وللاستاذ علي الزيدي درر في هذا الموقف انقل البعض منها بالمعنى والمضمون:
1. انه مستوى من التمني بعد نيل الشهادة هو اعلى مستوى يمكن ان يقرع اسماع العدو ويكون من عوامل اقامة الحجة عليهم من جهة وفيه ترغيب للاجيال اللاحقة في السير على نهجهم وهذا ما يلائم ذهنية عامة المسلمين في تلك العصور 
2. فيه رسالة بانه كل من التزم بالشريعة وتعاليمها ولم يخرج من اطارها سوف يحصل على معانقة حور العين فكيف بالشهداء فان معانقة حور العين هي اول ما سوف يلاقونه في الجنة ومن ثم الدرجات العالية 
3. ان معانقة حور العين لم يكن هدف لأولئك الابطال لكي يكون مأخذا عليهم بل هو تعبير عن عمق ايمانهم ويقينهم بحسن عاقبتهم، وهذا واضح في صريح اقوالهم. 

الموقف الخامس : سيدنا برير في يوم عاشوراء.

1. خطبة سيدنا برير عليه السلام
روى بعض المؤرخين أنه لما بلغ من الإمام الحسين (عليه السلام) العطش ما شاء الله أن يبلغ استأذن برير الإمام الحسين (عليه السلام) في أن يكلم القوم (يوم عاشوراء) فأذن له فوقف قريباً منهم ونادى :
يا معشر الناس إن الله بعث بالحق محمداً بشيراً ونذيرا و داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ... وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها وقد حيل بينه وبين ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفجزاء محمد هذا ؟
يا قوم، اتّقوا الله فإنّ ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذرّيته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم؟ فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأمير ابن زياد، فيرى رأيه فيهم.
فقال لهم بُرير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاؤوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة، أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها، يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيّكم، وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد، وحلأتموهم عن ماء الفرات، بئس ما خلفتم نبيّكم في ذرّيته، ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم. فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول؟
فقال بُرير: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة، اللّهم إنّي أبرء إليك من فعال هؤلاء القوم، اللّهم ألق بأسهم بينهم، حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان. فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع بُرير إلى ورائه»
( بحار الأنوار 45/5).
وهنا قام سيدنا برير عليه السلام بعد الثناء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطرح جملة من الامور على الاعداء ومنها:
*. تذكيرهم بقاعدة انسانية تسالم عليها العقلاء وهي ان هذا الماء المباح للدواب ناهيك عن الناس كيف يتم منعه عن ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول لهم:أفجزاء محمد هذا ؟)، وهذا فيه اشارة الى مخالفتهم لحكم الله في قوله تعالى:
((... قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودّة فِي الْقُرْبى)) الشورى/ 23
*. سألهم عن القرار الذي اتخذوه اتجاه العترة الطاهرة ولما اعلنوا صراحة عن قبح ما اجمعوا عليه من قرار النابع من خبث انفسهم الشريرة بين لهم ان هذا القرار مخالف لعهودهم ومواثيقهم التي الزموا انفسهم بها في كتبهم ، وان هذا مرفوض باعراف العرب بالاضافة الى مخالفته للشرع 
*. كشف صورة من صور حقائق القوم الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة .

2. مقتل سيدنا برير عليه السلام:
ذكرَ ابن شهر آشوب: أنّ بريراً برز بعد الحرّ ، وهو يقول:

أنـا بُـرير وأبـي خُضَيْر *** ليث يروع الأُسَد عند الزئر
يعرف فينا الخير أهل الخير *** أضربكم ولا أرى من ضير
كذا فَعلَ الخير في بُرير

وفي كتاب تسلية المجالس: أنّ بريراً كان يحمل على القوم وهو يقول: 
(اقترِبوا منّي يا قَتلة المؤمنين، اقترِبوا منّي يا قَتَلة أولاد البدريين، اقترِبوا منّي يا قَتلة أولاد رسول ربّ العالمين وذريّته الباقين)
( تسلية المجالس: ٢: ٢٨٣ ) 
فقتلَ من الأعداء ثلاثين رجلاً (أمالي الصدوق: ١٣٦، مجلس ٣٠ )
وروي الطبري عن أبي مخنف بسنده إلى عفيف بن زهير بن أبي الأخنس، وكان قد شهد مقتل الحسين عليه‌ السلام ، قال : وخرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة ، وهو حليف لبني سليمة من عبد القيس - فقال : يا برير بن خضير كيف ترى صنع الله بك ؟
قال : صنع الله بي والله خيراً ، وصنع بك شراً .
فقال : كذبت ، وقبل اليوم ماكنت كذاباً ، أتذكر وأنا أماشيك في سكة بني لوذان وأنت تقول: إنَّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضالٌّ مُضِلٌّ، وإنّ إمام الهدى والحقّ عليّ بن أبي طالب؟
قال برير : أشهد أن هذا رأيي وقولي .
فقال يزيد : فإني أشهد أنك من الضالين . قال برير: فهل لي أن أباهلك ولندع الله أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل اخرج لأبارزك .
قال : فخرجا فرفعا يديهما بالمباهلة إلى الله يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق البطل ، ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بريراً ضربة خفيفة لم تضره شيئاً، وضرب برير يزيد ضربة قدت المغفر وبلغت الدماغ فخر كأنما هوى من حالق ، وإن سيف برير لثابت في رأسه ، فكأني أنظر إليه ينضنضه من رأسه حتى أخرجه و هو يقول :

أنا بُريرٌ وأبي خُضَيْر*** لا خير فيمَن ليس فيه خير
ثم بارز القوم، فحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريراً فاعتركا ساعة ثم إن بريراً صرعه وقعد على صدره فجعل رضي يصيح بأصحابه : أين أهل المصاع و الدفاع ؟ فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه ، فقلت له :إن برير بن خضيرالقاري الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد ، فلم يلتفت لعذلي وحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره، فلما وجد برير مس الرمح برك على رضي فعض أنفه حتى قطعه وأنفذ الطعنة كعب حتى ألقاه عنه وقد غير(غيب)السنان في ظهره ، ثم أقبل يضربه بسيفه حتى برد ، فكأني أنظر إلى رضي قام ينفض التراب عنه ويده على أنفه وهو يقول : أنعمت علي يا أخا الأزد (نعمة)لا أنساها أبداً .
فلما رجع كعب إلى أهله عتبت عليه امرأته النوار(المقرم عن الكامل ٤ / ٦٧)، وقالت له : أعنت على ابن فاطمة و قتلت سيد القراء، لقد أتيت عظيماً من الأمر، و الله لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً .
(تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٨ )
وهنا عدة دلالات ومعان في هذه النقطة ومنها: 
*. شجاعته العالية وبأسه الشديد رغم كبر سنة
*. قام بتذكير الاعداء بانهم انما يقومون به فعل انما هو قتل لسادة المؤمنين من اولاد رسول الله وذريته الباقين ومن اولاد البدريين من جهة ومن جهة اخرى يعرف الاجيال بحقيقة من حقائق هؤلاء الاعداء
*. يقينه العالي بالله وان ما فيه من جهد وبلاء انما هو خير اكرمه الله تعالى به وان عدوه انما هو في سخط الله تعالى .
*. شهادة العدو بصدق سيدنا برير عليه السلام، فمن كان في طيلة حياته صادق ما لمبرر في تكذيبه؟ قال تعالى:
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)(سورة الأحزاب/ الآية 23)
*. تمسكه بالولاية الحقة واخلاصه الرفيع لها وثباته العالي عليها واعلانه الصريح بها
*. لقد كان في مقتل سيدنا برير عليه السلام وقع في نفوس اهل الكوفة ورد فعل كبير لما له من شخصية محبوبة مرموقة في مختلف الاوساط 

الباب الثالث. سيدنا برير وصحبة المعصوم عليه لسلام.

اولا. لو سأل سائل انه:
كيف حصل سيدنا برير على الكمالات المعنوية والبدنية الفريدة التي اهلته في ان يصبح من ابطال ملحمة كربلاء الخالدة 
وبعض الجواب على هذا السؤال هو:
ان الانسان اذا كان طاهر المولد طيب المكسب محافظا على فطرته السليمة ومنمي في نفسه الخصال الحميدة ومجنبها متابعة الهوى ومثابر في تزكينها ومجد في اكتساب المعرفة ومزين اعماله بالاخلاص..فان مثل هذا الانسان سوف تكون صحبة المعصوم الصحبة الحقيقية الالهية بالنسبة له العلة في تفجير طاقات الابداع لديه وهذا ما جرى مع سيدنا برير الذي لم يلوث فطرته السليمة بالموبقات ، بل نماها وزاد في كمالاتها فاشتهر بصدق اللهجة ومجانبة الباطل واهله الى باقي محمود الخصال مما جعله مؤهل لصحبة المعصوم ، الصحبة الالهية الحقيقية ..
اي ان التربية الالهية المركزة الخاصة من لدن المعصوم عليه السلام هي التي كان لها الدور الرئيسي والمهم والفعال في بناء وصقل شخصية برير الفذة. 
قال سيدنا الشهيد (في: الوجه الثاني) :
.. أن أمثال هؤلاء الأصحاب والمقربين للأئمة عليهم السلام، قد ربّاهم المعصومون عليهم السلام، وكانوا تحت رعايتهم وتوجيههم وأمرهم ونهيهم ردحاً طويلاً من الزمن، إلى حد يستطاع القول انهم فهموا الاتجاه المعمق والارتكازي – لو صح التعبير- للمعصومين سلام الله عليهم. ومن هنا كان باستطاعتهم ان يطبقوا هذا الاتجاه في كل أقوالهم وأفعالهم.
كما يستطاع القول : أن الأصحاب رضوان الله عليهم تلقوا من الأئمة (عليهم السلام) توجيهات وقواعد عامة في السلوك والتصرف أكثر مما هو معلن بين الناس بكثير. بحيث استطاعوا ان يطبقوا هذه القواعد طيلة حياتهم.

ثانيا. ماهي المقامات والمراتب التي وصل اليها سيدنا بريد ونظرائه من خاصة اصحاب المعصومون عليهم السلام.
الجواب :
لقد وصل سيدنا برير ونظرائه من اصحاب الامام الحسين عليه السلام الى مقامات ومراتب رفيعة فهم سادة الشهداء ، قال امير المؤمنين علي عليه السلام:
(..أمَا إنّه(الامام الحسين) وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة...) 
(كمال الدين وتمام النعمة: ١: ٢٥٩، باب ٢٤، رقم ٥)
وهم افضل الاصحاب ، قال الامام الحسين عليه السلام:..أما بعد فإني لا اعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي...
وبين لنا السيد الشهيد الصدر قدس ان هؤلاء الافذاذ قد وصلوا : 
ا. العصمة غير الواجبة ، قائلا ،(الوجه الأول) :
أن مثل هؤلاء الخاصة معصومون بالعصمة غير الواجبة.. وهي مرتبة عالية جداً من العدالة، والانصياع لأوامر الله سبحانه ونواهيه، بحيث يكون احتمال صدور الذنب عن الفرد المتصف بها نادراً أو منعدماً، لمدى الملكة الراسخة لديه والقوة المانعة عن الذنوب فيه.
ب . مرتبة الراسخين في العلم، بقوله(الوجه الثالث) :
أن هؤلاء من خاصة الأصحاب هم من الراسخين في العلم، وقد أصبحوا كذلك لكثرة ما سمعوا ورووا عن المعصومين (ع) ابتداء بالنبي (ص) وانتهاء بالأئمة عليهم السلام، من حقائق الشريعة ودقائقها وأفكارها.
ج. انهم من المقربين، بقوله :
..ان خاصة أصحاب الأئمة عليهم السلام. هم فعلاً من المقربين وليسوا فقط من اصحاب اليمين، ومن كان من المقربين كان من الملهمين المسددّين من قبل الله سبحانه جزماً بنص القرآن ...

ثالثا. اهمية وجود امثال هؤلاء الصفوة في المجتمع 
ان تربية وتنشأة اجيال القواعد الشعبية في المجتمع تحتاج وبشكل رئيسي الى وجود مثل هؤلاء الصفوة الذين وصلوا بعد جد واجتهاد واخلاص الى نيل المراتب الرفيعة في سلم التكامل والقرب الالهي فاصبحوا اسوة وقدوة للقواعد الشعبية ومدرسة معطاة تفيض بالتعاليم والارشادت البالغة الاهمية في كيفية مواجهة الاحداث والتعاطي معها بما يرضي الله تعالى ، وهذا مما يساعد تلك القواعد في مواكبة عجلة التكامل الالهي حتى الوصول الى مرتبة عبادة الله الحقة...
وخير مثال على ذلك في عصرنا الحاضر وجود الصفوة من امثال سادتنا آل الصدر ، والسيد الخميني ..قدس سرهم الشريف 
اذن ولاهمية هذه النتائج خصوصا وانها تصب في مصلحة اكبر عدد ممكن من القواعد الشعبية فان الله سبحانه وتعالى سوف يسهل على الطيبين من الناس وخصوصا الكمل المجتهدين منهم طرق الوصول الى نيل هذه المراتب والمقامات العليا..، قال سيدنا الشهيد الصدر المقدس (الوجه الخامس):
(.. أن التصرفات المهمة التي ترتبط بالمصالح العامة وبالحكمة الإلهية في تدبير المجتمع وتسبيب أسبابه، هي دائماً محل عناية الله سبحانه وتدبيره، وكل شيء يتوقف على ذلك فهو حاصل لا محالة بقدرة الله سبحانه، وكل مانع يمنع عنه فهو منتف بقدرته أيضاً. لكن مع حفظ ظاهر الأسباب والمسببات المعهودة بطبيعة الحال. )
ومن هذا الباب وغيره انعم الله على العالمين بنعمة المعصومين عليهم السلام فهم الادلاء اليه، وتراجمة وحيه، وعِدْلِ كتابه ، وبواسطتهم وصل هؤلاء الصفوة الى نيل هذه المراتب نتيجة تربيتهم المركزة والتي فجرت الطاقات عند هؤلاء الكمل فاصبحوا بذلك اسوة وقادة الهيين يفوح عطرهم على العالمين
فان قيل لقد كان في عصر الرسالة الاول من السهل على الناس بشكل عام والمؤمنين بشكل خاص التشرف بصحبة المعصوم وسماع كلامه ورؤيته كيف يصلي وياكل ويشرب ويقاتل ويعمل وينام ..
اما الان فالامر مختلف تماما فالسعيد من حصل على نظرة من المعصوم فكيف وهذا الحال يستمر وصول الصفوة الى هذه المراتب اذا تعسرت صحبة المعصوم 
الجواب
ان مرحلة تربية المجتمع بشكل عام والصفوة بشكل خاص في عصور الرسالة الاولى ، كانت تقتضي هذه السهولة بلقاء المعصوم والتشرف بصحبته وهذا ما يلائم تكامل تلك المرحلة من جهة ولنقل اقوال وافعال وحالات المعصوم للاجيال اللاحقة من جهة واخرة علما ان تلك السهولة في لقاء المعصوم وصحبته لم تدم طويلا بل قد حجب المعصوم الكاظم عليه السلام عن قواعده بشكل عام وعن الكثير من المخلصين بشكل خاص نتيجة زجه بالسجن من قبل طاغية زمانه العباسي وهذا ايضا في حقيقته داخل في مرحلة التكامل في كيفية مواصلة القواعد الشعبية والمخلصين لمسيرهم وامامها مغيب عنهم وكذلك في عهد الامام الرضا عندما قام المأمون بمحاولة عزلة وابعاده الى ارض الغربة بعد ذلك دخلت القواعد الشعبية في مرحلة تكاملية اعلى عندما تولى الامام الجواد ولاية الامر بعمره القصير وهذا بحد ذاته كان مقدمة لما بعده من مراحل تكامل، ثم جائت فترة الغيبة الصغرى فاصبح لقاء الكمل من المخلصين بنائب المعصوم ولولا التمهيد لهذه المرحلة قبل حدوثها لوقعت القواعد الشعبية بحرج شديد يؤدي الى فشلها لامحالة وهكذا..انتقلت القواعد الشعبية وطليعتها المخلصة الى مرحلة تكامل اعلى وهي مرحلة الغيبة الكبرى وكانت برعاية المعصوم يقينا فحينما اقتضت الحكمة الالهية مراسلة الشيخ المفيد بعث الامام المهدي عليه السلام برسالتين اليه سنة( 410هج ـ 412 هج) بين فيها الامام الكثير من الحقائق والامور البالغة الاهمية ومنها قوله(عليه السلام):
فإنا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شي‏ء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. 
إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء (الشر)واصطلمكم الأعداء،..(الرسالة الاولى للشيخ المفيد)
قال سيدنا الصدر:
..فمن هنا يظهر بوضوح ما للمهدي عليه السلام من تاثير كبير في صلاح حال قواعده الشعبية وراحتهم وامانهم..(تاريخ الغيبة الكبرى)
اذن نحن اليوم بمرحلة تكاملية اعلى يقينا تقتضي ان نستقي العلم والتربية عن طريق الصفوة الذين رباهم المعصوم في غيبته بما يلائم هذه المرحلة التكاملية

من نتائج البحث:
1. ان القائد الالهي سواءا كان المعصوم عليه السلام او من ينوب عنه نعمة عظيمة فينبغي عدم التفريط بها ، ومن حالات التفريط الغفلة عن القائد الالهي وعن ما يصدر منه 
2. يجب على الفرد ان يبذل ما بوسعة للوصول الى مرحلة الاستعداد التام لنصرة القائد الالهي ، ماديا ومعنويا 
3. ان التمسك الحقيقي بالثقلين يورثان الكثير من الخصال ومنها الهمة العالية والارادة الصلبة ومن ثم تهون الكثير من الصعاب 
4. يجب على من يريد نصرة ولي الله ان يتحلى بمكارم الاخلاق فيكون من حسني السيرة والسلوك 
5. ان ايمان الفرد حينما يزداد يزداد هداه وبذلك يكون شعوره بالمسؤولية اعلى وثباته على العقيدة اكثر مما يمنحه شجاعة عالية ومرتبة اخلاص رفيعة 
6. يجب على الفرد الجد والاجتهاد ليتكامل علميا وعمليا حتى يتمكن من فهم ما يريده منه القائد الالهي فيكون على بصيرة من امره قوية حجته لا تصدعه الشبهات 
7. من المهم دراسة سيرة اولائك الافذاذ للاستفادة من تجاربهم ففي قصصهم عبر
ومعان جمة نافعة بشكل كبير في مسيرة التكامل 
8. ان التخلي عن الرذائل مهم جدا لكي لا تميل النفس الى الهوى فتتبعه وخصوصا عند الشدائد والقرارات المهمة المصيرية.

سؤال:
للنجاح في الامتحانات الالهية ،هل يكفي ان يكون الفرد طاهر المولد صادق اللهجة ملتزم بمكارم الاخلاق واداء العبادات ولكنه منغلق على نفسه ، مبتعد عن المجتمع ..
الجواب : ان ما ذكر من طهارة المولد والتحلي بمكارم الاخلاق والالتزام بالواجبات حسن وهذا لا اشكال فيه ولكنه لا يكفي للنجاح في الامتحانات والبلائات من غير معرفة جهة الحق واتباعها ومعرفة جهة الباطل وتجنبها 

من مصادر البحث:
1. تاريخ الأمم والملوك / محمد بن جرير الطبري المتوفى ٣١٠ هـ.
2. مناقب آل أبي طالب/أبي جعفر بن شهر آشوب المازندراني/تحقيق وفهرسة : يوسف البقاعي - طبع ونشر : دار الاضواء - لبنان ، بيروت 
3.الملهوف على قتلى الطفوف/سيّد عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني ( ت 664 هـ )/تحقيق : فارس الحسّون الناشر: دار الأُسوة للطباعة والنشر / طهران 1417 هـ.
4. بحار الانوار/ الشيخ محمد باقر المجلسي/نشر: دار احياء التراث العربي - بيروت لبنان
5. أضواء على ثورة الامام الحسين(عليه السلام)/السيِّد الشهيد محمّد محمد صادق الصدر(قدس سره الشريف)/ نشر مؤسسة دار الكتاب الاسلامي /مطبعة ستار ط1ـ 1427هجـ 
6.مقتل الامام الحسين(عليه السلام)/ السيد عبد الرزاق المقرم
7. ابصار العين في أنصار الحسين عليه السلام/الشيخ محمد بن طاهر السماوي
8. اسألة معاصرة حول الامام المهدي(ع)/الاستاذ علي الزيدي سؤال(18) 
9. الفتوح/ أبو محمد أحمد بن محمد بن علي بن أعثم الكوفي
1. الاحتجاج / الشيخ الطبرسي
11. موسوعة الامام المهدي(ع)/ للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس سره الشريف)/ ج2(تاريخ الغيبة الكبرى) / انتشارات القدس / قم المقدسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق