الموصل
مدينة عراقية عريقة تبعد عن العاصمة بغداد 465 كم . وتعود جذور مدينة الموصل الحالية إلى عام 1080 قبل الميلاد عندما اتخذت السلالة الآشورية مدينة نينوى عاصمة لهم على دجلة والتي تقع في الضفة الشرقية من الموصل الحالية.
وتحد مباشرة مع الهضبتين الايرانية من الشرق والاناضولية والقفقاسية من الشمال،
إن مناعة الموقع، وخصب السهول المجاورة لها، وقربها من دجلة، ووجود حامية عسكرية في الحصن، ووقوعها على طريق رئيسية تصل بين طرفي الهلال الخصيب كل هذا شوق الناس على أن يسكنوا حول هذا الحصن المذكور، وأخذت البيوت تزداد على مر السنين قاموا بتحصين نينوى وأقاموا حولها القلاع، ومنها قلعة في الجهة الغربية من دجلة تقابل مدينة نينوى. تقع هذه القلعة فوق "تل قليعات" الحالي. كانت هذه القلعة نواة مدينة الموصل.
ومن ملوكهم ( آشور بانيبال )صاحب المكتبة الغنية التي عثر عليها في العصر الحديث والتي احتفظ بها بالاف من الرقم الطينية ، باللغة السومرية واللغه الاكدية
ومن الملوك ( سميرام) المعروفة بـ ( سمير اميس)
في سنة 612 قبل الميلاد سقطت مدينة نينوى فدمرها الأعداء وهرب أهلها من القتل والدمار . وبعد أن هدأت الأحوال واستتب الأمن في البلاد، تراجع بعض السكان الذين سلموا من سيوف الأعداء إلى نينوى، وأسسوا لهم حصنا على"تل توبة" في نينوى، كما أن قسما منهم رجعوا إلى الحصن الغربي فرمموه وسكنوا فيه. فصار قرب دجلة حصنان أحدهما" الحصن الشرقي" وهو الذي فوق "تل التوبة" يقابله في الجهة الغربية من دجلة " الحصن الغربي" الذي فوق "تل قليعات".
في القرن الرابع قبل الميلاد ازدادت العمارة حول الحصن الغربي وصار قرية لها شأن يذكر وقد كان يطلق عليها (مصب ايلا) Mespila اي (مصب الاله) ومع الزمن والميل الى الاختصار تحول الاسم الى (الموصل)
يرى المستشرق جان موريس الدومنيكي وهو من المهتمين بالموصل ، ان أول اسم للموصل كان (ماشپل) وهو اسم بابلي بمعنى المخربة عندما خربت بسبب الحروب، ولما احتلها اليونانيون بدلوا حرف الشين بالسين فاصبحت (موسپل)، ثم تطور هذا الاسم إلى "موصل" لكثرة استعماله وتوافق حرفي السين والصاد,أما زينفون الذي مر بالموصل في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد فقد سماها "موسيلا,واكثر المؤرخين يتفقون على ان تسمية الموصل جاءت من وصولها بين منطقتين أو مكانين، إلا انهم اختلفوا فيما بينهم في المكانين اللذين وصلت بينهما، فالكثير منهم يرجع تسميتها بالموصل لانها وصلت بين دجلة والفرات، ويرى البعض الآخر لانها وصلت بين العراق والجزيرة ويرى آخرون انها وصلت بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وسميت بالفيحاء لانها تفوح بالعطر والحياة، وسميت بالحدباء وكما نسبه ياقوت الحموي الى احتداب في دجلتها واعوجاج في جريانه .
الا ان الرحالة الشهير ابن بطوطة يعزوه الى قلعتها الحدباء . ويقول صاحب منهل الاولياء عن سبب تسميتها بالحدباء . لانحداب أرضها لان البيوت والمحال فيها لم تقع على مستوى من أرضها بل بعضها نشز وقلاع ، وبعضها في واد منخفض . وسميت بام الربيعين لأن الربيع والخضرة يأتيانها مريتن في العام، في الربيع والخريف. اخذت اسمها نينوى من اللغة الاكدية نسبة الى (نينا) وثن الخصب والماء لدى السومريين والتي اتخذت فيما إسمها الاكدي (عشتار). وهذه التسمية لها علاقة بتسمية (نون) وتعني احياء الماء او السمك او الحوت. ومن هذه التسمية اشتقت تسمية النبي ( يونس الذي ابتلعه الحوت) او (يونان) بالآرامي او (ذو النون) كما سمي في العربي. كانت مدينة نينوى عاصمة للسلالة الآشورية الثالثة بعد مدينتي آشور ثم كالح ، تتميز الموصل بكثرة المرتفعات التي تتحول الى جبال شامخة مع الاقتراب من الحدود التركية والايرانية ( الشمالية و الشمالية الشرقية). وهذا الخاصية الجغرافية قد جعلت مناخها معتدلا وجزءا من مناخ البحر المتوسط الذي تزداد فيه كمية الامطار مقارنه بباقي العراق.
كانت الكتابة المسمارية الصورية ، جامعة لتاريخ العراق القديم حتى سقوط بابل في القرن السادس قبل الميلاد وانتشار اللغة الآرامية سليلة الاكدية السابقة مع انتشار الكتابة الابجدية الفينقية(الحروفية) بدل المسمارية(الصورية). دامت هذه المرحلة المسمارية ما يقرب الثلاثة آلاف عام ، حيث بدأت بإنبثاق الحضارة السومرية في الجنوب في الالف الرابع قبل الميلاد ، واتخذت هذه الحضارة شكلها السياسي والثقافي المتكامل مع قيام الملك ( سرجون الاكدي ) الذي مثل بداية سيادة اللغة السامية الاكدية وتوحيد الدويلات العراقية وتكوين اول دولة موحدة (2350ق.م) على ارض الرافدين. مدينة بابل في وسط العراق لعبت دورا اساسيا كعاصمة حضارية كبرى لفترة الفي عام تعاقبت عليها الكثير من السلالات والدول .
لقد سادت اللغة الأكدية لغة العراقيين لما يزيد على الالفي عام، وخلفت لنا الآلاف المؤلفة من النصوص والوثائق الطينية التي سمحت لنا من معرفة كل شيء عن حياة العراقيين.
بعد سقوط نينوى اولا ثم بعدها بابل عام ( 539 ق.م ) ، تمكن الساسانيون من فرض سيطرتهم ابتداءا من القرن الثالث حتى القرن السابع ، حيث الفتح العربي الاسلامي .
ولكن بقيت منطقة نينوى حلقة الوصل التي تربط العراق بمنطقة الشام وعموم البحر المتوسط. فمن خلال نينوى ومنذ القرن الاول الميلادي بدأت المسيحية السورية الفلسطينية تنتشر في شمال النهرين وباقي العراق حتى اصبحت في القرن الثالث الميلادي ديانة الاغلبية الساحقة من السكان ، وانتشرت الكنائس والاديرة النسطورية حتى الاحواز والبحرين وقطرايا ( امارة قطر الحالية ) .
في عهد كسرى الأول أنوشروان 521 / 579 م كانت الحرب سجالا بين الروم والفرس فأغار الروم وخربوا الموصل، وفي عهد كسرى أبرويز بن هرمز 579 / 590 م اهتم بتعزيز موقع الموصل.وقد لاقت الموصل اهتماما كبيرا من أردشير وسميت باسمه "نيو أردشير " أي أردشير الجديدة وأما الكتبة الآراميون فكانوا يسمونها "حصن عربايا" أي الحصن الغربي ( عربايا أي غربايا).
الموصل احد توابع الكوفة
تم الفتح الإسلامي للموصل في عام 16هـ / 637 والقبائل التي اشتركت في الفتح هي (تغلب وأياد والنمر) بقيادة ربعى بن الأفكل العنزي. وقد كانت هذه القبائل منتشرة بين تكريت والموصل ، وقد سكن قسم من هذه القبائل الموصل بعد الفتح، والقسم الكبير منها استمر في الزحف على البلاد المجاور وخاصة أذربيجان وأرمينيا.
في عام 17هـ / 638 م عين عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي واليا على الموصل وهو الذي بنى المسجد الجامع، والى جانبه دار الإمارة، وكان بها أحد الأجناد الستة التي جندها عمر وجعلها تابعة للكوفة.
عين عثمان بن عفان "عرفجة بن هرثمة البارقي" اميرا على الموصل فقام بتوسيعها وتعميرها، فاختط منازل العرب فيها، ووسع الجامع الذي كان قد بناه عتبة بن فرقد السلمي.
في عهد مولانا امير المؤمنين علي المرتضى(عليه السلام) زادت الهجرة الى الموصل من الكوفة و البصرة .
توالى على الموصل عدد من الولاة زادوا في خطتها، فقد أحاط سعيد بن عبد الملك الموصل بسور ورصف طرقها بالحجارة، وبنى بها مسجدا عرف بـ"مسجد عبيدة" نسبة إلى مؤذنه، كما بنى فيها سوق سعيد. ثم ولى عبد الملك أخاه محمد بن مروان الموصل، فجدد سور الموصل، وربما أكمل السور الذي بناه ابن أخيه سعيد، أو أنه وسعه في الأماكن التي توسعت إليها المدينة.
في عام 106-113هـ / 724 -731م تولى الموصل الحر بن يوسف الأموي الذي وجد نهر دجلة بعيدا عن المدينة، وأن السكان يلاقون عناء ومشقة في نقل الماء، فشق نهرا من قرب دير مار ميخائيل، وسيره محاذيا للتلال التي تطل على حاوي الكنيسة، وأجراه تحت المدينة في مجرى دجلة الحالي، بدأ بهذا العمل عام 108هـ / 726 م واستمر به العمل إلى عام 115هـ / 733 م فأتم فتحه الوليد ابن تليد العبسي وأراح الناس وعرف بـ"نهر الحر"، ورصفوا شارعا محاذيا لمجراه، وغرسوا على جانبيه الأشجار، فكان أهل المدينة يتنزهون به في الأمسيات، وبنى الحر قصره المعروف بالمنقوشة. وكان من القصور المشهورة، بناه عام 106هـ / 724 م، وهو قصر منقوش بالساج والرخام الأبيض المصقول والفصوص الملونة والفسافس. وكان من أجمل القصور في زمانه، وبقي القصر إلى القرن السابع الهجري.
ثم تولاها مروان بن محمد مرتين (إحداهما 102- 104هـ / 720 - 722م والثانية 126- 127هـ / 743 – 774م وكان أول من عظم الموصل وألحقها بالأمصار العظام، وجعل لها ديوانا يرأسه، ونصب عليها جسرا، ونصب طرقاتها وبنى عليها سورا، وهدم المسجد الجامع ووسعه وبنى له منارة، وأحاطه بأسواق، فكانت أسواق الموصل الرئيسية حوله. وعلى هذا فقد صارت الموصل قاعدة بلاد الجزيرة بعد أن كانت مدينة تابعة للكوفة.
في العصر العباسي الأول نكبت الموصل على أثر ثورة أهلها على الوالي محمد بن صول سنة 133هـ / 750 م ففتك بها العباسيون فتكا ذريعا، حتى أن أسواقها بقيت معطلة عدة سنين، وكان هذا على يد يحيى بن محمد أخي السفاح.
في عام 133هـ / 750 م ولى المنصور عليها عمه إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس، ولما دخل البلد وجدها بحالة يرثى لها، فجمع الناس وخطبهم ووعدهم بحسن السيرة فيهم بأن يرد عليهم المظالم، ويعطيهم ديات من قتلهم يحيى، وكتب إلى المنصور يعلمه بسوء حال البلد وخرابها. فكتب إليه المنصور أن أرفق بالناس وتألفهم. فأخذت المدينة تستعيد مركزها الاقتصادي حتى بلغت جبايتها في حكم هارون العباسي 24.000.000 درهم و(20.000) رطل عسل.
مع العلم بأن المهدي العباسي كان قد خزل منها كورة دراباذ وكورة الصامغان. ومع أن المعتصم خزل منها أيضا كورة تكريت وكورة الطيرهان فإنه بلغ ما كان يجبى منها ومن أعمالها في خلافته ( 6.300.000 ) دينار كان هذا في الربع الأول من القرن الثالث الهجري.
وفي أواخر القرن الثالث للهجرة /التاسع الميلادي ملكها بنو حمدان، وهم سلالة عربية شيعية، فاهتموا بالزراعة كثيرا، فغرسوا فيها الأشجار، وكثرت الكروم وغرست الفواكه، وغرست النخيل والخضر، وكانوا يعنون بزراعة القطن والأرز والحبوب. وبلغ خراج الحنطة والشعير فيها خمسة ملايين درهم.
وخلف العقيليون الحمدانيين في حكم الموصل سنة 368- 486هـ / 979 - 1093م وخلال مدة حكمهم تنازعوا فيها على الحكم وسبب هذا تأخر المدينة عما كانت عليه. ثم انتزع السلاجقة منهم البلاد، وزادت الاضطرابات والحروب بين أمرائهم على الحكم ولاقت المدينة ويلات كثيرة ومصائب، فتأخرت فيها التجارة وقلت المزروعات وهجر قسم كبير من سكان الموصل مدينتهم، وهكذا تقلصت عما كانت عليه، حتى استولى الخراب على أكثر أحيائها.
في رمضان من عام 521هـ / 1127 م تسلم القائد التركي الشهير عماد الدين زنكي الموصل وبدأ بذلك العهد الأتابكي لحكم الموصل- ولما تسلم عماد الدين الموصل أقام بها يقرر أمرها ويصلح قواعدها وكانت الموصل هي المركز بالنسبة إليه فانطلق منها ليوسع دولته خاصة بعد أن وجد البلاد المقسمة بين الأمراء وكل واحد منهم قد استأثر بولايته لا يهمهم من أمر البلاد سوى جمع ما يقدر على جمعه من أي طريق كان، كما استفحل خطر الصليبيين واحتلوا أكثر البلاد السورية ووصلوا إلى أسوار حلب فحشد عماد الدين جيوشه وبدأ بأمراء الأطراف ثم سار إلى حلب فاستبشر به أهلها خاصة لما كانوا يقاسونه من النزاع بين الأمراء فضلا عما يصيبهم من مضايقة الصليبيين لهم حتى كانوا يقاسمونهم في بعض محاصيلهم، ثم توجه إلى حماة فاستولى عليها عام 524هـ / 1130 م، ثم التفت إلى ما جاوره من حصون الفرنج فهاجمهم ودخل معهم في معارك كبيرة كان فيها مؤيدا من الله بالنصر العظيم عليهم فهابه الفرنجة، وأصبح أعظم قائد في الهلال الخصيب، وصار ملكه يمتد من شهرزور( السليمانية حاليا) شرقا،إلى قرب سواحل سورية غربا ومن آمد وديار بكر وجبال الأكراد الهكارية والحميدية شمالا إلى الحديثة جنوبا.
في عهد العثمانيين كانت الموصل إحدى الولايات التابعة للخلافة العثمانية وقد تمكنت في حكمها المحلي والإقليمي الأسرة الجليلية1136- 1249هـ / 1724 - 1834م التي تنتمي إلى مؤسسها عبد الجليل.
وبرز من هذه العائلة اسم الوزير حسين باشا الجليلي 1108-1171هـ / 1697 -1758م، وهي اسرة مسيحية موصلية معروفة لحد الآن، اعتنقت الاسلام فيما بعد. وقد لعبت هذه العائلة دورا متميزا من خلال الخدمات العسكرية التي قدمتها للدولة العثمانية ضد الفرس وخصوصا نادر شاه ، وقاد هذا الوزير انتصار الموصل على نادر شاه ومنع بذلك امتداد إيران الأفشارية في السيطرة على العراق ثم الشام. وقد اكتسب الوالي الجليلي لقب "بطل الحصار". فثبت من خلال عمله الاستراتيجي موقع أسرته المحلية سياسيا وإداريا في حكم ولاية الموصل لفترة تقترب من قرن كامل في التاريخ الحديث للعراق.
وكان من أبرز أبناء الأسرة الجليلية الوزير محمد أمين باشا الذي منح لقب "الغازي" نظرا لاشتراكه في الحرب العثمانية - الروسية عام 1184هـ / 1770 م كسردار للجيوش العثمانية، وقد أسر من قبل الروس، وفك أسره بعد حوالي خمس سنوات، فقابل السلطان عبد الحميد الأول 1180-1203هـ / 1774 - 1789م الذي وكل إليه مهمة تعديل نظام العراق وولاه عليه ولكنه توفي سنة 1181هـ / 1775 م، قبيل الشروع بمهمته الكبرى.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقعت الموصل تحت الاحتلال الفرنسي وظلت كذلك تحت الحكم الفرنسي حتى نال العراق الاستقلال.
آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن عدوهم.
من مصادر ومراجع المبحث:ـ
1.تاريخ الموصل / سليمان الصائغ 1923
2.الموصل ايام زمان/ ازهر العبيدي (2010) / دار ابن الأثير للطباعة والنشر.
3.المدن التاريخية في العالم الاسلامي كليفورد ادموند (2007)
4.سبعة ممالك قديمة من شرق العالم القديم/ جورج رولينسون(2002)
5.التحول في شمال بلاد مابين النهرين/تشيش روبنسون(2000)مطبعة جامعة كامبردج
6.التاريخ من البابليين والآشوريين/ جون أ. برينكمان وRA Guisepi
7.قناطر سنحاريب في جروان، Thorkild جاكوبسن وسيتون لويد/ معهد الدراسات الشرقية النشر 24، مطبعة جامعة شيكاغو، 1935
8.الآشورية الهوية في العصور القديمة، واليوم/ سيمو Parpola
الموصل/ الموسوعة العربية الميسرة. موسوعة شبكة المعرفة الريفية، موسوعة وكيبيديا ،ومشاركات لكل من علي الآغا النجماوي وعشتار البرزنجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق