التشريع الاسلامي في زمن النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله)
بسم الله الرحمن الرحيم
(( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ))الشورى13 , صدق الله العلي العظيم
مقدمه :
يتناول هذا البحث الموجز : صوره من صور التشريع الاسلامي وللفترة الممتدة على طول زمن تبليغ الرسالة السمحاء الخاتمة الى الناس كافه , واعتبارا من وقت الامر الالهي في بدأ تبليغ الوحي الى الناس كافه , وذلك في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب الاصب السابق للهجرة النبوية الشريفة بما يقارب الاثني عشر عام , والى وقت استشهاد المصطفى(صلى الله عليه وآله) في شهر صفر سنة 11من الهجرة , اي في المدة الزمنيه الممتده لما يقارب الـ 23سنة , وهذه الصورة متعلقة بمصدري التشريع الاساسيين وهما :ـ
1ـ القرآن الكريم
2ـ والسنه النبوية
ويهدف هذا البحث من خلال عرض هذه الصورة ؛ الى بيان اهمية التشريع من جه , واهمية هذين المصدرين العظيمين من جهة اخرى ..
وينقسم هذا البحث الى :ـ فصلين وخاتمه .
الفصل الاول منه بعنوان: القرآن الكريم .
وينقسم الى مبحثين :ـ يتناول المبحث الاول منه : نعمة وجود القرآن
اما المبحث الثاني فيتناول موضوع : القرآن مصدر التشريع الاساسي
اما الفصل الثاني : فيتناول مصدر السنة النبوية الشريفة , وينقسم هذا الفصل الى ثلاثة مباحث وهي كالاتي :ـ
1 ـ ماهي السنة النبوية
2ـ اهمية السنة وعلة وجودها
3ـ ومن هم ورثة الكتاب والسنة
اسأل اباري ان يسامحني عن كل قصور وتقصير , انه هو الغفور الرحيم.
تمهيد:
تحظى منظومة التشريع الالهي بالأهمية البالغة في حياة الانسان ؛ كونها تشكل المنهج الدقيق والواضح , لنيل مرضاة الله تعالى شأنه ...
بل هي الحياة الحقيقية التي تضمن للإنسان سعادة الدارين...
وان ما يميز الانسان عن الكثير من الكائنات ؛ هو امتلاكه لقوى العقل والتي بها يدير كافة مدركاته الحسيه والوهمية والخيالية ..
ولكن العقل قاصر عن ادراك جميع الحقائق , وهنا جاء الدعم الالهي بمخلوقاته الضعيفة , فارسل اليهم الانبياء والاوصياء , وانزل اليهم الصحائف والكتب
فالأنبياء والائمه والاولياء هم الكتاب الناطق , والصحف والقرآن المجيد هم الكتاب الصامت , وهذا هو حبل الله المتين الذي من تمسك به نجا ومن تخلف عنه هلك وهوى(نستجير بالله) .
فشكرا لله على نعمه الفضيلة التي لاتعد ولاتحصى
فعن سماعة , عن ابي الحسن موسى (عليه السلام ) قال : قلت له : اكل شيء في كتاب اللّه وسنة نبيه صلى اليه عليه وآله ؟ او تقولون فيه ؟ قال(ع) :
[ بل كل شيء في كتاب اللّه وسنة نبيه صلى اللّه عليه وآله ] (الكافي/ للشيخ الكليني/ ج 1 ص 59).
وهذا هو الحق المبين فالقرآن الكريم هو خاتم الكتب الإلهية وسيد الصحف الإلهية , والمصطفى الحبيب(صلى الله عليه وآله) هو خاتم انبياء الله وسيد رسله(جل جلاله) , فكيف لا يكون كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله ) وهذا فضل من الله عظيم , لا يمكننا باي حال تأدية شيء من شكره , فالحمد لله رب العالمين , على نعمه العظيمة التي لاتعد ولاتحصى , وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين المعصومين .
الفصل الاول
القرآن الكريم
المبحث الاول : نعمة وجود القرآن
قبل الولوج في بيان الأهمية العظيمة لنعمة وجود القرآن , من المفيد ذكر شيء موجز عن التشريع .
لاشك ولا اشكال بان المحدود تكون نظرته واحاطته بالأمور محدودة , فمهما زادت معرفته بالأمور ومهما اطلع على العلوم الا انه يبقى محدود اضافه الى طوق الميول العاطفية وشوائب النفس...
فتجد ما يشرعه الانسان من قواعد وقوانين لتنظيم حياته وحياة الآخرين , ان نفع قوما اضر بآخرين وان نجح في فترة معينه , فشل في فترات لاحقه , وهذا طبيعي ؛ نتيجة قصور الانسان ومحدوديته .
قال السيد هاشم معروف الحسني ( تاريخ الفقه الجعفري/ للسيد هاشم معروف الحسني) , في هذا الصدد :
التشريع هو مجموعة من القوانين والقواعد العامة يضعها المشرع لتنظيم الروابط بين الناس ، وبيان ما لهم من الحقوق وما عليهم من واجبات. ولولاه لعمت الفوضى فأخذ القوي بقوته ما يريد وفقد الضعيف كل أسباب الحياة ومقوماتها ، وإذا كان التشريع لهذه الغاية فلا بد في المشرع ان يتجرد عن أهوائه ومصالحه وأن يكون مخلصا فيما يضعه من القوانين والمبادئ العامة التي يقصد منها حماية المجتمع من طغيان القوي الجامح والاثرة وحب الذات ، ومن الصعب أن تتحقق هذه في التشريع الذي يضعه الانسان لأنه يستمد قوته وفعاليته من سلطة الدولة التي تشرف على وضعه في الغالب لتفرضه على الاُمّة وكثيرا ما تتحكم فيه الاهواء وترى فيه حالات خاصة وظروف معينة قد يتأثر فيها رجال التشريع أما بإيحاء ممن يملكون التوجيه أو بدوافع نفسية خاصة ، لذا فهو في معرض التغيير والتعديل في الغالب حسبما ترتئيه مصلحة الدولة وأهواء الحكام. .(انتهى)
اما الذي لا تخفى عليه خافيه , لا في الارض ولا في السماء فان بيده ملكوت كل شيء وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقه الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين , فلا مجال لأدنى شك بان تشريعاته تامه كامله نافعه لكل الخلائق وفي كل زمان ومكان , بل ان اطروحة الاسلام , هي معجزه خالده تتحدى الاجيال مهما ارتقت في سلم الكمال والتكامل , فها هو كتاب الله المجيد يتحدى الجن والانس على ان يأتوا بمثله ولو كان بعظهم لبعض ظهيرا , , قال تعالى :
(( قلْ لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )) (سورة الاسراء / الآيه 88 )
وهو الذي يتفجر بالحكم تفجيرا ففيه تبيان كل شيء ومن طراوته وحلاوته وعظمته , كانه الان نزل , فانظر كيف يصف مولانا سيد اولياء الله شريكه خاتم كتب الله , قال اميرنا المرتضى(ع) :
[....واعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش , والهادي الذي لا يضل , والمحدث الذي لا يكذب ومـا جـالـس هـذا الـقرآن احد الا قام عنه بزيادة او نقصان : زيادة في هدى , او نقصان في عمي واعـلـمـوا انـه لـيس على احد بعد القرآن من فاقة , ولا لاحد قبل القرآن من غني فاستشفوه من ادوائكـم واسـتـعـيـنـوا به على لاوائكم , فان فيه شفاء من اكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغي والضلال فا سالوا اللّه به وتوجهوا اليه بحبه , ولا تسالوا به خلقه انه ما توجه العباد الى اللّه بمثله .
واعلموا انه شافع مشفع , وقائل مصدق , وانه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه , ومن محل به الـقـرآن يـوم الـقـيامة صدق عليه , فانه ينادي مناد يوم القيامة : الا ان كل حارث مبتلي في حرثه وعاقبة عمله , غير حرثة القرآن فكونوا من حرثته واتباعه , واستدلوه على ربكم , واستنصحوه عـلـى انـفـسـكم , واتهموا عليه آراءكم , واستغشوا فيه
اهواءكم العمل العمل , ثم النهاية النهاية والاسـتقامة الاستقامة , ثم الصبر الصبر والورع الورع ان لكم نهاية فانتهوا الى نهايتكم , وان لكم عـلما فاهتدوا بعلمكم وان للإسلام غاية فانتهوا الى غايتكم واخرجوا الى اللّه بما افترض عليكم من حقه , وبين لكم من وظائفه انا شاهد لكم وحجيج يوم القيامة عنكم ] (نهج البلاغة / محمد عبده / ج 2 ص 91 )
وفي موضع آخر قال اميرنا علي المرتضى(ع):
[....وانما الناس رجلان : متبع شرعة , ومبتدع بدعة , ليس معه من اللّه سبحانه برهان سنة ولا ضياء حـجـة وان اللّه سبحانه لم يعظ احدا بمثل هذا القرآن , فانه حبل اللّه المتين وسببه الامين , وفيه ربـيـع الـقـلـب , ويـنابيع العلم , وما للقلب جلاء غيره , مع انه قد ذهب المتذكرون وبقي الناسون والـمـتناسون فاذا رأيتم خيرا فاعينوا عليه , واذا رأيتم شرا فاذهبوا عنه , فان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يقول : يا ابن آدم اعمل الخير ودع الشر فاذا انت جواد قاصد] ( نهج البلاغة / محمد عبده/ ج 2 ص 95)
المبحث الثاني : القرآن مصدر التشريع الاساسي
حوى القران كل ما ينفع الخلائق من قواعد وتشريعات وانظمه ...فمنه ينهل الفقيه ومنه ينهل الفيلسوف ومنه ينهل العارف ومنه ينهل الاديب ...فهو المنبع والمنجم لكل الحكم والفضائل والأنظمة والقوانين ...الا انه من المهم جدا الالتفات الى مغزى قوله تعالى : (( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )) (سورة البقرة / الآيه 121), اي ان حق تلاوة هذا الكتاب ليست مفتوحه لكل احد بل هي محصورة بالذين آتاهم الله الكتاب
روى الـمجلسي(بحار الانوار / الشيخ محمد باقر المجلسي / ج 90 ص 3) حديثا مطولا جاء فيه : .. عن اسماعيل بن جابر قال سـمـعـت ابـا عبداللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يقول:
[ ان اللّه تبارك وتعالى بعث محمدا فـخـتم به الانبياء فلا نبي بعده , وانزل عليه كتابا فختم به الكتب فلا كتاب بعده , احل فيه حلالا وحرم حراما , فحلاله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة , فيه شرعكم وخبر من قـبـلـكـم وبـعدكم , وجعله النبي صلى اللّه عليه وآله علما باقيا في اوصيائه فتركهم الناس وهم الـشهداء على اهل كل زمان , فعدلوا عنهم ثم قتلوهم واتبعوا غيرهم ضربوا بعض القرآن ببعض , واحـتـجـوا بـالـمـنسوخ , وهم يظنون انه الناسخ , واحتجوا بالمتشابه وهم يرون انه المحكم , واحـتـجـوا بـالخاص وهم يقدرون انه العام , واحتجوا بأول الية وتركوا السبب في تأويلها , ولم ينظروا الى ما يفتح الكلام والى ما يختمه , ولم يعرفوا موارده ومصادره , اذ لم يأخذوه عن اهله .
ولـقـد سـال امـير المؤمنين صلوات اللّه عليه شيعته عن مثل هذا فقال : ان اللّه تبارك وتعالى انزل الـقـرآن عـلـى سـبعة اقسام كل منها شاف كاف ,
وهي امر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقـصص وفي القرآن ناسخ ومنسوخ , ومحكم ومتشابه , وخاص وعام , ومقدم ومؤخر , وعزائم ورخص , وحلال وحرام , وفرائض واحكام , ومنقطع ومعطوف , ومنقطع غير معطوف , وحرف مكان حرف , ومنه ما لفظه خاص , ومنه ما لفظه عام محتمل العموم , ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع , ومـنـه مـا لفظه جمع ومعناه واحد , ومنه ما لفظه ماض ومعناه مستقبل , ومنه ما لفظه على الخبر ومـعـنـاه حكاية عن قوم اخر , ومنه ما هو باق محرف عن جهته , ومنه ما هو على خلاف تنزيله , ومنه ما تأويله في تنزيله , ومنه ما تأويله قبل تنزيله , ومنه ما تأويله بعد تنزيله ومنه آيات بعضها في سـورة وتمامها في سورة اخرى , ومنه آيات نصفها منسوخ ونصفها متروك على حاله , ومنه آيات مختلفة اللفظ متفقة المعنى , ومنه آيات متفقه اللفظ مختلفة المعنى , ومنه آيات فيها رخصة واطلاق بعد العزيمة ]).
وهنا يتبين جليا ان من لم يعرف حجج الله ضل عن الدين وشريعة سيد المرسلين , لانهم ترجمان وحي الله وخزائن علمه ...فطوبى لمن اتخذهم قادة , وادلاء وساده
الفصل الثاني : السنه النبوية
المبحث الاول : ماهي السنة النبوية
وجدت هنا الاكتفاء بما قاله الشيخ جعفر السبحاني(الحديث النبوي بين الرواية والدراية / للشيخ جعفر السبحاني) , بهذا الصدد:
{السنّة في اللّغة الطريقة، وفي الاصطلاح ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من: قول أو فعل أو تقرير. وهي الحجّة الثانية بعد الكتاب العزيز، سواء أكان منقولاً باللفظ أم منقولاً بالمعنى، وقد خصّ اللّه بها المسلمين دون سائر الاَمم، واهتمّ المسلمون بنقل ما أُثر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحرّوا في نقله الدقة، وكفى في كونها من مصادر العقيدة والتشريع قوله سبحانه: ((وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّوَحْيٌ يُوحى)) (سورة النجم / الآيه 3 ـ 4
) , والآية وإن كانت ناظرة إلى الوحي القرآني لكن قوله: ((وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى)) غير قابل للتخصيص ، فهي قاعدة كلية في كلّ ما يصدر منه ويصدق عليه أنّه مما نطق به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال سبحانه:
((وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعلّمَكَ ما لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)) (سورة النساء / الآيه 113)
والمراد من الفضل العظيم، الذي أُشير إليه في ذيل الآية هو علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشهادة قوله: ((وَعلَّمك ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَم)) .
إلى غير ذلك من الآيات التي تبعث المسلمين إلى اقتفاء أثر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مثل قوله سبحانه:
((ما آتاكُمُ الرَّسُوُل فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) (سورة الحشر/ الآيه 7)
بناء على أنّ المراد من قوله (آتاكُم) ـ بقرينة (ما نَهاكُمْ عنه)ـ خلاف «ما نهاكم»، لا ما آتاكم من الغنائم .
إنّ السنّة هي المبيِّنة للقرآن الكريم ، قال سبحانه: ((وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون)) ( سورة النحل / الآيه 44)
... قال الاِمام الباقر (عليه السلام) : «إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الاَمّة إلاّ أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله وجعل لكلّ شيء حدّاً، وجعل عليه دليلاً ، وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّاً». وقال الاِمام الصادق (عليه السلام) : «ما من شيء إلاّ فيه كتاب أو سنّة»}. (الحديث النبوي بين الرواية والدراية / للشيخ جعفر السبحاني)
المبحث الثاني : اهمية السنة وعلة وجودها
ان المتصفح لكتاب الله يجد فيه الاحكام مضغوطة جدا وفيما يخص التشريع على سبيل المثال , يجد الفرد العادي , بان اصول التشريع موجوده مثل :
(( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ))( سورة البقرة / الآية 43 )
ولكن كيفية الصلاة وما يلحق بها من اركان وواجبات ... هذا يحتاج الى تفصيل اكيدا , لكي يتم اداء هذ التشريع , وكذلك الحج :ـ
(( . . . و لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً . . . )) (سورة آل عمران / جزء من آية 97)
والصيام :ـ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) (سورة البقرة / الآية 183 ))
والخمس ((وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) (سورة الأنفال / الآية 41) ...
قال الشيخ حسن الجواهري:
[.. هذه الآيات الواردة في أهم أحكام الشرع من صلاة وصيام وحج وخمس وزكاة لا يمكن أن نستفيد منها حكماً محدوداً إذا تجرّدنا عن تحديدات السنّة لمفاهيمها واجزائها وشرائطها وموانعها .
لهذا نرى أنه لا يمكن أن يفهم معنى للإسلام بدون السنّة الشريفة ، لذا كان لحفظها الأثر الكبير في حفظ الاسلام ]. ( بحوث في الفقه المعاصر/ الشيخ حسن الجواهري / ج1- ص10- 11)
اذن فالمصطفى (صلى الله عليه وآله)، هو المبيِّن لحقائق اصول الشرائع , أي ان :
[ ..الصلاة والزكاة والصوم والحجّ أُمور توقيفيّة لا تُعْلم إلاّ من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله)، فهو المبيِّن لحقائقها، وشروطها وموانعها، وقد صلّـى (صلى الله عليه وآله وسلم) , وقال:
«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (الكافي / للشيخ الكليني/ ج1ص95 )
وبذلك رفع الاِجمال عن ماهية الصلاة المأمور بها، ومثلها باب الزكاة والحجّ وغيرها من أبواب الفقه.] (الحديث النبوي بين الرواية والدراية / للشيخ جعفر السبحاني)
المبحث الثالث: من هم ورثة الكتاب والسنة
لقد كان حبيب الله المصطفى (صلى الله عليه وآله) يحث المسلمين ليلا ونهارا , سرا واعلانا , على الاهتمام البالغ بكتاب الله المجيد , فهما وحفظا وتطبيقا وكتابةً وتلاوةً ...وكذلك ما يبينه المصطفى(صلى الله عليه وآله) من قول او فعل ...
فكان المسلمون يهرعون لتدوينه بعد ان وجدوا الحث الاكيد من قبل المصطفى(صلى الله عليه وآله) على ذلك التدوين
* أخرج أبو داود في سننه عن عبد اللّه بن عمرو، قال: كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أُريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كلّ شيء تسمعه ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بشر يتكلم في الغضب و الرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأومأ بإصبعه إلى فيه، وقال: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلاّ حقّ»( سنن أبي داود / 3|318 برقم 3646 / باب في كتاب العلم ,
ومسند أحمد / 2|162 , سنن الدارمي / 1|125 )
* أخرج الترمذي في سننه عن أبي هريرة، قال: كان رجل من الاَنصار يجلس إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي ،فقال:يا رسول اللّه إنّي أسمع منك الحديث فيعجبني و لا أحفظه، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «استعن بيمينك» وأومأ بيده للخط. ( سنن الترمذي / 5|39 برقم 2666)
* أخرج الخطيب البغدادي عن رافع بن خديج، قال: مرّ علينا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً، ونحن نتحدث، فقال: «ما تحدّثون؟».
فقلنا: نتحدث عنك يا رسول اللّه.
قال: «تحدّثوا، وليتبوّأ من كذّب عليّ مقعداً من جهنم».
ومضى (صلى الله عليه وآله وسلم) لحاجته، ونكس القوم روَوسهم...، فقال: «ما شأنكم؟ ألا تحدّثون؟».
قالوا: الذي سمعنا منك، يا رسول اللّه.
قال: «إنّي لم أرد ذلك، إنّما أردت من تعمد ذلك»، قال:فتحدثنا.
قال: قلت: يا رسول اللّه، إنّا نسمع منك أشياء، فنكتبها.
قال: «اكتبوا ولا حرج».
* اما الاعتماد الكبير فقد كان موجها على امناء الوحي الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , لان الله جل جلاله هو من اختارهم لحمل اعباء هذه الامانه الإلهية العظيمة , وكان مولانا عليّاً المرتضى [..من السبّاقين في تدوين السنّة النبوية في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد كتب ما أملاه عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صحيفة عرفت بكتاب علي (عليه السلام) تارة، وبالجامعة أُخرى، وقد ورث هذه الصحيفة أبناوَه واحد تلو الآخر وكانوا يعتمدون عليها ويُفتون على ضوء ما يجدون فيها، وإليك بعض ما أثر عنهم (عليهم السلام) :
1. قال الاِمام الباقر (عليه السلام) لاَحد أصحابه ـ أعني حُمران بن أعين ـ وهو يشير إلى بيت كبير: «يا حمران إنّ في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعاً بخطّ علي (عليه السلام) وإملاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لو وُلّينا الناس لحكمنا بما أنزل اللّه لن نعدو ما فيها».
2. قال الاِمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) لبعض أصحابه: «يا جابر إنّا لو كنّا نحدّثكم برأينا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ».
3. قال الاِمام الصادق (عليه السلام) عند ما سئل عن الجامعة: «فيها كلّما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلاّفيها حتى أرش الخدش».
4. وقال الاِمام الصادق (عليه السلام) أيضاً، وهو يعرف كتاب علىٍّ: «طوله سبعون ذراعاً، إملاء رسول اللّه من فلق فيه، وخطّ علي بن أبي طالب «عليه السلام» بيده، فيه واللّه جميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة، حتى أنّ فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة.
5. ويقول سليمان بن خالد: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) ، يقول:
«إنّ عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعاً إملاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطّ عليّ (عليه السلام) بيده، ما من حلال ولا حرام إلاّ وهو فيها حتى أرش الخدش».] (وقد جمع العلاّمة المجلسي ما ورد من الاَثر حول صحيفة الاِمام عليّ (عليه السلام) في موسوعته بحار الاَنوار:26|18ـ66، تحت عنوان باب «جهات علومهم وما عندهم من الكتب»، فلاحظ الحديث 12، 1، 10، 30.) كتاب الحديث النبوي بين الرواية والدراية – للشيخ جعفر السبحاني)
الخاتمه :
1:ـ لابد من منظومه شرعية تدير وتنظم حياة الناس وتبين لهم كيفية التعامل فيما بينهم من جهة , وكيفية التنعم بما منحه الله تعالى من نعم من جهة اخرى , والا فان المعيشة والحياة تصبح جحيما لا يطاق .
2:ـ لابد ان توضع قوانين وقواعد ..لهذه المنظومة من قبل حكيم خبير عادل ....والا فان الانسان العادي مهما بلغ من العلم والاخلاق(ما عدا المعصومين(عليهم السلام )) فانه تفوته الكثير من الحقائق فليس له الإحاطة التامة بواقع الامور , كما وان النفس يبقى لها التأثير الواضح على الانسان وعلى قراراته الا ما عصم الله تعالى شأنه .
3:ـ لابد من وجود القائد الالهي المعصوم(عليه السلام) الذي يبين تفاصيل القواعد والقوانين الإلهية من جه , ويأخذ على عاتقه كيفية تطبيقها من جهة اخرى .
4:ـ لابد لنا من الاعتقاد اليقيني بالأمور المذكورة في اعلاه , المطابقة للعقل السليم والذوق الرفيع , عسى ان نصل الى سبيل النجاة لنحظى برضا الله تعالى , بعد الجد والاجتهاد مخلصين الدين لله تعالى ولو كرهت النفس الأمارة والخبيث ابليس(عليه اللعنة).
فشكرا لله الذي منًّ علينا بالشريعة السهلة السمحاء , والتي هي دون الوسع والطاقة .
وشكرا لله الذي رزقنا الثقلين العظيمين , كتاب الله(جل جلاله) وعترة رسول الله (صلى الله عليه وآله ), واللذان لن يفترقا حتى يردا على رسول الله(صلى الله عليه وآله ) الحوض .
فطوبى لمن تمسك بهما فقد افلح ونجى والويل لمن اعرض عنهما واتبع هواه وكان امره فرطا , فذلك جزائه جهنم خالدا فيها , وفي ختام هذا البحث الموجز, اسأل الباري ان يجيرنا من غضبه وسخطه والتعرض لمعصيته , وان يوفقنا لكل ما فيه الخير والصلاح ببركة حبيبه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين .
اهم المصادر
1 ـ القرآن الكريم
2 ـ اصول الكافي- الشيخ محمد بن يعقوب الكليني- ط3 ـ ج1 ـ الناشر دار الكتب الإسلامية , طهران 1388هج
3 ـ الحديث النبوي بين الرواية والدراية – الشيخ جعفر السبحاني
4 ـ بحوث في الفقه المعاصر- الشيخ حسن الجواهري - ج1 -ص10 – ص 11
5 ـ تاريخ الفقه الجعفري ـ سيد هاشم معروف الحسني
6:ـ نهج البلاغة - الشيخ محمد عبده - ج 2 ـ دار الهدى الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع , بيروت ـ 1400هج
7 ـ بحار الانوار ـ الشيخ محمد باقرالمجلسي ـ ط1 ـ ج3 ـ نشر دار الأميرة , بيروت 1429هج
8 ـ سنن أبي داود: للحافظ ابي داود سليمان بن الاشعث بن اسحاق الازدي السجستاني ـ ط1 ـ ج3 ـ مصر1371هج ـ 1952م
9 ـ مسند أحمد ـ احمد بن حنبل ـ ج2 ـ طبع الميمنة بمصر
10 ـ سنن الدارمي ــ ابومحمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ـ ج1ـ طبع بعناية محمد احمد دهمان ـ دمشق باب البريد
11 ـ سنن الترمذي ـ ابو عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفي عام 289هج ـ ج 5
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق