لا يخفى على كل منصف ما تحظى به زيارة
الأربعين (في العشرين من شهر صفر الخير من كل عام هجري قمري) من أهمية
بالغة في قلوب المؤمنين والمؤمنات، حيث تتوجه الملايين من كل حدب وصوب
صغارا وكبارا ، نساءا ورجالا ، حتى المرضى والمعوقين والعجزة ...
زاحفين نحو ضريح مولانا ومقتدانا الحسين(عليه السلام) وأخيه أبي الفضل العباس (عليه السلام) وباقي شهداء كربلاء(عليهم السلام) ، في مسير شبيه بمسير الدماء بالأوردة متجهة نحو القلب وهو مولانا الحسين(عليه السلام) ومن المعروف إن الدماء الجارية في الأوردة المتجهة نحو القلب تكون محملة بثاني أوكسيد الكاربون أي بالذنوب والأحمال الكثيرة ولكنها تخرج من القلب وتجري بالشرايين إلى باقي جسم الإسلام والمسلمين وهي محملة بالكثير من الأوكسجين أي بالمغفرة وزيادة الهدى والتحف الإلهية... وبالرغم من إن هذا التشبيه مجازي ولكن من خلاله يمكن لنا أن نتصور ما لهذه الشعيرة وإحيائها من فوائد جمة حتى جعلت إحدى علامات المؤمنين ، ففي بحار الأنوار للشيخ محمد باقر المجلسي (82/75)روى عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) انه قال: [علامات المؤمن خمس : صلاة الإحدى والخمسين وزيارة الأربعين والتختم في اليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] وقد التفت الطواغيت وأعوانهم إلى أهمية وخطورة هذه الشعيرة الإلهية ، فاستنفروا كل مابوسعهم من جهود جيلا بعد جيل من اجل قتلها أو تحريفها أو على الأقل إضعافها وتفريغها من محتواها ؛ لأنهم رأوا فيها العدو اللدود لمخططاتهم فكم أرقتهم هذه الشعيرة وسلبت منهم خيلائهم المزيف ... فقد كانوا يعتقدون إن بقتل مولانا الحسين وفصل رأسه الشريف من جسده الطاهر سوف ينتهي كل شيء وإذا بالرأس الشريف لا ينفك عن ملاحقتهم تصور إن في احد المرات السبعة التي تكلم بها الرأس الشريف كان هنالك جمع من الناس مشغولين بدنياهم فتنحنح الرأس لكي يلتفت إليه الناس وفعلا التفت الناس وقد أصابهم الذهول من هذا الموقف العجيب ، ومن ثم تكلم لسان الله وحجته ليقرع أسماع الناس ، فاحتار الطغاة ماذا يفعلون لإنهاء هذا الرعب الذي يلاحقهم فقام يزيد الشؤم بتسليم الرأس المقدس إلى مولانا زين العابدين (عليه السلام) بالإضافة إلى باقي الرؤوس الطاهرة وكان يأمل أن ينتهي هذا الكابوس ولكن ما إن أرجع مولانا السجاد (عليه السلام) الرأس المقدس إلى الجسد الطاهر حتى بدأت ملحمة جديدة لم تكن بحسبان الطواغيت إطلاقا ، وإذا بالضريح يتفجر بالأنوار لتضيء الدرب لكل الأحرار والطيبين و تكشف جرائم كل الأشرار والخبيثين... ولكن المارقين ومن باب عتوهم واستكبارهم في الارض اشتد غضبهم على هذا الضريح وزواره المؤمنين فقاموا بشن حربا لا هوادة فيها ، بحيث إن المتوكل على الشيطان العباسي هدم القبر وَحَرَثَ الأرض المباركة أربع مرات !؟ وتصور ماذا فعلت نفسه الشريرة بالزوار ؟ وعجبا من الذي أوله نطفة وآخره جيفة ، لا يدفع حتفه ولا يرزق نفسه ما أكفره وما أطغاه ! بل وصل التمادي والطغيان بالذين هم أضل من الأنعام إلى قيام احدهم بالوقوف في مدينة المسيب واتجه نحو الجبل الشامخ الأشم ، قائلا : أنا حسين وأنت حسين...، ثم يأمر بإطلاق الصواريخ ...نحو الصرح الإلهي العظيم وما هي إلا أيام قلائل وإذا بالناس يرون بأم أعينيهم ماجرى لهذه الحثالة ، فأصبح كعصف مأكول ، وممن ؟ من الطاغية الذي سلطه على رقاب المسلمين (الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه) وإذا بالصرح الإلهي يزداد علوا وشموخا وزواره يزدادون إيمانا وتكاملا ، فيفيض عليهم الرب العطوف بإشعاع منبعث من مولانا ثار الله وابن ثاره ، ألا وهو المولى المقدس سيد محمد محمد صادق الصدر الموالي والمواسي بكل إخلاص لجده سيد الشهداء ، ففاضت بركات ربنا العظيم من هذا المرجع الحنون الذي أيقضنا من نومة الغافلين وحررنا من قيود الظالمين ... فيا ترى هل يسكت الظالمين على هذا النصر المبين ؟ كلا ، فإنها عداوة تجذرت في قلوبهم حتى اسودت وخلت من كل خير فعمدوا إلى هذا الشعاع الحسيني فذبحوه مع ولديه وثلة من أتباعه ومريديه معلنيها بمليء أفواههم (أطفئوا نار الكوفة) وهيهات أن يطفئوا نور الله , وقد أعلنتها الطاهرة المعصومة مولاتنا زينب العقيلة في مجلس الطاغية المتجبر يزيد الشؤم (... فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحوا ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحظ عنك عارها ، وهل رأيك إلا فند ، وأيامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين ...) وهذا القول هو السيف المسلط على رقاب الفراعنة والمجرمين إلى قيام يوم الدين ، فما كان من المجرمين بعد ذلك إلا أن جاءوا بأنفسهم وبكامل عدتهم وعديدهم بل لم يتركوا مجرما في الأرض إلا وجلبوه معهم بعد أن فتحوا حدود هذا البلد المقدس على مصراعيه ، فأمعنوا بشعبه قتلا وتفجيرا وانتهاكا للمقدسات وسفكا للدماء الزاكيات جالبين معهم مجموعة من مواليهم المحسوبين على هذا الشعب المظلوم . وفي كل مرحلة يهزون أنفسهم بهذه الأرض المقدسة يلتحق بهم مجموعة من مرضى القلوب وضعيفي الإيمان ، الذين باعوا آخرتهم بدنياهم . وفي نفس الوقت برزت الجواهر الثمينة بقيادة الولي الطاهر والعلوي الثائر ، سليل المعصومين ووارث الطيبين ، مقتدى الصدر (اعزه الله) فانطلقت هذه الثلة الطيبة بمسيرها التكاملي مستنيرة بنور مولاها الحسين (عليه السلام)، واضعة نصب أعينها طلب الثأر من كل متكبر جبار ، وكادحة ليلا ونهار من اجل الاستعداد لاستقبال مولاها وريث الأنبياء وخاتم الأوصياء الحجة بن الحسن ليملئ الأرض قسطا وعدلا بعد ماملئت ظلما وجورا . والآن ماذا نفعل نحن الموالين المذنبين المقصرين وقد أقبلت علينا زيارة الأربعين لنكون ممن عظم شعائر الله ، عسى أن نحظى برشحه من رشحات المولى العطوف لنفوز بتقوى القلوب . ولكي نطلع على بعض مما يترتب علينا إزاء هذه الشعيرة المقدسة ، من المهم ملاحظة كيفية تأدية مفرداتها بأكمل وجه وأفضل صورة ، حيث يمكن للتقريب تقسيم زيارة الأربعين إلى مجموعة من المفردات أهمها لا على وجه الحصر والتحديد ، مايلي :ـ
أولا ـ
خَدَمَة مولانا الحسين(ع): وهم الأسر والعوائل التي تقع بيوتهم على مقربة من الطرق التي يسلكها الزوار أثناء مسيرهم نحو ضريح مولانا الحسين(عليه السلام) بالإضافة إلى أصحاب المواكب والمؤسسات والحسينيات والتكيات ... المهيأة لغرض خدمة زوار الحسين(عليه السلام) . وهؤلاء الكرماء يستعدون وقبل فترة زمنية من بدأ انطلاق الزوار ، لتهيئة كل المستلزمات الضرورية التي تساعدهم بأداء الخدمة على أفضل مايستطيعون وهذا التهيؤ قد يستغرق عند البعض منهم عدة أشهر ، وهذا العمل النبيل قد لا أبالغ إن قلت انه من الفضائل والكرامات التي منحها الله تعالى للشعب العراقي العظيم وهي من خصال الأنبياء والأوصياء أكيدا،ففي أمالي الشيخ الطوسي(697 ح 1490)عن مولانا الصادق(عليه السلام)قال: [نعم الحمد لله الذي جعل أجلة موالي بالعراق] ومن الجدير بالذكر إن زيارة الأربعين تأخذ الثقل الأكبر من هذه الاستعدادات والخدمة كونها أعظم حدث ومسيرة وتجمع يحدث بالعراق في كل عام بل لا توجد مسيرة وتظاهرة وتجمع يضاهيها على وجه المعمورة وتنقسم تلك الاستعدادات إلى تهيئة الأموال اللازمة والافرشة والأغطية ومستلزمات الطبخ وتهيئة أماكن استقبال الزوار ومبيتهم... مع الأخذ بعين الاعتبار إن عدد الخدام يزداد سنة بعد سنة وكذلك عدد الزوار ، بل وحتى الوقت الذي يبدأ به هؤلاء الكرماء لتأدية مهمتهم بخدمة زوار مولانا الحسين (عليه السلام) نراه يتقدم قبل موعد الزيارة عاما بعد عام حتى إن البعض منهم يبدأ بأداء هذه الخدمة قبل شهر من موعد الزيارة أما وقت الذروة فيكون قبل أسبوع من موعد الزيارة وخصوصا على الطريقين الرئيسين :ـ نجف كربلاء وبغداد كربلاء ولو أخذنا طريق نجف كربلاء على سبيل المثال : وهو الطريق الذي يسلكه الزوار القادمين من جنوب العراق ومن مناطق الفرات الأوسط بالعراق بالإضافة إلى الزوار العرب والأجانب الذين يأتون من بلدانهم المختلفة وينزلون النجف الاشرف ومنها يبدأ التحاقهم بالمسير الحسيني المقدس، فهذا الطريق قد لايكون له نظير على وجه الأرض من نواحي عده أهمها كثرة الحسينيات والمواكب الموجودة عليه وبدئا من الضريح المقدس لمولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) والى مدخل الضريح المقدس لمولانا أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) بالإضافة إلى امتلائه بالزوار وازدحامهم فيه بحيث انك ترى خط متصل من جموع الزائرين وسفرة مليئة بالاطعمه والاشربة وممتدة على مسافة 80 كلم وخصوصا قبل موعد الزيارة بيومين ، ويقوم خدام مولانا الحسين (عليه السلام) ببذل الجهود العظيمة بلا كلل ولا ملل ولعدة أيام ، ليلا ونهارا، وبصوره تغبطهم بها الملائكة الكبار ، فإنهم يخجلونك بتواضعهم وشدة نكران ذاتهم فتراهم يتوسلون بالزائر لغسل رجليه وتدليكها بالإضافة إلا انك تسمع منهم ألطف عبارات الاستقبال والترحاب ويفرحون إذا أكلت من طعامهم ، وأنا على يقين إن الكثير من هؤلاء الخدمة يخدمون الزوار بصورة لايخدمون فيها أهلهم وأحبابهم بل وحتى أنفسهم وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إن خدمَة مولانا الحسين (عليه السلام) وزواره عند هؤلاء الخَدَمَة الكرماء لا تعادلها خدمة أخرى فجزاهم الله خير جزاء المحسنين نساءا ورجالا صغارا وكبارا ، وهنيئا لهم هذه الخدمة فمن المعروف أن من يضيف أحدا يقوم هذا المضاف وعياله بأداء حق الضيافة للضيف . فأسأل الباري أن يجعل هؤلاء الخدمة من عيال وموالي مولانا الحسين(عليه السلام) وهنيئا لهم بهذا الشرف العظيم ، واستميحهم عذرا ، فهم اجل وارفع من أن أقدم لهم نصيحة ولكن حبا لهم وكرامة لخدمتهم ، هنالك بعض الملاحظات قد يغفل عنها البعض أود بيانها والله تعالى من وراء القصد . 1 ـ إن ربنا العظيم ورسوله الكريم والعترة الطاهرة ومنهم مولانا الحسين(عليه السلام) يحبون منا أن نقدم الحلال الطيب الخالص من الطعام والشراب(ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ...)فمن الأفضل الابتعاد عن موارد الشبهة في الأطعمة والاشربة وخصوصا اللحوم التي يتم جلبها ممن لايطمئن لحاله ففي الحديث الشريف (إن الله طيب لايقبل إلا الطيب) فيجب الحذر لكي لاتضيع هذه الجهود العظيمة وتذهب هبائا منثورا لأن الله يتقبل من المتقين وكذلك يجب الحذر من مزالق إبليس والنفس الأمارة ، فيجب أن يطغى الإخلاص على أعمالنا ولا نجعل الرياء والعجب ... يتلفها ويحرقها (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى من قلوبكم ) وكذلك يجب التحلي بالحلم وسعة الصدر ...، فهيهات أن يترك ابليس وأتباعه هذه الشعيرة المقدسة من دون أن يضع المعرقلات المختلفة فيها وهذا ديدنه الخبيث ومن جملة هذه المعرقلات بثه لأوليائه وأتباعه ودسهم بين الزوار للقيام بأعمال منافية للدين ولشريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) فيجب إهمال مثل هذه النماذج وعدم احتسابها على الزائرين بل وحتى المسلمين فلعمري ما المسلم إلا من سلم الناس من لسانه ويده وان تجاهل مثل هذه النماذج عقوبة مؤلمة لهم (لو أن كل كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح مثقال الحجر بدينار) . 2 ـ عدم السماح لأي جهة كانت باستغلال هذه الخدمة وتسييرها لأجل المصالح السياسية والدنيوية وتحت أي ذريعة كانت فقد قامت بعض الجهات بهذا الفعل الدنيء حيث تقوم بإعطاء الأموال والأطعمة للمواكب التي توافق على نشر الدعاية لها والانطواء تحت مصلحتها ، فتعسا لهذه الجهات التي باعت الدين بالدنيا الدنية ، ولا ادري هل يشعرون أم لا يشعرون إنهم يسيرون على شاكلة من سلب مولانا الحسين (عليه السلام) أيعلمون إن الخسة بمن سلب مولانا الحسين وصلت إلى مرحلة قطع خنصر الولي المقدس من اجل سلب خاتمه ! فلماذا السير على منهج الأراذل ، ولأي شيء هذا التهاوي إلى الدركات السفلى من النار قال سيدنا القائد مقتدى الصدر(اعزه الله): [ إن السير إلى الإمام الحسين(عليه السلام) إنما هو شعيرة من شعائر الله وعبادة يطاع بها الله سبحانه وتعالى ، فاخلصوا عبادتكم هذه لله جل وعلا ولا تشركوا بها من دنياكم أو سياستكم الدنيوية شيئا .. ولا تراءوا ولا تظلموا أحدا ولا تفعلوا المنكر ولا تعتدوا وأحسنوا كما أحسن الله إليكم حيث وفقكم لمثل هذه الطاعة ، فوالله هي نعم الطاعة ]. 3 ـ لااحد يجهل رفض مولانا الحسين(عليه السلام) البيعة ليزيد الشؤم وقولته المشهورة(مثلي لايبايع مثله) اوليست هذه الكلمة قانون الهي لكل محب لمولانا الحسين ويبغي السير على منهجه القويم ، فعلى هذا الأساس كيف يبايع الحسيني من هو على شاكلة يزيد ؟ هل أسرة مولانا الحسين وصحبه الكرام بايعوا يزيد أم لا ؟ والجواب قطعا لا ، لأنهم على نهج مولانا الحسين عاشوا وقتلوا على ذلك ، لذا يجب عدم البيعة ليزيد العصر مهما كان ومهما يكن قال سيدنا القائد مقتدى الصدر(اعزه الله): [إن السير إلى الإمام الحسين(عليه السلام) إن دل على شيء إنما يدل على السير نحو التضحية والفداء والالتزام بخطه والوفاء له سلام لله عليه ، فيجب أن نقتدي به فنكون كما قال (عليه السلام): (كونوا أحرارا في دنياكم)] فعلى من زلت قدمه وأخطأ ، المسارعة إلى التوبة واستثمار هذه المناسبة العظيمة وما فيها من اجر جزيل جراء الخدمة المباركة وسؤال الباري العطوف ببركات مولانا الحسين(عليه السلام) للتوفيق للتوبة النصوحة ، للنجاة من إثم البيعة وتبعاتها والركوب في سفينة مولانا الحسين (عليه السلام) للفوز بالصراط المستقيم . ثانيا ـ السائرين نحو مولانا الحسين(عليه السلام)(المشاية): ويتكون هذا القسم من ملايين الناس بمختلف الأعمار ومن شتى البلدان ... والمشتركين فيما بينهم بقواسم عالية متعددة , ومنها :ـ المشاركة في هذا المسير المبارك لتأدية زيارة الأربعين اسأل الباري أن يجعلنا منهم ، وهؤلاء المشايه منهم من يسير جماعة ومنهم من يسير وحدانا ، والجماعات منهم من يسير مستصحبا عائلته ومنهم من يسير مستصحبا بعض من أرحامه ومنهم من يسير مع أصحابه ..... ومنهم من يسير مع إخوته في الله جلت قدرته ، وبحول الله وقوته سوف يتم في هذا المبحث ذكر هذا القسم من بين باقي الأقسام لأن العلاقة فيه حقيقية ، والكلام حوله بالتأكيد يشمل باقي الأقسام ومن الله التوفيق . من المعروف إن للإنسان عدة روابط تجمعه مع باقي أفراد جنسه كرابطة الرحم واللغة والوطن .... ومن أهم هذه الروابط وأنبلها ، رابطة الإخوة الإلهية التي زين الله بها عباده المؤمنين ، لذلك أصبحت من امتن الروابط وأبقاها ، فمن وصية للمصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) لمولانا علي (عليه السلام) : ( ياعلي أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) ومن وصية للمصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر : ( يااباذر يقول الله تبارك وتعالى : إن أحب العباد إلي المتحابون من اجلي...) لذا تجد سمو هذه الرابطة ورفعتها بالرغم من أهمية باقي الروابط كرابطة الرحم المعلقة بالعرش فياله من ربح كثير يجنيه المؤمن عندما يجد له إخوانا في الله ، ويالها من خسارة كبيرة تصيب المؤمن عندما يضيع إخوانه في الله ، الم يرد في الحكمة (الرفيق قبل الطريق )، وأي طريق أفضل من الطريق المؤدي إلى الله حيث تلتقي بالمتسابقين إلى رضوان الله والمسارعين إلى مغفرته ، اوليس النبي هارون(عليه السلام) أخا لرسول الله موسى(عليه السلام) من حيث الرحم ولكن الكليم(عليه السلام) سأل ربه أن يمنحه الأخوة الأعلى من إخوة الرحم وهي الإخوة الالهيه ليشد به أزره ويشركه في أمره كي يسبحون الله كثيرا ويذكرونه كثيرا ، وهذا بعينه الذي جرى مع حبيب الله المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) وأخيه المرتضى(عليه السلام)(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لانبي بعدي) وتصور إن في إحدى المرات (والقصة انقلها بالمعنى إجمالا) أحب صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة نبي الله داود(عليه السلام) أن يلتقي بأخيه في الله ليتعرف عليه ، فتم إخباره بمحل سكن أخيه في الله ، وقد كان مسكن أخيه في منطقة نائية من جهة ، ومن جهة أخرى من أفقر المنازل وأكثرها تواضعا ويقع في نهاية المنطقة ، وعندما وصل النبي داود (عليه السلام) إلى مسكن أخيه لم يجده وبعد فترة جاء أخوه وإذا هو الولي المقدس متي (عليه السلام) والد نبي الله يونس(عليه السلام)، ورأى نبي الله داود(عليه السلام) العجب من أحوال أخيه ولي الله متي (عليه السلام) فسبحان الذي أخفى أوليائه في سواد عباده ، علما إن نبي الله داود(عليه السلام) بالرغم من انه خليفة الله وسلطان زمانه إلا انه كان يعمل بيده الكريمة ويأكل بثمن أتعابه قرص الشعير , وقد أكرمنا الله تعالى شأنه بنماذج في غاية الروعة للإخوة الالهيه ، فما إن تنظر لها قلوب الطيبين إلا وتصعق من جمال طلعتها كاخوة سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين(عليهما السلام)وأخوة العقيلة زينب(عليها السلام) وأبي الفضل العباس (عليه السلام) فشكرا لله على فضله العظيم ومنه القديم ، أن عرفنا بهكذا قادة والآن كيف يتم التعامل مع الإخوان في الله لنحافظ على هذه الرابطة ونزيد من اواشجها وقطعا إن إمكانيتي في الإجابة على هذا التساؤل المهم محدودة فالإنسان لايتعدى مستوى فهمه المحدود ولكن بحول الله وقوته أحاول أن أبين صورة من صور الإجابة ، عسى أن تكون نافعة سيما وهي إجابة ناجمة عن تجربة عملية شملتني بها ألطاف الله تبارك وتعالى:ـ 1 ـ محاولة الالتزام قدر المستطاع بمضمون هاتين القاعدتين المهمتين في القرآن الكريم وهما :ـ (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70 الأحزاب)) (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا (53 الإسراء)) وينبغي مراجعة بعض التفاسير والشروحات للاطلاع على بعض مضمون هاتين الآيتين ليتيسر فهمهما ومن ثم تطبيقهما . ولكن مايتيسر قوله في هذه العجالة هو يجب أن لا أتكلم مع أي احد من إخوتي بكلمة تجرح مشاعرهم قال المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم): (يااباذر الكلمة الطيبة صدقة....) وكذلك يجب تجنب أي فعل أو موقف يؤذيهم ، فهناك من لايحب المزاح منهم فلماذا أمازحه اوليس له حرمة اوليست حرمته أعلى من بيت الله العتيق فلماذا أزعجه ! اوليس مالك خازن النيران ملك مقرب ولكن هيئته كئيب وهو أخا لرضوان خازن الجنان ولكن رضوان مستبشر وكلاهما ملك مقرب اوليس أصحاب مولانا الحسين (عليه السلام)قدوتنا ولكنهم كانوا أنواع فكان برير وحبيب مستبشرين في ليلة عاشوراء لأنهم رأوا مابينهم وبين لقاء الله سوى سيوف العدو ولكن عبد الرحمن الأنصاري ويزيد بن الحصين الهمداني كانوا مستغربين من هذه الحالة فهم لهم رؤيتهم في هذه الليلة وكلاهما صحيح ولكنهم أنواع وذات مرة سألت احد الاخوة الافاضل عن نبيين احدهما دائم البشر والآخر دائم الحزن بالرغم من إنهما أقرباء وتعايشا سوية فترة من الزمن فقال لي أخي (مامضمونه) : إن المستبشر قد ذاب في أسماء وصفات الجمال لله تعالى ، أما الحزين فقد ذاب في أسماء وصفات الجلال لله تعالى , وكلاهما نبي عظيم . 2ـ الاعتناء بتطبيق هذه القاعدة التي بينها مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) لهمام في خطبة المتقين وهي (...نفسه منه في عناء والناس منه في راحة , اتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه...) أي انه مشغول بمعالجة عيوبه وتنظيف أدرانه ، فمن وصية المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر ، يااباذر: إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا فقهه في الدين وزهده في الدنيا وبصره بعيوب نفسه . ولا يعني هذا انه غير مهتم بشؤون إخوانه ، ولكنه لايبحث عن عوراتهم متناسيا عوراته ، قال المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم): ( يااباذر لاتكن عيابا ولا مداحا ولا طعانا ولا مماريا ) ثم أليس الله ستار ويحب الستر فلماذا لا استر ، قال المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم): ( يااباذر المجالس بالأمانة ، وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك..) أو ليست لدي ذنوب وعيوب لو اطلع عليها الناس لنبذوني ولكن ستر الله مرخى علي أوليس في دعاء أبي حمزة الثمالي لمولانا السجاد(ع): (... أنا صاحب الدواهي العظمى إنا الذي على سيده اجترى أنا الذي عصيت جبار السما أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشا...) اوليست الإخوة الإلهية أن نكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى . لا أن أهتك ستره واجرح مشاعره وادخل عليه الحزن .. اسأل الباري العطوف المغفرة والتوبة ، وهنا من المهم تذكر تعليمات سيدنا القائد مقتدى الصدر (اعزه الله) حيث قال : (إن السير إلى الإمام الحسين(عليه السلام) هو حج وقصد لولي من أولياء الله الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.. فكل من يقصد (أبي الضيم) ويقصد الأهداف التي سار عليها (سلام الله عليه) وهو الموكل والمنصب من الله سبحانه وتعالى فهو قاصد طاعة الله ورضوانه إذن فيجب أن يكون جميع السائرين إلى كربلاء إخوة في الله متساوين في الحقوق والواجبات ، لافرق بين احد منهم إلا بالتقوى والإيمان ، فكلهم ممن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبعلي إماما وبالقرآن كتابا والكعبة قبلة وبزيارة الحسين قصدا وسبيلا .. فلا تتكبروا وتواضعوا , فان الله رافع المتواضعين درجات ..(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ). واسأل الباري أن لا يجعلنا من الذين يقولون مالا يفعلون (كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون (3) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص(4)(الصف)) ثالثاـ سفر زيارة الاربعين : إن السفر والهجرة من اجل طلب الكمال رافق الإنسان منذ بدأ الخليقة والى اليوم بل هو مستمر إلى ماشاء الله ، وهنالك نماذج رائعة من هذه الأسفار ، كأسفار مولانا إبراهيم الخليل(عليه السلام) ومولانا موسى (عليه السلام) ومولانا عيسى (عليه السلام) الذي يصفه أمير المؤمنين(عليه السلام)بقوله: (كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن وكان ادامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها وفاكهته وريحانه ماتنبت الأرض للبهائم ، ولم تكن له زوجه تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله) أما إذا نظرنا إلى الجبال الشامخة المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)وعترته الطاهرة(عليهم السلام)فإننا نجد العجب العجاب من أسفارهم وما خفي كان أعظم أكيدا فكم للمصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) من أسفار في الأرض وفي السماوات بروحه تارة ، وبروحه وبدنه الشريف تارة أخرى ، وكذلك الحال لمولانا المرتضى(عليه السلام) ومولاتنا الزهراء(ع) ومولانا الحسن(ع)، وأما مولانا الحسين(ع) فها نحن نتنعم ببركات سفرته الخالدة لطلب الإصلاح في امة جده المصطفى(ص) وهاهي قلوب المحبين الطائرة تقتدي بنوره محلقة في سماء الفضائل تبتغي الوصول لرضا باريها ، فما أحلى السفر للقاء المحبوب وما أهون متاعبه عند الوصول للمطلوب ، وهنالك أسفار مميزة الجواهر وثمينة الدرر كسفر الحج إلى بيت الله العتيق وسفر زيارة الأربعين لمولانا الحسين(ع)حيث الانتقال من محطة إلى أخرى مع مافيها من دروس , فتجد درجات النجاح تختلف باختلاف المسافرين في سفرة الخير والإصلاح وما أجمل ماتراه في طريق المجتهدين فتجد المرأة العجوز المنحنية الظهر من أتعاب الزمن ولكنها تجد المسير كالشابات من اجل الوصول لنيل المأمول وكذلك ترى الشيخ الكبير شادا وسطه بحزامه متوكئا على عصاه لايهمه ضعف بصره فبصيرته حديد يسابق الريح للقاء المحبوب وتنظر إلى الأطفال فرحة مستبشرة كصغار الحمام عند تحليقها لأول مرة مع فصيلتها ، وتبرز المعادن الأصيلة في السفر وخصوصا في أوقاته الصعبة ولحظاته الحرجة , وقطعا لكل مسافر غاية يبغيها ، وما أحلى أن تكون الغاية عين المحبوب لامثوبته , فعندها تكون الجذبة الحقيقية ، وهنيئا للمسافر الصابر الناجح في مسيره حيث ينتقل من مقام إلى مقام ارفع , ومن درجة إلى درجة أعلى ، لتبدأ بعدها مرحلة تكامل اخرى , فليس للمحبوب حد محدود انما المحدود يحلق ويطير حتى يصل مقامه المعلوم , فلا بخل بفيض الكريم انما القابل محدود(سالت أودية بقدرها ) فلا تنتهي زيارة الأربعين بالوصول الى الضريح المقدس فحسب فمن غير اللائق أن نحد المعصوم وقد ذابت ذاته المقدسة بذات اللامحدود (جلت قدرته) لذا فالحذر من الغفلة واجب ، فكم من ناجح بالوصول لكنه أساء بعد ذلك كالذي ذهب ليستلم سيارة جديدة وبعد أن وصل لمحل استلام السيارة استلمها لكنه بطريق العودة أصابها بحادث شوهها واذهب نضارة جمالها أجارنا الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن الشيطان ووسواسه وأسال الباري بحق دموع الزائرين وأنفاسهم الطيبة أن يعجل فرج مولانا الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء لتنتهي بدولته الكريه هموم المستضعفين وتسكن آلام وحسرات الأيتام والمساكين ولا يبقى على وجه الأرض أي أصل للظالمين لنعبد الله وحده لا نشرك به شيئا فيكون الدين خالصا لله تعالى ويحل الأمن محل الخوف والى تلك اللحظة المباركة اسأل الباري أن يمكننا من دوام المسير على خطى سيدنا القائد مقتدى الصدر(اعزه الله ) وان يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين ببركة المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين . من مصادر ومراجع البحث :ـ 1ـ القرآن الكريم 2 ـ بحار الأنوار شيخ محمد باقر المجلسي 3 ـ نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده 4 ـ مكارم الأخلاق للشيخ الحسن بن الفضل الطبرسي 5 ـ مقتل الإمام الحسين(ع) سيد عبد الرزاق المقرم 6 ـ مواهب الرحمن في تفسير القران سيد عبد الأعلى السبزواري 7 ـ مفاتيح الجنان شيخ عباس القمي 8ـ استفتاء للسيد القائد مقتدى الصدر (اعزه الله) في 12/ صفر الخير/ 1429هجرية |
الأربعاء، 24 يونيو 2015
زيارة الأربعين شعيرة للتكامل
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق