المصابرة
بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))
(سورة آل عمران/ الآية 200)
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم .
بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))
(سورة آل عمران/ الآية 200)
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم .
نعم والا كيف يمكن معالجة قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق ، خصوصا وان الابدان قد شاخت وتعبت ونحلت وكثرت عيوبها ، والنفوس ميالة للدعة والراحة وتنفر من التقيد والنظام ...
واما القلوب فإنها تمل كما تمل الابدان ، ولذا امرنا سادتنا اهل البيت (عليهم السلام)ان نبتغي لها طرائف الحكم، لكي لا يطول مللها فتخرج عن جادة الصواب سيما وان البلائات كثيرة وشديدة ومتنوعة ولولا يد المعصوم(عليه السلام) لاصطلمنا العذاب ولأكلتنا الكلاب ..
وفي هذه المرحلة الحرجة من مراحل التكامل بودي تذكير نفسي بهذه المواعظ عسى ان لا تهوي في مهاوي المهالك فتجعلني عند ربي اهون هالك(نستجير بالله)
أولاـ
سأل زيد بن صوحان العبدى(1) :مولانا امير المؤمنين علي(عليه السلام) عدة اسألة ومنها :
قال ، فأي الاعمال أحب إلى الله عز وجل ؟
قال امامنا علي (عليه السلام) : انتظار الفرج(1) .(انتهى)
وعن محمد بن مسلم عن ابى عبداللَّه عليه السلام قال(2): ...قال على عليه السلام : ...انتظروا الفرج و لا تيأسوا من روح اللَّه، فانّ احبَّ الاعمال الى اللَّه عزّ وجلّ انتظار الفرج... و المنتظر لأمرنا كالمُتَشَحِّطِ بدمه فى سبيل اللَّه(2).(انتهى)
وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام)(3): انتظار الفرج من أعظم الفرج (البحار: 122 / 4).
وعن الإمام الكاظم (عليه السلام)(4): انتظار الفرج من الفرج
(الغيبة الطوسي: 459 / 471).
ثانيا ـ
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(5): انتظار الفرج بالصبر عبادة (الدعوات للراوندي: 41 / 101).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام)(6): من دين الأئمة الورع والعفة والصلاح... وانتظار الفرج بالصبر (البحار: 52 / 122 /1).
ثالثاـ
قال سيدنا الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)(جمعة 26 خطبة أولى ـ في 17 جمادى الثاني 1419هج)
...الصبر هو حسن التحمل لبلاء الدنيا باحتساب الى الله سبحانه وتعالى ورضا بقضائه والا فمع الاعتراض على قضاء الله وقدره لا يكون الصبر اطلاقا موجود ولا يحصل الثواب عليه بل يحصل العقاب هم بلاء الدنيا وهم بلاء الاخرة في الحقيقة.
والمهم ان الشارع المقدس يأخذ المؤمنين بنظر الاعتبار من حيث تعرضهم لأنواع البلاء الدنيوي ويأمرهم بالصبر ويعطيهم الثواب عليه.
ويأخذ المؤمنات بنظر الاعتبار من حيث تعرضهن لأنواع البلاء من الزوج والاولاد واهل الزوج والجيران مثلا فيأمرهن بالصبر ويعطيهن الثواب الجزيل عليه.
لاحظوا … واحد او واحدة تأتي وتقول انا صابرة ومحتسبة وهي تكذب لماذا؟ لأنها لا تملك لسانها. فإنها تتكلم لماذا هذا الشيء هكذا؟ ولماذا هكذا؟ … مع ذلك تزعم انها صابرة ومحتسبة او الرجل كذلك يتكلم ضد القضاء والقدر الالهي ويزعم انه صابر ومحتسب! خاب فالك وخسئت نفسك الامارة بالسوء. فالصبر لا يجوز ان يكون مع الكلام البذيء على المخلوق او على الخالق ثم يزعم الفرد انه صابر كلا بل هو فاجر وليس بصابر.
حتى لو تحمل الذلة من المخلوقين بالمقدار الممكن فانه سيكون عظيما عند الله وثوابه جليلا عند الله والذلة في الدنيا انما هي عزة الاخرة والعزة في الدنيا انما هي ذلة الاخرة.(انتهى)
وقال السيد مهدي السيد علي الصدر(7)
الصبر:
وهو: احتمال المكاره من غير جزع، أو بتعريف آخر هو: قسر النفس على مقتضيات الشرع والعقل أوامراً ونواهياً، وهو دليل رجاحة العقل، وسعة الأفق، وسمو الخلق ، وعظمة البطولة والجَلَد ، كما هو معراج طاعة اللّه تعالى ورضوانه ، وسبب الظفر والنجاح ، والدرع الواقي من شماتة الأعداء والحسّاد .
وناهيك في شرف الصبر، وجلالة الصابرين، أن اللّه عز وجل، أشاد بهما، وباركهما في نَيف وسبعين موطناً من كتابه الكريم:
بشّر الصابرين بالرضا والحب، فقال تعالى: « واللّه يحب الصابرين »
ووعدهم بالتأييد: « واصبر إن اللّه يحب الصابرين »
وأغدق عليهم ألوان العناية واللطف : « ولنَبَلونكم بشيء من الخوف والجوع ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وبشّر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا للّه وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون »
وهكذا تواترت أخبار أهل البيت عليهم السلام في تمجيد الصبر والصابرين .
قال الصادق عليه السلام : « الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، وكذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان »
وقال الباقر عليه السلام « الجنة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات ، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار » .
وقال عليه السلام : « لما حضرت أبي الوفاة ضمني إلى صدره وقال : يا بُني ، إصبر على الحق وإن كان مرّاً ، توف أجرك بغير حساب ».
وقال الصادق عليه السلام : « من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له أجر ألف شهيد » ...
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « من لم يُنجه الصبر ، أهلكه الجزع ».(انتهى)
وقال الشيخ عبد الصمد الهمداني(8)
الصبر على اقسام : الاول : الصبر عن المعصية بدوام النظر فى الرغبة الى الوعد، و الرغبة عن الوعيد، و استحضاره بحيث يكون على ذكر منه ، وله ستمائة درجة.
الثاني : الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها دواما، و برعايتها اخلاصا.
و الصبر على الطاعة فوق الصبر عن المعصية ، لان هذا الصبر ليستلزم الصبر عن المعصية ، قال الله تعالى : ان الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر.
و خصوصا اذا داوم صاحبها على محافظتها من الآفات و ادائها في الاوقات، و احتاط في شرايطها و اركانها.
الثالث : الصبر في البلاء بملاحظة حسن الجزاء، و انتظار روح الفرج و له تسعمائة درجة . و في هذه الدرجات الثلاث من الصبر نزلت: يا ايها الذين آمنوا اصبروا يعنى في بلاء و صابروا يعنى (في) المعصية و رابطوا يعنى على الطاعات. وانما خص الصبر بالبلاء لشهرة استعماله فيه عرفا، والمصابرة بالمعصية لأنه مجاهدة النفس ومقاومتها في نزوعها اليها، والمرابطة بالطاعة لان النفس فى الطاعة و رياضتها تشبه فرس المرابطة في محاربة الشيطان و دوام ارتياضها أيضا(انتهى)
وقال السيد مهدي علي الصدر(9):
.. الصبر على المكاره والنوائب، وهو أعظم أقسامه، وأجلّ مصاديقه الدالة على سمو النفس ، وتفتح الوعي ، ورباطة الجأش ، ومضاء العزيمة .
فالانسان عرضة للمآسي والأرزاء ، تنتابه قسراً واعتباطاً ، وهو لا يملك إزائها حولاً ولا قوة ، وخير ما يفعله المُمتَحَن هو التذرع بالصبر ، فإنه بلسم القلوب الجريحة ، وعزاء النفوس المعذبة .
ولولاه لأنهار الانسان، وغدا صريع الأحزان والآلام ، من أجلّ ذلك حرضت الآيات والأخبار على التحلي بالصبر والاعتصام به :
قال تعالى: « وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا للّه وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ».
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: « إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور ، وإن جزعت جرى عليك القَدرُ ، وأنت مأزور » .
ومما يجدر ذكره أنّ الصبر الجميل المحمود هو الصبر على النوائب التي لا يستطيع الانسان دفعها والتخلص منها، كفقد عزيز، أو اغتصاب مال، أو اضطهاد عدو.
أما الاستسلام للنوائب، والصبر عليها مع القدرة على درئها وملافاتها فذلك حمق يستنكره الاسلام ، كالصبر على المرض وهو قادر على علاجه ، وعلى الفقر وهو يستطيع اكتساب الرزق ، وعلى هضم الحقوق وهو قادر على استردادها وصيانتها .(انتهى)
رابعا ـ
قال الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (10)
وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) انه قال: اصبروا على المصائب، وصابروا على عدوكم، ورابطوا عدوكم. وانما جمع بين " اصبروا وصابروا " من أن المصابرة من الصبر، للبيان عن تفصيل الصبر الذي يعني به في الذكر لان المصابرة صبر على جهاد العدو يقابل صبره لان المفاعلة بين اثنين...
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي(11):
.. «وصابروا» وهي من المصابرة (من باب المفاعلة) بمعنى الصبر والإِستقامة والثبات في مقابل صبر الآخرين وثباتهم واستقامتهم.
وعلى هذا فإِن القرآن يوصي المؤمنين أوّلا بالصبر والإِستقامة
وقال سيد علي الحائري الطهراني(12):
أمّا المصابرة فهي عبارة عن تحمّل المكاره الواقعة بينه وبين الغير ويدخل فيه تحمّل الأخلاق الرديئة من الأهل والجيران والأقارب ويدخل فيه ترك الانتقام ممّن أساء إليك كما قال : « وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » ويدخل فيه الإيثار على الغير .
وبالجملة * ( [ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا ] ) * على مشاقّ التكليف وما يصيبكم من الشدائد * ( [ وَصابِرُوا ] ) * وغالبوا على أعداء اللَّه في الجهاد وعلى أعدا عدوّكم في الصبر على مخالفة الهوى ، والمصابرة أفضل من الصبر ، والصبر هو حبس النفس عمّا تريد وعمّا لا يرضاه اللَّه وأوّل درجته التصبّر وهو التكلَّف لذلك ثمّ المصابرة ثمّ الاصطبار والالتزام(انتهى)
وأخيرا اختم هذا المقال بقول لسيدنا الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)(جمعة 29 خطبة 2 في: 9/ رجب / 1419هجـ):
انني وجدت حسب اطلاعي القاصر ان اعظم من وعد بالأجر والثواب والمقامات العالية في القرآن الكريم هو عنوانين أو مجموعتين: المتقون والصابرون.(انتهى)
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين وعجل اللهم فرجهم والعن عدوهم.
الهامش(مصادر ومراجع المبحث):ـ
(1) الاربعون حديثا / تأليف: الشيخ محمد بن مكي العاملي الجزيني (الشهيد الأول)/ تحقيق ونشر: مؤسسة الامام المهدي عليه السلام - قم المقدسة / مطبعة : أمير : ذوالحجة ، 1407 ه . ق
(2) الخصال/ للشيخ محمد بن علي ابن بابويه القمي المعروف بالصدوق (المتوفى 381 هـ) ، ج 2ص 740حديث اربعمأة، ط انتشارات علميه اسلاميه.
(3)(4)(5)(6) ميزان الحكمة / لمحمدي الريشهري ج 1/ التنقيح الثاني/ قم: دار الحديث، 1375. 4 ج. المصادر بالهامش. 1416 ه. ق الطبعة: الاولى
(7)(9) اخلاق أهل البيت/السيد مهدي علي الصدر/ دار الكتاب الإسلامي
(8)بحر المعارف/ الشيخ عبد الصمد الهمداني
(10) التبيان في تفسير القرآن/ للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي(385 - 460 هـ ) /ج3 / تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي
(11) الامثل في تفسير كتاب الله المنزل ـ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ـ ط2 ـ دار احياء التراث العربي ـ بيروت 1426هـ
(12) تفسير مقتنيات الدرر/ مير سيد علي الحائري الطهراني
(13)خطب الجمعة لشهيد صلاة الجمعة ط1 1434هجـ دار ومكتبة البصائر بيروت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق