الزواج في الاسلام (القسم الثاني)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم.
وهذا القسم من المبحث , فقهي خاص بالنكاح مستل من منهج الصالحين لمولانا شهيد الله سيد محمد سيد محمد صادق الصدر (قدس الله نفسه الزكية) /الجزء الثاني ـ القسم الأول ـ المعاملات ـ كتاب النكاح ص237/الناشر دار الزهراء ـ1427هجرية(مؤسسة العطار الثقافية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النكاح في اللغة :ـ هو الجماع وفي الاصطلاح الزوجية أو التزويج.
ومن هنا قيل : عقد النكاح , يعني العقد المنتج للزوجية بشكل مشروع في الدين . غير أن سبب الحلية لا ينحصر بالعقد بل ينقسم إلى قسمين رئيسين وكل منهما ينقسم إلى بعض الأقسام كما سنرى . ومن هنا تكون الأسباب للتحليل بين الجنسين عديدة . واذا لم تحصل هذه الأسباب فان كان الفرد معتقداً بالحلية على خلاف الواقع . فهو ما يسمى (بوطء الشبهة) ولا حرمة فيه شرعاً كما أن الأولاد الحاصلين منه أولاد شرعيين . وأن كان الفرد معتقداً بالحرمة أو شاكاً فيها , فهو الزنا بعينه وهو من المحرمات الكبائر الرئيسية في الإسلام
والقسمين المشار إليهما كما يلي :
القسم الأول : العقد/ ويراد به إنشاء الزوجية بالإيجاب والقبول , ويمكن تقسيمه إلى قسمين :
العقد الدائم / وهو منتج للزوجية الدائمة والمستمرة.
والعقد المنقطع / وهو المنتج للزوجية المؤقتة .
وينقسم الثاني إلى قسمين من حيث أنه يشترط فيه عدم الدخول . وقد لا يشترط .
القسم الثاني : ملك يمين / يعني استحلال نكاح المرأة المملوكة بالشراء . ويمكن أن يتفرع عليه عدة فروع . فأن الامه المملوكة كما تحل لمالكها تحل أيضاً على من يزوجها عليه المالك تحل لمن يحلّله عليه المالك وتحل لمن يقفها عليه المالك ولمن يبيعها إليه المالك . ونحو ذلك.
والكلام في كتاب النكاح عند الفقهاء منحصر بالقسم الأول من هذين القسمين الرئيسيين دون القسم الثاني الذي يؤجل ذكره إلى أحكام العبيد في الفقه . وهي محذوفة عادة من الفقه المعاصر لعدم وجود العبيد في المجتمع . فيكون ذكرهم منافياً لكون الرسالة (عملية) أي تمت الحاجة الفعلية للمجتمع . لكن ذكرهم يكون دعماً لفكرة استيعاب أحكام الإسلام لكل الحقول فأنه (ما من واقعة إلا ولها حكم) سواء كانت هذه الوقائع موجودة فعلاً أم لا.
ويفتقر عقد النكاح إلى الإيجاب والقبول بمعنى عدم جوازه بالمعاطاة على الأحوط وجوباً , ويكون الإيجاب من المرأة أو طرفها يعني من وكيلها أو وليها ونحوهما . ويكون القبول من الزوج أو طرفه كذلك . ويكون الإيجاب والقبول معاً بلفظ الماضي على الاحوط استحبابا . كزوجت وانكحت ومتعت وما جرى مجراها من مضمونها عرفاً. وكذلك نحو: قبلت ورضيت وغيرها . وتجزي ترجمتها بغير العربية على الاحوط استحباباً . بل يتعين الترجمة لدى العجز عن فهم الكلام العربي . وتجري الإشارة مع العجز عن النطق . والاحوط تقديم الإيجاب على القبول إلا إن الأقوى كونه احتياطاً استحبابياً غير انه مع تأخير القبول يكفي بقوله : قبلت أو رضيت . ومع تقديمه يجب أن يكون تفصيلياً كالإيجاب . كما إن الاحوط عندئذ أن يكون الإيجاب المتأخر تفصيلياً , ولا يكفي فيه قبلت ونحوه . والاحوط استحبابا حفظ التفصيلية فيهما حتى مع تقديم الإيجاب .
(م -1296) يشترط في تزويج البكر إذن الولي أو الجد للأب على الاحوط وجوباً . إلا إذا منعها الولي عن التزويج بالكفؤ شرعاً وعرفاً فأنه تسقط ولايته حينئذ.
(م -1297) الظاهر كفاية رضا الولي الأب عن رضا البكر وان كانت رشيدة . وان كان مقتضى الاحتياط الأكيد حصوله . غير إن شمول ذلك للجد محل إشكال . فالاحوط وجوباً حصول رضاها مع رضا الجد إذا كانت رشيدة .
(م - 1298 ) إذا تزوجت البكر بدون إذن وليها , ثم جاز وليها العقد, صح.
(م - 1299) يجزي في صورة عقد النكاح الدائم أن تقول الزوجة للزوج : زوجتك نفسي بمهر كذا . فيقول الزوج : قبلت . وإذا كانت الزوجة قد وكلت وكيلاً قال وكيلها للزوج : زوجتك موكلتي فلانه بكذا . فيقول الزوج : قبلت واذا كان الزوج قد وكل وكيلاً قالت الزوجة لوكيل الزوج :زوجتك موكلك زيداً نفسي بمهر كذا. اوتقول : زوجت نفسي موكلك أو بموكلك أو لموكلك أو من موكلك فيقول الوكيل : قبلت . وإذا كان كل من الزوج والزوجة قد وكل وكيلاً , قال وكيل الزوجة لوكيل الزوج : زوجت موكلك زيداً موكلتي (أو لموكلتي أو من موكلتي ) فلانه بمهر (قدره) كذا . فيقول وكيل الزوج : قبلت.
(م-1300) يجوز لشخص واحد تولي طرفي عقد النكاح خاصة وكل عقد عامه بالوكالة من الطرفين أو بالولاية منهما أو الوكالة من احدهما اوبالولايه من الاخر0اوبالاصاله عن نفسه وبالوكالة اوبالولايه عن الاخر 0لكن الاحوط استحبابا أن لا يتولى الزوج الإيجاب عن الزوجة والقبول عن نفسه 0
(م-1301)لايشترط وجود الشهود في صحة النكاح 0ولايلتفت الى دعوى الزوجية بغير بينه مع حلف المنكر , وان تصادقا على الدخول , فلو رد اليمين فحلف المدعي حكم بها . كما انه يلزم المقر بإقراره على كل حال . ولو تصادقا على الزوجية ثبتت0
(م ـ 1302) القول قول الأب في تعيين المعقود عليها بغير تسمية مع رؤية الزوج للجميع . وكذلك لو رأى الزوج بعضهن وكان الأب هو العاقد أو وكيله دون الزوجة . وإلا بطل العقد .
(م 1303) يستحب لمن أراد التزويج أن يتخير البكر العفيفة الكريمة الأصل . وان يصلي ركعتين عند إرادة التزويج وان يدعوا بالمأثور . وهو أن يقول :ـ اللهم إني أريد أن أتزوج فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة . كما يستحب الإشهاد على العقد والإعلان به والخطبة أمام العقد وإيقاعه ليلا . وصلاة ركعتين عند الدخول والدعاء بالمأثور بعد أن يضع يده على ناصيتها . وهو أن يقول :ـ اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها . فان قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان . وان يأمرها بمثل ذلك . ويسأل الله تعالى الولد الذكر .
(م ـ 1304) يكره إيقاع العقد حال كون القمر في العقرب . وتزويج العقيم والجماع في ليلة الخسوف ويوم الكسوف وعند الزوال إلا يوم الخميس . وعند الغروب قبل ذهاب الشفق وفي المحاق وبعد الفجر حتى تطلع الشمس , وفي أول ليلة من الشهر إلا شهر رمضان وفي ليلة النصف من الشهر وآخره وعند الزلزلة والريح الصفراء والسوداء .ويكره مستقبل القبلة ومستدبرها وعاريا وفي السفينة وعقيب الاحتلام قبل الغسل . والنظر في فرج المرأة والكلام بغير الذكر . والعزل عن الحرة بغير أذنها , بل الاحوط تركه عندئذ ويكره أن يطرق المسافر أهله ليلا , ويحرم الدخول بالزوجة قبل بلوغها تسع سنين .
فروع في جواز النظر وعدمه :
(م ـ 1305) مقتضى القاعدة العامة هو عدم جواز نظر المرأة الى الرجل ونظر الرجل الى المرأة عدا ماخرج بدليل . وهو كما يلي :
أولا: نظر الرجل الى المرأة التي يريد التزويج بها أو شرائها , على أن لا يزيد المكشوف من بدنها على المقدار المتعارف لها ولا متزينة بزينة إضافية . نعم لابأس بالثوب الجميل أو الضيق . والاحوط استحبابا أن لا يزيد المكشوف عن الوجه واليدين .
ثانيا: نساء أهل الذمة بل الكافرات مطلقا . ولا يلحق بها من حكم بكفره من فرق المسلمين , ولا المرتدة فطرية كانت أم ملية .
ثالثا: المبتذلات اللاتي لا ينتهين إذا نهين عن التكشف . وكذا كل جزء ظاهر من المرأة زائد على الحد الشرع إذا كان مصداقا لهذه القاعدة . نعم لو كان زائدا على الحد العرفي في المجتمع كان مقتضى القاعدة حرمته . وهذا مما يختلف بين المجتمعات عادة .
رابعا : النساء المذكورات في الآية الكريمة وهن (المحارم) , سواء حصل العنوان لها بنسب أو برضاع , وهن : الأم والبنت والأخت وحليلة الابن وبنت الأخ وبنت الأخت والعمة والخالة وزوجة الأب والربيبة إذا كان مدخولا بأمها وليست القاعدة الشرعية في جواز النظر الى المحارم هي حرمة النكاح مؤبدا لخروج بعض النساء عنه كالمطلقة تسعا وذات البعل المزني بها فإنها جوز النظر إليها وإنما الجواز خاص بمن ذكرن في الآية الكريمة .
خامسا : الوجه والكفين من كل النساء وكذا ظاهر القدم بل القدمين مطلقا . ويكون الوجه محددا بحد ما يجب غسله في الوضوء والكفين بحد الرسغ والقدمين بحد اتصالها بالساق وهو ما يجب مسحه في الوضوء . واللازم تضييق المقدار المكشوف احتياطا .
(م ـ 1306) يراد بالمحارم المذكورات بالآية الكريمة ما يلي:
أولا: الأم وان علت فتشمل الجدات , لأب كن أو أم.
ثانيا : البنت وان سفلت فتشمل الحفيدات من بنات الابن وبنات البنت ومن دونهن .
ثالثا : الأخت, وهي خاصة بالمباشرة شقيقة كانت أم لأب أم لام.
رابعا: حليلة الابن وهي من يجوز له وطؤها بالعقد الدائم أو المنقطع أو بملك اليمين . وإذا طلقها أو مات عنها جاز النظر لأبيه ولم يجز له ويشمل معنى الابن هنا الأحفاد من الأولاد والبنات وأما إذا باع الأمة فتحرم عليه وعلى أبيه .
خامسا : بنت الأخ وان نزلت يعني حفيدته فمن دونها .
سادسا : بنت الأخت وان نزلت يعني حفيدتها فمن دونها .
سابعا : العمة وان علت يعني عمة الأب والجد وان تصاعدوا لأب كانوا أو أم .
ثامنا : الخالة وان علت يعني خالة الأب والجد وان تصاعدوا لأب كانوا أم أم.
تاسعا : زوجة الأب والجد وان علا لأب كان أم أم.
عاشرا: الربيبة . وهي تشمل ربيبة الأولاد وان سفلوا من أولاد الذكور والإناث . وتحل الربيبة على (أخيها) وهو ابن المربي . ومن هذه الجهة تشمل ربائب الآباء والأجداد أيضا . لأب كانوا أو أم .
ومن الجدير بالذكر إن مولانا شهيد الله (قدس الله نفسه الزكية ) ذكر مسائل عديدة في هذا الباب , فمن أراد المزيد فليراجع رسالته الشريفة (الجزء الثاني ـ القسم الأول ـ المعاملات ـ كتاب النكاح وتوابعه/ ص237ـ 279 / أي الى كتاب الطلاق ـ وهنالك مسائل أخرى تخص النكاح ذكرها مولانا السيد الشهيد(قدس سره) في الجزء الثاني ـ القسم الثاني ـ كتاب النكاح وفي ثلاثة مقاصد من ص634ـ الى 649. هذا فيما يخص المنهج , أما في كتاب ما وراء الفقه فهنالك بحوث قيمة في الفقه الاستدلالي في هذا الموضوع وفي غيره .فسلام الله على مولانا شهيد الله يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا , والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلق الله محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق