الاثنين، 14 أغسطس 2017

سِرّ في علاك أيها الزعيم .... بقلم الاستاذ الفاضل علي الزيدي





سِرّ في علاك أيها الزعيم
كثرت القراءات والتحليلات حول زيارة الزعيم السيد مقتدى الصدر للسعودية والإمارات وكان الكثير منها يتجه بإتجاه الوعي الناقص لقراءة ما يدور من أحداث وكوارث في المنطقة .
فأخذ بعضهم يعطي لنفسه حق المرور في أروقة السياسة من دون أن يكون من أهلها، أو له أدنى معرفة بأبجدياتها، ولكنه مع ذلك يصدر أحكاماً على الآخرين غالباً ما تكون حادّة وكاشفة عن نزعة عدوانية، قد بطّنت بغطاء من المكر والخديعة حتى تتماشى مع منحاه الذي إختاره لإيصال رسالته وغاياته.
والشيء الملفت للنظر خلال السنين التي مضت أنّ هناك كثير من الأمور قد حدثت كان للزعيم السيد مقتدى الصدر مواقف تجاهها، يفتخر بها الشعب العراقي لو أراد أن ينصف هذا الرجل بأقل إنصاف، ولكن الذين عاشوا في دائرة الكره والحسد، وفي دائرة الطمع والعمالة لأعداء الوطن تنكروا لذلك واغمضوا أعينهم عن رؤية ما قدّمه للعراق بعد الإحتلال والى وقتنا الحالي، وكأنّه لم يكن حاضراً يداوي بيده جراحات بلد قد مزقته يد الطائفية والإحتلال والسياسة الحمقاء، ويذكرني موقفهم هذا بالفيلسوف نيومان عندما أراد أنّ ينفي أي أثر لله تعالى في هذا الوجود حيث قال في كتابه ( دفاع عن حياتي ) : ( حين أنظر الى هذا العالم الحي المتشاغل، فلا أجـد فــيه إنـعـكاســاً 
لخالقه ) . أي انّه يريد أن يقول بالرغم من وجود هذا العالم وما يحمله مـن آثار وشـواخـص وثوابت
وحقائق حيّة، إلّا أنّه بالرغم من كل هذا لا يراه إنعكاساً يمثل وجوداً للخالق . 
وهذا الأمر في الواقع هو مصيبتنا مع هؤلاء الذين ينكرون الحقائق البيّنة، ويحاولون بشتى الطرق غض الطرف عنها وكأنّها نسياً منسيّاً . 
عموماً نعود الى صلب الموضوع، فهناك مقولة تبنتها العلوم السياسية وكذلك علم الإجتماع الديني، من أنّه لا توجد ثوابت لا تتغير في كل من الدين والسياسة، بل الأمر برمّته خاضع لحاجات المجتمع ومرونة النظام السياسي أو المذهب الديني.
فمتى ما برزت بوادر وتحركات يراد منها خلق جو من الوئام والسلام ومن أي طرف كان من أطراف النزاع، على الفرد أن يسعى لإحيائها وتفعيلها، وكذلك من منطلق إنساني أولاً، وثانياً من منطلق تحمل المسؤولية الجادّة في تخليص المجتمع أو كل المنطقة من نزاعات وصراعات قائمة على قدم وساق في الوقت الراهن، لإشعال المنطقة في لهيب الطائفية والإنشقاقات والإنقسامات السياسية والدينية على حدٍ سواء، والتي تتم غالباً من خلال جهات مختلفة في داخل كل بلد من بلدان المنطقة وخصوصاً العراق منها ومن هذه الجهات : 
أولاً :
جهات داعمة للإرهاب المنظم، وغالباً ما تكون مدعومة ومسنودة دولياً .
ثانياً :
جهات بإسم الدين المزيف، وبدلاً من أن تعمل الى إيجاد السبل الكفيلة لإيقاف المد الإرهابي، تجدها تسعى لمواجهته بأساليب غير مدروسة وغير مدركة لخطورة الموقف، بحيث تتحرك بنفس طائفي وتصرفات صبيانية، يكون حراكها في الغالب ما هو إلّا عبارة عن صب الوقود على النار ليزيد من لهيبها بدلاً من إطفائها .
ثالثاً :
جهات مستفيدة من هذا الوضع، بل إنّها كلّما اشتدت نار الطائفية ونار المد الإرهابي، أعتقدت أن إستقرارها سيمكث في أرضها، وأنها ستحصل من وراء ذلك على مكاسب ومعطيات كثيرة .
وهنا مع هذا الوضع لا يمكن أن يبقى الفرد متفرجاً وكأنّه في منأى عمّا يحدث في الخارج وخصوصاً
إذا ما كان الفرد من ذوي النفوذ الإجتماعي والسياسي والديني والشعبي الكبير في البلد، فهناك دماء تسيل وهناك إنتهاك للحرمات، وهناك ضغوط كثيرة على الشعب العراقي المظلوم لا يستطيع أن ينهض ويرفع رأسه بسببها . وإنّ الذي يحدث من بعض القوى السياسية المتنفذة في العراق ما هو إلّا ضحك على الذقون، والاستهانة بشعبها بحيث لم تشعر بموقعها ومسؤوليتها تجاهه وبالتالي أصبحت عاجزة عن تقديم الحلول التي تبعد العراق عن الدمار والإنهيار . 
ولذلك تحرك الزعيم السيد مقتدى الصدر من أجل أن يخطو الخطوات المناسبة لإنهاء معاناة الشعب العراقي متوجهاً الى السعودية والإمارات وبدعوة منهما وللأسباب الآتية :
1. إنهما يمثلان مركز القوّة في المنطقة وعلى أقل التقادير في الظرف الراهن، وخصوصاً السعودية منهما، وحينها سيكون لها دوراً رئيسياً في تغيير الأحداث التي تجري حالياً.
2. أصبح العراق يشكل هاجساً من الخوف بالنسبة الى العرب بشكل عام ولدول المنطقة بشكل خاص، على أساس أنّه أصبح مادة وهيئة تابعاً لإيران، وما هو إلّا أرضاً قد تمكنت القدم الإيرانية من وطئها والإقامة فيها، هذا الهاجس من الخوف قد شكله السياسيون الفاشلون الذين حكموا العراق على حين غفلة من الشعب .
وفي هذه الزيارة تُوَجّه رسالة إطمئنان تدل على أن العراق لازال حرّاً، وهو القادر على تحديد علاقاته مع دول الجوار ككل وغيرها، وفقاً لما يحقق السلام والإنسجام في المنطقة. لا كما يشاع من قبل بعض الذيول بأن العراق علاقاته في المنطقة متوقفة على القطبية الواحدة والتي تقوم على الإتجاه والمنحى الطائفي والعاطفي لا غير. 
3. هناك ضغوط لا توصف، بل لا تطاق على أبناء الشعب العراقي، كان ولا يزال سببها الرئيسي هي السياسة الفاشلة من قبل الأحزاب الحاكمة التي سلّطها الإحتلال بشكل وآخر على رقاب العراقيين، لتمثل بالتالي ميزان السياسة المتأرجحة في المنطقة، التي ما أن استمرت على هكذا منوال فلن يرى العراقيون بسببها خيراً أبداً، سوى القتل والفقر والجهل. 
هذا الأمر واقعاً هو الجاثم على الصدور ومصدر القلق والخوف والريبة لدى العراقيين، فبالتالي ما هو العمل للتخلص من هكذا ظرف خانق قد حيكت ونسجت خيوطه بأيدي الطامعين الفاشلين، الذين لا يهمهم من العراق شيئاً إلّا كرسي السلطة والسلب والنهب وليذهب بعدها الشعب الى الجحيم.
فإذن من هذا المنطلق لابد من إيجاد فسحة وبصيص من الأمل من خلال النظر بمنظار آخر، ومن زاوية قد تغافل الآخرون عن رؤيتها قصوراً أو تقصيراً، يمكن من خلالها تغيير نمطية السياسة التي تسلحت بالطائفية لا غير، وذلك بإيجاد سبل للتفاهم والحوار للقضاء على هذا المنظور الذي أهلك الحرث والنسل. 
4. استغلال الزمن الحاضر كونه يمثل مرحلة مثالية وناضجة لإعادة العلاقات وتبادل الثقة بين العراق ودول المنطقة، وذلك لأن السعودية والإمارات وحتى مصر قد أدركت بأن سياساتها تجاه العراق أصبحت فاشلة وغير قادرة على التواصل والإنسجام مع التغيرات والتحولات السريعة التي تجري فيه، ورأت أن عزله وإبعاده عن المحور العربي سيكون المستفيد منه الجانب الإيراني فقط، وحينها ستحصل نتائج غير محمودة، فلذلك مثل هذه الدول أصبحت بحاجة الى إعادة العلاقات وبصورة مختلفة عن السابق، وعندها رأى الزعيم السيد مقتدى الصدر بأن هذا هو الوقت المناسب للتحرك بهذا الجانب وإعادة العلاقات على كافة الأصعدة والمجالات، من أجل قطع روافد ومنابع الإرهاب ومن ثم إعادة العراق الى حيويته وفاعليته في المنطقة.

علي الزيدي
الإثنين 14/8/2017 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق