سبحان الذي فطر الخلائق ببديع فطرته ، وألهم مخلوقاته الشعور بعرفان الجميل والحنان والمودة ...، لكل من أحسن اليها ورعاها ...، الأم والأب والزوج والزوجة والأخ والأخت والصديق والجار والمربي والمعلم... والوطن، موضوع هذا المقال، فكم تغنى به الشعراء، وكم أبدعت فيه ريشة الرسام وأنامل النحات وسواعد البناة ...، وهذا من دوافع حب الوطن أكيدا ، قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام): (عمّرت البلدان بحب الأوطان)
بل وأذرفت من أجله الدموع واعتصر القلب ألما من حزن فراقه، وهذا من كرم المرء، قال أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه):
(من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه وحنينه إلى أوطانه وحفظه قديم إخوانه)
نعم فالعلقة الذهنية والنفسية والقلبية ، مرتبطة بالوطن وهذا طبيعي ، وهناك من يرتقي الى حب الوطن الأصل ، وهو الأب المنعم والإنسان الأكمل ، ومنه يرتقي إلى حب المنعم الحقيقي الذي خلق الاشياء من عدم ، وأسبغ عليها بالنعم.
وهناك من يرى بأن حب الوطن هو من آثار شهوة التعلق بالأرض والأملاك!
إذن لماذا يهرع الفقراء أفواجا للدفاع عن حياض الوطن ، شاخصين أنفسهم في طليعة صفوف المدافعين عنه حتى يسوروا حدوده بجماجمهم والكثير منهم لا يملك شبرا فيه ، بينما تجد الكثير من اصحاب الأراضي والأملاك ، يفرون فرار المعزى من الاسد حينما يداهم الوطن الخطر.
ومنهم من يرى ان الوطنية في الثقافة الإنسانية لها منشأ غريزي نتيجة تلك العلقة بين الفرد ووطنه الذي نشأ به وتربى في أحضانه، ولا علاقة لها بالإيمان فالمؤمن وغير المؤمن لديه هذا النزوع الإنساني وهذا الميل الغريزي، وواقع كافة الناس بمختلف أعراقها وألوانها ومعتقداتها وعلى مر العصور دليل على ذلك؟.
سبحان الله، أليس وحدة الناس في هذه الغريزة الفطرية، وبمختلف ألوانهم وأعراقهم ومعتقداتهم وعلى مر العصور، دليل على وحدة الخالق البديع(جل جلاله).
وإن لم يكن حب الوطن من مظاهر الايمان ، وكذلك حب الوالدين والاخوان والمعلم والمربي والخير والصلاح والإصلاح ....، فمن ماذا يكون ؟
والذي يعلن إيمانه ولا يدفعه الإيمان الى حب الوطن والأهل والخير والصلاح والإصلاح ...، فهل هو مؤمن حقيقة ؟!
اوليس المؤمن الحقيقي ، هو ذلك الإنسان الودود العطوف الرحيم المحب لوطنه وشعبه وكل الناس بل ولكل الخلائق، وهو الذي يتفنن في خدمتهم ويضحي من أجلهم...؟
وهنا أنقل لكم بعض الروائع من الالتفاتات المتعلقة بالوطن، ومن أنامل زعيم وطني فاني في الوطن وهو السيد مقتدى الصدر(أعزه الله)، والذي قال:
...ان في جعل العبادة كاملة في الوطن دون غيره من البلدان، له عدة اسباب خارج عن نطاق الفتوى والشرع ومنها:
اولا: ان الخشوع الحقيقي لا يكون الا في الوطن ، وذلك لأسباب منها :
1.الراحة النفسية.
2.تجذر العلقة النفسية والقلبية.
3.الراحة الجسمانية.
4.الظروف المحيطة بالمكلف .
ثانيا : ما ورد (حب الوطن من الايمان )،وفي تعدد الاوطان تزعزع للإيمان وبالتالي سيؤثر سلبا على العبادة فتقصر ويترك اتمامها في غير الوطن ، ولعلنا لو تبنينا قاعدة (ان النهي في العبادات مبطل لها) لأمكن القول ان ترك (حب الوطن ) ترك للإيمان وبالتالي ستكون العبادة بلا ايمان .
ثالثا : ان العبادة عطاء ... والعطاء لا يكون الا للوطن ... وطبعا لا ينبغي التغافل عن امر مهم متعلق بالصلاة ، من انها لا تسقط بحال ... اذ لا يمكن قصرها كلها في السفر كالصوم بل نصفها لكي يكون عطاؤك الكامل للوطن دون غيره ... فتصلي أربعا في وطنك ونصفها في غيره.
اما الصوم فتتركه في غير وطنك الذي اتخذته لك وتجذرت علقتك معه ... وما ان تعود الى وطنك سالما فعليك قضاء ما تركت صيامه في سفرك فتكون ايضا معطاءً لوطنك حصرا لا غير.
واذا اردنا ان نقرب ذلك ، فنقول: ان بعض الفقهاء لا يجوز إعطاء أموال الزكاة الا لفقراء الوطن وهذا أيضا من العطاء للوطن ومواطنيه، ولعل ذلك يسري الى فريضة الخمس وغيرها من الفرائض المالية.
اذن باتت اغلب العبادات ذات عطاء منحصر للبلد ، قدس سره يستثني بعضها كفريضة الحج لا تكون الا في مكة المكرمة حصرا وهي للانتماء الاسلامي العام لا الخاص بالوطن.
بيد انه على حجاج اي وطن ان يجعلوا مناسكهم قربة الى الله وعطاء للوطن في دعائهم وثوابهم اثناء تأدية مناسك الحج المقدس.(انتهى)
من مصادر المقال:
1. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة / ج:۲۱ / ص: ۳۹٤ . ميزان الحكمة / ج:٤ / ص: ۳٥٦٦ / ح: ۲۱۹۲۸ .
2.ميزان الحكمة / ج:٤ /ص: ۳٥٦٦ / ح: ۲۱۹۲٦ . بحار الأنوار / ج:۷٥ / ص:٤٥ /ح: ٥۰ / الناشر.
3. الخطبة المركزية رقم 126 ، للقائد السيد مقتدى الصدر(اعزه الله):في 20 /شهر رمضان/ 1438هـ الموافق لـ 16 / حزيران/ 2017م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق