ظهر الإعلامي هاشم العقابي على قناة اليوتيوب ولما يقارب النصف ساعة، ولنا بعض التعليقات على ما قال عساها أن تصلح كإجابات على ما طرحه وتساءل فيه أو إستغرب منه.
وكما قال في بداية حديثه أنّه يحاول دائماً أن يكون طرحه ونقده موضوعياً, على إعتبار أنّ الموضوعية هي المحك الوحيد لعرض الحقائق كما هي، وبدون أي تدخل للعوامل الذاتية التي قد تكون بإتجاه مضاد للحقيقة.
فأنا من هذا الجانب الموضوعي سأحاوره فقط ولن أحيد عنه إن شاء الله تعالى، وسيكون حديثي معه من باب بيان حقائق قد تكون خفيت أو لم تصل بشكل صحيح للأستاذ العقابي، عِلماً إنّي أحييّ فيه الجرأة وتتبعه الجاد لما يجري في البلد من بلاءات وآلام يصعب تحمّلها أو السكوت عنها.
وسأكتفي بمناقشة أربع مسائل رئيسية قد تكون هي أهم ما طرحه في كلامه وهي :
أولاً : مسألة غضب السيد مقتدى الصدر من جماهيره .
ثانياً : تأجيل المفاوضات مع التحالف الوطني .
ثالثاً : قوله ما المقصود من كلمة ( بلا وعود ) في قول السيد : ( نقوم بإعتصام مفتوح ولكن بلا وعود ).
رابعاً : المفروض من السيد مقتدى توجيه اللوم وطلبات الإصلاح الى رئيس البرلمان لا الى رئيس الوزراء كونه ضعيفاً لا يقدر على فعل شيء.
فأمّا مناقشة المسألة الأولى وهي قسوة السيد مقتدى الصدر على جماهيره ومحبيه، وإستشهاده بجماهير ( مايكل جاكسن ) وكيف أنّه يعطيهم فرصة لتفريغ شحناتهم الإنفعالية وليوصلهم الى النشوة الروحية بالصياح والدموع ومن ثم يبدأ بالغناء، فجواب ذلك يكون بالشكل التالي:
إنّ ما أستشهدت به وقلته هو من باب القياس مع الفارق وذلك لإن السيد قد قال بخصوص هذا الموضوع :
( فأنا أعتبر نفسي أباً أو اخاً كبيراً أثيب وأعاقب، أفرح وأحزن, أسعد وأغضب، وهم يقدّرون ذلك مشكورين، ولم ولن أغضب عليهم استنقاصاً منهم بل حباً بهم ).
ويمكن أن نبين المطلب بشكل أكثر تفصيلاً للفائدة والإطلاع :
أولاً :
إنّ قيادة السيد مقتدى الصدر لجماهيره ومحبيه هي قيادة تصب في المنحى التربوي المركز، ويسعى من خلاله الى إيجاد جيل يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه والتي فرضها عليه الإسلام بشكل عام، ولذلك على الفرد أن يعمل على تخلية نفسه من الرذائل والإلتزام بالشرع الأصيل، ومن ثم معرفة الفرد أين مكانه في هذا الوجود وفي أيّة نقطة منه لكي يعمل من خلالها العمل المنتج والصحيح .
ولذلك ستكون كل خطواته مرتبطة بهذا الأمـر، فهو يسـعى الى إيجـاد الطـرق الكفيـلة لإنـجاح
هذا النوع من التربية، حتى ولو كانت شديدة الوقع، وحادّة التصرف. وما ذلك إلّا لأن البعد التربوي المقصود إيجاده ، لا يتحقق إلّا بهكذا فعل.
أمأ بالنسبة لما ذكرته كمثال، فإن ( مايكل جاكسن ) فهو ليس في مقام المربي ولا صاحب مشروع عقائدي أو أخلاقي أو إنساني. وحينئذ لم ولن يهمه من أمر الجمهور شيء، سوى أمراً واحداً لا غير, وهو أنّ يكثر المتابعون له، وزيادة عدد حضورهم في حفلاته وموبقاته.
ثانياً :
أنّ السيد مقتدى الصدر لا يهمه من أتباعه ومواليه الكثرة أو القلّة، وذلك لأن الأمر المهم عنده والذي يتحرك من خلاله، هو أن يلقي ما في ذمته من تكليف يحقق فيه رضا الله سواء كان قاسياً، بل شديد القسوة، أو هيّناً ليّناً، لأن الأمر يتعلق أولاً وآخراً بالرضا والقبول الإلهي، لا بالرضا والقبول الجماهيري.
أمّا بالنسبة لـ( مايكل جاكسن ) فهو لا يمكن أن يكون له إسم وشهرة إلّا بوجود الأعداد الكثيرة من الجمهور ليصعد نجمه بها، فتكون الجماهيرله كجناحي الطائر يحلقان به في جوّ السماء.
ولا يمكن له أن ينجح إلّا بوجود هكذا أعداد من الجماهير، ولذلك فإنّه سوف يحرص كل الحرص على عدم إزعاجهم ، وتعكير صفو مزاجهم، بل يعمل ما بوسعه، وبأيّة طريقة لإرضائهم، ومن أهم هذه الطرق هي إعطاؤهم الفرصة لعمل وإظهار ما يحبون أن يظهروه له من حب.
ثالثاً :
أنّ الأمـر الذي يريـد السيد مقتدى الصـدر أن يلقيه على مسـامع أتبـاعه ومواليه ويشـد أذهانهم
وإنتباههم إليه، كان أمراً هامّاً ومصيرياً، ينهض من خلاله الشعب، أو يبقى في مستنقع الفساد، فأحتاج الى مزيد من ذلك الشد الذهني والإلتفات العقلي المركز وخلاف ذلك يبطل المطلب. وعندما رأى من البعض عدم الإلتفات الى ذلك، وبقي يعيش حالة الإنفعال الوجداني غضب وحاول النزول من منبر الجمعة.
أمّا الأمر الذي يعيشه جمهور المطربين، فهو أصلاً يحتاج الى الفوضى والضوضاء، وإبعاد المواضيع الجادّة عن الذهن، فالغناء أمر يخرج الفرد من واقعه ومشاكله، وبدل من أن يجد له حلولاً، يجعله مهزوماً سارحاً في أوهام وأقوال كلّها كذب في كذب، فتكون النتيجة بمعنى من المعاني هي الضحك على ذقون هؤلاء المساكين، ومن وراء ذلك شركات عالمية كبرى تتبنى هذا الدعم المالي والإعلامي، وأعتقد أنّ الأستاذالعقابي يفهم ذلك جيداً أكثر من غيره.
وأمّا ما وصفته من مسألة تفريغ العواطف والتقليل من الشحنات النفسية من خلال الإنتعاش الروحي، فهذا بعيد كلّ البعد عمّا نحن فيه، فهو مصادرة عن المطلوب، ورؤية الأمور بالمقلوب، فالتيار الصدري بجمهوره الكبير لا يعيش مرحلة الإنتعاش الروحي الفارغ الذي وصفته، بل لا زال يجاهد ويكافح ويعيش البلاءات تلو البلاءات من أجل أن يصل الى الرضا الإلهي، وليس الإنتعاش الروحي، فتجد المخلصين منه تارة في مواجهة الإحتلال الإمريكي، وتارة في مواجهة الدواعش وتارة في ميادين الإصلاح النفسي والغيري، وتارة يشعرون بالآلام والحسرات التي في قلب قائدهم، فينعصرون لها عصراً، الى غيرها الكثير الكثير، فأيّ إنتعاش هذا بحيث يتساوى بالمشروبات الروحية والغناء الفاجر وما شاكلها من الموبقات والمجون ؟!
فكيف نساوي أو نقارن ملامح العمل العقائدي وبين ملامح عمل وإرادة لا تصب إلّا لإرضاء النفس الشهوانية بتطبيق ما تريد فيأخذها حيث يريد هواها ومناها.
ولنبقى في نفس هذه المسألة، وبخصوص ما أستشهدت به في معرفة نفسية الجماهير وكيف التعامل معها بذكرك لكتاب ( سيكولوجيةالجماهير ) لـ( غوستاف لوبون )، فالحقيقة إنّ هذا الإستشهاد لا ينهض مع أتباع السيد مقتدى الصدر، وكيفية إنتمائهم اليه.
فـ( غوستاف لوبون ) يرى أنّ الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلّاً واحداً، من دون أن تتحمل مناقشتها، وما يقوله لها الزعماء يغزو عقولها سريعاً، فتتجه الى أن تحوله حركة وعملاً، وما يوحى به اليها تحاول أن تجعله مثالياً، ثم تتحرك من خلاله في طريق التضحية بالنفس. ويصبح شعورها لا يعرف غير العنف الحادّ، فتتحول عاطفتها الى عبادة. وقيل إنّ النازيّين قد أتخذوا هذا الكتاب منهجاً لهم في ترويض جماهيرهم.
ويرى ( لوبون ) ايضاً أنّ الجماهير تعيش حالة التنويم المغناطيسي، الذي يُسلّم فيه الفرد نفسه لمنومه، وبالتالي تتعطل عنده الإدراكات العقلية الواعية، ويستدعى محلّها العقل الجمعي اللاواعي، والذي تتجلى فيه الأخلاق النفسية للعرق أو الأمّة كما يسميها ( غوستاف لوبون ) في كتابه الأخر : ( السنن النفسية لتطور الأمم ).
أمّا بخصوص جماهير السيد مقتدى الصدر فهي جماهير واعيّة مدركة تعمل بالعقل الواعي الذي منحه الله تعالى لها، للتعامل مع المعطيات والوقائع الخارجية كما هي لا بالطريقة والخاصيّة التي تعرض بها الوقائع.
وهي أساساً تعمل بهذه المعطيات قبل ظهور السيد مقتدى الصدر، فهي تعيش مرحلة تواصل وترابط الأجيال جيلاً بعد جيل، للوصول الى يوم الظهور.
المبارك للإمام المهدي عليه السلام، فهي عندما ترى شخصاً يحمل صفات تؤهله لقيادتها، والسير بها للتكامل المنشود، وغاياتها المطلوبة، إتبعته بإخلاص وأطاعته عن بصيرة ودراية، وحينئذ لا يمكن للقائد أن يسير بهم خلاف الطريق الذي أرادوا من خلاله الوصول الى مرضاة الله، ولذلك سيكون عمل القائد هو معرفة مواطن المسير التكاملي من عدمها، وعلى هذا الأساس الواعي يتم الإتباع، لا عن ذلك الشعور الجمعي اللاواعي، الذي يحيط بالكثرة ومن ثم السير وراء زعيم كالمُنَوّم مغناطيسياً.
وبتعبير آخر إنّ الله عزّ وجلّ وضع شروطاً بالمُتَّبَع، وبيّنها الرسول والائمة عليهم السلام فعرفها الأتْباع، فأخذوا يوالون ويتبعون كلّ من حملها فقط، أمّا الفاقد لأحد الشروط فلن يُتَّبَع مهما فعل، وحينئذ سيذهب ما عرضه ( لوبون ) في كتابه إذا ما طبق على هذا القائد وجماهيره الحافّة به ادراج الرياح.
وأمّا البسطاء من التيار فهم وإن كانوا كثيرين فهم اتّبعوا السيد مقتدى الصدر بالفطرة ورأوا فيه إمتداداً ورشحة من رشحات المعصوم، ورأوا فيه الصدق والغيرة والشجاعة والإخلاص، فأحبّوه، لأنّه كان قريباً منهم، يحس بآلامهم ويشاركهم احزانهم فتعلّقوا به على اساس انّه منقذهم من ظلم الظالمين وفساد المفسدين.
والآن لنأتي ونناقش المسألة الثانية وهي مسألة تأجيل المفاوضات مع التحالف الوطني:
ما دام التيار الصدري قد دخل العملية السياسية ولا زال هو ظاهراً فيها، فدخلوه العمل السياسي استوجب عليه عدّة أمور، تفرضها عليه تلك المشاركة، كونه جزءاً من تلك العملية، وفي هذه الحالة عليه القيام بأحد الأمرين التاليين:
أمّا أن ينسحب من العملية السياسية بشكل جذري، وعندها سيترك فراغ وعدّة متعلقات، يمكن أن تُستغل من قبل المفسدين أنفسهم، لتكون لهم مساحة أوسع من الفساد، وبالتالي ستزداد الهوّة وتتسع.
وأمّا أن يبقى داخل التحالف ليبدأ بخطوات إصلاحية شيئاً فشيئاً، بحسب ما تفرضه الظروف الضاغطة في الساحة العراقية، وخصوصاً أنّ التحالف الوطني هو جزء من كلّ مشمول بعملية الإصلاح التي ينادي بها السيد مقتدى الصدر، وعليه ستكون أقرب الخطوات التي يمكن أن يتعامل بها بهذا الشأن، هي تلك الخطوات التي تصدر من نفس كتلة الأحرار، وهي ضمن هذا التحالف لا خارجه.
ولعمري ما هذه المفاوضات إلّا من أجل هذا المبدأ، فمن خلالها قُدّمت عدّة تعديلات وطلبات، كلّها تصب في الإصلاح السياسي، وفي حال كونها لم تُفَعّل وتُقَر، سيكون للكتلة قولاً وإجراءً آخر.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن البعد الإنساني الذي يتعامل من خلاله السيد مقتدى الصدر لا يزال هو الماثل أمام عينيه، ولم يخطو بأيّة خطوة إلّا وهذا البعد ساري فيه، والحقيقة فأن أعضاء التحالف أو غيرهم هم إخواننا في الدين وإن لم يكن في الدين فبالوطنية والإنسانية العامة، فهدايتهم ونصحهم شيء ضروري جداً، وتصبير النفس من أجل إعطائهم فرص العودة والإنابة تكون ألطف وأكمل.
وهو جزء مهم أيضاً في إتمام الحجة عليهم فيما لو بقوا على فسادهم، ومن ثم إستخدام طرق اخرى تُعلن في حينها، وقد تكون ذات مؤثر أثقل وأشد في هذا الإتجاه.
ثم أمر آخر، أنت قد تعرضت له وقلت بأن على التيار الصدري أن يغيّر من الصورة السلبية التي حكم بها بعض الناس عليهم نتيجة بعض التصرفات غير المسؤولة من قبل بعض المحسوبين عليه.
وهذا التصرف الذي قام به السـيد مقتدى الصدر وتياره هو خير شاهـد على إحـترامه للعمـلـية
السياسية، وعدم التحرك بأيّ عنوان للعنف والقوّة أو الإضرار بأيّ مَعْلَم من معالم الدولة، مما يجعل الآخرين المنصفين على قناعة بأن هذا التيار منضبط ومحب للخير والسلام، ولا يتحرك إلّا بما يلائم التوجهات الديمقراطية للبلد والتي كفلها وأقَرّها الدستور.
أما ما يخص المسألة الثالثة، بقوله : ( ما المقصود من كلمة (( بلا وعود )) في قول السيد مقتدى الصدر : ( نقوم بإعتصام مفتوح ولكن بلا وعود ). فيمكن الإجابة عنها بما يلي:
شكّل الإعتصام الأول، الذي كان أمام المنطقة الخضراء ضغطاً هائلاً على الحكومة، فتحركت عدّة جهات، من الداخل والخارج لإنهاء هذا الإعتصام، وذلك بإعطاء الوعود من قبل الحكومة في السعي الحثيث لإحداث التغيير في الكابينة الوزارية والمفاصل الأخرى. وفي الجانب الآخر أعطى السيد مقتدى الصدر أيضاً وعوداً إذا نفذوا ما يريد من النهج الإصلاحي، فإنّه سينسحب وينهي الإعتصام، وخصوصاً بعد أن إعتصم هو بنفسه داخل المنطقة الخضراء.
فيكون المعنى ( نقوم بإعتصام مفتوح ولكن بلا وعود من قبل الطرفين، طرف المعتصمين وطرف الحكومة )، أي لن نقوم نحن بإعطائكم وعوداً بإنهاء الإعتصام، ولا نقبل منكم مجرد الوعود للتغيير، وإنما نريد تغيير فعلي وفوري.
وعلى هذا الأساس فالأمر واضح ولا يحتاج الى الحيرة أو كونه من ( الحسجة ).
بقيت المسألة الرابعة والتي هي : المفروض من السيد مقتدى الصدر توجيه اللوم وطلبات الإصلاح الى رئيس البرلمان لا الى رئيس الوزراء، كونه ضعيفاً لا يقدر على فعل شيء. وجواب هذه المسألة يكون بالشكل التالي: ضمن أبجديات السياسة، وبغض النظر عن هذا ضعيف وذاك قوي، المسألة إذا تعلقت بتغيير وزراي ما، فأن أول من يطلب منه أو يطّلع عليه هو رئيس الوزراء، وهو الذي يتحرك بهذا الإتجاه، ويطلب من البرلمان إجراء التعديلات الوزارية بعد التصويت على الأشخاص البدلاء.
فحينئذ لا يمكن للسيد مقتدى الصدر أن يأتي بالمباشر ويطلب من البرلمان القيام بذلك دون الطلب من رئاسة الوزراء.
علماً علينا الإلتفات بأن رئيس الوزراء لم يتخلَ علناً عن مسؤوليته وإلتزامه بتغيير الكابينة الوزارية والى هذه اللحظة ، يقول بأنّه يحتاج الى بعض الوقت، ويتمم إكمال عملية التغيير الوزاري.
فمن الحكمة مجاراته فيما يقول الى بعض الوقت، مع الضغط عليه في التغيير، وعندها من غير المعقول أن يستمر الحال بهذه الصورة الى وقت غير معلوم أو قل وقت مفتوح. فبالتأكيد هناك سقف زمني يدور في خلد راعي الإصلاح، إن تعداه ولم يتحقق شيء سيكون عندها الكلام مختلفاً والتصرف مختلف بكل تأكيد.
هذا مضافاً إن السيد مقتدى الصدر يريد أن يعطي صورة واضحة بالتعامل الحضاري والمدني للمنطقة والى جميع العالم وإفهامهم بأننا نتبع في خطواتنا الإصلاحية الطرق التي كفلها الدستور العراقي في تحرك الشعب وإختيار ما يريد.
هذا ما أحببت أن أبيّنه وأزيح الغبار عنه خدمة للحقيقة لا غير.
الأستاذ علي الزيدي
14 تشرين الاول 2016
نسخة المقال للطباعة والنشر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق