خطبة الامام السجاد(عليه السلام) في مجلس يزيد(لعنه الله)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم.
كتب العلاّمة المجلسي نقلاً عن صاحب المناقب ومقتل الخوارزمي غيره:بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم.
روي انّ يزيد دعا الخاطب وأمره أن يصعد المنبر ويذم الحسين وأباه (عليهما السَّلام) ، فصعد وبالغ في سبّ أمير المؤمنين والحسين عليهما السَّلام والمدح لمعاوية ويزيد فصاح به الإمام السجاد(عليه السَّلام) :
«ويلك أيها الخاطب، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار». ثمّ قال:
«أتأذن لي يا يزيد أن أصعد المنبر فأتكلم بكلمات فيهن للّه رضا ولهؤلاء الجلساء أجر» فأبى يزيد، فقال الناس، يا أمير المؤمنين إئذن فليصعد فلعلنا نسمع منه شيئاً، فقال: إنّه إن صعد لم ينزل إلاّ بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان.
فقيل له: وما قد يحسن هذا؟ فقال: إنّه من أهل بيت زقّوا العلم زقّاً، فلم يزالوا به حتى اذن له، فصعد المنبر، وقال(عليه السلام):
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: الحمد لله الذي لا بداية له ، الدائم الذي لا نفاد له ، الأول الذي لا أول لأوليّة ، والآخر الذي لا آخر لآخريّتة له ، الباقي بعد فناء الخلق ، قدّر الليالي والأيّام ، وقسّم فيما بينهم الأقسام ، فتبارك الله الملك العلاّم ،
أيّها الناس أحذّركم من الدنيا وما فيها ، فإنّها دار زوال وانتقال تنتقل بأهلها من حال إلى حال ، قد أفنت القرون الخالية والأمم الماضية ، الذين كانوا أطول منكم وأكثر منك آثاراً ، أفنتهم أيدي الزمان ، وأحتوت عليهم الأفاعي والديان ، أفنتهم الدنيا فكأنّهم لا كانوا لها أهلاً ولا سكّاناً ، وقد أكل التراب لحومهم وغير شمائلهم وبدّد أوصالهم وشمائلهم، وغير ألونهم وطحنتهم أيدي الزمان ، أفتطمعون بعدهم البقاء ؟
هيهات هيهات لابد لكم من اللحوق بهم ، فتداركوا ما بقي من اعماركم بصالح الاعمال ، وكأني بكم وقد نقلتم من قصوركم الى قبوركم فرقين غير مسرورين ، فكم والله من قريح قد استكملت عليه الحسرات حيث لا يقال نادم ، ولا يغاث ظالم ، وقد وجدوا ما أسلفوا ، واحضروا ما تزوّدوا ولا يظلم ربّك أحداً ، فهم في منازل البلوى همود ، وفي عساكر الموتى خمود ، ينتظرون صيحة القيامة ، وحلول يوم الطامّة ، ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أساءوا بما عملوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) .
« أيّها الناس ، اُعطينا ستّا ، وفضّلنا بسبع :
اُعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبة في قلوب المؤمنين.
وفضّلنا بأنّ منّا النبي المختار محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنّا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الاُمّة ، وسيّدا شباب أهل الجنّة.
فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي :
أنا ابن مكّة ومنى.
أنا ابي زمزم والصفا.
أنا ابن من حمل الزكاة (في نقل كامل البهائي: « من حمل الركن » وفسّر بالحجر الأسود الذي محلّه الركن) بأطراف الردآ
أنا ابن خير من ائتزر وارتدى.
أنا ابن خير من انتعل واحتفى.
أنا ابن خير من طاف وسعى.
أنا ابن خير من حجّ ولبّى.
أنا ابن من حُمل على البُراق في الهوا.
أنا ابن من اُسري به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى.
أنا ابن من بلغ به جبرائيل الى سدرة المنتهى.
أنا ابن من دنى فتدلّى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.
أنا ابن من صلّى بملائكة السما.
أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى.
أنا ابن محمد المصطفى.
أنا ابن عليّ المرتضى.
أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا آله إلاّ الله.
أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين.
أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيّين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكّائين ، واصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ، ورسول ربّ العالمين.
أنا ابن المؤيّد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل.
أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأوّل من أجاب واستجاب لله ، من المؤمنين ، وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبير المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، ناصر دين الله ، ووليّ أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علم الله ، سمح سخي ، بهلول زكيّ أبطحي رضي مرضي ، مقدام همام ، صابر صوّام ، مهذّب قوّام شجاع قمقام ، قاطع الأصلاب ، ومفرّق الأحزاب ، أربطهم جنانا ، وأطلقهم عنانا ، وأجرأهم لسانا ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدّهم شكيمة ، أسد باسل ، وغيث هاطل ، يطحنهم في الحروب ـ إذا أزدلفت الأسنة ، وقربت الأعنّة ـ طحن الرحى ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز ، صاحب الإعجاز ، وكبش العراق ، الإمام بالنصّ والاستحقاق مكّيّ مدنيّ ، أبطحي تهاميّ ، خيفي عقبيّ ، بدريّ أحديّ ، شجريّ مهاجريّ ، من العرب سيدها ، ومن الوغى ليثها ، وأرث المشعرين ، وأبو السبطين ، الحسن والحسين ، مظهر العجائب ، ومفرّق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسد الله الغالب ، مطلوب كلّ طالب غالب كلّ غالب ، ذاك جدّي علي بن أبي طالب.
أنا ابن فاطمة الزهرا.
أنا ابن سيّدة النسا.
أنا ابن الطهر البتول.
أنا ابن بضعة الرسول.
( أنا ابن الحسين القتيل بكربلا.
أنا ابن المرمّل بالدما.
أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلما.
أنا ابن من ناحت عليه الطيور في الهوا. ) (الكامل للبهائي)
قال : ولم يزل يقول : « أنا أنا » حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذّن أن يؤذّن ، فقطع عليه الكلام وسكت.
فلمّا قال المؤذّن «الله أكبر! » قال علي بن الحسين : كبّرت كبيرا لا يقاس ، ولا يدرك بالحواسّ ، لا شيء أكبر من الله.
فلمّا قال : « أشهد أن لا إله إلاّ الله! » قال علي : شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخّي وعظمي.
فلمّا قال : « أشهد أن محمدا رسول الله! » التفت علي من أعلى المنبر الى يزيد وقال : يا يزيد ، محمد هذا جدّي ام جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت. وإن قلت إنّه جدي ، فلم قتلت عترته؟
(البحار/ للمجلسي/ ج45، ص 137 ، مقتل الحسين/ للخوارزمي ٢ / ٦٩ ـ ٧١ نقلا عن كتاب كامل البهائيّ، بنص متقارب نقله الحائري في بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ( ص ١٠٦ ـ ١٠٩ ) ونقل بعده نصّا آخر للخطبة عن أبي مخنف فليلاحظ).
وكتب عماد الدين الطبري من علماء القرن السابع الهجري في كتاب كامل بهائي عند نهاية خطبة السجاد: ...قال الإمام السجاد: «يا يزيد هذا الرسول العزيز الكريم جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت انّه جدّك فقد كذبت ويعلم الناس ذلك، وإن زعمت انّه جدّي فلم قتلت أبي بلا ذنب ونهبت ماله وأسرت نساءه» .
قال الإمام ذلك وضرب بيده وشق ثيابه وراح يبكي وقال: «واللّه لو كان على
الأرض أحد جدّه رسول اللّه غيري فلم قتل هذا الرجل أبي ظلماً وأسرونا كما يأسر أهل الروم؟».
فقال ـ عليه السَّلام ـ : «فعلت فعلتك هذه يا يزيد وتقول محمّد رسول اللّه وتستقبل القبلة؟! ويلك خصمك جدّي وأبي يوم القيامة».
وفي هذه الأثناء أمر يزيد اللعين المؤذن أن أذن، فسمعت ضجة وصخب عظيم بين الناس وتفرقوا، منهم من صلّى ومنهم من لم يصلّ.
( تذكرة الخواص، سبط بن الجوزي، ص 262، مقتل الحسين عليه السلام ، للخوارزمي/٢ / ٧١ ، جهاد الامام السجّاد/سيد محمد رضا الحسيني الجلالي/ ص50)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق